وضع داكن
19-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب العاشر - الفقرة : 2 - تجديد الخطاب الدعوي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 فيما أعتقد لا يختلف اثنان في العالم الإسلامي في موضوع تجديد الخطاب الديني كأسلوب ليس غير، بحسب المستجدات التي نعيشها اليوم، وقد قدّمتُ بين أيديكم أربعة موضوعات:
 الأول: عن أهمية الخطاب الديني، فالخطاب الإسلامي من أخطر القضايا في حياة المسلمين اليوم ؛ ذلك لأن شيوع الأمية الدينية، والغزو الثقافي الهادف، والأزمات الاقتصادية الطاحنة، واستعار الفتن الصارفة جعل المسلم المعاصر يبتعد عن ينابيع الإسلام الصافية لضيق الوقت، وكثرة العقبات والصوارف، ولم يبق له من صلة بحقائق الدين إلا الخطاب الإسلامي الذي يصله من خلال خطبة الجمعة، أو التدريس الديني، أو من وسائل الإعلام، وهذا حالُ الخطِّ العريضِ في المجتمع الإسلامي، غير أنّ ذلك لا ينفي وجودَ قلّة قليلة من الشباب طلبت العلم من ينابيعه الأصيلة، ولم تتأثر بالخلل في الخطاب الديني.
 والموضوع الثاني: تحدثت فيه عن الغلو في الدين، وهو الذي يدعو إلى تجديد الخطاب الإسلامي، معنى الغلو في الدين وأنواع الغلو الاعتقادي والعملي، وأسباب الغلو، وفي مقدمتها الجهل والهوى، ومعالجة الغلو من قِبل المسلمين ومن قِبل أولي الأمر.
والموضوع الثالث: تحدثت فيه عن قواعد الخطاب الإسلامي، ففي الخطاب الإسلامي قواعدُ إذا أردنا تجديده، فالقدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والتربية لا التعرية، و الترغيب قبل الترهيب، والتيسير لا التعسير، ومخاطبة العقل والقلب معاً.
وفي الموضوع الأخير تحدثت عن شروط الخطاب الديني الناجح.
 هذه الموضوعات الأربعة بين أيديكم، ولكن اسمحوا لي أيها الإخوة أن أتحدث عن موضوعات أخرى لا تخص هذا المؤتمر، فإنّ ما يجري في العالم الإسلامي اليوم من مؤتمرات وندوات تحت اسم التجديد في الخطاب الديني أسلوب التفاتيٌّ لإلغاء الخطاب الديني، أو لتفريغه من مضمونه، حيث يصبح الدين متوافقاً مع مصالح القطب الواحد في السيطرة ونهب الثروات.
أيها الإخوة: الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، هناك من ينادي بأن نضَلَّ قبل أن نُجبَرَ على الضلال، وأن نُذَلّ قبل أن نُجبر على الذل.
أيها الإخوة الكرام:آية واحدة في كتاب الله تلخِّص ما يجري في العالم الإسلامي، الآية قوله تعالى:

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75)﴾

[ سورة الإسراء: 73-75]

 هذه الآيةُ تنظّم علاقةَ الطرف الآخر بالمسلمين، الهدفُ من عقد مؤتمرات في العالَم الإسلامي تحت اسم التجديد في الدين الهدفُ منها إلغاءُ الخطاب الإسلامي أو تفريغه من مضمونه.
أيها الإخوة الكرام: الخطابُ الديني فرضٌ عينيّ وفرضٌ كفائيٌّ، أمّا كونُه فرضاً عينياً فلقوله تعالى:

 

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

[ سورة العصر: 1-3]

 التواصي بالحق رُبْعُ النجاة، التواصي بالحق من أجلِ الحفاظ على كيان الدين، ومن أجلِ نموِّ الدين، ومن أجلِ أن تضيقَ دوائرُ الباطل، فلابد من خطاب دينيّ كفرضِ عينٍ على كل مسلم، ولكن في حدودِ ما يعلم، ومع من يعرف، يؤكد هذا المعنى حديثُ النبيّ عليه الصلاة والسلام، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً...))

[ البخاري، الترمذي، أحمد، الدارمي ]

 كل مسلم مكلَّفٌ أن يُبَلغ مَن حوله من أصدقائه وجيرانه وزملائه وأهله كلمةَ الحقِّ التي سمعها في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، هذا فرضٌ عينيّ تؤكِّده آيةٌ ثانيةٌ:

 

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾

 

[ سورة يوسف: 108]

 قالوا: البصيرة الدليل والتعليل:

 

﴿ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

 

[ سورة يوسف: 108]

 فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرةٍ لا يتّبع النبيَّ عليه الصلاة والسلام، وهو بالتالي لا يحبّ اللهَ، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾

 

[ سورة آل عمران: 31]

 هذا الخطابُ الديني فرضُ عينٍ على كل مسلم في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، أما الخطاب الديني فرضًا كفائيًّا فقد قال تعالى:

