وضع داكن
23-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثالث - الفقرة : 28 - التأديب التربوي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 فليس من العبث ـ وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ أن يأخذ الله عباده بالشدة في أنفسهم وأبدانهم وأرزاقهم وأموالهم، إنما يأخذ الله المكذبين بالحق يأخذهم بالبأساء والضراء، لأن من طبيعة الابتلاء بالشدة أنه يوقظ الفطرة التي ما يزال فيها خير يرجى، وأن يرقق القلوب التي طال عيها الأمد متى كانت فيها بقية من خير ؛ وأن يتجه بالبشر الضعاف إلى خالقهم القهار ؛ يتضرعون إليه ؛ ويطلبون رحمته وعفوه ؛ ويعلنون بهذا التضرع عن عبوديتهم له والعبودية لله غاية الوجود الإنساني ـ وما بالله سبحانه من حاجة إلى تضرع العباد وإعلان افتقارهم له، ولكن تضرع العباد وإعلان عبوديتهم له إنما يُصْلِحُهُمْ هم ؛ ويصلح حياتهم، ومعاشهم كذلك .

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ *إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾

[ سورة الذاريات: الآية 56-58 ]

 فمتى أعلن الناس عبوديتهم لله تحرَّروا من العبودية لسواه، وتحرَّروا من العبودية للشيطان الذي يريد ليغويهم، وتحرّروا من شهواتهم وأهوائهم، وتحرّروا من العبودية للعبيد من أمثالهم ؛ واستحَوْا أن يتبعوا خطوات الشيطان ؛ واستحوا أن يغضبوا الله بعمل أو نية، لذلك اقتضت مشيئةُ الله أن يأخذ أهل كل قرية شردت عنه، بالبأساء في أنفسهم وذواتهم، وبالضراء في أبدانهم وأموالهم، استحياء لقلوبهم بالألم .
 والألم خير مهذِّبٍ، وخير مفجِّرٍ لينابيع الخير المستكنة، وخيرُ مرهفٍ للحساسية في الضمائر الحية، وخيرُ موجَّه إلى ظلال الرحمة التي تلوح للضعاف المكروبين، قال تعالى:

﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾

[سورة الأعراف: الآية 95 ]

 ولكن ... حينما لا تحدث الشدائد في الناس توبة وإنابة ؛ بسبب من شدة غفلتهم، وبعد انغماسهم في المتع الرخيصة، تصبح مصيبتهم الكبرى في أنفسهم، وقد قيل: من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة، فمصيبته في نفسه أكبر، عندئذ يخضعهم الله للخطة الثالثة:

إخفاء الصور