وضع داكن
23-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 098 - رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
أيها الأخوة الكرام:
 بعد أن انتقلنا من باب الحج، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا في العام القادم بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور، ننتقل إلى باب الجهاد في كتاب إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم.
وقبل أن نقرأ بعض الأحاديث المتعقلة بالجهاد أريد أن أضع بين أيديكم هذه الحقيقة:
 كلما نطقنا بكلمة الجهاد يقفز إلى أذهاننا القتال، مع أن في الإسلام مفهومات للجهاد واسعة جداً قبل القتال، فهذا كان محور خطبتين في جامع النابلسي، أن الإنسان حينما يهزم أمام شهواته، هل بإمكانه أن يقاوم محتلاً ؟ حينما يهزم أمام مصالحه، أمام نزواته أمام رغباته، أمام دوافعه الأرضية، هذا لا يستطيع أن يواجه نملة.
لذلك في الصحاح يقول عليه الصلاة والسلام:

(( رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الأَكْبَرِ ))

 الرواية جهاد النفس في ذات الله، فنحن حينما نفهم الجهاد في البدايات، جهاد النفس والهوى، وحينما نوقن أن جهاد الأعداء فرع من فروع جهاد النفس والهوى، الأصل جهاد النفس والهوى، أنت حينما تنتصر على نفسك، وحينما تضع قدمك تحت حظوظك وحينما تسير أعضاءك، وحينما تؤثر طاعة ربك، أنت الآن يمكن أن تقاوم عدواً محتلاً لأنك أهل لذلك.
 فلذلك أيها الأخوة ما في عندنا حل الآن إلا أن نتبع توجيه النبي في جهاد النفس والهوى، فكل واحد عليه أن يخوض معركة مع ذاته، معركة مع شهواته، معركة مع مصالحه، معركة حظوظه، معركة مع رغباته، مع نزواته، فإذا انتصر عليها قطع المرحلة التي لا بد منها.
يعني مرة ضربت مثل لكنه مزعج: أن إنسان جنب من زنا، أراد أن يقيم الليل طول بالك اذهب واغتسل أولاً، في أشياء كثيرة جداً قبل أن تقوم الليل، في توبة، في اغتسال، في إصلاح، فهذا القفز المضحك عند المسلمين، إلى جهاد الأعداء، قبل أن تستكمل جهاد النفس والهوى، في يسمونها تجاوز للمراحل أساسية، لذلك قد لا ينجح الجهاد إن لم ننتصر على أنفسنا، هذا ملخص الموضوع.
 يعني مثلاً إذا إنسان يعاني الحسد، الحسد مرض، بصراحة لو أن إنسان لا سمح ولا قدر وقنا وإياكم كل مكروه، وكل مرض عضال، لو أن إنسان كتشف أن عنده مشكلة كبيرة في جسمه ورم وخبيث، لماذا يقلق أشد القلق ؟ لو اكتشف أن بصره في طريق التعطل لماذا يقلق أشد القلق ؟.
 دققوا أن كل واحد منا حريصاً حرصاً لا حدود له على صحته، يخاف على عينيه، على أذنه، على نبضه، على قلب، على دسامات قلبه، على شريانه التاجي نسب السكر في الدم، الأسيد أوريك، السؤال لماذا كل هذا الحرص على سلامة الجسم ولا نعبأ بأمراض القلب، هل هناك أمراض في القلب، اقرأ القرآن:

 

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾

 

( سورة البقرة الآية: 10 )

 وردت كلمة القلب المريض ثماني مرات في القرآن الكريم، في ثمان آيات معنى ذلك أن هناك قلب مريض، طيب لماذا لا يقلق الناس على قلوبهم المريضة، الحسد مرض، الشح مرض، الكذب مرض، الكذب مرض، سوء التصور مرض، سوء الإرادة مرض، الجهل مرض، الخوف مرض، النفاق مرض لماذا نقلق أشد القلق على أمراضنا الجسمية ولا نعبأ إطلاقاً بالأمراض النفسية، لو وازنا بينهما، مرض الجسم مهما كان عضالاً ينتهي مع الموت، يدفن الواحد إن كان معه سرطان، وإن كان معه عقد مصران، وإن كان معه شلل، انتهى الشلل، وانتهى السرطان، هذه الأمراض المخيفة التي يرتجف من ذكرها الإنسان عند الموت تنتهي، أليس كذلك ؟
أما أمراض القلب متى تبدأ ؟ مع الموت، وإلى أبد الآبدين، أيهما أخطر مرض القلب الذي يهلك صاحبه إلى الأبد في النار ؟ أما مرض الجسم الذي ينتهي مع الموت ؟ الدليل:

 

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

 

( سورة الشعراء )

 معنى أثمن شيء تملكه أن تأتي الله بقلب سليم، القلب السليم ليس فيه شهوة لا ترضي الله ، وليس فيه تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، وليس فيه عبادة لغير الله وليس فيه تحكيم لغير شرع الله، يعني هذا اللقاء الطيب مهمته واحدة، أن نهتم لأمراض قلوبنا أضعاف ما نهتم بأمراض أجسامنا، لأنه كل إنسان بعد الأربعين الخمسين عنده عدة ظواهر سلبية، يضعف بصره يحتاج إلى نظارة، تسقط أسنانه أحياناً من نخر، يؤلمه ظهره تؤلمه مفاصله، يرتفع سكر الدم عنده، ترتفع بعض النسب التي ليست مفيدة في جسمه، قد يضعف قلبه، وكأن هذه التطورات في صحته إشارات لطيفة لطيفةٌ لطيفة، من اللطيف أن يا عبدي قد اقترب اللقاء بيننا هل أنت مستعد له.
إلى متى باللذات مشغــول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول

 

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيــع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته  إن المحب لمن يحب يطيـــع

 الذي أتمناه عليكم من كل قلبي أن تقلقوا لأمراض القلوب أشد من القلق لأمراض الجسوم، أمراض القلوب متى تبدأ ؟ بعد الموت، الآن نحن في حياتنا اليومية أي الأمراض أشد خطراً، دقق، المرض الذي ليس له أعراض، الضغط القاتل الصامت، ما له ولا عرض طلع الضغط خثرة بالدماغ، شلل، طلع الضغط احتشاء بالقلب، طلع الضغط، القاتل الصامت ما له أعراض، إلا بالقياس، الناس لا يقيسون ضغطهم كل يوم، أنا أنصح كل أخ أن يكون عنده جهاز ضغط، لأنه هذا مهم جداً جهاز الضغط، الآن ما المرض الخطير الذي ليس له أعراض، تبدأ كتلة بالجسم، ما لها أعراض، يصبح حجمها بحجم البرتقالة ما في ألم إطلاقاً، حتى تضغط على أعضاء مجاورة، يكون انتهى الأمر مشى انتقل، تعمم لا يوجد أمل، لكن في أمراض مؤلمة جداً، لكن غير مخيفة، أمراض القلوب ما لها أعراض ظاهرة هذه مشكلتها، متكبر، وهو محجوب عن الله لكنه لا يدري أنه متكبر مخادع، حقود، لئيم، شحيح، بخيل، هذه كلها أمراض مهلكة، أمراض تحج، مخاتل مخادع، منافق، أناني، هذه كلها أمراض، أمراض يبدأ فعلها بعد الموت.
لذلك أيها الأخوة الذي أتمناه أن نقلق لأمراض قلوبنا، سيدنا عمر يقول: تعاهد قلبك.
الواحد كما قال الله عز وجل:

 

 

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾

 

( سورة القيامة )

