وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة لسورية الفضائية - الندوة : 01 - العروبة والإسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

المقدم:
 هذا هو موضوع ندوتنا لهذه الليلة، ومنذ أن شرف الله العرب بالإسلام وبحمل أمانته إلى الناس كافة وعبر القرون وهم مرتبطون بالإسلام ارتباطاً حميمياً لا تنفصم عراه، وعندما نقول الإسلام والعروبة فإننا لا نضع العروبة في مواجهة الإسلام وإنما نقصد هذه العلاقة الحميمية والوثيقة هذه العلاقة المتشابكة تشابك السدى واللحمة.
 أيها الأعزاء أرحب في مستهل ندوتنا هذه بضيوفنا الكرام الأساتذة د. وهبة الزحيلي رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه في كلية الشريعة بجامعة دمشق، الدكتور إحسان هندي الباحث والأستاذ في القانون وفي التاريخ، الأستاذ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية بجامعة دمشق.
أهلاً ومرحباً بكم ضيوفنا الأعزاء.
 د. وهبة الزحيلي نبدأ بسؤالكم عن الإسلام والعرب وهذه النقلة التي نقل الإسلام بها العرب من حال إلى حال، كيف كانوا قبل الإسلام وكيف أصبحوا بعده ؟
ـ د. وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
 فإن التاريخ العالمي سيذكر دائماً بكل اعتزاز وفخار هذا التحول الخطير الذي حظيت به الجزرية العربية، وتكون لهذه الجزيرة مهمة قيادة العالم في اعتزازها وقيامها في تبليغ رسالة جديدة إلى أنحاء البشرية قاطبة، ولكن سوء الحظ الذي كانت به الشعوب العربية في الجزيرة العربية تعيش أسيرةً لحالتين أثرت في تكوينهما الحضاري الحالة الأولى هو العيش في مجتمع قبلي حضاري
 أدى كل ذلك إلى تمزق هذه الأمة والى وجود خلافات وحروب ومنازعات مستمرة لم تمكنهم هذه الحالة من أن يقيموا قاعدة لأمة أو دولة تقابل ما عليه الدول الأخرى الدولتان الكبيرتان في ذلك العصر الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية، فكان هذا الوسط القبلي هو الذي أوجد هذا الشلل في القفزة الحضارية التي تضارع بها هذه الأمة الدول المجاورة والحالة الثانية أن هذه الأمة كانت فريسة مع الأسف الشديد للديانة الوثنية التي جعلت من هذا الوسط القبلي يفكر تفكيراً مخطئاً في كثير من الأمور الحياتية والقضايا العقدية والأحوال المعيشية فإذاً ظرف المجتمع القبلي وظرف البيئة الوثنية أدى الى وجود حالة من التشنجات الكثيرة ومن الغليان في قلب هذه الجزيرة العربية وأدى أيضاً الى شيء من الفوضى في نظام المجتمع، لكن حكمة الله جل جلاله اقتضت أن هذه القيود وهذه السلبية لا تمنع من أن تؤهل هذه الأمة لحمل رسالة عالمية جديدة لأن لها مقومات عريقة ولها لغة سامية هي أفضل اللغات وأخصبها وأعظمها احتواءً لكل المعاني الخيرة والمعاني الكريمة في هذه الحياة، فكانت مقومات العرب بحق أهلتهم بأن يكونوا جند الرسالة وأن يكون لهم دور البناء ودور التكليف في القيام بنشر هذه الدعوة الجديدة التي كان فيها ضرف إنزال الوحي على نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، من هنا نستطيع أن نقول إن مقومات الأمة العربية من الناحية الفردية باعتزازها بقيم وأخلاق وفضائل أهلتهم في الحقيقة لحمل هذه الرسالة فكانوا يتميزون بالجرأة والشجاعة والسخاء والصراحة والبأس وحماية العرض والذود عن الجار وحماية المستجير ويعد بحق، نحن في العام الذي يحتفل فيه العالم بحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة، يعد حلف الفضول الإنساني أول وثيقة لإعلان حقوق إنسان في المجتمع العربي، فإذاً هذا المجتمع كان لا يغيب عنه مثل هذه الانفتاحات والاتجاهات نحو أن يكون أمة رسالة وأمة خير وأمة دعوة لذلك كان من حكمة الله جل جلاله أن يكون هذا النبي من العرب والنبي يقول عن نفسه، " إن الله اصطفى كنانة من قريش واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم فأنا خيار من خيار من خيار، حفظ الله له طهارة الأصل ونبل المحتد وعراقة القبيلة فهو من ارقى القبائل العربية وهي قبيلة قريش وكانت هي سيدة القبائل العربية، كل ذلك مكن من أن تكون هذه الرسالة فيهم، ولذلك يمتن الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة حينما يقول:

﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)﴾

[سورة الجمعة]

 فإذا المقومات متوفرة والمنطلقات متجسدة فيهم ولذلك كانوا بحق جديرين بأن يكلفوا بعبئ حمل هذه الرسالة العظيمة للعالم أجمع وهي رسالة عالمية تختلف عن كل الرسالات السماوية السابقة إذ كانت تلك الرسالات محفورة في أقوال أنبيائهم وفي نطاق محدود، " كان النبي يبعث لقوم خاصة وبعثت للناس كافة "، لذلك وجود الرسالة فيهم في الحقيقة كان له مبررات ومسوغات كثير، لذلك كان هناك عطاء متبادل بين الإسلام وبين هذه الأمة، هذا العطاء أن الأمة العربية تعد بمثابة القاعدة للبناء، وجاء البناء يرسي أركانه على هذه القاعدة فاكتمل الأصل والفرع وكان العطاء عظيماً وخيراً وكبيراً ويستمر هذا العطاء مع مختلف أدوار التاريخ وعلى ممر الحياة الإنسانية، ومن هنا يقول الحق سبحانه وتعالى ممتناً على هذه الأمة بقوله:

 

﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)﴾

 

(الزخرف 44)

﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)﴾

(الأنبياء 10)

 فإذاً تنويه بفضل الإسلام على العرب أمر لا ينكره أحد لأنه حقق نقلة كما أشرتم كبيرةً وانطلاقةً جبارةً بتلاقح هذه المقومات التي امتاز بها العرب مع النزعة الجديدة التي تمثلت بالقرآن العظيم وكان هذا التلاقح بين الاتجاهين محققاً لأفضل العطاءات المستمرة والدائمة والخالدة الى يوم القيامة.
ـ المقدم:
 شكراً دكتور وهبة، دكتور إحسان كما تفضل الأستاذ د. وهبة الله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته ورسالة الإسلام نزلت على قوم مهيؤون وفيهم فصائل وفيهم مقومات تجعلهم أهلاً لحمل هذه الرسالة، وإن كانت هناك مقومات أيضاً تفضل بالإشارة إليها معطلة، جاء الإسلام ليضعها في الطريف الصحيح ولينقل العرب من حال العصبية والضعف الى حال الاتحاد والوحدة والقوة ومن حال الشرك والوثنية الى حال الإيمان، إذاً الإسلام وضع العرب على الطريف الصحيح لينطلقوا في بنائهم الحضاري الشامخ، بالمقابل ماهو دور العرب كحملة لهذه الرسالة لتبليغها إلى الناس كافة، ماهو دورهم في الإسلام وماهي نظرة الإسلام إليهم ؟
ـ د. إحسان:
 أحب قبل كل شيء أن أثني على ما ذكره أخي وعميد كليتي سابقاً الأستاذ د. وهبة الزحيلي، في نقطتين، النقطة الأولى هي، ما يمكن تسميته بالإنجاز العربي والذي سماه، ما كسبونتج، باسم المعجزة العربية المعجزة العربية حصلت خلال مائة أو مائتي سنة من الزمن وهي مدة قصيرة بعمر الحضارات وعمر الشعوب، كيف أمكن لهذه الدعوة أن تمتد على مسافة ستة آلاف كيلومتر نحو الشرف وستة آلاف كيلومتر نحو الغرب بدون العمق في ظرف لا يتجاوز مائتي سنة هذا معجزة بالإضافة الى المنجزات الحضارية طبعاً، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية، قضية حلف الفضول تفضل وأشار الى حلف الفضول وأنه يمكن اعتبار هذا الحلف بمثابة أول صك لنقل يتناول حقوق الإنسان ويحددها بالمفهوم حتى العصير المتداول اليوم، درجنا نحن في كلية الحقوق وكلية القانون على القول إن أول صك في حقوق الإنسان كان الماغناكارتا، البريطانية بينما هذا الصك سبق الماغناكارتا بمئات السنين، ويسعدني هنا أن أقول إن واحداً من إخواننا العرب المسيحيين يهتم بهذا الموضوع ويشير إليه وكتب في عدة مجلات عربية وأجنبية حول أسبقية حلف الفضول بالنسبة الى جميع الوثائق التي تتناول حقوق الإنسان.
من حيث سؤالك حول فضل في نشر الدعوة الإسلامية، لقد شرف العرب بحمل الرسالة الإسلامية، قاموا بها على خير وجه وكما قلت ضحوا بالغالي والرخيص في سبيل نشر هذه الدعوة بأمانة ونشر هذه الدعوة بإخاء بدون ضغط بدون إكراه الى أن أوصلوا هذه الدعوة الى مسافة تتجاوز الإثني عشر ألف كيلومتر، بين أقصى المشرف وأقصى المغرب.
 زميلي تفضل حول فضل الإسلام على العروبة، لا أدري إذا كان من الدقيق أن نقول بالمقابل فضل العروبة، ( أنا قلت دور ) نعم دور العرب المسلمين، لنقل إن العرب المسلمين هم من نشروا الدعوة الإسلامية وليس غيرهم، من أتى بعد ذلك من المسلمين غير العرب هم عرب باللسان وعرب بالحضارة وقدموا لحضارة الإسلامية شيئاً ما، هذا الإنجاز كان بفضل اللغة التي اكتسبوها، والعرب المسلمون هم من حملوا الرسالة وهم من أوصل الرسالة الى أقاصي الغرب وهم من كانوا رسل الحضارة ثم بعد ذلك أتى من المسلمين العرب من ساهم معهم في حمل هذه الرسالة بعد ذلك
 ومن هنا يبدو لي أن كلاً من الإسلام والعروبة جوهران متكاملان ومن الخطأ تماماً أن نفصلهما، ولا أدري إذا كان من الصحيح أن أشبههما بالتوأمين الصياميين، التوأمان الصياميان هما الذين يولدان ملصوقان الى بعضهما ومن المميت ومن الخطر أن نقوم بفصلهما عن بعضهما، هذا الجوهر المزدوج، أنا لا أسميهما جوهران بل جوهر واحد، العروبة والإسلام عبارة عن وجهان لعملة واحدة ومن الخطأ محاولة تمييز العروبة عن الإسلام أو تمييز الإسلام عن العروبة، وهذا للإسف سيئة أو مطب وقع في بعض المفكرين في فترة معينة من أوائل هذا القرن، والحمد لله الآن أغلب المفكرين المسلمين وأغلب المفكرين العرب وأغلب المفكرين العرب المسلمين يصرون على هذا التلاحم يصرون على هذا اللحمة.
ـ د. الزحيلي:
 الحقيقة من المناسب أن نذكر أن حلف الفضول الإنساني أقره النبي صلى الله عليه وسلم وقال " لقد حضرت في دار جلاء بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت "، وهذا دليل التلاقح والتعاون والفكر، دليل على أن هناك فكر، الأمة العربية التي أنجبت مثل قادة الإسلام العظماء سواء في الجهاد قادة المعارك مثل خالد بن الوليد مثل في السياسة والإدارة وبناء الدولة مثل عمر بن الخطاب، هذه كلها أرضية من العرب فالإسلام نمَّاها واستطاع أن يحولها الى طاقة خيرة أوسع من النطاق الضيق الذي ذكرته، فإذاً الإسلام دوره تفعيل طاقات الأمة العربية وتحويلها من رقعة ضيقة الى نطاق العاليمة.
ـ د. إحسان:
انتقل الإسلام لنقل من دعوة عصبية الى دعوة إنسانية، يعني هو الذي أمن لها البعد الروحي الإنساني.
المقدم: أيضاً دكتور، تفضلت قبل قليل أن العرب كانوا هم قاعدة الإسلام وهم جوهره وتاريخياً الواقع لو استعرضنا بعض أحداث التاريخ هناك نمرة
