وضع داكن
29-03-2024
Logo
الحسنى وزيادة - الندوة : 1 - جائزة رأس الخيمة للقرآن الكريم - مفهوم العبادة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

لكل إنسان حاجة عليا إن لم تلب هبط عن مستوى إنسانيته:

 أيها الأخوة الكرام، أشكر لكم هذه الدعوة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم.
الإنسان بادئ ذي بدء: عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك.
 غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، إن لبيت هذه الحاجات الثلاث تفوق الإنسان، أما إذا لبى واحدة على حساب الاثنتين تطرف الإنسان، وفرق كبير جداً بين التفوق وبين التطرف.
شيء آخر: الجماد شيء مادي، يشغل حيزاً في الفراغ، له وزن، وأبعاد ثلاثة، هذا هو الجماد.
 بينما النبات، شيء أيضاً مادي، يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، لكنه ينمو، فالنمو هو الفرق بين الجماد والنبات.
أما الحيوان فشيء أيضاً يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات لكنه يتحرك.
أما الإنسان شيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وينمو، ويتحرك ، ويفكر.
 إذاً في الإنسان حاجة عليا إن لم تلبَ هذه الحاجة هبط عن مستوى إنسانيته، إلى مستوى لا يليق به، قال تعالى يصف أهل الكفر والضلال، يصف الذين شردوا عنه، الذين لم يبحثوا عن الحقيقة:

 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾

 

( سورة النحل الآية: 21 )

﴿ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ﴾

( سورة الفرقان )

 ما لم تلبَ الحاجة إلى معرفة الحقيقة والعمل وفقها هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به.

 

معرفة الله تعالى أعظم إنجاز يحققه الإنسان في الحياة الدنيا:

 أيها الأخوة الكرام، لعل أعظم إنجاز يحققه الإنسان في الدنيا أن يعرف الله:

 

 

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

 

[ من تفسير ابن كثير]

 يؤكد هذه الحقيقة قول الله عز وجل:

 

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾

 

( سورة النساء )

 كتوضيح لهذه الآية، لو أن طفلاً عقب العيد قال لعمه: معي مبلغ عظيم، كم يقدر هذا المبلغ ؟ بالمئات، لو أن مسؤولاً في دولة عظمى قال: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، يقدر بمئات المليارات.
فإذا قال ملك الملوك، ومالك الملوك، إذا قال خالق السماوات والأرض:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

 يجب أن نعتقد أنه ما من عملٍ في الدنيا يفوق أن نعرف الله، من أدلة هذا المعنى قول الله عز وجل:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾

 لام التعليل.

 

 

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)﴾

 

( سورة الطلاق )

 حينما نعلم أن علم الله يطولنا، وأن قدرته تطولنا، لا يمكن أن نعصيه، والمثل بسيط: أنت حينما تقود مركبة، والإشارة حمراء، فإذا تجاوزتها التقطت لك صورة، ودفعت الثمن باهظاً، إذا أيقنت أن واضع قانون السير علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، هذا مع إنسان، فكيف مع الواحد الديان ؟.

 

من أثر الأخرة على الدنيا ربحهما معاً:

 أيها الأخوة، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.

 

 

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)﴾

 

( سورة الكهف )

(( من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله الفقر بين عينيه، وفرق الله عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ))

[ الترمذي عن أنس بن مالك]

لا تصح حركة الإنسان في الدنيا إلا إذا عرف سر وجوده:

 أيها الأخوة الكرام، سؤال بسيط: إنسان ذهب إلى باريس، نزل في أحد فنادقها، و بعد أن استيقظ تناول طعام الإفطار ثم سأل إلى أين أذهب ؟ نقول له: عجيب هذا السؤال، لا تعلم إلى أين تذهب ؟ لماذا جئت إلى هنا ؟ أنت من دمشق ! لماذا جئت إلى باريس ؟ إن جئت طالب علم اذهب إلى المعاهد والجامعات، وإن جئت تاجراً اذهب إلى المعامل والمؤسسات، وإن جئت سائحاً اذهب إلى المقاصف والمتنزهات.
 ماذا نستنبط من هذه المقولة ؟ لا يمكن أن تصح حركتك في مكان ما إلا إذا عرفت سر وجودك فيها، طالب ؟ في حركة، تاجر ؟ في حركة، سائح ؟ في حركة، لا تصح حركتك في مكان ما إلا إذا عرفت لماذا جئت إلى هذا المكان، هذا مثل بسيط، لو وسعناه لماذا نحن في الدنيا ؟ هذا أخطر سؤال، مع الأسف الشديد معظم الناس يتحركون بلا هدف، بقصد أنه يعيش فقط.
لذلك ينبغي أن تعلم هل أنت تعيش أم تحيا ؟ قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾

 

( سورة طه الآية: 124 )

 يعيش، يأكل، ويشرب، وينام، إلى أن يفاجأ بالأجل، أما الله عز وجل حينما قال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 24 )

 أنت بالإيمان تحيا، يحيا قلبك، تسمو مشاعرك، يتوضح هدفك، تعمل لجنة عرضها السماوات والأرض، لا تتضعضع أمام قوي، ولا أمام غني.

 

(( شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس ))

 

[أخرجه الحاكم عن سهل بن سعد]

 لذلك لابدّ من طلب العلم، لا يمكن أن يكون طلب العلم بشكل غير مركز، يُعلن عن محاضرة نحضرها، نحضر عقد قران يقوم أحد الدعاة يلقي كلمة، لا، لابد من طلب العلم من أجل أن تسلم وتسعد.

 

الله عز وجل هو الصانع وهو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها:

 أخواننا الكرام، على وجه الأرض ستة آلاف مليون إنسان، ما منهم واحد إلا وهو يحب وجوده، ويحب سلامة وجوده، ويحب كمال وجوده، ويحب استمرار وجوده ، هذا الكلام ينطبق على أي إنسان كائناً من كان، مسلم، غير مسلم، ملحد، كافر، أي إنسان على وجه الأرض جُبل، وفُطر، وبُرمج، وولف على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، و على حبّ استمرار وجوده، سلامة وجودك في تطبيق تعليمات الصانع، لأن الله سبحانه وتعالى هو الصانع العظيم، صنع الله الذي أتقنه.
أيها الأخوة، الله عز وجل هو الصانع، والجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة.

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 21 )

 فالجهة الصانعة وحدها ينبغي أن تطاع، إن كنت حريصاً على سلامتك وسعادتك، واستمرار وجودك، سلامتك بطاعة الله.

 

الإسلام منهج موضوعي:

 بالمناسبة العلاقة بين الأمر ونتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة.
 كيف لو أن الصغير إن وضع يده على المدفأة ستحترق، العلاقة بين احتراق اليد ووضع اليد على المدفأة علاقة علمية، والعلاقة بين النهي والنتيجة علاقة علمية.
لذلك يقال: الإسلام منهج موضوعي، بمعنى لو أن ملحداً طبقه لقطف ثماره في الدنيا.

 

 

﴿ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 102 )

 منهج موضوعي، الأمر في بذور نتائجه، والنهي في بذور نتائجه، لأن هذا الأمر من عند الخبير.

 

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

 

( سورة فاطر )

من لم يستقم على أمر الله لن يقطف من ثمار الدين شيئا:

 أيها الأخوة، العلاقة بين الأمر ونتائجه، وبين النهي ونتائجه علاقة علمية، فأنت انطلاقاً من ذاتك، انطلاقاً من حبك لسلامتك، من حبك لكمال وجودك، من حبك لاستمرار وجودك، ينبغي أن تستقيم على أمر الله، لا شك أن عدداً منكم يعمل في التجارة، التجارة كم نشاط فيها ؟ هناك شراء محل، شراء مستودعات، شراء مكتب استيراد، تعيين موظفين، كل هذه النشاطات لا قيمة لها إطلاقاً إن لم تربح، فيمكن أن تضغط التجارة كلها في كلمة واحدة التجارة تعني الربح، ويمكن أن يضغط الدين كله في كلمة واحدة هي الاستقامة، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، يبقى الدين ثقافة، خلفية إسلامية، نزعة إسلامية، مشاعر إسلامية، اهتمامات إسلامية، أرضية إسلامية، الإسلام شيء، والمشاعر والأرضية والخلفية والنزعة شيء آخر.
لذلك كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

