وضع داكن
29-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 089 - لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا …
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام: مازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام:

((عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا))

[ متفق عليه ]

 نقف وقفة متأنيةً عند كلمة حسد، الحسد يمكن أن يكون حيادياً من جبلة النفس، لماذا كان الحسد أو الغيرة من خصائص النفس هذه الخصيصة لمصلحة المؤمن لو أن الإنسان لا يغار ولا يتمنى ما عند الناس من خير لا أحد يسعى إلى الخير أبداً، راقب نفسك في جلسة ترى إنساناً قريباً من الله تتمنى أن تكون مثله إنساناً على علم عميق تتمنى أن تكون مثله إنساناً منفقاً محسناً تتمنى أن تكون مثله، هذه خصيصة حيادية يمكن أن تكون للخير ويمكن أن تكون للشر أما لا تصدقوا أن الله عز وجل يجبل النفس البشرية على صفة سيئة مستحيل فطرة الله التي فطر الناس عليها.
 الفطرة خيرة الأدق من ذلك حيادية، فطرة حيادية يمكن أن تكون سلماً ترقى بها أو دركات تهوي بها، أنا أقترح أن نسمي الغيرة مبدئياً إن غرت من أهل الدنيا فهذا حسد وإن غرت من أهل الآخرة فهذا غبطة، إذا اشتهيت أن تحفظ القرآن الكريم أن تكون واعياً له أن تعمل به اشتهيت أن يكون لك أثر كبير في هداية الناس، اشتهيت أن تكون غنياً محسناً تمسح دموع الفقراء والمساكين هذه غبطة معنى ذلك أن هذه الخصيصة في النفس وظفتها في الحق، اشتهيت أن يكون لك بيت كبيت فلان مركبة كمركبته سلكت أساليب ملتوية في كسب المال كي تحقق ما تصبو إليه هذا حسد.
معناها في إنسان استشهد منذ يومين ببيت شعر والله آلمني ألماً شديداً قال لي: والظلم من شيم النفوس، هذا بيت شعر قاله شاعر جاهلي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
 لا هذا كلام ضعه تحت قدمك العدل من شيم النفوس والدليل السارقون إذا سرقوا يقتسمون بالعدل فيما بينهم، العدل من شيم النفوس أنت تحب العدل أما أن تكون عادلاً شيء آخر، الفطرة أن تحب العدل الصبغة أن تكون عادلاً الفطرة أن تحب الرحيم الصبغة أن تكون رحيماً هذا الفرق فأنت في أصل الخلق تحب الرحمة تحب الإنصاف، إن اتصلت بالله تكون رحيماً ومنصفاً وعادلاً قال تعالى:

 

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 138]

 أنت اصطبغت بكمالات الله عند اتصالك به أما قبل أن تتصل به أنت على الفطرة، كل مولود يولد على الفطرة:

 

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾

 

[ سورة الروم: الآية 30]

 فطر الناس على أن يقيموا وجوههم للدين لذلك كل إنسان يهتدي إلى الله يجد نفسه عاد إلى فطرته، يعني هذه السيارة مصممة للطريق المعبد مهما تكن غالية، اركب أرقى سيارة التي ثمنها خمسة وعشرين مليوناً بطريق وعرة تتكسر أصوات تمشي على الطريق المعبد ترى ولا صوت هذه مصممة للطريق المعبد.
 ينبغي الإنسان يستقيم، ارتاح لأنه عاد إلى فطرته لما ينحرف عن فطرته يتعذب لا أحد يعذبه يعذب نفسه، يسموها كآبة يسموها الشعور بالنقص يسمونها تأنيب الذات يسمونها التشاؤم الانقباض هذا كله تعذب الفطرة، لذلك الحسد المحرم المقيت أن تتمنى ما عند أهل الدنيا قال تعالى:

 

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾

 

[ سورة القصص: الآية 79]

 هذا الحسد، الحسد أيها الإخوة الكرام: ثلاثة مستويات أو أبسط نوع أن تتمنى أن تحول النعمة من أخيك إليك أما لو طلبت نعمة كما عند أخيك هذا ليس حسداً، اللهم كما رزقته فارزقني، كما أكرمته فأكرمني، كما آويته في بيت فآوني هذه ليست مشكلة أبداً أما أن تتمنى أن تحول النعمة عن أخيك إليك.
 في مستوى أشر أن تتحول النعمة عن أخيك دون أن تصل إليك فقط ينضر، هذه أشر أن تسهم في إزاحة هذه النعمة عنه تعمل تقرير أن تتمنى أن تحول إليك مستوى أدنى أن تتمنى أن تزول عنه دون أن تحول إليك مستوى ثان أن تسهم أنت في إزالتها عنه مستوى ثالث.
لذلك:

 

قل لي لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدبا
أسأت على الله في فعلـه إذ لم ترضَ لـي ما وهـبا

 

الحسود يعترض على قضاء الله وقدره. وفي بيت شعر:
ملك الملوك إذا وهب، أنا عدلته، قم فاسألن عن السبب

 الله عادل.

 

ملك الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
الله يعطي مـن يشاء فقف علـى حد الأدب

 لكن النبي عليه الصلاة والسلام لحكمة بالغة بالغة استعار كلمة حسد للغبطة، يبدو أن هذه الكلمة مألوفة عند الناس قال:

 

((... لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ...))

