- ٠5كتاب ومضات في الإسلام
- /
- ٠02الباب الأول - موضوعات معاصرة
2ـ النصر الواقعي:
النصر الواقعي هو الفوز المشهود الذي يحرزه المسلم في عالم الواقع، في مضمار إعلاء كلمة الله لتكون هي العليا، فيكون المسلم منتصراً حين يحقق في الواقع مكسباً سعى إليه في سبيل الله، أو ينال هدفاً جاهد من أجله، وفي هذه الحالة يحرز المسلم كلا الحسنيين، نصراً مبدئياً، ونصراً واقعياً.
إلا أن النصر الواقعي يتوقف على الإعداد المادي والإمداد الإلهي، إعداد العدّة وطلب النصر من الله تعالى، وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده مع الجاهلية الأُولى، وهذا ما يلزمنا في جهادنا مع الجاهلية المعاصرة.
والإعداد المادي يستلزم استنفار كل طاقات المسلمين، وتنسيق قواهم البشرية والمادية والروحية، حيث تمتلئ نفوسهم عزيمة وحيوية وإيماناً وثباتاً، وتنطلق جوارحهم بذلاً وعطاءً وقوةً ومضاءً مع تجريد النية لله تعالى، وعقد الثقة المطلقة به سبحانه. ولو قيض للمسلمين أن يعرفوا معنى الآية الكريمة:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾
وتحليلها الدقيق لعرفوا أن المعلوماتية اليوم والاتصالات هي من وسائل القوة، ولعرفوا أن علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك هي من وسائل القوة، ولعرفوا أن علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية من وسائل القوة، وأن علم الحيوان وعلم النبات وعلم طبقات الأرض من وسائل القوة، وعلوم الوراثة والهندسة الوراثية من وسائل القوة، إلى ما هنالك من علوم أتقنها الغربيون فأحكموا سيطرتهم على العالم، وأملوا عليه إرادتهم وثقافتهم وعولمتهم، ولا حرج علينا مطلقاً أن نأخذ ما في رؤوسهم وأن ندع ما في نفوسهم، فثقافة أية أمة هي ملك البشرية جمعاء، لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مر الأجيال، وهل يعقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها ؟!
بعض من وسائل قوة المسلمين:
من وسائل قوة المسلمين تشخيص الباطل، والقدرة على تعريته، والمصابرة على تكذيبه وعدوانه، ومجابهة مكره وكيده وعناده، واليقين أنه إلى زوال لقوله تعالى:
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81)﴾
وقال:
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾
ثم الكفر بالباطل وكشف أكاذيبه، ونزع أقنعته ؛ لأن الكفر به شرط للإيمان بالله، قال تعالى:
﴿ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾
فإذا علم الله صدق نية المؤمنين المجاهدين في سبيله، وثبات عقيدتهم، وتحرر نفوسهم، وشوقهم إلى لقائه، وحنينهم إلى نعيمه، عندئذ يتوفر لهم الإمداد الإلهي، فيبطش الله بالمجرمين بطشته الكبرى ويحقق النصر المؤمنين:
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
وقال:
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾
وقال:
﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً (45)﴾
الحكمة من تباطؤ نصرة المؤمنين والمظلومين :
إن نصرة المؤمنين والمظلومين قد تبطؤ لحكمة بالغة يعلمها الله تعالى، وقد لا تدركها عقولنا، أو لخير عميم ادخره لهم، أو ليعلم الثابتين منهم على عقيدتهم، الصابرين على آلامهم، والموفين بعهدهم، الصادقين في تضحياتهم، لتكون هذه الصفوة المؤمنة حريصة على حماية النصر المرتقب، الذي لم تنله إلا بالدماء الزكية، والأرواح الطاهرة، وتكون قادرة على تحمل أعبائه في إقامة الحق، وبسط العدل، ونشر حرية العبادة، وإشاعة الخير بين الناس، وتحريرهم من عبودية الطواغيت، وقطع دابر الفتنة والفساد في الأرض:
﴿ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً (84)﴾
وقال:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