- ٠5كتاب ومضات في الإسلام
- /
- ٠02الباب الأول - موضوعات معاصرة
الشمس هي الزمان:
أيها الأخوة الكرام، إلى الموضوع العلمي كما تعوَّدتم، يقول الله تعالى:
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾
الشّمسُ الزمانُ، وهي سببُ حصولِه، ومُنْشَعَبُ فروعِه، وأصولِه، وكتابُه بأجزائِه وفصولِه، لولاها ما اتَّسقتْ أيامُه، ولا انتظمتْ شهورُه وأعوامُه، ولا اختلف نورُه وظلامُه، قال تعالى:
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾
في مَوْقِعٍ معلوماتيٍّ في حقلِ الإعجازِ العلميِّ في الكتاب والسنة وَرَدَتْ هذه الحقائقُ المذهلة،
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي ﴾
إنّ الشمسَ نجمٌ عاديٌّ، يقع في الثلثِ الخارجيّ لشعاعِ قرصِ المجرّة اللَّبنية، وهي تجري بسرعة تقدر بمئتين وثلاثين كلم في الثانية حولَ مركزِ المجرةِ اللبنيةِ، الذي يبْعُدُ عنه ثلاثين ألف سنة ضوئية، ساحبةً معها الكواكبُ السيَّارةُ، التي تتبعُها حيثُ تُكمِلُ دورةً كاملةً حول مجرّتها، فمنذُ ولادتِها التي ترجع إلى خمسةِ مليارات سنة تقريباً أكملتْ الشمسُ وما تبعَها من نجومٍ ثماني عشرةَ دورةً حولَ المجرةِ اللبنية، التي تجري نحوَ تجمّعٍ أكبرَ هو كُدْسُ المجرات، وكُدْسُ المجراتِ يجري نحو تجمّع أكبرَ هو كُدْسُ المجراتِ العملاقُ، والكُدسُ المجموعةُ الكبيرةُ، فكل جِرم في الكون يجري ويدورُ حولَ جِرمٍ آخرَ، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)﴾
أي كلُّ نجمٍ يدورُ حولَ نجمٍ آخرَ، ويرجعُ إلى مكانِ انطلاقهِ النسبيِّ، وهذه الحقيقةُ تنتظمُ الكونَ كلَّه، قال عز وجل:
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ﴾
تكرر الأية الكريمة التالية ست مرات في كتاب الله:
إنّ مستقرَّ الشمسِ هو أجلُها المسمّى، والمقدّرُ لها مِنَ العزيز العليم، أي الوقت الذي فيه ينفذُ وقودُها فتنطفئُ، وهذا المعنى لمستقرّ الشمس نستنتجُه من الآية الكريمة التالية:
﴿ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾
وقد تكررت هذه الآية الكريمة ستَّ مرات في كتاب الله، وهذه المواضع هي:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾
وقال:
﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾
وقال:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾
وقال:
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾
وقال:
﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)﴾
وقال:
وهناك موضع آخر، وهو قوله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)﴾
تكرار الأية السابقة كي نتوقف عند الإعجاز العلمي الكامن فيها:
تكرار الآية السابقة ربما كي نتوقف عند الإعجاز العلميِّ الكامنِ فيها، فحتى القرنِ التاسعِ عشر كانت المعلوماتُ الفلكيةُ تقول بأزليّةِ النجومِ، أما تقديرُ العزيزِ العليمِ فهو بأنّ للشمسِ أجلاً مسمًّى كَكُلِّ المخلوقاتِ، ولم يكشفْ عِلمُ الفَلَكِ إلاّ في القرن العشرين أنّ النجوم تولَدُ، وتنمو، وتكبُر، وتهرم، وتموت، وقد أشار القرآن الكريم إلى موتِ الشمسِ بالتحديد فقال:
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)﴾
تكوير الشمس يعنى موتَها ـ قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "والصواب مِن القول عندنا في ذلك أن التكوير جمْعُ الشيء بعضه على بعض، ومنه تكوير العِمامة، وجمعُ الثياب بعضها إلى بعض، فمعنى قوله تعالى (كورت) جُمِعَ بعضُها إلى بعض، ثم لُفَّتْ، فرُمِيَ بها، وإذا فُعِل بها ذلك ذَهَب ضوءُها ".
يقدّر علماء الفلك أنَّ عمُرَ الشمس الحالي هو أربع مليارات سنة ونيِّف، ويبقى فيها من الطاقة ما يمكّنها من أن تضيء لمدة ستة مليارات سنة أخرى، فينبغي ألا نقلق، وبعد ذلك تكون قد استنفدتْ وقودَها، فتدخل في فئة النجوم الأقزام، ثم تموت، وبموتها تنعدم إمكانية الحياة في كوكب الأرض، وينتهي الزمن بالنسبة للأرض، بمعنىً من معانيه.