وضع داكن
28-03-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثالث - الفقرة : 04 - العبادة الخالصة قوة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 كان رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يقال له جُليبيب، رجل فقير معدوم، عليه أسمال بالية، جائع البطن، حافي القدمين، مغمور النسب، لا جاه، ولا مال ولا عشيرة، ليس له بيت يأوي إليه، ولا أثاث، ولا متاع، يشرب من الحياض العامة، بكفيه مع الواردين، وينام في المسجد، وسادته ذراعه، وفراشه الأرض، وكان في وجهه دمامة، لكنه صاحب ذكر لربه، وتلاوة لكتاب مولاه، لا يغيب عن الصف الأول في كل الصلوات، ولا في كل الغزوات، ويكثر الجلوس عند النبي، صلى الله عليه وسلم.
 قال له النبي صلى الله عليه وسلم، ذات يوم: يا جُليبيب ألا تتزوج ؟ فقال: يا رسول الله ومن يزوجني ؟! فقال رسول الله: أنا أزوجك يا جُليبيب. فالتفت جُليبيب إلى الرسول فقال: إذاً تجدُني كاسداً يا رسول الله.. فقال الرسول الكريم: غير أنك عند الله لست بكاسد، ثم لم يزل النبي، صلى الله عليه وسلم، يتحين الفرص حتى يزوج جُليبيا...
 جاء في يوم من الأيام، رجلٌ من الأنصار، قد توفي زوج ابنته، فجاء إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يعرضها عليه، ليتزوجها النبي، فقال له النبي: نعم... ولكن لا أتزوجها أنا !! فسأله الأب: لمن يا رسول الله !! فقال صلى الله عليه وسلم: أزوجها جُليبيبا.. فقال ذلك الرجل: يا رسول الله... تزوجها لجُليبيب ؟ انتظر حتى أستأمر أمها !! ثم مضى إلى أمها، وقال لها: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطب إليك ابنتك، قالت: نعم لرسول الله، ومن يرد النبي صلى الله عليه وسلم.. فقال لها: إنه ليس يريدها لنفسه...!! قالت: لمن ؟ قال: يريدها لجُليبيب !! قالت: لجُليبيب ؟ لا لعمر الله، لا أزوج جُليبيباً، وقد منعناها فلاناً وفلاناً... فاغتم أبوها لذلك، ثم قام ليأتي النبي، صلى الله عليه وسلم، فصاحت الفتاة من خدرها، وقالت لأبويها: من خطبني إليكما ؟؟ قال الأب: خطبك رسول الله.. قالت: أفتردان على رسول الله أمره... ادفعاني إلى رسول الله فإنه لن يضيعني ! قال أبوها: نعم.. ثم ذهب إلى النبي الكريم وقال: يا رسول الله شأنك بها... فدعا النبي، صلى الله عليه وسلم، جُليبيبا ثم زوجه إياها، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم، كفيه الشريفتين، وقال: اللهم صب عليهما الخير صباً، ولا تجعل عيشهما كداً !! ثم لم يمض على زواجهما أيام حتى خرج النبي، صلى الله عليه وسلم، مع أصحابه في غزوة، وخرج معه جُليبيب، فلما انتهى القتال اجتمع الناس، وبدأوا يتفقدون بعضهم بعضاً، فسألهم النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال: هل تفقدون من أحد، قالوا: نعم يا رسول الله نفقد فلاناً وفلاناً، ونسوا جليبيباً في غمرة الحديث ؛ لأنه ليس لامعاً، ولا مشهوراً، فقال صلى الله عليه وسلم: ولكنني أفقد جُليبيبا.. فقوموا نلتمس خبره، ثم قاموا وبحثوا عنه في ساحة القتال، وطلبوه مع القتلى، ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب، وقد استشهد.. فوقف النبي صلى الله عليه وسلم أمام جسده المقطع، ثم قال: أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك.. ثم تربع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا، بجانب هذا الجسد، ثم حمل هذا الجسد ووضعه على ساعديه، وأمرهم أن يحفروا له قبراً.. قال أنس: فمكثنا والله نحفر القبر، وجُليبيب ماله فراش غير ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم.. قال أنس: فعدنا إلى المدينة وما كادت تنتهي عدة زوجة جليبيب حتى تسابق إليها الرجال يخطبونها..
إن الفقر والخمول، ما كان ـ في يوم من الأيام ـ عائقا في طريق التفوق والوصول
إن قيمتك أيها الإنسان في معانيك الجليلة، وصفاتك النبيلة، لا في درهمك ودينارك، ولا في بيتك ومتاعك.

إخفاء الصور