وضع داكن
25-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الخامس - الفقرة : 2 - الحكمة من تذكية الذبيحة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 من دلائل نبوة النبي هذا الموضوع العلمي: تذكية الذبيحة، وبحسب توجيه النبي صلى الله عليه وسلم هي الذبح بطريقة معينة، ويتم ذلك بقطع الوريد الرئيسي فقط، وأن يمتنع الذابح عن قطع الرأس بالكامل، ولم يكن في محيط النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في الجزيرة العربية، ولا في مراكز الحضارات شرقاً وغرباً من معطيات علمية تسمح بتعليل ذلك التوجيه، بل ولا في العصور التي تلت عصره صلى الله عليه وسلم، إلى أن اكتُشِف أخيراً قبل بضعة عقود من الزمن أن القلب ـ قلب الإنسان وقلب الذبيحة ـ ينبض بتنبيه ذاتي يأتيه من مركز كهربائي في القلب، ومع هذا المركز الأول مركزان كهربائيان احتياطيان لهذا المركز، يعمل الثاني عند تعطل الأول، ويعمل الثالث عند تعطل الثاني، ولكن هذا التنبيه الذاتي الذي يأتي من القلب يعطي النبض الطبيعي ثمانين نبضة مثلاً ليس غير، أما حينما يواجه الكائن خطراً، ويحتاج إلى مئة وثمانين نبضة في الدقيقة لتسرع الدم في الأوعية، وليرتفع الجهد العضلي بزيادة إمداده بالدم فلا بد عندئذ من أن يأتي أمر استثنائي كهربائي هرموني من الغدة النخامية في الدماغ إلى الكظر، ثم إلى القلب، وهذا يقتضي أن يبقى رأس الدابة متصلاً بجسمها حتى يُفَعل الأمر الاستثنائي برفع النبض.
أيها الأخوة الأحباب، إن نبضات القلب الاستثنائية بعد الذبح من خلال وجود علاقة بين المخ والقلب تدفع الدم كله إلى خارج الجسم فيصير الحيوان المذبوح طاهراً وردي اللون، ومعلوم أن مهمة القلب عند ذبح الحيوان هي إخراج الدم كله من جسم الدابة، والنبض الطبيعي لا يكفي لإخراج الدم كله من جسم الذبيحة، فإذا قطع رأس الذبيحة بالكامل حرم القلب من التنبيه الاستثنائي الكهربائي الهرموني الذي يسهم في إخراج الدم كله من الذبيحة، عندئذ يبقى دم الدابة فيها، ولا يخفى ما في ذلك من أذى يصيب آكلي هذه الذبيحة، فإذا بقي دم الدابة فيها كان خطراً على صحة الإنسان، لأن الدم في أثناء حياة الدابة يصفى عن طريق الرئتين والكليتين والتعرق، أما بعد الذبح فيصبح الدم بيئة صالحة لنمو الجراثيم الفتاكة حيث تسري الحموض السامة التي تؤذي الإنسان بسبب وجودها في جسم الحيوان، وبهذا يتسمم اللحم كله، وبوجود حمض البول في الدم، وبوجود الدم في اللحم يسري هذا كله إلى آكل هذه الذبيحة، فإذا أكل الإنسان هذا اللحم يعاني من آلام في المفاصل، لأن حمض البول يترسب في تلك المفاصل، لذلك فتذكية الذبيحة تطهيرها بخروج الدم منها، ولا يخرج الدم كله من الذبيحة إلا إذا بقي الرأس متصلاً بالذبيحة.
أيها الأخوة، من أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق التي اكتشفت قبل حين حيث أمر أصحابه بقطع أوداج الدابة دون قطع رأسها كما تفعل معظم المسالخ في العالم غير الإسلامي ؟ إن هذا الحديث الشريف من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن سنن النبي عليه الصلاة والسلام: انهار الدم, وفري الأوداج، لا بد من أن يخرج هذا الدم الذي يحمل كل عوامل المرض من جسم الدابة.
 قال العلماء: يميل لون الدابة التي تحتجز الدم في أنسجتها إلى اللون الأزرق، ويتحلل الدم إذا بقي في النسيج العضلي في الدابة، وتخرج منه حموض تؤدي إلى تيبس اللحم وتصلبه, تنفرد الجراثيم الهوائية واللا هوائية بعد ساعات ثلاث بإفساد هذه النسج اللحمية التي بقي الدم فيها، وتنتج عن هذا التفاعل مركبات كريهة الرائحة سامة التأثير, وينتفخ اللحم بالغازات المتولدة, لذلك حينما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من ذبح الدابة من أوداجها, من أجل أن يخرج الدم من جسمها, ويبقى اللحم طاهراً طيباً، من هنا حكمة ربنا عز وجل حين حرم علينا أكل المنخنقة, والموقوذة, والمتردية, والنطيحة, وما أكل السبع، حيث يبقى الدم في بدن الدابة في كل هذه الحالات, وفي الدم كل عوامل المرض, وعوامل التفسخ, وعوامل التصلب, وعوامل الانتفاخ، فلا بد من أن يكون اللحم مذبوحاً بالطريقة الشرعية، لكن النبي عليه الصلاة والسلام استثنى السمك من شرط انهار الدم، والذي يلفت النظر أن السمك حينما يصطاد, وحينما يفارق الحياة يتجمع دمه كله في غلاصمه, وكأنه ذبح.
 أيها الأخوة الأكارم, النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى, فحينما أمرنا بهذه السنن, إنما تنطوي هذه السنن على حكمة, يكشف العلم شيئاً فشيئاً عن أبعادها, وعن دقائقها وعن حكمتها.

إخفاء الصور