 

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

العبادة سر وحود الإنسان على وجه الأرض:

 أيها الأخوة، هذا تمهيد، لماذا نحن في الدنيا ؟ الله أخبرنا، قال:

 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

 

( سورة الذاريات )

 فالعبادة سرّ وجودنا على وجه الأرض، ما العبادة ؟ المشكلة الكبيرة أن معظم المسلمين يتوهمون العبادة على أنها عبادة شعائرية ليس غير، أي صوم، وصلاة، وحج ، وزكاة، مع أن:

 

(( ترك دانق من حرام خير من ثماني حجة بعد الإسلام ))

 

[ورد في الأثر]

(( من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ))

[ مسند الشهاب عن أنس بن مالك].

 فالموضوع الآن موضوع العبادة ما مفهومها ؟ من أدق تعريفات العبادة أنها طاعة طوعية، ليست قسرية، الأقوياء يطاعون قسراً، لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن تكون علاقتك به علاقة حب.

 

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 54 )

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

( سورة البقرة الآية: 165 )

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾

( سورة البقرة الآية: 256 )

أصل الدين معرفة الله عز وجل:

 إذاً العبادة ليست طاعة قسرية لكنها طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، هذا التعريف فيه كليات ثلاث، كلية سلوكية، استقامة، طاعة، ما عبد الله من أحبه ولم يطيعه، ما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، طاعة طوعية، سلوك، انضباط، وقوف عند حدود الله.
 ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء إطلاقاً، وليس الولي الذي يطير في الهواء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، هذا هو الولي، ومن أدق تعريفات الولي في القرآن الكريم:

 

﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾

 

( سورة يونس )

 فالعبادة طاعة طوعية، سلوك، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية هذا التعريف فيه كليات ثلاث، كلية سلوكية، لا يوجد عندنا في الإسلام إعجاب سلبي، إسلامنا عظيم، ديننا عظيم، نبينا سيد الأنبياء، ما لم تلتزم، ما لم يراك حيث أمرك، ما لم يفتقدك حيث نهاك، ما لم تعطِ لله، ما لم تمنع لله، ما لم ترضّ لله، ما لم تغضب لله، ما لم تصل لله، ما لم تقطع لله، فلست في المستوى الناجي من عذاب الله، طاعة طوعية أساسها معرفة يقينية، أصل الدين معرفة الله.
أيها الأخوة، هذه المرحلة المكية التي وجه النبي أصحابه الكرام فيها إلى معرفة الله، أنت حينما تعرف الآمر ثم تعرف الأمر تتفانى في طاعة الآمر، أما حينما تعرف الأمر ولا تعرف الآمر تتفنن في التفلت من الأمر، وهذا حال بعض المسلمين، عرفوا الأمر أن هناك صلاة و صوم و حج، و أن الكذب حرام، والسرقة حرام، والغش حرام، و الاحتيال حرام، و الكبر حرام، عرفوا الأمر ولكنهم ما عرفوا الآمر، إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.

 

أمثلة عن إعجاز الله عز وجل:

لذلك هذه الطاعة الطوعية مسبوقة بمعرفة يقينية، بعض الأمثلة:
 أخواننا الكرام بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب لها أربع سنوات ضوئية، و ليأخذ أخوتنا الكرام فكرة عن أربع سنوات ضوئية نقول لهم: الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كم، بالدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربع سنوات ضرب أربعة، ابنك الصغير بالصف التاسع على آلة حاسبة يمكن أن يقدم لك الرقم الذي يفصلنا عن هذا النجم الملتهب، يخرج رقماً، تصور لو أن هناك طريقاً معبداً لهذا النجم، معك سيارة، والسرعة مئة، قسم المسافة على مئة، كم ساعة تحتاج ؟ قسم المسافة على أربع وعشرين كم يوم ؟ قسمها على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة ؟ من أجل أن تصل إلى أقرب نجم ملتهب عدا المجموعة الشمسية تحتاج إلى خمسين مليون عام، معنى أربع سنوات ضوئية أي ستقود مركبة مدة تقدر بخمسين مليون عام.
 كل أعمارنا تقدر بستين، أو سبعين، هذا أقرب نجم ملتهب، متى نصل إلى نجم القطب ؟ أربعة آلاف سنة ضوئية، متى نصل إلى مجرة اسمها المرأة المسلسلة ؟ مليونا سنة ضوئية، متى نصل إلى مكتشف حديثاً بعده عنا 24 مليار سنة ضوئية، الأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام، 24 مليار سنة ضوئية ؟! الآن اقرأ بقوله تعالى:

 

 

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)﴾

 

( سورة الواقعة )

الكون شاهد على أن الله سبحانه وتعالى موجود وواحد وكامل:

لذلك:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

( سورة فاطر الآية: 28 )

 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، هذا الإله العظيم يعصى ؟ هذا الإله العظيم ألا يطاع ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ ألا يخطب وده ؟.

 

فلـو شاهدت عيناك من حسننا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا
ولـو ذقت من طعم المحبة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة  لمت غريباً واشتياقاً لـــقربنا
ولـو لاح من أنوارنا لك لائح  تركت جميع الكائنات لأجلنـــا
* * *

 أيها الأخوة الكرام، لابدّ من أن نعرف الله أولاً، وهذا الكون يشهد له أنه موجود، وواحد، وكامل، بربكم إذا قرأت آية فيها أمر ماذا يقتضي هذا الأمر ؟ أن تأتمر، وإذا قرأت آية فيها نهي، ماذا يقتضي هذا النهي ؟ أن تنتهي، وإذا قرأت آية فيها مشهد من مشاهد أهل الجنة، ماذا تقتضي هذه الآية ؟ أن تسعى للجنة، وإذا قرأت آية فيها مشهد من مشاهد أهل النار، ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تفر من النار، وإذا قرأت آية عن قوم أهلكم الله عز وجل، ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تعتبر.
الآن السؤال: إذا قرأت ما يزيد عن ألف آية تتحدث عن الكون ماذا تقتضي منك هذه الآيات ؟ أن تتفكر في خلق السماوات والأرض.

 

 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

 

( سورة آل عمران )

التفكر في خلق السماوات والأرض دليل معرفة الله تعالى:

 أخواننا الكرام، بين الأرض والشمس 156 مليون كم، والشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، قال الله عز وجل:

 

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)﴾

 

( سورة البروج )

 في أبراج السماء برج اسمه برج العقرب، فيه نجم صغير أحمر اللون متألق اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير المتألق الذي اسمه قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما.

 

﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)﴾

 

( سورة غافر )

 لذلك التفكر في خلق السماوات والأرض دليل معرفة الله، وطريق معرفة الله قال تعالى:

 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

 

( سورة الزمر الآية: 67 )

 إذاً العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، معرفة.

 

جسم الإنسان أعظم أية للتفكر في عظمة الخالق سبحانه:

 

1 ـ العين:

 أيها الأخوة، لو انتقلنا إلى جسم الإنسان، برأس معظم الناس من الشعر ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، بدماغ الإنسان 140 مليار خلية، لم تعرف وظيفتها بعد.
هذه آلات التصوير آلات احترافية غالية جداً، بالميليمتر منها يوجد عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما بالشبكية يوجد بالميليمتر مئة مليون مستقبل ضوئي.

