وضع داكن
18-04-2024
Logo
الخطبة : 0808 - سبع نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده و رسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

كلمات الله ثابتة ووعده قطعي وسننه خالدة :

 أيها الأخوة الكرام، لا بد أن نقف على بعض الحقائق المتعلقة بالخطبة السابقة، فأخ كريم أحبُّه وأجِلُّه لَفَتَ نظري وها أنا أستجيب لهذه الملاحظة.
 فحينما قال الله عز وجل:

﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة آل عمران: 173-174 ]

 ثم يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 175 ]

 هذا وعد من وعود الله للمؤمنين، فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء، وعد آخر:

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾

[ سورة النساء: 141 ]

 وعد ثالث:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾

[ سورة النور: 55]

 وعد آخر:

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[ سورة الصافات: 173]

 وعد آخر:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: 47 ]

 وعد آخر:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة الحج: 38 ]

 هذه آيات كريمة بين أيدينا، واضحة وضوح الشمس، بل هي قطعية الدلالة، وحينما قال الله عز وجل:

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾

[ سورة النساء: 141 ]

 فإذا كان لهم علينا ألف سبيل وسبيل فماذا نفعل بهذه الآية؟ وحينما قال الله عز وجل:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإن لم يكن هناك استخلاف، فماذا نفعل بالآية التي سبقتْ؟ وحينما قال الله عز وجل:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإن لم يكن هناك تمكين، فماذا نفعل بهذه الآية؟ وحينما قال الله عز وجل:

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإن لم يكن أمنٌ بل خوف وهلع لا يتصوران، فماذا نفعل بهذه الآية؟ ماذا نفعل إجمالاً بالآيات الكثيرة التي تَعِدُ المؤمنين بالنصر والتأييد والتوفيق والحماية ورفع الشأن؟ ماذا نفعل؟
 أقول لكم، أيها الأخوة، إن زوال الكون أهون على الله مِن ألاّ يحقِّق اللهُ وعوده للمؤمنين، كلمات الله ثابتة، ووعده قطعي، وسننه خالدة:

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾

[ سورة النساء: 87]

﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾

[ سورة التوبة: 111]

الله تعالى مع المؤمنين الملتزمين الوقافين عند كتابه :

 في مثل هذه الحالات يجب يقيناً أن نتهم إيماننا، أن نتهم جنديتنا لله عز وجل، أن نتهم تقصيرنا، المسلمون، وفيهم رسول الله، وفيهم صحابته الكرام، وهم قمم المجتمع الإسلامي في حنين ماذا جرى لهم؟ قال تعالى:

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 25]

 في حنين وقع خطأ في التوحيد، لقد اعتمدوا على كثرتهم، وتوهّموا أن كثرتهم كافية للنصر، وفي أُحُد وقع خطأ في التكتيك، خطأ في طاعة رسول الله، فهُزِم المسلمون مرتين؛ مرةً لشرك خفي، ومرةً لمعصية لرسول الله، ولو أنهم انتصروا مع شركهم أو مع معصيتهم لسقط التوحيد والطاعة، فمَن نحن إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق وأصحابه معه الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله لم ينتصروا؟ فهل نحن نتوقع أن تُحَقَّقَ لنا هذه الوعود ونحن على ما نحن عليه من ضعفٍ في الإيمان؟ ومن شركٍ خفي؟ ومِن تفلت من منهج الله؟ ومن علاقات مادية لا ترضي الله البتّة؟ ومن علاقات اجتماعية لا ترضي الله لا مِن قريب ولا من بعيد؟
 لذلك أيها الأخوة لمجرد أن ترى أن وعد الله لم يتحقق، فإياك ثم إياك ثم إياك أن تسيء الظن بالله عز وجل، فإنّ الله عز وجل مع المؤمنين، مع المؤمنين الصادقين، مع المؤمنين الملتزمين، مع المؤمنين الوقافين عند كتاب الله، وسنة رسوله، مع الذين أخلصوا له، مع الذين وحدوه، مع الذين باعوا أنفسهم ابتغاء مرضاته، هؤلاء هم المنصورون، قال تعالى:

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾

[ سورة الصافات: 173]

 ويكفي أن الله جل جلاله يقول:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

[ سورة مريم: 59]

 وقد أجمع علماء التفسير على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها، لكن إضاعة الصلاة تفريغها من مضمونها، فإنْ كانت بلا مضمون فلن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، ولن تنهاه صلاته عن غش المسلمين، ولن تنهاه صلاته عن أن يأخذ ما له، ويدع ما ليس له، يريد أن يأخذ ما له، وما ليس له، فمثل هذه العبادات الجوفاء التي لا تدعمها استقامة، ولا التزام، ولا وقوف عند كتاب الله لا تسمى عند الله صلاةً، ولا يسمى هذا الصيام صياماً، ولا يسمى هذا الحج حجاً.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

((من حج بمال حرام وقال: لبيك اللهم لبيك يناديه منادٍ ألّا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))

[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]

حسن الظن بالله ثمن الجنة :

 أيها الأخوة الكرام، إن حسن الظن بالله ثمن الجنة، لكن ضعاف الإيمان وصفهم الله عز وجل:

﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[ سورة آل عمران: 154]

 أقول لكم مرة ثانية: لزوال الكون أهونُ على الله مِن ألاّ يحقِّق وعوده للمؤمنين.
 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ))

[ الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ]

 فالمسلمون اليوم مليارٌ ومئتا مليون، وليس أمرهم بيدهم، وليست كلمتهم هي العليا، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل.

 

عدم تطبيق الإسلام في حياتنا جعلنا بعيدين عن نصر الله :

 يا أيها الأخوة الكرام: هذا الذي حدث تغطيه الآية الكريمة:

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[ سورة آل عمران: الآية 179]

 نحن محسوبون على الله، محسوبون على دين الإسلام، محسوبون أننا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، سيد الأنام، لكنك إذا دققت في حياتنا، وفي علاقاتنا، وفي كسبنا لأموالنا، وفي إنفاق أموالنا، وفي علاقاتنا بزوجاتنا، وبناتنا، وأولادنا، وفي حلنا، وترحالنا، وفي سلمنا وحربنا، لا تجد الإسلام مطبقاً في حياتنا، فلذلك كأن هذا الذي حدث وضع المسلمين في شتى بقاع العالم، في شتى قارات الأرض أمام موقف صعب؛ إمّا أن تكون ملتزماً، وإما أن تضع حظوظك ومصالحك التي تأتيك من معصية الله تحت قدمك، حتى تستحق نصر الله عز وجل، وإمّا تنطبق علينا الآية الكريمة:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

[ سورة المائدة: 18]

 وليس لكم أية ميزة إطلاقاً، فأنتم بشر ممّن خلق، مِن هؤلاء الشعوب الشاردة، من هؤلاء الشعوب الضائعة، من هؤلاء الشعوب الساقطة من عين الله، من هؤلاء الشعوب المادية، التي جعلت همها طعامها، وشرابها، وشهوتها.
 أيها الأخوة الكرام، الأمر لا يحتمل مجاملةً، ولا يحتمل مداهنةً، ولا يحتمل أن نثني بعضنا على بعضٍ، ونحن بعيدون عن نصر الله عز وجل، هذه الفقرة من الخطبة تابعة للخطبة السابقة.

 

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

 أيها الأخوة الكرام، ماذا علينا أن نفعل الآن؟ ما الذي يمليه علينا شرعنا العظيم؟ ما الذي يمليه عليه قرآننا الكريم؟ أول شيء: يجب أن نوحد، التوحيد كلمة يقولها أي إنسان، لك أن تقول: ألف مليون دولار، فرق كبير بين أن تلفظها، وليس في جيبك ليرة واحدة، وبين أن تملكها، وفرق كبير أيضاً بين أن تقول: لا إله إلا الله، وبين أن تكون موحِّداً حقيقةً، فإن كنت موحداً حقيقةً فلا تخشى إلا الله، فإذا قرأت قوله تعالى:

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾

[ سورة آل عمران : 173-175]

 التوْحيدَ التوحيدَ، ألاّ ترى مع الله أحداً، أن ترى أن يد الله فوق أيديهم، أن ترى أن يد الله تعمل بالخفاء، أن ترى قوله تعالى:

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾

[ سورة الأنفال: 17]

 أن تعتقد أن كل شيء وقع أراده الله، وأن كل شيء أراده الله وقع، وأن إرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، أن ترى قوله تعالى:

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[ سورة آل عمران: 179]

 ما هذا التداخل؟ ما هذه الضبابية؟ ما هذا التقييم المائع؟ فكل من دخل المسجد عَدَّ نفسه مسلماً؟ لكن دقِّق في حياته اليومية، ألم أقل لكم من قبل: لو دققت في حياة المسلمين لوجدتَهم عملياً لا يؤمنون بالآخرة، يعملون عملاً لا ينبئ أنهم يخافون الآخرة، يأكلون أموال بعضهم بعضاً، يعتدون على أعراض بعضهم بعضاً، يأخذون ما ليس لهم، يتجاوزون حدودهم.

 

نصائح تحفظ المؤمنين في الزمن الصعب :

1 ـ التوحيد :

 أيها الأخوة الكرام، لعلي في هذه الخطبة أتعاون وإياكم على وضع اللمسات التي نحن في أمس الحاجة إليها، جدِّدْ إيمانك بالله، إياك أن ترى أن مع الله أحداً، قال تعالى:

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾

[ سورة يونس: 24]

 فليس مع الله قويٌّ، القوي هو الله، ليس مع الله ذكي، وقد قال الله عز وجل:

﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾

[ سورة الرعد: 11]

 على ما عندهم من حرص ومن احتياطات تفوق حدّ الخيال، يؤتى الحَذِرُ من مأمنه، فلا ينفع حَذَرٌ من قَدَرٍ، قال تعالى:

﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾

[ سورة الحشر: 2]

 كأن هذه الآية تغطي كل ما حدث في هذه الأيام العشرة.
 أيها الأخوة الكرام، يجب أن نوَحِّد، يجب أن نعقل آيات التوحيد، يجب ألاّ نرى مع الله أحداً، يجب أن نرى أن يد الله فوق أيديهم، لأن هذا الإله العظيم لا يعقل أن يقول لك: اعبدني، وأمرُك بيد غيري، لا يُعقَل أنْ يدعوك لعبادته وأمرك بيد قوي لا يرحمك، وأمرك بيد حاقد لا يحبك، أمرك بيد جهة تحب أن تسحقك، قال تعالى:

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[ سورة هود: 123]

 ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله لله، بيده مقاليد السموات والأرض، إياك أن تنساق مع الإعلام الغربي، إياك أن تخاف مما سوى الله، إياك أن تعتقد أن الله خلق الخلق وترك ضعيفهم لقويهم، وفقيرهم لغنيهم، إياك أن ترى أن الله خلاقاً وليس فعالاً، ينبغي أن تعلم أن الله في السماء إله، وفي الأرض إله، إليه يرجع الأمر كله، لو أن ورقة سقطت لعَلِمها، قال تعالى:

﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾

[ سورة الأنعام: 59]

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة يوسف: 21]

 نحن الآن في أمسِّ الحاجة إلى التوحيد، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك، هكذا قال عليه الصلاة والسلام:" أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً" هذا النوع من الشرك ولَّى إلى غير رجعة، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهْوَةً خَفِيَّةً ))

[ ابن ماجه عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ]

 الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، أن تحب جائراً، أن تحب عدواً، أن تعظم كافراً:

((مَنْ هَوِيَ الكفرة حُشِرَ معهم، ولا ينفعه عمله شيئاً))

[الطبراني عن جابر بن عبد الله ]

 وإيّاك أن تغضب على عدل، إذا انحرف سلوكك، وجاء من ينصحك على انفراد، وقال لك: اتقِ الله يا رجل، إذا أخذتك العزة بالإثم فهذا نوع من الشرك، نحن في أمسِّ الحاجة إلى التوحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد قمة العلم، قال تعالى:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 14]

 لا تأخذ بوسائل الإعلام، لا تأخذ بالتهويل، لا تأخذ بالتخويف، لا تأخذ بالقوة التي لا تقهر، صنعت باخرة في مطلع القرن العشرين، وكتب في نشرتها: إن القَدَر لا يستطيع أن يغرقها، فغرقت في أول رحلة لها، صنعت مركبة، وسميت المتحدي، بعد سبعين ثانية من إطلاقها أصبحت كتلة من اللهب، لا يمكن أن يدع الله متألهاً إلا قصمه.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

((الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

 أول حل ؛ أن نعمق التوحيد، لا تلقِ بالاً لا إلى خبر، ولا إلى تصريح، ولا إلى تهديد، إلا أن تكون موحِّداً لله، فالذي خلقك منع أحداً أن ينهي حياتك، ومنع أحداً أن يأخذ رزقك، فكلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرِّب أجلاً.

 

2 ـ التوبة والاستغفار والتسبيح :

 أيها الأخوة الكرام، ثانياً ؛ لا بد من التوبة، التوبة والاستغفار والتسبيح، سيدنا علي وابن عباس رضي الله عنهما لهما قالا: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة"، إذا عددت هذا الذي حصل بلاءً للمسلمين فما نزل إلا بذنب، ولن يُرفَع إلا بالتوبة.
 أول شيء وَحِّدْ، وثاني شيء تُبْ مِن كل ذنب، واستغفر، راجع حساباتك، اعمل جرداً لما أنت عليه، لبيتك، لخروج زوجتك، لخروج بناتك، لكسب مالك، لإنفاق مالك، ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِعَ إلا بتوبة.

3 ـ العبادة و العمل الصالح :

 أيها الأخوة الكرام، الشيء الثالث العبادة، والعمل الصالح: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))

[ مسلم عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ]

 في زمن الفتن، في زمن المال الحرام، في زمن النساء الكاسيات العاريات، في زمن الكذب، في زمن يُؤَمَّن الخائن ويُخَوَّن الأمين، في زمن يُصدَّق الكاذب ويُكذَّب الصادق، في زمن يُوَسَّد الأمر إلى غير أهله، في زمن ترى المطر قيظاً، والولد غيظاً، ويفيض اللئام فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً، في زمن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ))

[ مسلم عَنْ أبي هريرة ]

 في زمن الفتن، عبادة في الهرج كهجرة إلي، فأووا إلى الكهف، أين الكهف اليوم؟ مسجدك هو كهفك، بيتك كهفك، اعبد الله في بيتك، واعبد الله في مسجدك، ودع الفتن ما ظهر منها، وما بطن.
 أيها الأخوة الكرام: عبادة متقنة، صلاة متقنة فيها إقبال على الله، صيام متقن، غضُّ بصر، ضبطُ لسان، تركُ الملهيات، تركُ هذه المسلسلات، تركُ هذه الشناعات التي لا ترضي الله عز وجل، كن مع القرآن، كن من أهل القرآن، كن من أحباب النبي العدنان؛ املأ ساحة شعورك بمشاعر تأتيك من معرفة الله.

 

4 ـ الاشتغال بالشيء المثمر :

 أيها الأخوة الكرام، الشيء الرابع أن تشتغل بالشيء المثمر، فهل لك عمل صالح؟ هل تستهلك وقتك استهلاكاً أو تستثمره استثماراً ؟ قال تعالى:

﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر : 1-3]

 أربع منجيات؛ أن تؤمن، وأن تعمل صالحاً، وأن تدعو إلى الله، والدعوةُ إلى الله فرضُ عينٍ على كل مسلم، في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، هل نقلت هذا العلم إلى أخ لك؟ إلى صديق؟ إلى جار؟ إلى قريب؟ إلى ابن؟ إلى زوجة؟
 عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((ذُرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))

[ الترمذي عن معاذ بن جبل ]

 وفي حديث آخر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 وفي قمة أنواع الجهاد، قال تعالى:

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان: 52]

 هل وسعت دائرة المعرفة بين الناس؟ هل تنامت حلقات الحق حتى حاصرت حلقات الباطل؟ أليس لك لسان تنطق به؟ ألم يقل لك النبي:

((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ))

[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 أيها الأخوة الكرام، لا بد من انتفاضة بالمعنى الإسلامي، لا بد أن ننتفض من واقعنا، مِن تواكلنا، من إهمالنا، من تقصيرنا، من كلمة لا تدقق، من كلمة هذا حالنا لا يخفى عليك يا رب، لا تعاملنا بأعمالنا يا رب، قال تعالى:

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

[ سورة الحجر: 92]

 أعرابي لم يتعلم شيئاً قال للنبي الكريم:

((عظني ولا تطل؟ قال له النبي الكريم: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يَرَهُ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يَرَهُ، قال: كفيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل ))

[ ورد في الأثر ]

5 ـ ترك التنازع و الخلاف :

 أيها الأخوة الكرام، ترك التنازع والخلاف، التنازع والخلاف لصالح أعدائنا، بل نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، نغلب مصلحة المسلمين على مصالحنا، نغلب هموم المسلمين على همومنا، نتعاون.
 أيها الأخوة الكرام، يقول الله تعالى:

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾

[ سورة الأنفال: 46]

﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

[ سورة الأنفال: 46]

 وصف الأعداء قال تعالى:

﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾

[ سورة الحشر: 14]

 فما قولكم إذا كان المسلمون كذلك؟ في اللقاءات مديح ما بعده مديح، وثناء ما بعده ثناء، وابتسامة عريضة، ومصافحة حميمة، فإذا غاب عنك طعنت في علمه، طعنت في تقواه، طعنت في صدقه وإخلاصه، نحن مُفَتَّتُون، لذلك قال الله عز وجل:

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[ سورة المائدة: 14]

 وإليكم هذا القانون، العداوة والبغضاء لهما قانون، إذا نسي أحدُنا حظاً مما ذكر به وقع في عداوة مع أخيه، ما تحابَّ مؤمنان فَفُرِّق بينهما إلا بذنب أصابه أحدهما.

 

6 ـ التفاؤل :

 أيها الأخوة الكرام، عليك بالتفاؤل، لا تكن متشائماً.
 يا أيها الأخوة، سأذكر لكم من السيرة شيئاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام وهو في أيام الهجرة حينما كان دمه مهدوراً، وحينما وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة بن مالك من أجل مئة ناقة، قال له: يا سراقة كيف بك إذا لبست سِوَارَيْ كسرى؟ هذا تعلمونه جميعاً، لكن حَلِّلُوه، يقول النبي: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سِوَارَيْ كسرى؟ أي أنّ رسول الله سوف يصل إلى المدينة سالماً، هذه ثقته بالله، وسوف يُنْشِئُ دولةً في المدينة، وسوف يحارب أقوى دولة في العالم، وسوف ينتصر، وسوف تأتيه غنائم كسرى، وفيها سِوارَان يلبسهما سراقة، فيا سراقة كيف بك إذا لبست سِوَارَيْ كسرى؟.
أرأيت إلى ثقة النبي بالله عز وجل، قال تعالى:

﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

[ سورة الأحزاب : 10-11]

 وهذا نوع من الزلزال، زلزال نفسي، خوف وهلع، وفي كل يوم خبر فيه تهديد، رؤوس نووية، حاملات طائرات، كل يوم يُفاجئك خبر مفزِع، وتظنون بالله الظنون.
 لقد كانت معركة الخندق عمليةَ فَرْزٍ، قال تعالى:

﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾

[ سورة الأحزاب: 12]

 أَيَعِدُنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته؟ قال تعالى:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

[ سورة الأحزاب: 23]

 أنت مع الله في الرخاء، وفي الشدة، وفي التهديد، وفي التمكين، وفي الغنى والفقر، وقبل الزواج وبعد الزواج، وفي حِلِّكَ، وفي سفرك، أنت مع الله، وما بدلوا تبديلا.