 

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾

 

[ سورة آل عمران: 104]

هذا التفرغ والتعمق وامتلاك الأدلة التفصيلية هو فرض كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الكلُّ.
 أيها الإخوة الكرام: عالِمٌ من أمريكا هداه الله إلى الإسلام التقى بالجالية المسلمة في بريطانيا، وقال كلاماً رائعاً، قال: أنا لا أصدّق أن يستطيع العالَمُ الإسلامي في المدى المنظور أن يلحق بالعالم الغربي لبُعد الهوّة بينهما، ولاتساع الهوّة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالَم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لأن في الإسلام خلاص العالم، كان قبل حين ثلاث كتل من القيم والمبادئ ؛ قيم الشرق والغرب، وقيم الإسلام، قيم الشرق تهاوت من الداخل، وانتهى الأمر، بقيت كتلتان كبيرتان من القيم والمبادئ، قيم الإسلام ومبادؤه، وقيم الغرب ومبادؤه، الغرب ذكي جداً، وقوي جداً، وغني جداً، وقد طرح قيماً رائعة: الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، تكافؤ الفرص، العدالة، حق المقاضاة، ولكن هذا البناء الشامخ من قيم الغرب ومن مبادئه تهاوت عقب الحادي عشر من أيلول، فلم يبق في الساحة إلا مبادئ الإسلام وقيمه، وهذه فرصة ذهبية للمسلمين لنشرِ هذا الدين بأسلوب، ماذا قال هذا العالِمُ الأمريكي ؟ قال: ولكن العالَمَ كلَّه سوف يركع أمام أقدام المسلمين إذا أحسنوا فهم دينهم، وأحسنوا تطبيقه، وأحسنوا عرضه للعالَم، هذه واحدة.
الشيء الثاني أيها الإخوة: التعريفُ الدقيقُ الجامعُ المانِعُ للتجديد أن ننزع عن الدين كلَّ ما علق به مما ليس منه فقط، لأنه دين توقيفي:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

[ سورة المائدة: 3]

 قال علماء التفسير: الإتمامُ عدديٌّ، والإكمالُ نوعيٌّ، أي إنّ القضايا التي عالجها الدينُ تامٌّ عدداً، وإن طريقةَ المعالجة كاملة نوعاً، وأيُّ إضافةٍ تعني اتهامَ الدين بالنقص، وأيّ حذفٍ يعني اتهامَ الدينِ بالزيادةِ، فلما أضفْنا على الدين ما ليس منه تفرقنا، وصار بأسُنا بيننا، ولمّا حذفْنا من الدين أصبحنا في مؤخّرة الأمم، إنْ أضفنا نتفرق، وإنْ حذفْنا نضعف.
 أيها الإخوة الكرام: كفكرة تمهيدية لحقيقة خطيرة ؛ أنّ كمالَ الخَلقِ يدلّ على كمال التشريع، أضرب لكم مثلاً سريعاً جداً، البعوضةُ التي ذكرها الله في القرآن فقال:

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً﴾

 

[ سورة البقرة: 26]

 ما من مخلوق أحقرُ على الإنسان من بعوضة،

((لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى الكَافِرَ مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ))

[الترمذي]