 

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)﴾

 

( سورة البلد )

 العين فيها ماء، لو ذهبت إلى بلد كفنلندا، الحرارة تقدر بتسع و ستين درجة تحت الصفر، الإنسان في هذه البلاد الباردة جداً يضع قبعة، يلبس قفازات، يرتدي معطفاً سميكاً، جوارب صوفية، ثياباً سميكة، هل يستطيع من يعيش هناك أن يغطي عينيه ؟ العين فيها ماء، الماء على تماس مع هذه الحرارة، إذاً يجب أن يفقد الإنسان بصره هناك، لكن رحمة الله أنه أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد، يد من ؟ حكمة من ؟ علم من ؟.
 أخواننا الكرام، هذا الماء الذي أمامي فيه خاصة لولاها لما كان هذا اللقاء، ولما كانت رأس الخيمة كلها، ولا دمشق، ولا سوريا، ولا بلد بالعالم، هذا الماء شأنه شأن أي عنصر في الأرض، تسخنه يتمدد، تبرده ينكمش، كأي عنصر، إلا أنه ينفرد من بين جميع العناصر أنك إذا بردته انكمش، أي زادت كثافته، فالماء المتجمد يغوص إلى أعماق البحار، بعد حقب من الزمان تتجمد البحار كلها، وينعدم التبخر، و تنعدم الأمطار، وييبس النبات، ويموت الحيوان، ويموت الإنسان.
الله عز وجل يدعونا إلى التفكر، ورد في بعض الأحاديث:

 

(( تفكر ساعة خير من عبادة سنة ))

 

[ ابن حبان عن أبي هريرة]

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)﴾

( سورة القدر )

 أي ثمانون عاماً تعبد الله عبادة جوفاء، أفضل منها أن تتعرف إلى الله، إن عرفته عرفت كل شيء.

 

2 ـ الغشاء العاقل:

 أيها الأخوة الكرام، لو تابعنا بعض الآيات، حينما يولد الجنين ينزل معه قرص لحمي اسمه المشيمة عند الأطباء، و الخلاص عند العوام، و لا أعلم ما اسمه عندكم، هذا القرص اللحمي يقوم بأعمال لا يصدقها العقل، هذا القرص تجتمع فيه دورة دم الجنين مع دورة دم الأم، ودم الجنين زمرة، ودم الأم زمرة، ولا يختلطان، لو اختلطا لمات الجنين وأمه فوراً، لو أعطيناه الآن دماً من زمرة أخرى يموت فوراً، كيف لا يختلطان ؟ قال: بينهما غشاء، هذا الغشاء سماه الأطباء الغشاء العاقل، يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء.
 يأخذ هذا الغشاء السكر من دم الأم ويطرحه في دم الجنين، فقام هذا الغشاء مقام جهاز الهضم، ثم يأخذ الأوكسجين من دم الأم ويطرحه في دم الجنين، قام مقام جهاز التنفس، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم يضعه في دم الجنين، قام مقام البنكرياس، صار في دم الجنين سكر، أوكسجين، أنسولين، يحترقون، يحترق السكر بالأوكسجين عن طريق الأنسولين، تتشكل طاقة عند الجنين، الجنين حرارته 37، من أين جاءت ؟ من احتراق السكر، الناتج ثاني أكسيد الكربون يأخذه الغشاء العاقل من دم الجنين ويضعه في دم الأم فجزء من نفس الأم، نفس جنينها.
الآن يأخذ هذا الغشاء من دم الأم كل عوامل المناعة، أي جميع الأمراض التي أصيبت أمه بها عوامل المناعة الناتجة عن هذه الأمراض تنقل إلى دم الجنين، فالجنين محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه.
الآن هذا الغشاء العاقل يمنع مرور التسمم إلى دم الجنين، لو أن الأم لا سمح الله تسممت بمادة غذائية قاتلة هذا السم لا يصل إلى دم الجنين.
 الآن هذا الغشاء يقوم بأعمال مذهلة، يعلم كم يحتاج الجنين من مواد غذائية من سكريات، من مواد دسمة، من شحوم، من معادن، من أشباه معادن، من فيتامينات، ينفذ هذا المشروع، ويأخذ من دم الأم ما يحتاجه الجنين من مواد غذائية، وكل ساعة تتبدل النسب بحسب نمو الجنين، لو اجتمع أطباء الأرض لا يستطيعون القيام بمهمات الغشاء العاقل.
الآن يتم الاستقلاب بدم الجنين، أي يتحول الغذاء، البروتينات، الشحوم، إلى أنسجة، هذه العملية اسمها الاستقلاب، من نواتجها حمض البول، الغشاء العاقل يأخذ حمض البول من دم الجنين ويضعه في دم الأم، فجزء من بول الأم بول جنينها، لو أن الجنين أمه فقيرة، غذاؤها غير صحي بحاجة إلى بوتاس، ماذا يفعل هذا الجنين ؟ يحتاج إلى بوتاس، لا يوجد لغة تخاطب مع أمه، ما الطريقة ؟ الغشاء العاقل يلقي في شهوة الأم طعاماً فيه بوتاس، فالأم الحامل تشتهي بعض الأطعمة النادرة، شهوتها لهذا الطعام هو في الحقيقة تلبية لحاجات الجنين.

