وضع داكن
29-03-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب السادس - الفقرة : 2 - شروط النصر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

حاجتنا الشديدة إلى النصر المؤزر الذي يفرح له المؤمنون في كل عصر:

 أيها السادة الأعزاء، النصر المؤزَّر العزيز الذي يفرح له المؤمنون في كل عصر ومصر، ونحن في أمس الحاجة إليه لأننا نواجه أعداءً ماتت في ضمائرهم وضمائر الذين انتخبوهم كل القيم الإنسانية والأعراف الدولية، وداسوا على حقوق الإنسان بحوافرهم، وبنوا مجدهم على أنقاض الشعوب، وغناهم على إفقارهم، وقوتهم على تدمير أسلحتها، إنهم يصفون المالِكَ للأرض الطريدَ المشرَّدَ إرهابياً لا حقَّ له، والمتمسكَ بدينه القويم أصولياً، ويجعلون اللصَّ الغالبَ على المقدسات ربَّ بيتٍ محترماً، يملكون الأرضَ لا بالإحياء الشرعيّ ولكن بالإماتة الجماعية والقهر النفسي، قال تعالى:

 

﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾

 

( سورة يونس )

 هؤلاء المستكبرون ربما طالبوا الشعوب المستضعفة أن تلعق جراحها، وأن تبتسم للغاصب، وأن تعد حقها باطلاً، وباطل غيرها حقاً، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون. قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ـ تبدلت القيم ـ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون ))

 

[أخرجه ابن أبي حاتم في العلل عن أبي أمامة]

النصر المؤزر لا يتحقق إلا بالإيمان والإعداد:

 أيها الأخوة الكرام، هذا النصر المؤزر العزيز ما سرُّه ؟ من يصنعه ؟ ما العامل الحاسم فيه ؟ إنه الله عز وجل، وهذا استناداً إلى قوله تعالى:

 

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 126 )

 وقوله تعالى:

 

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 160 )

 أي إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ أيها الأخوة الكرام، أليس لهذا النصر الذي هو من عند الله قواعد ؟ أليست له شروط ؟ أليس له ثمن ؟ إن هذه القواعد، وتلك الشروط، وهذا الثمن يتلخص بكلمتين اثنتين، الإيمان والإعداد، فأمّا الإيمان فقد قال تعالى:

 

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

 

( سورة الروم الآية: 47 )

 وأمّا الإعداد فقال عز وجل:

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 60 )

الله تعالى لم يكلفنا أن نعد القوة والمكافئة لأعدائنا ولكن كلفنا ان نعد القوة المتاحة:

 الإيمان الحق أيها الأخوة هو الذي يحمل صاحبه على طاعة الله والعمل الصالح، والإيمان وحده شرط لازم غير كافٍ. والشيء الثاني: هو الإعداد، والإعداد هو الذي يستنفد الطاقات، وهو أيضاً وحده شرط لازم غير كافٍ، لا بد من الإيمان الحق، والإعداد الصحيح. الآن دققوا في هذا الاستنباط من قوله تعالى:

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 60 )

 إن الله جلا في علاه لم يكلفنا أن نعد القوة المكافئة لأعدائنا، ولكن كلفنا أن نعد القوة المتاحة وهذا من رحمة الله بنا، وعلى الله أن ينجز وعده بالنصر، كما أن من الواجب علينا أن نبحث في كل مظنة ضعف عن سبب قوة كامنة فيه، ولو أخلص المسلمون في طلب ذلك لوجدوه، ولصار الضعف قوة، لأن الضعف ينطوي على قوة مستورة يؤيدها الله في حفظه ورعايته، فإذا قوة الضعف تهد الجبال وتدق الحصون، قال تعالى:

 

﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)﴾

 

( سورة الفتح )