 أنت يحق لك أن تحسد إنساناً معه مال يحل به مشكلات الناس، وهذا والله عمل عظيم وهذا سبب أن الغني قريب من الله بماله يحل مشكلات ومن حقك أن تحسد إنسان بعلمه هدي الناس هؤلاء النموذجان حق لك أن تحسدهما أو أن تغبطهما

((...لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا))

 والله أسمع عن أعمال صالحة شهد الله الإنسان يتمنى أن يكون غنياً ويفعلها، يموت الغني ويمضي على موته مئتي سنة وهذه المنشأة بصحيفته، أنا مرة دعيت لافتتاح مسجد بالصبورة والله كان حفلاً لطيفاً دعي معظم علماء دمشق وألقيت كلمة أنا والذي دعانا الذي أنشأ مسجد بكامله ما طلب من أحد مبلغ وجهه يطفح نوراً، إنسان شاهد عمله جامع خرجت من الجامع إلى الشام مواجهه في ملهى كل أنواع الموبقات ترتكب فيه، يعني شيء لا يوصف الذي أسسه بعد سبعة أيام فطس بعد سبعة أيام ترى جامع وملهى، إذا مات الذي عمر المسجد، الاثنين ماتوا واحد يسعد بهذا المسجد إلى أبد الآبدين، وشخص يشقى بهذا الملهى إلى أبد الآبدين.
 أيام ترى داعية إلى الله عز وجل ومغني والاثنين ماتوا والإذاعات تذيع دروس هذا الداعية وأغاني هذه المغنية، بطولتك يكون لك عمل صالح يستمر بعد حياتك، هذه الصدقة الجارية تسهم في بناء مسجد في بناء دار أيتام ببناء مستشفى في بناء معهد شرعي في مشروع تعاوني في صندوق للزواج في تأليف كتاب في ترك أثر في تربية طلاب علم في تربية أولادك العبرة أن تعمل عملاً يستمر بعد مماتك، العبرة أن يقول الناس اسمك إلى مئات السنين.
 مرة كنت أدرس طلاباً أحببت أن أعطيهم مثلاً قوياً، قلت لهم من يحضر لي اسم تاجر بدمشق عاش سنة ألف وثمانمئة وثلاثة وستين، الصف فيه خمسين طالباً ولا واحد عرف قلت لهم وأنا معكم لا أعرف أما سيدنا صلاح الدين الأيوبي الذي رد الصليبيين سيدنا عمر سيدنا خالد أبو حنيفة النعمان الإمام الشافعي هؤلاء الأعلام نحن نذكرهم كل يوم آلاف المرات لأنهم تركوا عملاً بعد موتهم، فأنت حاول، سأحضر لكم مثلاً بسيطاً وإن كان دقيقاً شخص ابنه شرد عنه غاب وكاد يذوب قلبه ألماً قال واحد شاهدته وأطعمته سندويشة ماذا يقول لك أحضره أنا أطعمه، أنت لما تطعم جائعاً ولما تهديه إلى الله شيئاً ثانياً، لما أنت تسهم في هداية إنسان حلت كل مشكلاته فليست البطولة أن تطعمه فقط ولا أن تسقيه وتلبسه ولكن أن تعرفه بربه، يعني كل واحد منا يعاني من أزمة مالية سحب المال صعب جداً لكن ما قولك واحد معه شركة مرسيدس مثلاً له كلها أو ميتسوبيشي أو سوني.
هل تصدق أنك إن هديت واحداً إلى الله أفضل من أن تكون الدنيا كلها لك، كلام النبي يجب أن تصدقه يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها خير لك مما طلعت عليه الشمس خير لك من حمر النعم.
 بربكم بالتعبير العامي من قابض هذا الحديث ؟ والله ما أحد قابض، يريد أن يؤمن مالاً ويعيش ولا يريد شيئاً أما تسهم في هداية إنسان تعرفه بالله تأخذه معك إلى المسجد تجعله يستقيم يغض بصره، ربي أسألك نفسي لذلك هذا الذي ولو كان صالحاً إذا ما خطر في بالك تهدي إنساناً هذا اسمه صار صالحاً غير مصلح قال تعالى:

 

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾

 

[ سورة هود: الآية 117]

إذا كانوا صالحون يهلكون أرسل الله الملائكة لإهلاك قرية فقالوا يا رب إن فيها صالحاً قال به فابدؤوا لأنه كان لا يتمعر وجهه إذا رأى منكراً.
 تأتي إلى عندك ابنة أخوك وتلبس قصيراً ماذا تقول لها ؟ أهلاً وسهلاً يا عم كيف حالك اشتقنا لك، لباسها لا يهمك أمره ما يخطر في بالك تنصحها، يقول يباعون بالعزاء ماذا أريد منهم، هذا انتماء فردي أرأيتم إلى ما يحل بنا الآن لأنه انتماء فردي كل واحد مهتم بنفسه الولاء شخصي، الانتماء ذاتي لذلك قال تعالى:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

[ سورة آل عمران: الآية 110]

 علة هذه الخيرية قال تعالى:

 

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 110]

 فإن لم نأمر ولم ننهَ فقدنا خيريتنا، إذاً نحن أمة كهذه الأمم الشاردة قال تعالى:

 

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 18]

 ليس لنا ولا ميزة مليار ومئتي مليون ليست كلمتهم هي العليا وليس أمرهم بيدهم وللكفار عليهم ألف سبيل وسبيل هذا شيء واقعي، فكل إنسان يلحق نفسه.

إخفاء الصور