 

 

﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)﴾

 

( سورة الطور .

 أيها الأخوة الكرام، التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.

 

عبادة الهوية:

 أيها الأخوة الكرام، تحدثنا عن عبادة الهوية، الغني له عبادة، والقوي له عبادة، والعالم له عبادة، والمرأة لها عبادة، لكن هناك عبادة العصر، أي إذا أراد الآخر أن يفقر المسلمين فالعبادة الأولى استخراج الثروات، واستصلاح الأراضي، وإنشاء السدود، وتنمية الدخل، ليكون المال قوة بيد المسلمين، فالمال قوة، والعلم قوة، والمنصب قوة، وإذا أراد الآخر إضلالنا، فعقد المؤتمرات، وتأليف الكتب، وإلقاء المحاضرات، وتنوير الشباب أول عبادة.
صدر كتاب في بعض المدن العربية أن إله محمد قمعي، أما آلهة قريش ديمقراطيون، لأن أحدهم قبل الآخر.
 الآن هناك تطاول على أصول الدين، من قبل كان هناك تطاول على فروع الدين ، الآن التطاول على سيد الأنبياء والمرسلين، لذلك الفضل لله عز وجل، أنا أكتب مقالة تترجم إلى اللغة الإنكليزية كل أسبوع في الدانمرك عن رسول الله، إن أراد الآخر إضلالنا ينبغي أن نوضح معالم هذا الدين، ينبغي أن نرد على الشبهات، ينبغي أن نمحق الضلالات، الآن إن أراد إفسادنا بهذه الفضائيات فقد قال بعض المفكرين: كان الغرب يجبرنا على أن نفعل ما يريد بالقوة المسلحة، الآن يجبرنا على أن نريد ما يريد بالقوة الناعمة المرأة، إن أراد إفقارنا ينبغي أن ننمي ثرواتنا ليكون المال قوة بأيدينا، إن أراد إضلالنا ينبغي أن نوضح معالم هذا الدين، وأن نرد على كل الشبهات، وإن أراد إفسادنا ينبغي أن نصون شبابنا وشاباتنا من كل انحراف، وإن أراد إذلالنا ينبغي أن نضحي بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس.

 

 

المبادئ هي الأساس لا الأشخاص:

 سيدنا عمر هذا الخليفة العظيم جاءه جبلة بن الأيهم ملك الغساسنة مسلماً، رحّب به أشد الترحيب، في أثناء طواف جبلة حول الكعبة بدوي من قبيلة فزارة داس عن غير قصد طرف ردائه، فانخلع الرداء عن كتفه ـ هو ملك ـ فالتفت نحو هذا البدوي وضربه ضربة هشمت أنفه، ذهب هذا البدوي إلى عمر بن الخطاب يشكو ملك الغساسنة، فاستدعاه، ووقف أمامه على نفس الطريقة التي وقف بها هذا المظلوم، هناك شاعر معاصر صاغ هذا الحوار شعراً، قال سيدنا عمر لجبلة:
أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
 قال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
 قال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك.
 قال: كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة ـ أي من دهماء الناس، من عامة الناس ، من الخط العريض، من الشارع المسلم ـ وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟
 قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
 فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
 فقال عمر: عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
 إن أرادوا إفقارنا ينبغي أن نطور بلادنا، وأن نبني أمتنا، إن أرادوا إضلالنا ينبغي أن نوضح معالم هذا الدين، إن أرادوا إفسادنا ينبغي أن نصون شبابنا وشاباتنا.
سمعت في بلد إسلامي في شرقي آسيا ـ أعتقد ماليزيا ـ الصحن غرامته مليون ، أخلاق الأمة بيد من يتولى أمرها، فهذه الصحون المفتوحة بلا قيد ولا شرط، هذه مشكلة كبيرة جداً.

