وضع داكن
19-04-2024
Logo
المؤلفات - كتاب ومضات في الإسلام – الباب الثامن - الفقرة : 30 - د ـ التضحية والعطاء السخي والكرم الذاتي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 سمات مهمة فيمن يتصدى للنهوض بهذه الأمة ، فعلى الرغم من أن هذه المعاني عميقة في ثقافة المسلم ومتغلغلة في وجدانه إلا أن الناس يبحثون دائماً عن القدوة والنموذج المحسوس. ولو أن المبادئ تُغيِّر حياة الناس لما بعث الله تعالى الرُسُل ، ولا أنزل الكُتُب ، لكن مضت سُنَّته في خلقه بأن لسان الحال أبلغ مِن لسان المقال ، وأن المحسوس أسهل في الإدراك وأعظم في التأثير من المجرد. فحال موصول بالله في ألف أبلغ من مقال ألف في واحد.

النفس تبكى على الدنيا وقد علمت  أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها  إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طــاب مسكنه  وإن بناها بشر خــاب بانيها

 أيها الإخوة الأكارم ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين.
 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل ، وسلم ، وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله ، وصحبه أجمعين.
إخوتي المؤمنين ، أعزائي المستمعين..... إلى الموضوع الساخن الذي تعيشه أمتنا.
 إنّ القضيةَ الأساسيةَ في التعاملِ مع الأحداثِ الجِسامِ ليس تصديقَ وقوعِها ، أو عدمَ تصديقِه ، فطبيعةُ العصر مِن حيث التواصلُ الإعلاميُّ المذهِلُ ، وثورةُ المعلومات المتفجرة ، واجتماعُ الأممِ والشعوبِ في غرفةٍ إعلاميةٍ واحدةٍ ، يُلغي موضوعَ التصديقِ ، أو عدمِ التصديق ، ولكنّ العبرةَ في التعاملِ مع الأحداث الجِسامِ ، تحليلُها التحليلَ الصحيح ، ثم اتخاذُ موقف ، والانطلاقُ لعملٍ مِن خلالِ هذا الموقفِ ، ولنضربْ على ذلك مثلاً.
 لو أنّ صاحبَ سيارةٍ في أثناءِ قيادته لها تألّقَ ضوءُ أحمر في لوحةِ البياناتِ التي أمامه ، فالمشكلةُ ليست في تصديقِ التألُّقِ ، أو عدمِ تصديقه ، لقد رأى تألُّقَ هذا الضوء بأمِّ عَيْنِهِ ، ولكنّ المشكلةَ في فَهْمِ هذا التألُّقِ ، وتحليلِه ، والسلوكِ الذي يُبنَى على هذا الفَهْم والتحليل ، فلو فَهِمَ التألُّقَ على أنّه ضوءٌ تزينيٌّ ، فتابَع السَّيْرَ ، لاحترقَ المحرِّكُ ، وتكلّفَ لإصلاحه مبلغاً كبيراً ، وتعطّل سيرهُ إلى هدفه ، أما إذا فَهِم هذا التألّقَ على أنه ضوءٌ تحذيريٌّ ، أوقفَ السيَّارةَ ، وأضافَ الزيتَ ، وسلِم محرِّكُ السيارةِ من الاحتراقِ ، وتابَعَ سَيْرهُ إلى هدفه ، فالعبرةُ لا في التصديق وعدمِه ، بلْ في فَهْمِ الحدثِ وتحليلِه.
 ما هذا العالم !! ؟؟ إنه عالم أحمر من الدماء التي تسفك ظلماً... ما هذا العالم الذي ليس في قاموســـه إلا ( القتل ، التدمير ، والقصف ، والمداهمة ، والقبض ، والاعتقال ، والتعذيب ، والاغتيال ، وأنهار من الدماء تجري...) حتى إنك لتشك في إنسانية هذا العالم ، فضلاً عن قيمه وأخلاقه ودياناته ، بل إن الإنسان وهو يشاهد هذه المشاهد الظالمة يخجل أن ينتمي إلى هذا الجنس البشري المتوحش.
هل هذه حياة تعاش ؟ هل هذه حضارة تثمن ؟
 هل هذه دول متقدمة أم أنها أبت إلا أن تأخذ بنصيبها من التخلف والهمجية و إلا فبماذا تفسر تلك الأعمال الإجرامية العالمية والإرهاب الدولي ضد أبرياء وعزل وأصحاب حقوق سليبة ، و كرامات منتهكة ؟
 إن حياة الغاب أرحم بكثير مما نشاهده في مسرحية ( الحرية والديمقراطية ، وحقوق الإنسان ) التي استمتعنا بالفصل الأول منها ، ونحن في غفلة ساهون ، وبكينا في الفصول اللاحقة ؛ كفصل ( التطهير العرقي... ومكافحة الإرهاب... بإرهاب يفوق حد الوصف ) لكن المخرج المخادع حاول أن ينسينا فصول الجريمة بقضايا براقة من ( العولمة ، التي لا تعني سوى الحيونة ، أي أن نثير في الإنسان الجانب الحيواني ليس غير ).
إن نتائج الظلم لا يمكن ضبط حساباتها ، ولا تقدير ردود أفعالها ، وذلك أن ردود فعل المقهورين و المظلومين كشظايا القنابل تطيش في كل اتجاه ، وتصيب من غير تصويب
 إن ردود أفعال المظلومين و الموتورين لا يمكن التحكم في مداها ولا في اتجاهها ، وإنها تطيش متجاوزة حدود المشروع والمعقول ، مخترقة شرائع الأديان ، وقوانين الأوطان ، وهي تكفر أول ما تكفر بهذه القوانين التي لم توفر لها الحماية أولاً ؛ فلذا لن تقبلها حامية لأعدائها ، فإن العلاج الأول والحقيقي هو نزع فتيل الظلم الذي يشحن النفوس بالكراهية والمقت ، ويعمي البصائر والأبصار عن تدبر عواقب الأمور ، والنظر في مشروعيتها أو نتائجها.
حين ينتظر الناس طويلاً قبل أن ينالوا حقوقهم فمن المرجح أنهم سيتصرفون في فترة الانتظار بطريقة يصعب توقعها.
 إن الحديث عن القوة النابعة من الضعف ليس دعوة إلى الرضا بالضعف ، أو السكوت عليه ، بل هو دعوة لاستشعار القوة حتى في حالة الضعف ، إذن يجب أن نبحث في كل مظنة ضعف عن سبب قوة كامنة فيه ، ولو أخلص المسلمون في طلب ذلك لوجدوه ، ولصار الضعف قوة ، لأن الضعف ينطوي على قوة مستورة يؤيدها الله في حفظه ورعايته ، فإذا قوة الضعف تهد الجبال وتدق الحصون ، كما ترون وتسمعون.
أنت قويّ ، وهذا سر ضعفك ، وأنا ضعيف ، وهذا سر قوتي !
لذلك نستطيع أن نقابل القنبلة الذرية بقنبلة الذُرية أي بتربية جيل مسلم ينهض بأمته.
مواقف العدو وسياساته تؤكد عقم التيارات التلفيقية و الاستسلامية ، وتفتح الطريق واسعًا وبلا حدود أمام تيار المقاومة ولا سيما الملتزمة منها ، وهكذا فقد انتهى طريق الوهم ، وبدأ طريق النصر، إن شاء الله.
 يقول السيد الرئيس في كلمته القيمة في مؤتمر القمة المنعقد في بيروت: "من لا يمتلك الفكر المضاد للإرهاب لا يستطيع أن يكافح الإرهاب ، ولا أن يتحدث عنه ، ولا نستطيع أن نرى الإرهاب الأصغر ، ونتعامى عن الإرهاب الأكبر ، وأي طرح للإرهاب في العالم ، ولا تكون إسرائيل هي محوره ،فهو طرح ناقص غير موضوعي.
 صحيح أن هناك متغيرات دولية ولكن الأصح من ذلك أن هناك ثوابت إسلامية وأن الباطل الكثيف الذي يركب موجة هذه المتغيرات الدولية لا يمكن أن يلغي الحق الراسخ الذي تملكه أمتنا , فالمتغيرات الدولية تستوجب قدراً من التكيّف والمناورة في الوسائل والجزئيات ، لكن لا يجوز بحال من الأحوال أن نغيّر في الأهداف والمبادئ. مثال ذلك: المسلم إذا سافر.
 والسفر تغيير بالنسبة إلى المصلي هذا السفر يجيز للمصلي القصر والجمع في بعض الصلوات , لكن السفر لا يجيز له ترك الصلاة بحال من الأحوال.
 تعلِّمنا الأحداثُ الدامية التي نشهدها كلَّ يوم في البلدين العربيين المحتلين أنّ القوةَ البشريةَ مهما عَظُمَتْ فهي محدودة ، وأنّ العلمَ مهما اتَّسع فهو قاصر ، وأنّ الإنسانَ المتأله مصيره القصم إنَّ اعتمادَ القوةِ وحدَها ، والحلولَ الأمنيةَ وحدَها ، لا يحقِّق الهدفَ ما لم يكن مصحوباً بدرجة عاليةٍ من الاستماعِ الجيِّدِ إلى الطرَف الآخر ، وتَفَهُّمٍ دقيقٍ للرأي الآخر ، ومراعاةِ مصالحه وخصوصياته ، وتوفيرِ كرامته ، وما لم تحلَّ مشكلات المظلومين والمضطهدين في العالَم ، فإنّ المشكلة تبقى قائمة ، بل وربما تفاقمتْ ، فالقوّةُ لا تصنع الحقَّ ، ولكنَّ الحقَّ يصنعُ القوةَ ، والقوةُ مِن دون حكمةٍ تدمِّر صاحبَها ، قال تعالى:

 

﴿ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ (3)﴾

وهذه الأمة لا يمكن اختصارها في شخص واحد فإذا ما اغتالته يد الغدر توهم المتوهمون أن المقاومة ماتت بموته.
 إن الأعداء يواجهون أمة استعصت على الاحتواء والترويض ، إن شاء الله ، عرفت هويتها ، وحددت وجهتها ، وصمدت لقضيتها ، بعد هذه المحن التي أصابتها ، ووحدتها ولذا فإن دماء الشهداء ليست إلا وقوداً يخزن في شرايين الأجيال ، وإن مشاهد التشييع الجنائزية ليست إلا حقناً للغضب العام ، ولئن نال الشيخ أحمد ياسين وصاحبه أمنيتهما في إحراز الشهادة ، التي يتمناها كل مسلم ، فإن رحم هذه الأمة ولود لهذا النمط الصعب من الرجال ، وسيخلفهم زحوف إثر زحوف.
 قال طفل صغير بعفوية ، وهو يزاحم بجسده النحيل ، ويحاول شق طريق له وسط الجموع الغفيرة التي أمّت مستشفى الشفاء في غزة: إن اغتيال هذا المجاهد الشهيد لن يحبطنا ويكسر شوكتنا ، بل سيزيدنا قوةً وعزيمةً على مواصلـة درب الكفاح والمقاومة ، حتى تحرير أرضنا.
ولله در من قال وقد صدق فيما قال:

 

 

لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجا فلله أوس قادمــون وخـزرج

 

إخفاء الصور