وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0763 - علاج ضعف الإيمان3 - خطورة بنود مؤتمر السكان والتنمية على المسلمين .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى ذريته، ومن والاه، ومن تبعه، إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان :

 أيها الأخوة المؤمنون، تحدثت في خطبتين سابقتين عن مظاهر ضعف الإيمان، وعن أسباب ضعف الإيمان، ووعدتكم في هذا الأسبوع، وفي هذه الجمعة المباركة، أن يكون الحديث عن علاج ضعف الإيمان، وقبل الدخول في هذا الموضوع، لابد من عرض بعض الحقائق المستنبطة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام:

((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم))

[ صحيح الجامع عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 وهذا حديث صحيح في السلسلة الصحيحة، هذا الحديث يؤكد أن الإيمان يزداد وينقص، يقوى ويضعف، فإذا ضعف الإيمان فلابد من تقويته، وإذا تناقص فلابد من تجديده، الحقيقة الثانية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو نعيم في الحلية وهو في السلسلة الصحيحة:

((ما من القلوب قلب، إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء ))

[حلية الأولياء لأبي نعيم عن سالم بن عبد الله عن أبيه ]

 المؤمن معدنه طيب، والمؤمن معرفته ثابتة، قد تأتيه سحابة صيف، فتحجب عنه أحواله التي كان يسعد بها، أو تحجب عنه إقباله الذي كان يطرب له، هذه السحابة سرعان ما تزول، إذا كان إيمانك متيناً، وإذا بني على أسس صحيحة، وإذا كنت متصلاً بالله عز وجل، ثم فتر قلبك، وضعف إيمانك، فهذا الضعف عارض، والأصل أنك مؤمن، فعالج هذه الحالة.
 أيها الأخوة الكرام، الحقيقة المستنبطة من هذين الحديثين الصحيحين أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا من صميم اعتقاد أهل السنة، والجماعة، فإن الإيمان كما يقال نطق باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان، الإيمان، الأدلة من كتاب الله عز وجل:

﴿ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾

[سورة الفتح : 4]

 وقوله:

﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً﴾

[ سورة التوبة : 124]

 من أدلة السنة النبوية المطهرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ))

[ مسلم عن أَبي سَعِيدٍ الخُدريّ]

 فالإيمان يضعف ويقوى، يزداد وينقص.

 

المؤمن بين التألق والفتور :

 أيها الأخوة الكرام، كواقع لو أنك دخلت إلى مسجد، واستمعت إلى درس علم، وتفاعلت معه تفاعلاً شديداً، ترى نفسك قريبة من الحق، قريبة من الله، قريبة من الآخرة، لو دخلت إلى الأسواق، وفيها المنكرات، وفيها الغاديات الرائحات، وفيها الكاسيات العاريات، وفيها البضائع براقة، والأسعار مرتفعة، تعود وقد شعرت بانقباض، وأنت في بيت من بيوت الله، إيمانك ازداد، وأنت في سوق تجاري، إيمانك ضعف، بمعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " خير البلاد مساجدها، وشرها أسواقها".
 أيها الأخوة الكرام، من فقه العبد أن يعلم متى يزداد إيمانه، ومتى ينقص، ومن فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان متى تأتيه، وأنى تأتيه، هذا ما قاله بعض السلف، لكن هناك فكرة دقيقة جداً، هي أن الإنسان حينما يضعف إيمانه، إذا كان ضعف إيمانه قاده إلى ترك واجب، أو فعل محرم، فهذا ضعف خطير، يجب أن يتوب منه سريعاً، وهناك حالة ضعف لا تؤدي به إلى ارتكاب معصية، ولا إلى ترك واجب ديني، بل تؤدي به إلى فتور، يبقى على طاعته، ويبقى على ترك المناهي، والمعاصي، هذا يُعد تراجعاً طفيفاً، يستحب أن يسوس نفسه، ويسدد، ويقارب، حتى يعود إلى نشاطه، وقد ورد عن الإمام علي كرم الله وجهه أن للنفس إقبالاً وإدباراً، فإن أقبلت فاحملها على النوافل، وإن أدبرت فاحملها على الفرائض، أن يتألق الإنسان أو أن يفتر شيء طبيعي، نحن ساعة وساعة، سيدنا حنظلة رآه الصديق يبكي، قال: مالك يا حنظلة ؟ قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى، قال: أنا كذلك يا أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حدثا رسول الله بما جرى، فقال:

((أما نحن معاشر الأنبياء فتنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة، وساعة ))

[ مسلم عن حنظلة]

 لو بقيتم على الحالة التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم.
 يستنبط من هذا أن المؤمن بين التألق والفتور، لكنه مستقيم على أمر الله، مقيم على طاعته، بعيد عن معصيته، أما الضعف الذي يحملك على معصية الله أو على ترك فريضة، فهذا ضعف خطير، يحتاج إلى معالجة سريعة، فإن فترت عزيمتك فهذا الضعف يُعالج معالجة هادئة، أما إذا كان الضعف خطيراً حملك على معصية، أو حملك على ترك طاعة، فهذا ضعف يحتاج إلى معالجة إسعافية.

 

 أيها الأخوة الكرام، هؤلاء الذين ينكرون قلوبهم، وقد قست، بسبب ضعف إيمانهم، يبحثون عن علاج خارجي، علاجكم في أيديكم، علاجكم في أنفسكم، علاجكم في الإقبال على ربكم، علاجكم في تلاوة القرآن، في ذكر الله عز وجل، في لزوم المساجد، في حضور الجمعة والجماعات.

أسباب تقوية الإيمان :

1 ـ تدبر القرآن العظيم :

 أيها الأخوة الكرام، بعد هذه المقدمة التي تؤكد أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الإيمان يتألق ويفتر، لابد من بيان بعض أسباب تقوية الإيمان.
 أول أسباب تقوية الإيمان تدبر القرآن العظيم، الذي أنزله الله تعالى تبياناً لكل شيء، ونوراً يهدي به سبحانه من يشاء من عباده، ولاشك أن فيه علاجاً عظيماً، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الإسراء: 82 ]

 أمراض الجسم أيها الأخوة تنتهي عند الموت، أكبر مرض، أخطر مرض، مرض خبيث، مرض عضال، ينتهي عند الموت، ولكن أمراض القلوب تبدأ عند الموت، ويشقى بها صاحبها إلى أبد الآبدين، فلابد من أن نقرأ القرآن لأنه شفاء لنفوسنا.
 أيها الأخوة الكرام، كان عليه الصلاة والسلام يتدبر كتاب الله ويردده، وهو قائم بالليل، حتى أنه في إحدى الليالي قام يردد آية واحدة، وهو يصلي، لم يجاوزها، حتى أصبح، وهي قوله تعالى:

﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

[سورة المائدة : 118]

 نبينا الكريم تلا هذه الآية، في قيام الليل، وكان عليه الصلاة والسلام يتدبر القرآن، وقد بلغ في ذلك مبلغاً عظيماً، روى ابن حبان في صحيحه بإسناد جيد، قال: دخلت أنا وعبيد الله بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقال عبيد الله بن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت وقالت:

((قام ليلة من الليالي ليصلي، فقال: يا عائشة ذريني أتعبد ربي؟ قالت: قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر ليصلي، فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت عليّ الليلة آيات، ويل لمن قرأها، ولم يتفكر فيها، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾))

[ابن حبان كتاب الرقائق ]

القرآن كتاب هداية فيه وعد ووعيد وأحكام وأخبار :

 أيها الأخوة الكرام، القرآن كتاب هداية، فيه وعد ووعيد، فيه توحيد، ووعد، ووعيد، وأحكام، وأخبار، وقصص، وآداب، وأخلاق، آثارها في النفس متنوعة، يقول عليه الصلاة والسلام مثلاً:

((شيبتي هود وأخواتها ))

[البزار في مسنده عن ابن عباس]

 وفي رواية:

((شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت))