 

 

المعركة بين الحق والباطل معركة أزلية أبدية:

 الشيء الدقيق الآن إن أرادوا أن نغير هويتنا ينبغي أن نعتز بهويتنا، وأن نعتز بديننا، الحقيقة هناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، معركة نكون أو لا نكون ، معركة بقاء أو فناء، وليس هناك حل وسط، وترون وتسمعون، هذا الذي جرى في غزة لم يتكلم أحد كلمة بالعالم كله، وكأن دماءنا مستباحة.
فلذلك الله عز وجل قال:

 

 

﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 119 )

 نرجو من الله سبحانه وتعالى أن نكون تحت هذه الآية الكريمة:

 

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾

 

( سورة القصص )

الإسلام منهج كامل يشمل كل جوانب الحياة:

 أيها الأخوة الكرام، والله لا أبالغ يتوهم المسلمون أن العبادة خمسة فروض، أن تنطق بالشهادة، وأن تصلي، وتصوم، وتحج، وتزكي، والله لا أبالغ قد تصل العبادة إلى خمسمئة ألف بند، منهج الإله يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل، كيف تأكل، كيف تتزوج، كيف تربي أولادك، كيف تنام، كيف تمضي وقت الفراغ، ماذا تفعل مع من هم فوقك، مع من هم دونك، منهج كامل، توهم المسلمون أنك إذا صليت ، وصمت، وحججت، وزكيت انتهى كل شيء.
ماذا قال سيدنا جعفر للنجاشي لما سأله عن الإسلام ؟

 

(( كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ))

 

[أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف.

 

(( فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

 

[أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

العبادة الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادة التعاملية:

 لذلك أيها الأخوة، عندنا عبادة شعائرية وعبادة تعاملية، أخطر فكرة أقولها في هذا اللقاء أن العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية، طالبوني بالدليل: لا يجرؤ إنسان على وجه الأرض أن يقول في الدين برأيه:

 

(( يؤتى برجال يوم القيامة، لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثورا، قيل: يا رسول الله جلهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكن إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

 

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان].

سأل النبي أصحابه:

(( ما المُفْلِسُ ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع. قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار ))

[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 هذه في الصلاة، لا يمكن أن تقطف ثمارها إن لم تستقم على أمر الله.
الصيام:

 

(( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ))

 

[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمر ]

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 الحج:

 

(( من حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))

 

[الشيرازي في الألقاب و أبو مطيع في أماليه عن عمر]

 الزكاة:

 

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53)﴾

 

( سورة التوبة )

 أدلة، قرآن، وحديث صحيح، العبادات الشعائرية لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية.

 

كل أمر في القران الكريم يقتضي الوجوب مالم تقم قرينة على خلاف ذلك:

 الإسلام منهج كامل، العبادة تعني أن تعبد الله في كل أوامره، وقد قال علماء الأصول: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، ما لم تكن هناك قرينة على خلاف ذلك، هناك أمر إباحة.

 

 

﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 186 )

 وهناك أمر ندب:

 

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾

 

( سورة النور الآية: 32 )

 وهناك أمر تهديد، الآية الكريمة:

 

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾

 

( سورة الكهف الآية: 29)

 هذه لام الأمر، أيعقل أن يأمر الله بالكفر ؟ هذا أمر تهديد.
 إذاً هناك أمر تهديد، و أمر إباحة، و أمر ندب، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، إذاً صار عندنا خمسمئة ألف أمر.
فيا أيها الأخوة الكرام، العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، والحمد لله رب العالمين.
أشكر حضوركم وإصغاءكم، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور