وضع داكن
26-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثالث - الفقرة : 03 - المعرفة والعلم قوة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أما العلم، فهو قوّة هائلة ؛ فالعلم يعطيك طاقة، لا تتقيد بحدود الزمان أو المكان، وتكسب صاحبها علواً ومنزلة، وتمهّد الطريق أمامه للرفعة، في الدنيا والآخرة

﴿...يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾

 دخل سليمان بن عبد الملك الحرم، ومعه الوزراء، والأمراء، والحاشية، وقادة الجيش، وكان حاسِرَ الرأس، حافِيَ القدَمَيْن، ليس عليه إلا إزارُهُ، ورداء، شأنُهُ كَشَأن أيّ حاجٍّ محرم من المسلمين، ومن خلْفِهِ ولداهُ، وهما غلامان كَطَلْعَة البدْر بهاءً، وكأكْمام الورْد نضارةً وطيبًا، وما إن انتهى خليفة المسلمين، وأعظمُ مُلوك الأرض، من الطَّواف حول البيت العتيق، حتى مالَ على رجلٍ من خاصَّتِهِ، وقال مَن عالم مكة ؟ فقال: عطاء بن أبي رباح، قال: أروني عطاء هذا، فالتقى به، فوجده شَيْخٌاً حبَشِيّاً، أسْوَدُ البشَرَة، مُفَلْفَلُ الشَّعْر، أفْطَسُ الأنف، إذا جلسَ بدا كالغُراب الأسْوَد، كأن رأسه زبيبة، مشلولاً نصفه، لا يملك من الدنيا درهمًا ولا دينارًا، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح، الذي طوّق ذكرك الدنيا ؟ قال: هكذا يقولون، قال بماذا حصلت على هذا الشرف قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي، الذي انقطعت له ثلاثين عاماً، قال سليمان: لا يفتي في المناسك إلا عطاء.
 وحدث بعد اللقاء الأول أن اختلف سليمان وأبناؤه في مسألة من مسائل الحج، فقال: خذوني إلى عطاء بن أبي رباح، فأخذوه إلى عطاء وهو في الحرم، والناس متحلقون حوله، فأراد سليمان أن يجتاز الصفوف، ويتقدم إليه وهو الخليفة، فقال عطاء: يا أمير المؤمنين، خذ مكانك، ولا تتقدم الناس ؛ فإن الناس سبقوك إلى هذا المكان، فلما أتى دوره سأله المسألة فأجابه، فقال سليمان لأبنائه: يا أبنائي، عليكم بتقوى الله، والتفقه في الدين، فو الله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد، لأن الله يرفع من يشاء بطاعته، وإن كان عبدًا حبشيًّا، لا مال ولا نسب، ويذل من يشاء بمعصيته، وإن كان ذا نسب وشرف... ثم قال سليمان لأحد ولديه : يا بني هذا الذي رأيْتَهُ يا بنيّ، ورأيْتَ ذُلَّنا بين يدَيْه، هو وارِث عبد الله بن عبَّاس، الصحابيّ الجليل الذي أوتِيَ فهْمًا في القرآن الكريم، وكان مَوْسوعةً في كلّ العُلوم، ثمَّ أرْدَفَ يقول: يا بنيّ، تَعَلّم العِلْم، فَبِالعِلْم يشْرُفُ الوضيع، وينْبُهُ الخامِل، ويَعْلو الأرِقَّاء إلى مراتب المُلوك.
 ولذلك قِيل: رُتْبةُ العِلْم أعلى الرُّتَب، تعلَّموا العِلم، فإنْ كنتُم سادةً فُقْتُم، وإن كنتم وسطًا سُدْتُم، وإن كنتم سُوقةً عِشْتُم.
 وفي هذا العصر، يأتمر صناع القرار في أقوى دول العالم، بأولي الخبرة من العلماء، فالعلماء في الحقيقة هم الذين يحكمون العالم.

إخفاء الصور