 خاصة في الإسلام الى العرب، مثلاً الدعوة الإسلامية التي ابتدأت في مكة المكرمة ثم في المدينة انطلقت قبل كل شيء لتحرر الجزيرة العربية من الشرك والوثنية قبل أن تنطلق خارج الجزيرة العربية وقبل أن تمتد الدعوة الى خارج الجزيرة العربية، كأن هناك ملاحظة أن العرب هم مادة الإسلام وهم جوهره وهم جنوده.
 د. الزحيلي: ومن هنا لم يقبل من مشركي العرب إلا أحد أمرين إما الإسلام وإما الحرب، على عكس الآخرين، وقتلوهم حيث ثقفتموهم وقاتلوا المشركين كافة، أي الوثنيين وهذا في الحقيقة قد يكون قسوة ولكن في صالحهم، فقد تكون القسوة طريقاً لإعداد جيل قوي متمرس يستطيع أن يتسلم زمام القيادة.
المقدم:
 جيوش الإسلام كانت تصالح أحياناً في البلاد المفتوحة كانت تصالح الوثنيين والمشركين لقاء شرود وهدنه لكن من العرب لم يقبل هذا الأمر أبداً إما أن يكونوا مسلمين أو أهل كتاب.
ـ د. إحسان:
 ضمن شبه جزيرة العرب أحب هنا وقد أثرت نقطة صغيرة أحب أن أعقب عليها وهي قضية الهدنة والمهادنة، لنلاحظ أن في التفكير الإسلامي الهدنة يجب أن تكون مؤقته بمدة معينة، الغاية منها هي أنه خلال مدة الهدنة يتلمس الشعب الآخر غير المسلم محاسن الإسلام إنسانية الإسلام فيدخل في الإسلام، يعني حتى هذه كانت موظفة فكانت الحرف في سبيل الدعوة والهدنة كانت موظفة لكسب ود بقية الشعوب وإقناعهم بالدخول في الإسلام عن اقتناع كامل.
د. الزحيلي: نستطيع أن نضيف في الحقيقة ما يؤكد هذا التلازم والتلاحم العضوي أن النبي عليه الصلاة والسلام، في الحديث الصحيح يقول:
 " إذا ذلت العرب ذلت الإسلام "، ويقول أيضاً في حديث آخر " أحبوا العرب لثلاث، لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة في الجنة عربي " أحبوا، يأمرنا، وربما الأستاذ راتب حفظه الله يحدثنا عن أهمية اللغة العربية في كونها وعاء للقرآن وللوحي الإلهي.
المقدم:
 لكن قبل أن ننتقل الى هذه النقطة أيضاً لو توقفنا عند مثال أو أشرنا الى موقف عمر بن الخطاب من قبيلة تغلب، يعني هذا يدل على أن العرب لهم مكانة وأن التلاحم بين الإسلام والعروبة قائم وأن العروبة هي الجوهر فعلاً فيما يتعلق بقضية الإسلام.
د. الزحيلي:
 لذلك الحكم الشرعي أنه لا جزية على عربي وبنوا تغلب رفضوا أن الجزية وقالوا نحن نؤديها صدقة فرحب عمر رضي الله عنه بذلك وراعى هذه العزة والمكانة في أنفسهم ونحن مع كل إنسان عزيز كريم على أن يفتح قلبه للقيم الكبرى من أجل إرساء معالم حضارة كبيرة
د. إحسان:
لنستعرض أسماء القادة المسلمين قادة الفتح تجد أنهم كلهم على حق خالد بن الوليد، محمد بن القاسم الثقفي، كلهم على حق.
المقدم:
 أستاذ راتب كما تفضل الدكتور الزحيلي، هذه الرسالة تشرف بها العرب، النبي محمد صلى الله عليه وسلم نبي عربي، والقرآن هذا الكتاب العظيم الذي أنزل على النبي الكريم نزل بلسان مبين نزل بلسان عربي، وهذا هو أكبر تشريف للغتنا العربية، هذا أيضاً جانب من هذه العلاقة الحميمة بين الإسلام والعروبة.
الأستاذ راتب:
 قبل أن أدخل في الموضوع أحب أن أنوه الى أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد في مسنده فيقول: " يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك، قال يا رسول الله كيف نبغضك وبك هدانا الله، قال تبغض العرب فتبغضني "، أرأيت الى هذا التلازم الحميم والتلاحم بين العروبة والإسلام ثم إن سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حينما كان في الحبشة والتقى ملك الحبشة وسأله عن الإسلام، قال: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش نسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه، فدعانا الى الله لنعبده ونوحده نخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم والكف عن المحارم والدماء ".
 هذا النص البليغ الموجز يبين تلك النقلة التي انتقلها العرب بفضل الإسلام، والإسلام رفع من شأنهم وجعلهم قادةً للأمم، قضية التلاحم بين العروبة والإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام " إنما بعثت معلماً إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "، وفي هذا الحديث إشارة أن في الحياة سبقت الإسلام بعض القيم التي كان يعتز بها العربي، كالكرم والشجاعة والنجدة والحمية والصراحة، "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقه " حينما خاطب أصحابه قال: " أسلمت على ما أسلفت من خير ".
 اذكر قصة قصيرة أن فارساً عربياً يمتطي جواده رأى في الصحراء اللاهبة رجلاً ينتعل رمال الصحراء المحرقة، رق له ودعاه الى ركوب الخيل، كان هذا لصاً من لصوص الصحراء، ما إن اعتلى ظهر الخيل حتى دفع صاحبها الى الأرض وعدى بها لا يلوي على شيء، أذكر هذه القصة لهدف دقيق، قال له صاحب الفرس يا هذا لقد وهبت لك الفرس ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء فتذهب منها المروءة وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها فالنبي حينما قال بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أشار الى أن هناك قيماً في الجاهلية أخلاقية وجاء الإسلام ليقر بعضها ويعدل بعضها الآخر وليلفت النظر الى قيم جديدة، فالإسلام نقل الأمة العربية نقلة نوعية سماها الدكتور معجزة.
أما أن اللغة العربية وعاء الإسلام يكفي أن الله سبحانه وتعالى خالق الكون اصطفى هذه اللغة لكلامه:

 

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)﴾

 

( يوسف 2)

 يكفي أن الآية الكريمة تشير الى لغة القرآن بلسان عربي مبين معنى مبين أي واسع البيان، أعداء الأمة يعترفون مرغمين بأن اللغة العربية من أرقى اللغات الإنسانية، من أرقى اللغات المتصرفة، فمن أبرز خصائصها مثلاً دقة التعبير، قد نستخدم كلمة نظر وقد نستخدم كلمة رأى والرؤيا تشمل رؤية القلب، رأيت العلم نافعاً، أما أذا قلنا حدج، حدج نظر مع المحبة، وفي الحديث الشريف، " حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم "، أما أذا نظر الى الشيء واستشفه نقول استشف تلمسه بيده أما أذا نظر وتمطى نقول استشرف، أما أذا اتسعت حدقة عينه نقول حدق، أم إذا ظهر حملاق عينه نقول حملق، أما إذا لاح الشيء واختفى نقول لاح، أما إذا نظرنا وأعرضنا نقول لمح، أما إذا نظرنا مع الخوف نقول شخص، أما إذا نظرنا في السخرية نقول نظر شزراً.
 هذه الدقة البالغة في التعبير، لماذا قال الله عز وجل لعلكم تعقلون يعني كلمة اللغة العربية أي أنها واسعة البيان، بلسان عربي مبين فاللغة العربية تختص بخصائص تعد فريدة من بين اللغات الإنسانية من هذه الخصائص دقة التعبير، منها الحركات، أقل الإعراب الحركة في أصل الكلمة في حروفها الداخلية، فالبَر اليابسة البُر القمح البِر الإحسان قَدام سبقه بقدمه، قدُم أصبح قديماً، الخَلْق الخُلُق الخَلِق، هذه الفروقات الدقيقة في الحركة تقلب المعنى رأساً على عقب، المنصِب والمنصَب وبينهما بون شاسع، ثم إن الإعراب، ( إنَّما يخشى اللهَ منْ عِبَادهِ العُلَمَاءُ )، ضمةٌ جعلت العلماء هي الفاعل ولولا الإعراب لكان المعنى فاسداً، إنما يخشى الله من عباده العلماء، ( وجعلَ كلمةَ الذين كفروا السُفلى، وكلمةُ الله هي العليا ) لم يقل وكلمةَ، لأن كلمة الله عليا دائماً لم تتحول من حال الى حال، ففي اللغة العربية دقة بالغة تتعلق بالحركات والحركة كما تعلمون حرف صوتي مخطوف، الضمة واو مخطوفة والفتحة ألف مخطوفة والكسرة ياء مخطوفة، فهذه الحركات تنطوي على معان دقيقة جداً.
 من خصائص اللغة العربية أن الحرف العربي له معنى في ذاته وكل كلمة فيها سين فيها شيء نفسي، السر والأنس والحس واللمس والوسواس، كل كلمة فيها غين شيء اختفى غاب عن الأنظار، فيها راء فيها تتالي، فرَّ مرّ، كرَّ، جرَّ، فيها قاف فيها اصطدام، الإنسان حينما يغرق اختفى عن الأنظار وضعت الغين، تتالى سقوطه وضعت الراء، اصطدم بالقاع وضعت القاف، ثم إن الأصل اللغوي كما تعلمون أصل ثلاثي وكل كلمة ثلاثية لها ست تقاليب، اكتشف علماء اللغة أن بين كل التقاليب معنىً مشتركاً واحداً، فعَلِمَ و لَمَعَ و مَلَعَ، التقاليب الستة يجمع بينها معنىً مشتركاً، الظهور بعد الخفاء، فالعلم إشراقة وقفزة في المجهول.
وهناك شيء دقيق جداً في اللغة أن طلابنا في المدارس الآن يقرأون شعر مرئ القيس وقد قيل من قبل ألف وخمسمائة عام.

 

يالك من ليلٍ كأن نجومـــــــه  بكل مغار الفتل شدت بيذبـــــل
إلا أيها الليل الطويل ألا انجل  بصبح وما الإصباح منك بأمثل

 هذا شعر قيل قبل ألف وخمسائة عام وطلابنا في الصف العاشر يقرأونه ويفهمونه، بينما شعر شكسبير الذي ظهر بالقرن السادس عشر لا يستطيع بريطاني واحد الآن أن يفهمه من دون ترجمة، يترجم الشعر الإنكليزي من اللغة الإنكليزية القديمة الى اللغة الإنكليزية الحديثة، إذاً فضل الإسلام على العروبة ثبات لغتها، شيء لا يصدق أن هذا الشعب العربيَ لغته ثابتة عبر القرون والعصور، فالحقيقة ربنا سبحانه وتعالى حينما قال

 

 

﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)﴾

 

(الشعراء 195)

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)﴾

(يوسف 2)

 هذا مما يؤكد أن هذه اللغة شرفها الله عز وجل حينما كانت وعاءً لكلام الله عز وجل وللوحي الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام.
ـ المقدم:
 أيضاً هذا مدار فخر لنا نحن العرب، حيثما ارتفع مسجد في أقاصي الأرض ترتفع منارة للغة العربية، حيثما وقف مسلم ليصلي فإنه سيتلو القرآن بالعربية، يعني كأن كل مسلم يمت بصلة ما بشعور ما الى العربية
والعرب.
ـ الأستاذ راتب:
 هذه الفكرة تعد أحدث نظريات اللغة، أن الإنسان حينما يتكلم بلغة أخرى يتشبع بأفكارها وثقافة أهلها وقيمهم وعاداتهم، أشار الى هذه الحقيقة التي اكتشفها علماء اللغة مؤخراً، أشار النبي عليه الصلاة والسلام إليها قال:
" من تكلم العربية فهو عربي ".
 معنى ذلك أن المسلمين الذين ليسوا عرباً حينما يقدسون هذه اللغة لانتمائهم الى هذا الدين العظيم حينما يقدسونها ويتعلمونها صاروا حكماً كالأمة العربية، من تكلم العربية فهو عربي.
د. الزحيلي:
 أنا أريد أن أؤكد ما تفضل به الأستاذ راتب الحقيقة هناك حديث موجز مختصر يقول: " حب العرب إيمان وبغضهم نفاق ". هذا شيء والشيء الثاني لا أؤيد الأستاذ راتب بأن اللغة العربية هي من أرقى اللغات بل أقول هي أرقى اللغات وأفصحها، فهي لغة السياسة والحكم والغزل والعشق والغرام ولغة العلم، وبعض الناس يشككون أن هذه اللغة في العصر الحاضر لا تستطيع أن تقوم بواجبها نحو احتواء العلوم والمخترعات الحديثة وهذا تقصير من مجامع اللغة العربية وأساتذة اللغة العربية، ثم إن هذه العظمة للغة العربية هي التي جعلت القرآن الكريم معجزة النبي عليه الصلاة والسلام الى يوم القيامة في أنه تحدى العرب بأن يأتوا بمثل هذا الكتاب أو يأتوا بسورة منه أو بعشر سورة منه ليكون ذلك دليلاً وبرهاناً قاطعاً على أن هذا كلام الله جل جلاله، وكل مسلم كما أشرتم لا يصح له في صلاته إلا أن يتلو آيات القرآن والأدعية في صلاته إلا باللغة العربية ومن هنا يقول الإمام الشافعي، فرض على كل مسلم أن يتعلم من اللغة العربي ما يمكنه من أداء العبادة، ويقول الإمام الشافعي أيضاً رقة اللغة العربية، " ومن تكلم اللغة العربية رق قدره "، هذه الرقة وهذا اللطف وهذا التجانس وهذا السمو في المشاعر تعابير لا نكاد نجدها في أي لغة حينما نجد شعراءنا وأدباءنا وكتابنا يتكلمون عن أمور في غاية العمق وفي غاية الدقة كما أشار الأستاذ راتب وفي غاية الرصانة وفي غاية الحفاظ على تماسك الشخصية فلا تكاد تجد عربياً يتكلم بلغة فصيحة وهو محدود الشخصية، فإذا اللغة تكون الشخصية وتحقق بناءً ذاتياً وبناءً حضارياً، فإذا اللغة في الحقيقة كان لها دور كبير في تفاعل الأمة العربية واحترامها لرسالة السماء ونقلها للأمم ولشعوب الأخرى.
ـ المقدم:
أيضاً الله سبحانه وتعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته سوءٌ في اصطفاء النبي عليه الصلاة والسلام أو في اصطفاء العربية لغةً للقرآن.
الأستاذ راتب:
 أريد أن أعقب على ما تفضل به الدكتور وهبة، فيما يبدو للناس متوهمين أن هناك لغات أجنبية واسعة الانتشار، الحقيقة هذه اللغات خدمت خدمات لا توصف، فهذه الخدمات الكبير هي سبب أنها انتشرت واتسع نطاقها، وحينما نقول أن اللغة العربية من أرقى اللغات، هي الحقيقة أرقى اللغات إلا أننا مقصرون في خدمتها، ولو أتيح للغة العربية واحد بالمئة من الخدمات التي قدمت لغير اللغة العربية لكانت اللغة الأولى في العالم، فأنا ما قصدت إلا أننا مقصورون نحو لغتنا.
ـ المقدم:
 العرب تراجعوا حضارياً في هذا العصر فتراجعت معهم لغتهم لكنها في أصلها لغة قابلة لاستيعاب العلوم الحديثة.
ـ الأستاذ راتب:
 والدليل أن جامعاتنا في سورية تستخدم اللغة العربية كلغة أساسية في كل العلوم، والفنون والطب والهندسة والفلك وهي مفخرة.
د. الزحيلي:
 وهذه مفخرة لم يسبقنا إليه أحد من الدول العربية أن التعليم في كل معطياته من التقنيات الحديثة وعلوم الطب والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والهندسة والعلوم الإنسانية وغير الإنسانية في الحقيقة باللغة العربية وهذا سبق حضاري لن يفوقه أحد.
الأستاذ راتب:
 لقد عثرت على قول لسيدنا عمر رضي الله عنه " تعلموا العربية فإنا من الدين ". يعني جزء من دين الإنسان أن يتعلم العربية ليفهم كلام الله، فمثلاً الآية ( أنَّ اللهَ بَريءٌ مِنَ المُشْرِكينَ ورَسُولُهُ ) لو قال ورسولهِ لفسد المعنى، ورسولهُ بريءُ أيضاً من المشركين، فمن أجل أن نصلي من أجل أن نقرأ في صلاتنا قرأةً صحيحة لابد من حد أدنى من تعلم اللغة العربية.
المقدم:
 من أجل هذا أيضاً كان هناك تشدد في اللحن، اللحن يقود الى معاني فاسدة وخاطئة وخطيرة.
الأستاذ راتب:
 في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لحن أحد الأعراب فقال عليه الصلاة والسلام بأدب جم، " أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل "، عد اللحن ضلالاً.
د. إحسان:
 هل ممكن أن أضيف تحفظين في عكس التيار، التحفظ الأول هو أن اعتزازنا باللغة العربية وتدريسها في جامعة دمشق وأنها اللغة الوحيدة في المعتمدة في تدريس العلوم ونجاحنا في ذلك يجب أن لا ينسينا أهمية اللغات الأجنبية وتعلمها، يعني لا أريد أن يمر هذا الكلام أننا معتزون جداً بلغتنا العربية أنا أيضاً معتز بلغتي العربية ولكني بحمد الله أجيد لغتين أو ثلاث لغات أجنبية وهذا أفضل، فإجادة لغات أجنبية الى جانب اللغة العربية شيء ضروري اليوم.
المقدم: هذه مسألة بديهية
الأستاذ راتب: من تعلم لسان قوم أمن مكرهم.
المقدم: هناك لغات العلم ينتشر بينهم وهي التي.
د. إحسان: أنا أخاف أن يفهم البعض أن اعتزازنا باللغة العربية.
المقدم: اعتزازنا باللغة هو من قبيل الاعتزاز بالهوية من قبيل الاعتزاز بحضارتنا بشخصيتنا.
الأستاذ راتب: يعني أنا أذكر أنه لا يسمح لشركة صناعية أن تسمي شركتها باسم أجني هذا في سورية فقط.
د. إحسان:
 والثانية هي قضية النظرة العربية الواسعة وخاصة نظرة القومية النظرية القومية العربية المعاصرة النظرة المتسعة لتحديد العرب لتحديد المفهوم العربي، فنظرية القومية العربية المعاصرة تشمل كل إنسان يتكلم اللغة العربية ويشعر بآمال وأهداف وآلام الأمة العربية، فهذا ليس من الضروري أن يكون جده عدنان وقحطان لكي يكون عربياً، ولكنه الآن يتكلم اللغة العربية ويشعر بآمال وآلام الأمة العربية.
المقدم: هو كلمة التكلم كما تفضل الأستاذ راتب تنطوي على معنى الشعور الإحساس بالانتماء.
ـ د. إحسان:
 هذا شيء لا بد منه، ثم عفواً، أيضاً ذكرني الأستاذ بمثال شكسبير أحب أن أقول أنني مررت بمشكلة من هذا النوع وعانيت مشكلة من هذا النوع، أردت أثناء دراستي للأدب الفرنسي أن أقرأ نصوصاً فرنسية قديمة، كان منها نص لمؤلف اسمه ـ لابلي ـ عاش في القرن السادس عشر، له كتاب لم أفهم مع الاستعانة بالمعجم حتى عشر، يعني الوقت ليس بعيد بيننا المرحلة ليست أكثر من أربعمائة سنة لم أفهم حتى عشر الكلمات بالرغم من أنني مجاز في الأدب الفرنسي لم أفهم إلا عشر الكلمات والتردد للأستعانة لترجمات أخرى في هذا المجال.
ـ المقدم:
القرآن هو الذي حفظ اللغة من الضياغ والاندثار عبر القرون على كثرة ما تعرض وطننا العربي من غزوات استعمارية حاولت أن.
ـ د. الزحيلي:
 حفظ اللغة وحفظ عزة الانتماء للوطن والبلد والأم، فعروبة الجزائر هي التي جعلتهم يقفون صامدين أما جيوش حلف الأطلسي وعروبة كثير من الدول التي تحررت من نير الاستعمار إنما كان هو الدافع القوي للحفاظ على هوية واستقلال هذه الشعوب.
ـ د. إحسان:
 لذلك لا غرابة إذا قلنا إنها لحمة لأنها سببت التلاحم.
ـ المقدم:
 كما تفضل الأستاذ راتب طالبنا اليوم يفهم نصوصاً من الشعر الجاهلي لأنها ظلت محفوظة ومتداولة عبر الأجيال وإن كان يجد غرابة ففي بعض الأسماء أو بعض الكلمات التي لم تعد مستعملة بكثرة كما كانت.
ـ الأستاذ راتب: اللغة اللاتينية أصبحت عدة لغات.
ـ د. الزحيلي:
 وهذا يؤكد خطأ النظرة التي ينكر فيها بعض الأدباء مع الأسف الشديد وجود الشعر الجاهلي، فالشعر الجاهلي بما تميز به من الخصائص الفصيحة وتلك المعلقات التي كانت تعلق على أستار الكعبة المشرفة كل ذلك دليلاً على أن هذه اللغة موصولة النسب في مادتها وفي اشتقاقها وفي أحداثها وغاياتها، وأن القرآن الكريم حينما حفظ كما أشرتم للعرب هذه اللغة من الاندثار والضياع يؤكد لهم دائماً وأبداً أن الدعوة الى العامية كما يحاول بعض الأدباء المحدثين أنها دعوة متحررة ودعوة صحيحة ودعوة كل ذلك في الحقيقة هي خيانة للعربية و للأمة العربية وللإسلام في آن واحد.
ـ المقدم:
 هذه الاستطرادات جميلة، هي ليست في صلب الموضوع ولكنها تمت إليه بنسب.
ـ د. إحسان:
 في أحد الأيام بإحدى المدن الفرنسية صادفني عامل جزائري، في عام 1953 بدقة قبل الاستقلال وألقى علي سؤالاً بعربيته ولهجته فلم أفهم منه شيئاً، لآن لما أذهب الى الجزائر وأتكلم بلغة نصف فصحى يفهمني الجميع وأفهم الجميع، فمجرد أن ننتقل الى اللغة العربية الفصحى نصبح شعباً واحداً وأمة واحدة من الماء الى الماء، بمجرد أن نستخدم العامية معنى ذلك أننا قطعنا وجزأنا وميزنا.
ـ د. الزحيلي:
 وكلمة جوهرية في هذا الموضوع أريد من اصل عرض هذا الموضوع العروبة والإسلام أنه ينبغي أن لا ننسى أن فكرة اندماج وتلاحم العروبة بالإسلام لا يعني بحال من الأحوال وجود ما يسمى بالتمييز العنصري أو التميز الطبقي أو أننا نوجد تناحراً جديداً بين عرب وإسلام وإنما هناك في الحقيقة تكامل، فالإسلام سوى بين جميع المنتمين إليه، والإسلام هو الذي جعل كل هذه القوى العظيمة تخدم هدفاً إنسانياً رائعاً نبيلاً وشاملاً فالله سبحانه وتعالى حينما يقول في سورة الحجرات

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

 

(الحجرات 13)

 جعل أساس التفاضل في الأعمال هو التقوى والعمل الصالح، وهذا لا يعني التمييز العنصري، هناك فرق بين التمييز وبين التفاضل في سبب المقومات، هناك تميز ولا يخل في عنصر المساواة، هناك تميز في العمل الصالح في البناء والإنتاج والعطاء والتقديم، هناك تميز في المواهب هناك أيضاً رتبة العلم والعلماء، وهذا لا يؤدي أيضاً الى وجود طبيعة في المجتمع، هناك أيضاً فئة يقدمون لأمتهم من أغلى ما يقدم من تضحيات عالية سواء بالفكر أو بالعمل أو بالنضال أو بالدفاع عن مقومات الأمة و مقدراتها كل هذا في الحقيقة هو محل تقدير ينبغي أن لا يظن أحد أن هذا يعد لوناً من ألوان التمييز العنصري، نحن في بوتقة الإسلام صورت كل هذه النزعات وحولت نحو وجهة إنسانية سامية وأصبح العرب هم القاعدة والأساس ولكن بدون أن يشعر أحداً أن هذا يعني التفضيل، تفضيل العرب على العجم، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وإنما الإنسان ونتاجه والإنسان وعطاؤه والإنسان بمقدار ما يقدم لأمته ويكون سبباً لتميزه وسبباً لمحبة وتقدير الآخرين له.
ـ المقدم:
 المسألة ليست مسألة تمييز وإنما مسألة تقرير تاريخ وتقرير دور للعرب في أنهم حملة رسالة وفي أنهم القاعدة لهذه الرسالة، واعتزازنا بعروبتنا لا يتناقض تماماً مع اعتزازنا بالإسلام ولا يتناقض مع إنسانيتنا وليس من قبيل الأنانية ولا من قبيل العصبية أو من قبيل الشنفونية.
ـ د. الزحيلي:
 كذلك نحن لا نسمح بما يسمى بالشعوبية وهي تفضيل غير العرب على العرب والتركيز على تصيد مثالبهم وعيوبهم والانتقاص من أقدارهم فهذا لا نسمح به في حال من الأحوال، فنحن حينما نعتز بأصلنا لا يعني أننا نغمط حقوق الآخرين، وكذلك لا نسمح للآخرين أن ينتقصوا من أقدارنا ومن عروبتنا وأصالة انتمائنا الى هذه الأمة.
المقدم:
 هناك نقطة قبل أن يستدركنا الوقت أحب أن نتوقف عندها أيضاً في العلاقة ما بين العروبة والإسلام هي هذا البعد الحضاري المتجسد فيما نسميه الحضارة الإسلامية والتي هي في الواقع وبالمدلول نفسه حضارة عربية فهذه نقطة أحب أن نتوقف عندها.
د. إحسان:
 أنا في رأي المتواضع سواءً قلنا الحضارة العربية سواءً قلنا الحضارة الإسلامية والأفضل أن نقول الحضارة العربية الإسلامية وكلها مترادفات وأحب هنا أن أركز على دور اللغة في الإبداع، الإنسان يبدع بلغته فعن نطريق هذه اللغة يمكن أن يقدم نتاجه الفكري أذا كان هذا النتاج أبداعاً أو لم يكن أبداعاً، ومن هنا فإن جميع من ساهموا في الحضارة العربية الإسلامية هم على قدم سواء ويمكن اعتبارهم عرباً سواء أسهموا في الحضارة العربية سواءً كانوا من العرب الأقحاح سواء كانوا من المسلمين غير العرب، فكل هؤلاء هم عرب وكلهم صنعوا الحضارة العربية.
ـ المقدم:
 هناك من يدعي أن هناك حضارة إسلامية وليست هناك حضارة عربية، وهو قول فاسد وقول متجن في الواقع، وطالما أن هؤلاء الذي أبدعوا عاشوا في ظل حضارة عربية وفي ظل تراث عربي وكانت أقلامهم وألسنتهم عربية.
ـ د. إحسان:
 وكتبوا بالعربية، عن طريق هذا الوعاء الفكري تمكنوا من إبداع وإيصال ما يريدون قوله، ولذلك فالفضل يعود الى اللغة العربية والى الحضارة العربية ككل،وكون بعض المبدعين ممن أسهموا في الحضارة العربية الإسلامية من غير العرب فهذا لا يضير الحضارة العربية ولا ينتقص منها لأن كل هذه الحضارة هي جسد واحد سميناه باسم الحضارة العربية الإسلامية.
ـ د. الزحيلي:
 مما يؤكد ما تفضل به د. الهندي، الحقيقة هناك تكامل،العطاء ينبغي أن لا يقتصر على فئة دون فئة فمما لا شك فيه أن التاريخ الإسلامي يعتز بعطاء العرب وغير العرب وكلهم أسهموا في جوانب متعددة ولكن الذي أريد أن أؤكده أن قوة الدولة وعظمة الأمة وتسطير سجلات الخلود لهذه الأمة إنما تم في الحقيقة على أيدي المجاهدين من هذه الأمة فالجهاد وحمل راية الجهاد ولواء التضحية من أجل فتح القلوب وفتح بلاد العالم على أسس سلمية وإقناعية وحضارية إنما هو في الحقيقة الذي مثل هذا الدور هم العرب مما لا شك فيه.
الجانب الآخر جانب الابتكارات العليمة الحقيقة أسهم العرب إسهامات طيبة وغير العرب كان لهم مثل هذا الدور المشرف لأنه لم يكن أي واحد يشعر أنه غريب عن هذه الأمة، وهذه هي عظمة الإسلام أنه استطاع أن يستفيد من كل هذه الطاقات و إن يصبها باسم قالب واحد وبنتاج واحد ومن أجل تحقيق هدف واحد.
ـ الأستاذ راتب:
 يقول عليه الصلاة والسلام تأكيداً لما قاله الدكتور الزحيلي " أنا جد كل تقي ولو كان عبداً حبشياً "، " سلمان منا آل البيت "، " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه "، " بل إن سيدنا الصديق حينما أعتق بلالاً من سيده وضع يده تحت إبطه وقال هذا أخي حقاً.
ولا نستغرب أن يخرج عمر بن الخطاب عملاق الإسلام الى ظاهر المدينة ليستقبل بلالاً، هذا كله يؤكد أن مضمون الإسلام إنساني واعتزازنا بإمتنا لا يلغي ما قدمه الأخرون من جهد.
ـ المقدم:
 إذاً في نهاية هذه الجلسة الجملية لو حاولنا أن نلم أطراف الحديث وأن نلخص ما دار فيها بكلمات وجيزة نقول أن الإسلام والعروبة هما شيء واحد أو هما أمران متلازمان ولا تعارض بينهما وإن اعتزازنا بعروبتنا وفي نفس الوقت ينطوي على اعتزاز بالإسلام، لأن الإسلام إذا كان بالنسبة للعربي المسلم ديناً وتراثاً وحضارةً وتاريخاً فإنه بالنسبة للعربي عامة، وأقول العربي غير المسلم هو تراث وحضارة وتاريخ إذاً هذا هو الإسلام وهذه هي العروبة وهذه هي العلاقة الوثيقة بينهما والواقع أيضاً اعتزازنا بالعروبة ليس نابعاً من عصبية ولا أنانية ولا إلغاء لآخرين ولأدوار الآخرين، فالعروبة هي نزعة إنسانية وحضارية في الوقت ذاته وهي والإسلام متشابكان تشابك السدى واللحمة.
 أيها الأعزاء ختاماً لهذه الندوة التي دارت حول العروبة والإسلام والعلاقة والوثيقة بينهما أتوجه بالشكر الجزيل لضيوفنا الأعزاء الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه في كلية الشريعة بجامعة دمشق، الأستاذ الدكتور إحسان هندي الباحث في القانون وفي التاريخ والأستاذ فيهما، والأستاذ محمد راتب نابلسي الأستاذ المحاضر في جامعة دمشق، وشكراً.

تحميل النص

إخفاء الصور