وضع داكن
20-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثالث - الفقرة : 17 - وضوح الغاية والطريق عند المؤمن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 إنّ غير المؤمن يعيش في الدنيا تتوزعه هموم كثيرة، وتتنازعه غاياتٌ شتى، هذه تميل به إلى اليمين، وتلك تجذبه إلى الشمال، فهو في صراع دائم داخل نفسه، وهو في حيرة بين غرائزه الكثيرة أيها يرضي غريزة البقاء أم غريزة النوع ؟ وهو حائر مرة أخرى بين إرضاء غرائزه وبين إرضاء المجتمع الذي يحيا فيه، وهو حائر مرة ثالثة أيّ فئات المجتمع يرضي؟ وهنا يذكرون الحكاية المشهورة ؛ حكاية الشيخ وولده وحماره، ركب الشيخ ومشى ولده وراءه فتعرض الشيخ للوم النساء، وركب الولد ومشى الشيخ فتعرض الولد للوم الرجال، وركبا معاً فتعرضا للوم دعاة الرفق بالحيوان، ومشيا معاً والحمار أمامهما فتعرضا لسخرية الأولاد، واقترح الولد أن يحملا الحمار ليستريحا من لوم اللائمين، فقال له الأب الشيخ: لو فعلنا لأتعبنا أنفسنا ولرمانا الناس بالجنون حيث جعلنا المركوب راكباً، يا بني: لا سبيل إلى إرضاء الناس.
لقد استراح المؤمن من هذا كله، وحصر الغايات كلها في غاية واحدة، عليها يحرص وإليها يسعى وهي رضوان الله تعالى، لا يبالي معها برضى الناس أو سخطهم، شعاره ما قاله ذاك الشاعر:

إذا صح منك الودُّ فالكل هيــنٌ  وكل الذي على التراب تــرابُ
فليتك تحلو والحياة مــــريرة وليتك  ترضى والأنام غضــابُ
وليت الذي بيني وبينك عامــر  وبيني وبين العالمين خـــرابُ
* * *

 لقد جعل المؤمن همومه هماً واحداً هو سلوك الطريق الموصل إلى مرضاته تعالى، والذي يسأل الله تعالى أن يهديه إليه في كل صلاة عدة مرات: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ هو طريق واحد لا عوج فيه ولا التواء، قال تعالى:

 

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾

 

( سورة الأنعام)

موقف المؤمنين في غزوة الأحزاب هو موقف السكينة والطمأنينة الذي عُهد منهم:

 ما أعظم الفرق بين رجلين: أحدهما عرف الغاية وعرف الطريق إليها، وآخرُ ضالٌّ يخبط في عماية ويمشي إلى غير غاية، لا يدري إلامَ المسير ؟ ولا إلى أين المصير ؟ قال تعالى:

 

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)﴾

 

( سورة المُلْك)

 في غزوة الأحزاب وقد ابتُلِي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، إذ جاءهم الأعداءُ من فوقهم، ومن أسفل منهم، وإذ زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الخناجر، وظن الناسُ بالله الظنونَ، وكشف المنافقون النقابَ، فقالوا:

 

﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)﴾

 

( سورة الأحزاب)

 في هذا الجو الرهيب كان موقفُ المؤمنين هو موقفَ السكينة والطمأنينة الذي عُهِدَ منهم، والذي سجَّله اللهُ لهم في كتابه:

 

﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22)﴾

 

( سورة الأحزاب)

 لقد عرف المؤمنُ الغايةَ فاستراح، وعرف الطريقَ فاطمأنّ، إنه طريقُ الذين أنعم اللهُ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

إخفاء الصور