 أيها الأخوة الأحباب، إن الحديث عن القوة النابعة من الضعف ليس دعوة إلى الرضى بالضعف، أو السكوت عليه، بل هو دعوة لاستشعار القوة حتى في حالة الضعف، وربما صحت الأجسام بالعلل، فينتزع المسلمون من هذا الضعف قوةً تحيل قوة عدوهم ضعفاً وينصرهم الله نصراً مبيناً، قال تعالى:

 

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾

 

( سورة القصص)

الصدق والإخلاص مع متابعة النبي صلى الله عليه وسلم هو سلم الفلاح:

 أيها الأخوة الأحباب، هذه الحقائق المستنبطة من القرآن الكريم، منهج الله لخلقه، وتلك التوجيهات التفصيلية والتوضيحية التي جاءت بها سنة نبينا محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه المواقف الأخلاقية الرائعة والحكيمة التي وقفها المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوتنا وقدوتنا، وتلك البطولات الفذة التي ظهرت من أصحابه الكرام أمناء دعوته وقادة ألويته، هذه كلها نضعها بين أيدي أبناء أمتنا العربية والإسلامية، وهي تخوض المعارك تلو المعارك مع أعداءها أعداء الحق والخير، ولأن البكاء وحده لا يحيي الميت، ولأن الأسف وحده لا يرد الفائت، ولأن الحزن وحده لا يدفع المصيبة، ولكن العمل مفتاح النجاح، والصدق والإخلاص مع متابعة النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سلم الفلاح، قال الله تعالى:

 

﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)﴾

 

( سورة القصص )

 أيها الأخوة المؤمنون، في الإسلام تشريع ومعاملات، ولكن المقصود منها تنظيم حياة الناس حتى يستريحوا ويبرؤوا من الصراع على المتاع الأدنى، ويفرغوا لمعرفة الله تعالى وعبادته، والسعي لمرضاته، وفي الإسلام حث على المشي في مناكب الأرض، والأكل من طيباتها، ليكون العمل أساس للابتلاء، والنعمة وسيلة لمعرفة المنعم، وأداء حقه وشكره، وفي الإسلام جهاد وقتال للأعداء، حتى لا تكونِ فتنةٌ، ويكون الدين لله، لقد ضَمَّنَ القرآنُ الكريمُ الجهادَ معنًى إنسانياً نبيلاً وفريداً، وحدَّد له مقاصدَه العليا، مُنَزَّهَةً عن الهوى، والأغراضِ الماديةِ العاجلةِ، والمطامعِ الشخصيةِ والعنصريةِ، مِن شهوةِ العلوِّ في الأرض، أو التوسُّعِ فيها، لتكون هي أمّةً أَرْبَى مِن أُمَّة، وجعل الإسلامُ الجهادَ وسيلةً رئيسةً لترسيخِ القيّم والمُثُلِ العليا في الوجود البشري، والحفاظ عليها، وإنّ الإسلامَ لم يجعل الجهادَ مفروضاً في أعلى مراتب الفرضية، وأعظمها مثوبةً من أجل الدفاع عن الوجود، أو الحفاظ على مقوماته فحسب، بل أَوْلاَهُ عنايةً فائقةً، إذْ جعله سنداً مكيناً لدعوته التي تسعى إلى نشر رسالة السماء إلى الأرض، لتتحقَّق خلافةُ الإنسان فيها عن طريق التمسُّك بمبادئ الحق والخير، وقيمِ العدل والإحسان، فجعل الإسلامُ الجهادَ خالصاً ومخلصاً لوجه الله تعالى، وابتغاءِ مرضاته، ومرضاتُه لا تتمّ إلا إذا سادت تعاليمُه، وَعَلَتْ في الأرض مُثُلُه حتى لا تكونَ فتنةٌ، ويكون الدينُ لله، ولا أَدَلَّ على صحةِ هذه المبادئ وتلك المفاهيم مِن هذه السعادة التي تملأ جوانحَ الإنسان حينما يكتشفُ سرَّ وجوده، وجوهرَ رسالته، وينطلق في طريق الهدف الكبير الذي خُلِقَ مِن أجله.

إخفاء الصور