 كل واحد يعرف أحياناً يكذب، يخادع، أحياناً لا ينصف، يحابي، يدافع عمن يلوذ به، وينقم عمن لا يلوذ به، هذه كلها أمراض، حينما تستقيم قلوبنا، تستقيم علاقتنا بالله عز وجل.
فأنا أريد كما يقول العامة، يكون الواحد حكيم نفسه، يراقب نفسه في خطأ.
 أنا أذكر مرة أحد زعماء غطفان جاء ليحارب النبي في الخندق، جالس بخيمته ويبدو أنه أصابه قلق أو أرق، فخاطب نفسه، أجرى حوار ذاتي، قال يا نعيم، كان مشرك وكان صاحب صبوة وخمرة، وكان من زعماء غطفان، وجاء مع المجموع ليقاتل النبي في معركة الخندق، في لحظة تفكير صادقة، خاطب نفسه، قال يا نعيم ما الذي جاء بك إلى هنا لماذا تقاتل هذا الرجل ؟ هل سفك دماً، هل انتهك عرضاً، هل اغتصب مالاً، لا والله إنه رجل صالح، لماذا تقاتل أصحابه وهم مثله، أيليق بك يا نعيم أن تكون مع الدهماء، أين عقلك يا نعيم، يخاطب نفسه، هذا حوار ذاتي، انتفض، ووقف، وانطلق إلى خيمة النبي هذا قائد خصم، مخيف، فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام دهش، قال له نعيم ؟‍ ‍قال له نعيم، قال له ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال له جئت مسلماً، وأشهد أنك رسول الله، قال له امرني، قال له أنت واحد، قال لم يعلم أحد بإسلامي، قال له خذل عنا ما استطعت.
 والله أيها الأخوة الإسلام في معركة الخندق كان قضية ساعة أو ساعتين ينتهي استئصال، عشرة آلاف مقاتل جاؤوا ليستأصلوا الإسلام كلياً، فكر تفكير منطقي، وأسلم سراً قال له خذل عنا أنت واحد يا نعيم، ذهب إلى اليهود، لم يعلموا بإسلامه، قال لهم تعلمون محبتي لكم وإخلاصي لكم، قال نعم، قال أنتم نقضتم عهدكم مع محمد لأنه هو يمثل دور.
مرة مثلوا تمثيلية بمعهد شرعي، فواحد من الطلاب مثل دور صفوان ابن أمية يضرب بلال، قال له لن أرفع عنك العذاب، هو يخاطب بلال حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، معنى الدور غير متقن.
 حدثني أخ خطيب مسجد هي طرفة لكن لها دلالة كبيرة جداً، قال لي في درس وجالسين أمامي، يتكلم عن فساد الأخلاق، وعن تفلت البنات والفتيات، قال تأتي الساعة العاشرة على البيت، أين كانت ؟ عند الحبيب، قال لي الكل صلوا على الحبيب، من كثرة انسجامهم مع الدرس، وصلوا على الحبيب الجماعة.
 الإسلام قضية ساعات، قال لهم يا قريش نقضتم عهدكم مع محمد، خاطب اليهود وتعلمون أن هؤلاء القوم هذه ليست أرضهم، فإن هزمهم محمد عادوا إلى بلادهم وتركوكم مع محمد لينتقم منكم، فأنا أنصحكم أن تسترضوا محمد، وأن تعيدوه أن تأخذوا من قريش سبعين رهينة كي يقتلها وينتصر عليه، فوعدوه بذلك، آل قريش، قال تعلمون أنني أحبكم، صدقوا ذلك، قال لهم اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد، واتفقوا معه على أن يأخذوا منكم رهائن ليقتلهم محمد، انتبهوا، ثم دفع اليهود لمطالبة قريش بالقتال، فطلبوا اليهود رهائن فكان عندهم صادقاً، وقع شرخ بينهم، هل تصدقون واحداً أجرى حواراً دقيقاً مع نفسه كان سبب نصرة الإسلام، اسمه نعيم بن مسعود، من كبار الصحابة، هو الذي كان سبب انتصار المسلمين في الخندق، لأنه فكر ,
الآن الناس كلهم يمشون كذلك إمعة، هكذا مع الناس، يلبسون قصير يقصروا يلبسون ضيق يضيقوا، يسهرون سهرات مختلطة يسهرون.

 

(( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن أساؤوا أسأنا ))

 

[ أخرجه الترمذي عن حذيفة ]

 فيا أيها الأخوة نحن مهمتنا الآن أن ننتصر على أنفسنا، ونحن في باب الجهاد وسوف نأخذ بعض الأحاديث إن شاء الله كما يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ))

 لأن هذا يقوي المسلمين، إذا المسلمين ضعفوا انتهكت حرماتهم، ودنست مقدساتهم، وقتل أبناءهم، الآن المسلمين ضعاف، في تطاولات غير معقولة، من الطرف الآخر على بلادهم، وعلى مقدساتهم، وعلى شبابهم، وعلى مناهجهم، وعلى تعليمهم وعلى توجيههم.
 فأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا على أنفسنا، حتى نستحق أن ينصرنا على أعدائنا.
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، وصلى على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومسلم.

 

إخفاء الصور