 

7 ـ استشعار مبادئ الأخوة بين المؤمنين :

 أيها الأخوة الكرام: شيء آخر ؛ يجب أن تستشعر مبادئ الأخوة بين المؤمنين، إنما المؤمنون إخوة في شتى بقاع الأرض، يجب أن تستشعر أن المؤمنين إخوة فيما بينهم، لذلك ينتج عن هذا أن يكون ولاؤك للمؤمنين، فلا تُعِنْ كافراً عليهم، ولا تتملَّقْ كافراً، و لا تتَخَلَّ عن المؤمنين، هذا إذا كنت مؤمناً، فولاؤك لجميع المؤمنين، فإذا لم تجد في سلوكهم ما يؤكد كمال إيمانهم فاطلب من الله لهم نصراً تفضلياً، إن لم يستحق المؤمنون نصراً استحقاقياً فاطلب من الله لهم، وادعُ الله عز وجل أن ينصرهم نصراً تفضلياً، قال تعالى:

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾

[ سورة الروم : 2-5]

 يجب أن يكون قلبك معهم، مشاعرك معهم، دعاؤك لهم، لأنهم مؤمنون، لأن آلاف النقاط تجمعك معهم.
 أيها الأخوة الكرام، ويجب أن تسعى لنجدتهم، وتقديم العون لهم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حضَّ على ذلك، فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا))

[ متفق عليه عن زيد بن خالد ]

 يجب أن تتعاطف معهم، وأن تواليهم، وأن تتمنى لهم النصر، وأن تدعو لهم، ويجب أن تسعى لحل مشكلاتهم بما يتاح لك.
 أيها الأخوة الكرام، ينبغي ألاّ نقع في فخ ينصبه لنا أعداء المسلمين، فمصلحتهم في تفريقنا، ومصلحتهم في تأجيج الخلافات فيما بيننا، يجب أن ننسى كل خلاف لنكون صفاً واحداً:

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾

[ سورة الصف: 4]

 أيها الأخوة الكرام، سمعت كلمة آلمتني أشد الألم، قال الجبابرة في بلاد الغرب: هذا الذي حصل سنستفيد منه إلى أقصى درجة، ونحن إزاءَ خطط مبرمجة إلى عشرة أعوام قادمة، بدأت تنفذ الآن، لقد استفادوا من هذا الحدث، أيعقل أن يستفيد الشارد عن الله مِن حدث ونحن كمؤمنين لا ننتفع بهذا الحدث؟ إذا قالوا هناك: سوف نستفيد من هذا الحدث إلى أقصى درجة، فنحن أيضاً ينبغي أن نستفيد منه إلى أقصى درجة، أن نعود إلى الله، وأن نحكم اتصالنا بالله، وأن نتعاون، وألاّ نتنازع، كما أنهم بدؤوا ينفذون خططًا مرجأة إلى عشر سنوات قادمة، وقد وجدوا المبررات، ووجدوا الغطاء، ونحن كذلك ينبغي كمؤمنين أن نستفيد من هذا الحدث، وأن نتعاون، ينبغي أن نستفيد من هذا الحدث فنتوب إلى الله، ينبغي أن نستفيد من هذا الحدث فيحب بعضنا بعضاً، أن نضع الدنيا تحت أقدامنا، بما فيها مصالحنا الشخصية، قال تعالى:

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 139]

 يجب أن نوقن أن الله لن يتخلى عنا إطلاقاً.

 

حاجة المسلمين إلى مراجعة حساباتهم و إقامة الإسلام في دارهم :


 أيها الأخوة الكرام، هذه النصائح السبع أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون في قلوبنا، وفي عقولنا، وأن تترجم إلى سلوك نتعامل به.

 

إلى متى أنت في اللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبـه  هذا لعمري في المقال شنيـع
لو كان حبك صادقاً لأطعتــــــه  إن المحب لمن يحب مطيــع
***

 نحتاج إلى انتفاضة دينية، نحتاج إلى مراجعة للحسابات، نحتاج إلى إقامة الإسلام في بيوتنا جميعاً، أنت مسلم، وبيتك يجب أن يكون إسلامياً، يتلى فيه القرآن، لا نسهر حتى الساعة الخامسة أمام أقنية المجاري، كلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، جفاف ما بعده جفاف، الأنهار كلها جافة، قال تعالى:

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

[ سورة الجن : 16-17]

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾

[ سورة الأعراف: 96]

 قد يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية، رَخُصَ لحم النساء فارتفع سعر لحم الضأن، وقَلَّ ماءُ الحياء فَقَلَّ ماء السماء، اتسعت الصحون على السطوح فضاقت صحون المائدة.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 دققوا أيها الأخوة، العين تزني وزناها النظر، فهذا الذي يرى على الشاشة الصغيرة ما لا يرضي الله، كيف يُقبِل على الله؟ كيف يصلي قيام الليل؟ كيف يذكر الله صباحاً؟
 أقول لكم مرات عديدة: الحقيقة المُرَّة أفضل ألف مَرَّة من الوهم المريح.
 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عدم القلق على الدين الإسلامي لأنه دين الله :

 أيها الأخوة، حقيقتان أرددهما كثيراً، ونحن اليوم في أمسِّ الحاجة إليهما، أولاً: لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، ولكن اقلق أيسمح الله لك أن تنصره أم لا يسمح؟ اقلق على نفسك فقط، ولا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله، ولعلك ترى إن شاء الله من خلال هذه الأحداث الغريبة أنّ النتائج تعود أفضل مما كانت على هذا الدين، لأن الله عز وجل يقول:

﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾

[ سورة التوبة: 33]

 قبل خمسين عاماً لم يكن في الأرض كلها إنسان يحب أن يعرف عن الإسلام، أمّا الآن في القارات الخمس فهناك مَن يقول: ما هذا الدين؟ ما هذا الدين الذي وقف في وجه أعتى قوة في العالم؟ شيء لا يُصدَّق، رُبَّ ضارة نافعة، لكل واقع حكمة، قد نجد بعد حين أن هناك نتائج إيجابية لا يتصورها العقل، جاءت مما حدث، لأن الذي وقعَ وَقعَ بمشيئة الله، وبإذن الله، وبإرادة الله، واللهُ سبحانه وتعالى يريد الخير للبشر، قال تعالى:

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾

[ سورة آل عمران: 26]

 لم يقل بيدك الخير والشر، الشر المطلق ليس له وجود في الكون، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، هناك شر نسبي في منظور الناس، لكن الشر المطلق لا وجود له في الكون.

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

 أيها الأخوة الكرام الفكرة الثانية هي أنه ينبغي ألاّ ينفرد الباطل في الساحة، ينبغي ألاّ ينفرد بالساحة، ولو أنها بؤرة صغيرة، ولو أنها مساحة صغيرة، يتلى فيها الحق، لذلك كن داعية إلى الله، فالدعوة إلى الله فرضُ عين، وانقل الذي سمعته، أو خذ شريطًا وانقله، ووسِّعْ دائرة الإيمان، ودائرة المعرفة، بصِّر الناس بواقعهم، لذلك من الأدعية التي أدعو بها أحياناً: " اللهم إنا نعوذ بك من الجهل، والوهم، اللهم انقلنا من ظلام الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات."
 فيا أيها الأخ الكريم، راجع حساباتك، فهذا الذي حدث ينبغي أن نستفيد منه إلى أقصى درجة، لا أن نسمح للطرف الآخر أن يستفيد منه، نحن أَوْلَى أن نستفيد منه.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولنا فيمن توليت، و بارك لنا فيما أعطيت، و قنا و اصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق و لا يقضى عليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، و اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، و اجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، و بفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمِنّا مكرك، و لا تهتك عنا سترك، و لا تنسنا ذكرك، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، و من الخوف إلا منك، و من الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، و من شماتة الأعداء، و من السلب بعد العطاء، مولانا رب العالمين، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، الله صن وجوهنا باليسار، و لا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذمّ من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء.
 اللهم أصلح شؤون المسلمين في شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم احفظهم من أعدائهم، و انصرهم و عافهم و اعف عنهم يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة المسلمين في شتى بقاع الأرض لما تحب و ترضى، اجمعهم على الحق و الرضا يا رب العالمين.

تحميل النص

إخفاء الصور