 هذه السور شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتوت من الحقائق والتكاليف العظيمة، التي ملأت بثقلها قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل الآية التي عناها في سورة هود قوله تعالى:

﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾

[ سورة هود: 112 ]

 وأما هذا الذي يقول: أنا لست نبياً فاقرأ هذه الآية، إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين :

﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾

[ سورة هود: 112 ]

 وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً رقيق القلب، إذا صلى بالناس وقرأ بهم لا يتمالك نفسه من البكاء، ومرض عمر في أثر قوله تعالى:

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾

[سورة الطور: 7-8]

 وسُمع نشيجه من وراء الصفوف، لما قرأ قول الله عز وجل عن يعقوب عليه السلام:

﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾

[سورة يوسف: 86]

 وقال عثمان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام الله، وقُتل شهيداً مظلوماً، ودمه على مصحفه، وأخبار الصحابة كثيرة جداً، أيها الأخوة في تدبر القرآن سعيد بن جبير ردد الآية الواحدة في الصلاة بضعاً وعشرين مرة، ردد قوله تعالى:

﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾

[سورة البقرة: 281]

 وهي آخر آية نزلت في القرآن، وتمامها:

﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾

[سورة البقرة: 281]

 أيها الأخوة الكرام، الفضيل وافته المنية وهو يتلو هذه الآية:

﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنعام : 27]

 بعض الصالحين قرأ قوله تعالى:

﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾

[سورة الإسراء: 109]

 فسجد سجود التلاوة، ثم قال معاتباً نفسه: هذا السجود، فأين البكاء؟

 

تدبر أمثال القرآن من أعظم أنواع التدبر :

 ومن أعظم أنواع التدبر، تدبر أمثال القرآن، قال تعالى:

﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾

[ سورة الحشر :21 ]

 وكان بعض السلف يتلو هذه الآية، فلم يتبين له معناه، فجعل يبكي، فسُئل ما يبكيك؟ قال إن الله عز وجل يقول:

﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾

[ سورة العنكبوت : 43]

 وأنا لم أعقل هذا المثل فلست بعالم، فلهذا أبكي على ضياع العلم مني، في القرآن الكريم أيها الأخوة أمثال كثيرة، مثل الذي استوقد ناراً، مثل الذي ينعق بما لا يسمع، مثل الحبة التي أنبتت سبع سنابل، مثل الكلب الذي يلهث، الحمار الذي يحمل أسفاراً، مثل الذباب، مثل العنكبوت، مثل الأعمى والأصم، والبصير والسميع، مثل الرماد الذي اشتدت به الريح، ومثل الشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة، والماء النازل من السماء، ومثل المشكاة التي فيها مصباح، والعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والذي فيه شركاء متشاكسون، هذه الأمثال لا يعقلها إلا العالمون.
 أيها الأخوة الكرام، ملاك الأمر كما يقول بعض العلماء أن تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكن وطن الآخرة، ثم تقبل به على الله عز وجل.

 

حق تلاوة القرآن الكريم و استشعار عظمة الله :

 أيها الأخوة الكرام: القرآن الكريم شفاء للنفوس، يجب أن نتلوه حق تلاوته، وقال العلماء: حق التلاوة أن تقرأه، وأن تفهمه، وأن تتدبره، وأن تعمل به، وأن تعلمه، هذه حق التلاوة، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ))

[ البخاري عن عثمان ]

 ورد في الآثار أن الله عز وجل لا يعذب قلباً وعى القرآن، ولا يحزن قارئ القرآن، ومن تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، غنى لا فقر بعده، ولاغنى دونه، الشيء الثاني أيها الأخوة استشعار عظمة الله، معرفة الله، هناك من يعلم أن الله خلق السموات والأرض، فقط هو خالق السموات والأرض، وهناك من يعرف أسماءه الحسنى اسْمًا اسمًا، إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، يحدثك ساعات طويلة عن اسمه الرحيم، عن اسمه الكريم، عن اسمه القوي، عن اسمه اللطيف، عن اسمه الجبار، عن اسمه الغني، عن اسمه المقتدر، عن اسمه القادر، عن اسمه العفو، ينبغي أن تعرف الله معرفة تفصيلية، يجب أن تُحصِي أسماء الله الحسنى، أن تحصيها، أن تعقلها، أن تفهمها، أن تعرف أبعادها أن تتخلق بما فيها من مضامين.

2 ـ معرفة الواحد الدّيان :

 أيها الأخوة الكرام، لابد من التعرف إلى الله إن من خلال خلقه:

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

[ سورة آل عمران : 190-191]

 وإن من خلال أفعاله، هناك عبر ولكن ما أقل المعتبرين، قال تعالى:

﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾

[ سورة النحل : 36]

 انظر إلى معاملة الله لشاب مؤمن مستقيم، وانظر لمعاملة الله لشاب منحرف متفلت، أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون، لا في الدنيا، ولا في الآخرة:

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة القلم: 35-36 ]

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[ سورة القصص: 61]

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[ سورة الجاثية: 21 ]

 تفكر في خلق السموات والأرض تتعرف إلى الله، انظر في أفعال الله، كيف أن الله يمحق مال المرابي، كيف أن الله يجعل حياة المتزوج المتفلت جحيماً لا يُطاق، كيف أن الله يُتلف مال الذي يكسب المال الحرام، هناك آيات صارخة دالة على عظمة الله، بل إن أعظم دليل على أن هذا القرآن كلام الله وقوع بعض وعده ووعيده في الدنيا.
 أيها الأخوة الكرام، قال تعالى:

﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾

[ سورة الأنعام: 59]

 ورقة زيتون، تسقط على الأرض، ورقة واحدة، كم شجرة على وجه الأرض؟ إن كل ورقة من أوراق هذه الأشجار حينما تسقط يعلمها الله، ألا يعلم ماذا تفعل أنت؟ ألا يعلم من أين كسبك وكيف تنفق هذا الكسب؟ ألا يعلم ماذا تفعل في خلوتك؟ إذا سقطت ورقة الزيتون يعلمها الله عز وجل، قال تعالى:

﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾

[ سورة الزمر: 67 ]

 أيها الأخوة الكرام، يمكن أن تتعرف إلى الله من خلال خلقه عن طريق التفكر، وفي القرآن موضوعات للتفكر، تزيد عن ألف وثلاثمئة آية، ويمكن أن تتعرف إلى الله عن طريق أفعاله، ويمكن أن تتعرف إلى الله عن طريق كلامه، إن لله في خلقه آيات ثلاث، إن لله في خلقه آيات كونية، خلق السموات والأرض، إن لله في خلقه آيات تكوينية أفعاله، إن لله في خلقه آيات قرآنية كلامه، تعرف إليه معرفة تفصيلية عن طريق خلقه، وأفعاله، وكلامه.
 أيها الأخوة الكرام:

﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾

[ سورة الرحمن : 29]

 يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيراناً، ويغيث لهفاناً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويستر عورة، ويؤمن روعة، ويرفع أقواماً، ويضع آخرين قال تعالى في الحديث القدسي:

((يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ ]

3 ـ طلب العلم الشرعي :

 أيها الأخوة الكرام، تدبر القرآن، ومعرفة الواحد الديان، ثم طلب العلم الشرعي، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

[ سورة فاطر: 28 ]

 وقال تعالى:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر: 9 ]

 هذا الذي يعلم أركان الإسلام، وأركان الإيمان، ومعنى الشهادتين، ومعنى ما بعد الموت، وفتنة القبر، وأهوال الحشر، ومواقف القيامة، ونعيم الجنة، وعذاب النار، وحكمة الشريعة في أحكام الحلال والحرام، وتفصيل سيرة النبي العدنان، هذا الذي يعلم كمن لا يعلم، كمن لا يعلم إلا أخبار الساقطين والساقطات، الأحياء منهم والأموات، هذا الذي يعلم شرع الله ويعلم ماذا ينتظر الإنسان بعد الموت كمن يعلم أخبار هؤلاء الذين يروجون الفساد في الأرض؟ هذا الذي يتغذى بكتاب الله، و سنة رسول الله، وبطولة أصحاب رسول الله كمن يتغذى بقنوات المجاري كل يوم؟ هذا مثل هذا؟ لابد من طلب العلم أيها الأخوة.

4 ـ لزوم مجالس العلم :

 أيها الأخوة الكرام، والعلم يُطلب في مظانه، من أراد أن يكون طبيباً إلى أين يذهب؟ إلى الملاهي؟ إلى المقاصف؟ إلى الأسواق؟ لابد من أن يذهب إلى كلية الطب، ومن أراد أن يكون مؤمناً أين يذهب؟ إلى بيوت الله؟ إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر.
 إذاً لابد من لزوم مجالس العلم، ومجالس العلم تؤدي إلى زيادة الإيمان، لأسباب كثيرة، منها غشيان الرحمة، ونزول السكينة، والملائكة تحف الذاكرين، وذكر الله لهم في الملأ الأعلى، ومباهاته بهم الملائكة، ومغفرة ذنوبهم، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ]

 وفي حديث آخر في صحيح الجامع:

((ما اجتمع قوم على ذكر الله فتفرقوا إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم))

 ذكر الله يراد به المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه القرآن، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم.
 أيها الأخوة الكرام، مجالس العلم تزيد الإيمان، فكما قلت قبل قليل، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي، لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم، إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله، وتعتقد أن هذا الذي يتحدث مؤمن، ورع مخلص، انتفعت بعلمه، وازداد إيمانك، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]

 وقوله تعالى:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[ سورة الكهف: 28]

 الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الجلوس للذكر، ويسمونه إيماناً، فقال معاذ لرجل رضي الله عنهما: اجلس بنا نؤمن ساعة. أي جلسة فيها إيمان، ندوة فيها إيمان، سهرة فيها إيمان، لقاء فيه إيمان، احضر هذا اللقاء، تتألق، تُشحن، يزداد علمك، يزداد قربك، تحب الله ورسوله، تكره الدنيا وفتنها، أما إذا جلست مع أهل الدنيا فتحب الدنيا، وتكره الدين، قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، قال تعالى:

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾

[ سورة المائدة : 51]

 وقال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة الممتحنة : 13]

 وقال تعالى:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[ سورة الكهف: 28]

5 ـ العمل الصالح :

 أيها الأخوة الكرام، البند الخامس من وسائل تقوية الإيمان العمل الصالح، لقول الله عز وجل:

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾

[ سورة الكهف:110]

 أيها الأخوة، ما من واحد منا وأنا معكم إلا وقد وهبه الله شيئاً، من علم، أو مال، أو حنكة، أو قدرة، أو طلاقة لسان، أو وجاهة، أو مهنة، أو حرفة، والمؤمن الحق يبذل مما آتاه الله في سبيله. مرة سأل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه:

((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 أيها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غِنَىً مُطْغِياً، أو فَقْراً مُنْسِياً، أو مَرَضاً مُفْسِداً، أو هَرَماً مُقَيِّداً، أو مَوْتاً مُجْهِزاً ؛ أو الدجال، فالدجال شرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر ؛ أو السَّاعَةُ، والساعة أدهى وأَمَرّ ))

[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]

 لابد من المسارعة، لابد من السباق، لأن الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك، ولأن الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ولأن أكبر المؤمنين إيماناً يوم القيامة يندم على ساعة مرت لم يذكر الله فيها، قال تعالى:

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 133 ]

 أيها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:

((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، فقال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض؟ قال نعم، قال بخٍ بخ - كلمة تفخيم وتعظيم - فقال عليه الصلاة والسلام: ما يحملك على قولك بخ بخٍ ؟ قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل من تمراتي هذه لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل ))

[ مسلم عن أنس بن مالك ]

 وقد امتدح الله زكريا وأهله، قال:

﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾

[ سورة الأنبياء: 90]

 وقال عليه الصلاة والسلام: التؤدة في كل شيء، إلا في عمل الآخرة لابد من المسارعة، ويقول الله تعالى في الحديث القدسي:

((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به... ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ :

 أيها الأخوة الكرام، أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، لزمت درس علم، استمر عليه، ألفت أن تدفع صدقة، استمر عليها، سئل عليه الصلاة والسلام عن أحب الأعمال، فقال:

(( أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))

[ متفق عليه عن عائشة ]

 وكان عليه الصلاة والسلام إذا عمل عملاً أثبته، أي ثبته في برنامجه، وداوم عليه، والثبات نبات كما يقولون، لذلك قال تعالى:

﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾

[ سورة الذاريات: 17-19]

﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

[سورة السجدة : 15-16]

 كان بعض السلف يخادع زوجته كما تخادع المرأة صبيها، فإذا علم أنها نامت، انسل من لحافها وفراشها لصلاة القيام، يقسمون الليل على أنفسهم وأهليهم، ونهارهم في الصيام، والتعليم، والتعلم، واتباع الجنائز، وعيادة المرضى، وقضاء الحوائج، للناس، تمر على بعضهم السنون لا تفتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام .
 أيها الأخوة، ليس القصد من هذا أن ترهق نفسك بعبادات تحملها على السأم، ليس هذا الذي أردته أبداً، إن هذا الدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وقد رأى النبي حبلاً في المسجد، فقال: ما هذا ؟ قالوا: حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، قال عليه الصلاة والسلام: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد، واكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قلّ، ومن نام عن حزبه من الليل، أو شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل.
 ليس القصد أن تبالغوا مبالغة تحملون النفس على الضجر والسأم.
 أيها الأخوة الكرام لهذا الموضوع تتمة في الأسبوع القادم، إن شاء الله.
 أيها الأخوة، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعميم الغرب انحلاله و سقوطه على شعوب العالم :

 أيها الأخوة، نستمع من حين إلى آخر، أن هناك مؤتمرات تُعقد في شتى بقاع الأرض، حول قضية السكان والتنمية، وقد خصصت درساً بفضل الله عز وجل يوم الأحد الماضي، للحديث عن مقررات هذه المؤتمرات، وبينت لكم أننا كمسلمين أكرمنا الله بالوحي العظيم، معنا منهج السماء، معنا القرآن الكريم، معنا السنة المطهرة، معنا تعليمات الصانع، معنا تعليمات الخبير، هؤلاء الذين فقدوا عقيدتهم، وتاهوا، وانغمسوا في شهواتهم، أرادوا أن يعمموا سقوطهم، وانحلالهم، على شعوب الأرض، فالزواج عندهم عقد بين شخصين، لا بين رجل وامرأة، قد يكون بين رجلين، أو بين امرأتين، أو بين رجل وامرأة، وعندنا في منهج الله الحكيم الزواج والإنجاب والجنس شيء واحد، عندهم الزواج شيء، والإنجاب شيء، والجنس شيء، لابد من الإجهاض الآمن كي نؤخر الزواج إلى سن الأربعين، لابد من أن يمارس الصغار رغباتهم المحرمة في بيوت آبائهم وأمهاتهم، ولابد لشعوب الأرض من أن تنظم هذا بشرائع، وقوانين تحمي هذا العمل الخسيس، وأي أمة رفضت أن تنصاع للإجماع الدولي يجب أن تُعاقب، وأن تُحرم، أن تعاقب اقتصادياً، وإعلامياً، وسياسياً، ثم إن أية أمة رضخت لهذا الأمر الواقع، لهذه العولمة، وأنا لا أقول إلا أنها حيونة، أي رجوع الإنسان إلى حيوانيته، هذه العولمة التي يريدونها، يريدون أن يعمموها على شعوب الأرض كي نسقط كما سقطوا، وكي تنحل الأسرة كما انحلت عندهم، وكي يصبح الإنسان بهيمة، يتحرك لشهوته، الأخبار عن انحراف الشعوب لا يُصدق، ونحن على ضعفنا، وعلى أننا من الدول النامية، ولكن والحمد لله بقية الإيمان الذي عندنا، بقية الحياء الذي عندنا، بقية القيم التي عندنا، هذه وحدها تجعلنا أمة من حيث المستوى الأسري، والعلاقات الاجتماعية، من أرقى الشعوب، فهل يُعقل أن نضحي بديننا، وبقيمنا، وبمبادئنا، ومنهج ربنا، من أجل أن نكون تابعين لشعوب منحلة تفوقت في المادة وسقطت إلى الحضيض في الأخلاق؟

 

من كان مؤمناً بربه كان قوياً بقوة الله له :

 أيها الأخوة الكرام، لا تنخدعوا بكلمة مؤتمر السكان والتنمية، هذه كلمات براقة، صاغها خبثاء، أذكياء، أرادوا أن يجعلوا كل الشعوب منحطة، والإنسان إذا تبع شهوته أصبح كالخرقة البالية، يقوى عليه كل إنسان، أما إذا كان مؤمناً بربه كان قوياً بقوة الله له.
 أيها الأخوة الكرام، الإعلام الغربي خطر جداً، لا تؤخذوا به، كلمات براقة فيها سم زعاف، إعلانات جميلة فيها حتفنا، وفيها انهيارنا، هل هناك من فتنة أكبر من أن الفسق والفجور في بيوت المسلمين؟ اصعد على جبل قاسيون، وانظر ما على السطوح، تعرف كيف أننا غزينا ثقافياً.
 أيها الأخوة الكرام، لابد من التمسك بكتاب الله، لا بد من التمسك بسنة رسول الله، لابد من التمسك بسيرة السلف الصالح، في القرون الثلاثة التي وصفها النبي بالخيرية، أما أن يكون الإنسان تابعاً للغرب، تابعاً لسقوطه وانحلاله، فهذا ما يراد لنا اليوم، وأنا أذكر هذا والفضل لله أن بلدنا الطيب لم يقرَّ ولا توصية من هذه التوصيات، لم يقرَّ ولا توصية من هذه التوصيات، وهذا من فضل الله علينا، ولكن الخوف الشديد على بقية بلاد المسلمين، لازال الورق عندنا جيداً، لازالت الأمور وفق الشريعة، في العلاقات الزوجية، وفي الأحوال الشخصية، هذا كله من فضل الله علينا، علينا أن نبقى متمسكين بكتابنا، وإلا كنا رقماً، رقماً لا قيمة له، الآن الشعوب، الألف، المليون كأف، أما سيدنا الصديق فطلب منه سيدنا خالد المدد، طلب منه خمسين ألفاً، أمده برجل واحد، هو القعقاع بن عمرو، فلما جاءه قال له: من أنت؟ قال له: أنا المدد، قال له: أنت المدد؟! فأعطاه كتاباً من سيدنا الصديق، قال له: لا تعجب يا خالد، والذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يُهزم، طلب خمسين ألفاً، أرسل له واحداً، هكذا كان أصحاب النبي، الواحد كألف، والآن المليار كأف، قال تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾

[ سورة مريم: 59]

 يا أيها الأخوة الكرام، حياتنا، وسعادتنا، وعزتنا، وكرامتنا، ومستقبلنا، وأبناؤنا، في طاعة ربنا، وفي اعتماد منهج ربنا، فأي كلمات تسمعونها في الإعلام الغربي الماكر عن مؤتمرات السكان، وعن مؤتمرات التنمية، وعن مناصرة المرأة، وعن جعلها سلعة رخيصة في الأسواق، والله سلعة رخيصة المرأة عندهم، إن أرادوا أن يبيعوا حذاء لابد من امرأة شبه عارية على الإعلان، وهذا ترونه أيضاً في الطرقات، وفي الشوارع، المرأة سلعة رخيصة، وهي في الإسلام أمٌّ مقدسة، في الإسلام زوجة مخلصة، في الإسلام أخت حنونة، أما في الإعلان فبضاعة رخيصة سهلة مغرية.
 أيها الأخوة الكرام، لابد من أن يكون المسلم واعياً، ورد في الأثر أنه ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، لو اتخذه لعلمه، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور