وضع داكن
29-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 013 - إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم...
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام:
 مازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والموضوع اليوم الترهيب من المراء والجدال يقول عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ "))

[متفق عليه ]

الألد: شديد الخصومة، الخصم: مبالغة من المخاصمة.
 يعني هذا الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها لقضية تافهة، هذا الذي يرغب في معاداة الناس، في مجادلتهم، وينبغي أن نفرق بين الحوار والمجادلة، الحوار تبادل الآراء، الله عز وجل علمنا أدب الحوار فوجه نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)﴾

[ سورة سبأ: الآية 25 ]

 دعوة النبي جريمة ؟ أنت حينما تحاور أخاك أو خصمك، أو حينما تحاور أي إنسان ما هدفك ؟ أن تحطمه ؟ أو أن تأخذ بيده ؟ إذا كان الهدف أن تحطمه لست مع الله وليس الله معك، أما إن أردت أن تأخذ بيده ينبغي أن تتلطف معه، ماذا قال الإمام الشافعي ؟ أنا على حق وحقي يحتمل الخطأ وخصمي على باطل وبطله يحتمل الصح.
 دع احتمال الطرف الآخر معه وجهة نظر، ولا يوجد إنسان عبقري، لا يوجد إنسان متفوق في الحياة ولا إنسان ناجح إلا ويصغي إلى كلام الخصوم، وأحياناً الخصم يأتيك بنظرةٍ دقيقة ونقد حقيقي فكل إنسان يتعامى عن النقد يضع نفسه مهملاً، ينتهي، وكل إنسان يصغي إلى النقد، صلى الله عليه وسلم لا يوجد أعلى من هذا لا علماً، ولا خلقاً، ولا فكراً، ولا اجتهاداً، ومع ذلك أراده الله أن يكون قدوةً لنا في التراجع عن الخطأ، ففي معركة بدر حجب عنه الموقع المناسب، حجبه عنه وحياً، وحجبه عنه إلهاماً وحجبه عنه اجتهاداً فجاء صحابي جليل يكاد يذوب أدباً مع رسول الله، قال: يا رسول الله أهذا الموقع وحياً أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ تعلموا من هذا أن أصحاب النبي لم يكونوا عمياً عندهم بصيرة، وجرأة، وغيرة، لاحظ في أي مكان النفاق يبلغ درجة يفوق حد الخيال، الخطأ الصارخ يمدح به صاحبه، أما صحابي جليل يوجه نقداً لرسول الله لكن بأدب.
قال: يا رسول الله أهذا الموقع وحياً أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ فالنبي قال له: لا هو الرأي والمشورة، ليس وحياً، قال له: يا رسول الله ليس بموقع. يخاطب سيد الخلق وحبيب الحق يخاطب من يوحى إليه، يخاطب صاحب المعجزات، يخاطب سيد ولد آدم، يخاطب حبيب الله، والنبي بتواضع جم، وبأدب رفيع، قال: هذا هو الصواب جزاك الله خيراً وأعطى أمراً لأصحابه أن يتحولوا لهذا الموقع.
هذا الذي يريد أن يحطم الآخرين هذا لا يبتغي وجه الله، أما إذا كنت تبتغي وجه الله ينبغي أن تتواضع للطرف الآخر، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 25 ]

 نحن أهل وحق وأنتم أهل باطل هذا ليس حوار في آية ثانية:

 

﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 24]

 الحق مع أحدنا قد يكون معنا وقد يكون معكم نتحاور، وهو معه الوحي صلى الله عليه وسلم، معه وحي الله، وهو رسول الله، مع أنه رسول الله ومع أنه معه وحي الله ما ادعى أنه على حق وأنتم على باطل.
تجد اثنين كلاهما في مستوى واحد، واحد يرى أنه على الحق مائة بالمائة والآخر ضال مضل كافر مشرك، بهذه البساطة، الذي معه وحي قال:
وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
أرأيت إلى أدب الحوار، هذا هو الحوار نقل الأفكار، الدعوة إلى الله مع التواضع، مع احترام الطرف الآخر، أما هذا الذي يحتقر الطرف الآخر ويضخم نفسه هذا لا يبتغي وجه الله، يبتغي العلو في الأرض، لذلك ورد في بعض الأحاديث:

 

(( عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ ))

 

[ الترمذي، ابن ماجه ]

 هدفه الظهور، والآن في عندنا صرعة جديدة كاتب مغمور جداً لا يعبأ به إطلاقاً لا تساوي كتاباته قشة، يتهجم على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد عليه الناس فيشتهر، هذا سلمان رشدي عرض قصته السخيفة آيات شيطانية عرضها على خمس مائة دار نشر في أوربا وأمريكا ولم تقبل دار واحدة أن تنشرها له لسخافتها ولضعفها الفني فلما أبيح قتله تهافتت دور النشر على قصته ونشرت.
 أحياناً لما تهاجم إنساناً حقيراً أنت تخدمه، تكون كبرته، جعلته شيئاً مذكوراً، جعلته شيء، أنا أقترح إذا إنسان مغمور أبقه مغموراً ولا تعبأ به وقل له: ما ضر السحاب نبح الكلاب. السحاب في السماء ما ضرها نبح الكلاب وما ضر البحر أن ألقى فيه غلام بحجر ولو تحول الناس إلى كناسين ليثيروا الغبار على الإسلام ما أثاروه إلا على أنفسهم ويبقى الإسلام هو الإسلام وكم من إنسان في العالم الإسلامي من قديم الزمان وحتى الآن أراد إنهاء الإسلام ما الذي حصل ؟ مات وبقي الإسلام شامخاً كالطود.
والعياذ بالله كان في تركيا رجل طاغية لمجرد أن تحمل مصحفاً تقتل، أخرج فتيات المدارس شبه عراة ليؤكد لأوربا أنه هو غير مسلم ومع ذلك أين هو الآن ؟ تحت أطباق الثرى وبقيت تركيا مسلمة.
دائماً ضعوا هذا المثل قال تعالى:

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 32 ]

 تخيل إنسان لا يتمنى إطفاء نور الله بل نور الشمس فقط، توجه نحوها وسحب نفس قوي ثم وجه فمه نحو الشمس ونفخ هذا النفس احتمال أن تنطفئ بالمائة كم ؟ إذاً محاولة أحمق.

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 32 ]

 أي إنسان يضع نفسه في خندق معادي إلى الدين مصيره في مزبلة التاريخ، هؤلاء الذين نصروا الحق أين مكانهم الآن ؟ في أعلى عليين تذهب أنت إلى المدينة المنورة وتقف أمام قبر الصديق هناك سلام خاص، وتقف أمام قبر سيدنا عمر وهناك سلام خاص، من منكم زار قبر أبو جهل ؟ وقف أمامه لا أحد لأن هؤلاء في المزبلة.
أقول لأي إنسان إياك ثم إياك ثم إياك أن تكون في خندق معاد للدين يجب أن تعلم أن الطرف الآخر هو الله وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13﴾

 

[ سورة البروج: الآية 12-13 ]

 من حوالي شهرين أو ثلاثة رجل تطاول على أحد علماء دمشق راكب سيارته ـ العالم ـ ورجع إلى الوراء فاصطدم بسيارة أخرى وكتب ورقة بكل أدب أنا فلان الفلاني وهاتفي كذا وأنا مستعد أن أصلح بكامل المبلغ، فقال له كلمات والعياذ بالله، قال له: سأنتف لك هذه الذقن شعرةً شعرة، هذه الذقن النجسة، ودع الله يخلصك مني، والله أيها الإخوة ما مضى أربع وعشرين ساعة إلا وقع بحادث سير الآن مشلول شلل رباعي إلى نهاية حياته واللهِ أعرفه تماماً قصة طويلة منذ شهرين ثلاثة شلل رباعي وفقد النطق وقاعد في الفراش وينظف من تحته وهو في ريعان الشباب، فقبل أن تتطاول على الله وعلى أولياء الله وعلى أهل الحق وعلى دين الله عد إلى المليار فلذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ ))

 شديد الخصومة، أما المؤمن يحاور بتواضع، أما المجادلة من صفات شياطين الإنس والجن بالتعبير العامي تسمى عي، يمكن إنسان يحب الخصومة، يحب المجادلة يستخدم أشياء سخيفة جداً، والله الحياة الدنيا أخطر وأهم من أن تستهلكها في خصومات جانبية.
 رجل يقال أنه كان في فرنسا دارس فلسفة وجاء إلى بلده وهو يرى نفسه كبيراً معه دكتوراه بالفلسفة وعنده أب مثقف لابأس به معه ليسانس وأمه مثقفة، يأكلون فراريج على الغذاء ويوجد فروجين على الطعام، فقال الابن: أنا بابا عندي قدرة بالإقناع عجيبة، أنا أستطيع أن أقنعك أن هذين الاثنين ثلاثة بالدليل. فنظر إليه أبوه وقال له: أنا سأكل واحد وأمك تأكل الثاني وأنت كل الثالث ولا تقنعني.
 كثير في حالات ترى شخص يميل إلى المجادلة بشكل عجيب، شيخ أزهري علق برجل مسلم وضعه عنده ستة أشهر ودرسه أنواع المياه حتى خرجت روحه من هذا البحث، حكم الوضوء بماء الحمص، حكم الوضوء بماء العدس، من يتوضأ بمرقة حمص، فخرج بجلده وخرج من الإسلام، التقى بالشيخ محمد عبدو وكان داعية كبير فقال له: الماء الذي تشرب منه توضأ منه.
 جاءتني مكالمة من بلد من الشمال يقول صاحبها: يا أستاذ سنتقاتل قلت له: خير، قال: ما تعريف قيام الليل وما تعريف التهجد اختلفنا، وأنا أعرف الجواب ولكن ما أحببت أن أجيبه قلت له: قم وصلي ركعتين لله وقل له يا رب أنا لا أعرف ما اسم هاتين الركعتين ولكن صليتهما لك ويكفي، صلي كم ركعة ولا تذكر لله ما اسم هذه الصلاة وقل يا رب هذه صليتها في سبيلك.
 نحن نعيش في متاهات ترى فرق، نكفر بعضنا، نشرك بعضنا نطعن ببعضنا لأسباب تافهة جداً كلنا نؤمن بالكتاب والسنة ورسول الله، والجنة حق، والنار حق، يوجد عندنا قواسم مشتركة، أعداءنا يتعاونون على خمسة بالمائة قواسم مشتركة ونحن نتقاتل وبيننا خمسة وتسعين بالمائة من القواسم المشتركة، هل ترى أمراض الشرق الأوسط بكل مكان في أمريكا موجودة هذا جامع الباكستانيين، هذا جامع السلفيين، هذا جامع الصوفية، والعياذ بالله كل فرقة الله لها والجنة لها والباقي لجهنم، هذا عقل صغير، الله لجميع المسلمين، وكل إنسان توجه إلى الله بإخلاص الله ينصره.

 

إخفاء الصور