وضع داكن
24-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب العاشر - الفقرة : 1 - الخطاب الإسلامي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 لست مبالغاً إذا قلت: إن الخطاب الإسلامي هو من أخطر القضايا في حياة المسلمين اليوم ؛ ذلك أن شيوع الأمية الدينية ، والغزو الثقافي الهادف ، والأزمات الاقتصادية الطاحنة ، واستعار الفتن الصارفة ، جعل المسلم المعاصر يبتعد عن ينابيع الإسلام الصافية ، لضيق الوقت ، وكثرة العقبات ، والصوارف ، ولم يبق له من صلة بحقائق الدين إلا الخطاب الإسلامي الذي يصله من خلال خطبة الجمعة ، أو من خلال التدريس الديني ، أو من خلال وسائل الإعلام ، وهذه حال الخط العريض في المجتمع الإسلامي ، وهذا لاينفي وجود قلة قليلة من الشباب طلبت العلم من ينابيعه الأصيلة ، ولم تتأثر بالخلل في الخطاب الديني.
وبناء على هذه المعطيات ، يتضح أن العالم الإسلامي في أمس الحاجة
 إلى خطاب ديني ينطلق حقائق الدين الناصعة المأخوذة من محكم الكتاب ، والسنة الثابتة ، بالفهم الصحيح ، وبمعرفة مقاصد الإسلام الكبرى ، وهذا يشار به إلى الانعتاق من سلطة النفس ، ومحدودية التفكير ، والوعي بأصول الدعوة ، وطرائق معالجة الأوضاع المتردية ، ومراعاة السنن الشرعية والكونية في منهج التغيير والإصلاح.
 من المهم كثيراً أن ندرك الإمكان الشرعي والواقعي الذي نعيش فيه ، ونعمل على إيجاد تطبيق للمعاني الإسلامية في هذه المجتمعات وبخاصة التي يمارس ضدها تغييب جاد لطمس هويتها ، لقد كان النجاشي في الحبشة ملكاً صالحاً ومؤمناً صلّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ، وأثنى عليه خيراً مع أنه لم يكن يحكم بين بالقرآن ، ولا يقيم كثيراً من شعائر الإسلام ، فهذا مبلغه من الإمكان.
 من المهم أن يتخلص بعض دعاة الإسلام من هيمنة التشاؤم على منهجهم ولغتهم وتعاملهم مع عوام وسواد المسلمين ، إنه حينما يكون الداعية وطالب العلم مدركاً أنه لا يستعمل الأوراق الأخيرة والنفس النهائي في محاولات الإصلاح والدعوة فهو - هنا - يتخلص من كثير من الأخطاء.
 من الحكمة الشرعية أن يتخلص الخطاب الإسلامي من التعامل بلغة واحدة ، حيث تجد بعض أهل الدعوة والعلم جمع أزمة الأمة في الواقع السياسي التي تعيشه ، فتراه لا يمارس إلا هذه اللغة !! وتجد نمطاً آخر من الخطاب الإسلامي لا يخاطب إلا أهل الصلاح والبر والتقوى ، يؤدبهم بالفضائل ، وربما يكون هذا الخطاب أداة لفصل المجتمع الإسلامي إلى طبقات تعيش العزلة والصراع الشعوري
وهنا يفترض أن يكون دعاة الإسلام أكثر تأصيلاً وواقعية فإن تقدير دائرة ما يقبل الاجتهاد وما لا يسع فيه الخلاف وأمثال ذلك من أكبر مقاصد الشريعة ، وأخصّ مقامات العلم ، فهذا يستلزم أن تحكم هذه القضايا بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع.
 علماء الإسلام الكبار ودعاته يعرف لهم قدرهم وفضيلتهم لكن يعلم أن الهدي هدي رسول الله ، والدين هو ما شرعه الله ورسوله ، فأنْ يعرف لأحد حقه لا يعني أن كلامه لا يقبل النظر والمراجعة والخطأ بل الرد والترك إلى سنة ظهرت وحق بان بالدليل ، وما زال علماء الإسلام يتراجعون ويختلفون بل هذا هو الواجب على أهل العلم ورجال الدعوة.
 ليكن همُّ كل واحد في هذه الأمة أن يبلِّغ عن الله ، ورسوله ، ولو آية أو حديثاً ، وألاّ يمتلكه الحزن الذي يقعد عن العمل لدين الله ، أو اتخاذ طريق ليست مشروعة في التعامل ، أو الشعور بعدم القدرة والاحباط فيميل إلى الصفائية والمثالية والانتقاء ، فيجد نفسه أخيراً مراجعاً لإخوانه الدعاة ، ثم قائماً عليهم حكَمَاً على أقوالهم وأعمالهم ، يحسب عليهم أنفاسهم ، وهنا ربما خالطه شعور أن هذه هي الأصالة والديانة.

إخفاء الصور