 البعوضة في رأسها مئة عين، وفي فمها ثمان وأربعون سناً، وفي صدرها ثلاثة قلوب ؛ قلب مركزي، وقلب لكل جناح، تملك البعوضة أجهزة لا تملكها الطائرات، تملك جهاز استقبال حراري، فهي ترى الأشياء بحرارتها لا بأحجامها، ولا بألوانها، ولا بأشكالها، حساسية هذا الجهاز واحد على ألف من الدرجة المئوية، وتملك جهاز تحليل للدم، فما كل دم يناسبها، وتملك جهاز تخدير، وتملك جهاز تمييع، وفي خرطومها ست سكاكين، أربع ساكين لإحداث جرح مربع، وسكينان تلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، وفي أرجلها مخالب ومحاجم.
لمَ سقت هذا المثلَ ؟ الذي خلَق البعوضة على هذا النحو المعجز لا يمكن أن يحتاج دينُه إلى تبديل، ولا إلى تعديل، ولا إلى استدراك، ولا إلى تجديد، ولا إلى تطوير، أنا قلت في بادئ هذه المحاضرة: لا يختلف اثنان في العالم الإسلامي على وجوب التجديد في طريقة العرض والأسلوب، في الدين قيم ثابتة، ومبادئ ثابتة، سمِّها إنْ شئت الثوابت، هذه مغطاة بنصوص قطعية الدلالة، وفي الإسلام متغيرات مغطاة بنصوص ظنية الدلالة، هي محلُّ الاجتهاد، ومحلُّ التجديد والتطوير، والمشكلة أننا مكلَّفون أن نتبع في عقائدنا وعبادتنا، وأنْ نبتدع في دنيانا، الذي حدث أننا ابتدعنا في عقائدنا، وفي عباداتنا، وقلّدنا في دنيانا، فكنا في مؤخرة الأمم.
 أيها الإخوة الكرام: أعيد معنى التجديد: وهو أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، الأزمة كما أراها ليست في تجديد الخطاب الديني، بل في مصداقية الخطاب الديني، قبل أيام جاءتني رسالة بالبريد الإلكتروني، وهي قصة قصيرة، إمام مسجد في بريطانيا نُقل إلى بلدة في ظاهر لندن، فاضطر أن يركب المركبة العامة كل يوم، ومن غرائب الصدف أنه يركب المركبة نفسها مع السائق نفسه، في إحدى المرات صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية، ردّ له السائق البقية، عندما عدّها وجدها تزيد على ما يستحق عشرين سنتاً، فقال: أنا كَوْنِي مسلمًا ينبغي أن أردّ هذه الزيادة، ثم قال: هي زيادة طفيفة، والشركةُ عملاقة، ودخلها فلكيّ، ولا تتأثر بهذا المبلغ الزهيد، هو هبة من الله إليّ، وهذا طبعاً خطأ، فلما جاء وقت نزوله من المركبة وقف أمام السائق، ودون أن يشعر أعطاه العشرين سنتاً، فابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد؟ قال: بلى، قال: والله حدَّثتُ نفسي أن أزورك في المسجد لأتعبد اللهَ، ولكنني أردت أن امتحنك، هذا الإمام وقع على الأرض لهول الصدمة، فلما استعاد وعيَه وقف، وأمسك بعامود، وقال: يا رب كدت أبيع الإسلام كله بعشرين سنتاً، كم من مسلم يبيع دينه كله بشركة، بحصته من شركة، باستعصائه في بيت، بكذب، باحتيال، الأزمة اليوم أزمة مصداقية الخطاب الديني، لماذا فعَلَ الأنبياء شيئاً لا يكاد يصدَّق، وآلاف الدعاة لا يفعلون شيئاً ؟ لأن الأنبياء فعلوا بسلوكهم ما قالوه بألسنتهم، سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: " إني قد أمرتُ الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناسُ كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايمُ اللهِ لا أوتيَنّ بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني ".
 سيدنا عمر رأى إبلاً سمينة فقال: لمن هذه الإبل ؟ قالوا: هي لابنك عبد الله، قال: ائتوني به، وغضب، فلما جاء ابنه عبد الله قال: لمن هذه الإبل ؟ قال: هي لي يا أبت، اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن، فماذا فعلت ؟ قال: ويقول الناس: ارعوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين، واللهِ الذي لا إله إلا هو لو فهِم الصحابةُ الكرام الإسلام كما نفهمه نحن ما خرج من مكة، وصل إلى أطراف الدنيا بالقيم والمبادئ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل صحابته إلى الحبشة سأل النجاشيُّ سيدَنا جعفرًا فقال: حدثني عن الإسلام النجاشي قال: " أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وعفافه ونسبه وصدقه، فدعانا إلى الله لنعبده، ونوحده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء.
الآن افهموا معي هذا الحديث الشريف: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ...))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أحمد ]


 أين الإسلام ؟ هذه الخمس أم هذا الذي بني عليه مجموعة قيم إسلامية، الإسلام هو الخُلق كما قال ابن القيم رحمه الله، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.
أيها الإخوة: الأزمة ليست في تجديد الخطاب الديني، ولكن في مصداقية الخطاب الديني.
 شيء آخر: الأزمة ليست في شبهة في الرؤوس، ولكن في النفوس، بنت فرعون لها ماشطة، في أثناء تمشيط شعر بنت فرعون وقع المشط فقالت: بسم الله، قالت ابنة فرعون لماشطتها: ألكِ ربّ غير أبي ؟ قالت: الله ربي وربك، ورب أبيك، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا ؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، قَالَتْ: نَعَمْ فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا، فَقَالَ يَا فُلَانَةُ، وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي ؟ قَالَتْ: نَعَمْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ؟ قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ ؟ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا، إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ ؛ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ))

[ أحمد ]

حلاّقة عندها هذا الثبات ؟ ونستمع كل يوم من أعلى مراتب دينية فتاوى تتناقض مع جوهر الدين أليس كذلك ؟ تسمعون كل يوم فتاوى إرضاء للأقوياء، من أجل أن يتماشى الدين مع مصالحهم.
 أيها الإخوة الكرام: آخر كلمة أقولها: أنا واللهِ لا أصدق، ولا أملك إلا الدليل المنطقي أن جهة في الأرض مهما بدت قوية لا تستطيع أن تفسد على الله هدايته لخلقه، لكنهم يتكلمون، ويهددون، لكن الحقيقة لو أن الله أسلمنا إلى غيره لا يستحق أن نعبده:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[ سورة هود: 123]

 متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك:

 

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 

[ سورة هود: 123]

إخفاء الصور

   

موضوعات متعلقة