وضع داكن
19-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 010 - إن من إجلال الله إكرامه ذي الشيبة المسلم...
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام:
 لازلنا في كتاب إتحاف المسلم لما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والباب اليوم الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم، وعدم المبالاة بهم، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ))

[أبو داوود ]

 مسلم يصلي ويصوم متقدم في السن شعره شائب، إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، فكيف بأهل العلم، أو طلاب العلم. أنت حينما تُكرم طلاب العلم تشجع على العلم، وحينما تزدري طلاب العلم تُيئس الناس من العلم. كنت مرة في قرية من قرى غوطة دمشق، وجدت جامعاً، ووجدت إلى جانبه بناءً ضخماً من ثلاثة طوابق فسألت عن هذا البناء ؟ فإذا بأهل القرية قد أشادوا هذا البناء لخطيب المسجد وإمامه وخادمه، لكل واحد منهم بيت، فحينما يرى الواحد بيتاً، والبيت شيء ثمين جداً ممكن أن يجلبوا أفضل إنسان إلى قريتهم، في ألمانيا وهم ليسوا مسلمين من يعمل في العلم مُكرَّم إلى أعلى درجة، ومن تقاليدهم وعاداتهم أنه إذا كان في حفل كبير أستاذ في الجامعة أو حاكم ولاية، يُقَدَّم أستاذ الجامعة في الحركة والمكان والتكريم على حاكم الولاية، فكلما كرمت من يعمل بالعلم شجعت على طلب العلم، وكلما ازدريتهم ولم تعمل بحقوقهم ولا بمصالحهم، كأنك تشجع على هدم العلم، هناك مثلاً لا أقصد به علماء الدين، عندما يعمل إنسان في بيع شاورما، يتقاضى في الشهر ثلاثين ألفاً، بينما يتقاضى طبيب متخرج حديثاً يعمل في مستشفى ثلاثة آلاف في الشهر، طبيب متخرج حديثاً يتقاضى ثلاثة آلاف، بينما الذي يعمل في الشاورما ثلاثين ألفاً، كل شيء ممكن، أنت حينما تقلل دخل طالب العلم، أقول أي علم وليس فقط علماء الدين، تُيئس من العلم، فينصرف الناس إلى غير العلم، وحينما تُكرم طلاب العلم تشجع على العلم، فهذه قضية أساسية. إن أردت لأمة أن تقوم على العلم يجب أن تكرم من يعمل بالعلم، وإن أردت أن تقوم على المصالح المادية، يجب أن تكرم من يُقدِم على تأدية هذه المصالح المادية، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( النَّاسُ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ وَلا خَيْرَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ ))

 يقول الإمام الشافعي: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
والعلم لايعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً:

 

 

((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ ))

 

[ البخاري، الترمذي، النسائي، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد ]

 وسمعت أيضاً عن بعض البلاد الغربية، أنه في بلد معين ما من قرية إلا وأجمل بيت فيها هو بيت معلم الطلاب، أحياناً يكون الأب جالساً في البيت يسأله ابنه سؤال ويقول هكذا سألني إياه المعلم، فيسبه هو ومعلمه، هذه جريمة، هذا أستاذ ولدك، معقِلُ أمله ورجائه، مثلُه الأعلى، حتى ولو أخطأ المعلم لا ينبغي أن تكيل له السُباب أمام ابنك، أنت بذلك زعزعت مكانته، ولم يَعُد يستفيد منه، سقراط عاش قبل آلاف السنين، التقى مع أحد آباء طلابه فقال له: خذ ابنك عني فإنه لا يحبني، معنى ذلك أنّ العلم لا يكون إلا بالمحبة والتقدير:
وإنّ المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يُكْرَما
 أنا لا أقصد علماء الدين أبداً، ولكن أقصد أن كل من يعمل في العلم يجب أن يُكَرَّم، إن كرَّمت طلاب العلم معنى ذلك أنك تُكرِّم العلم، وإن لم تكرم طلاب العلم معنى ذلك أنك لا تُكرِّم العلم، كنت مرة في تركيا فوجدت أن كل إنسان يتجاوز الستين معه بطاقة مجانية يركب بها في كل الحافلات من دون استثناء، وكل إنسان تجاوز الستين، هذا إكرام للشيب المسلم هناك هاتف خاص له، أي هناك رقم خاص للمسنين، لا يوجد انتظار أبداً، وكل بلد تتفنن، هناك بعض البلاد السجين إن حفظ نصف كلام الله عز وجل تُخَفَّض نصف محكوميته إن كان محكوماً لعشرين عاماً إذا علم أنه إذا حفظ كتاب الله نجا من عشر سنوات، يحفظه قطعاً، وهذا العلم الإسلامي فيه سر لو أردته لغير الله أبى إلا أن يكون لله، لو أردت أن تحفظ القرآن فقط كي تنجو من عقوبة طويلة دون أن تشعر تتعلق به، وتحبه، وتأتمر بأمره هذا كلام الإمام الغزالي: أردنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله، فأنت كلما كرَّمت طلاب العلم، لأن النبي قال:

 

(( رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ ))

 

[ أحمد، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، الدارمي ]

 ويقول:

 

(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))

 

[ الترمذي، مسلم، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد، الدارمي ]

 فطريق طلب العلم طريق الجنة:

 

(( رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ.))

 

[ أحمد، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، الدارمي ]

 وليس هناك إنسان عدا الأنبياء قرنه الله باسمه إلا العلماء قال تعالى:

 

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 18 ]

 مَن هذا الذي قُرِن إلى اسم الله عز وجل ؟ من طلب العلم، ومن تعلم العلم، لكن كلما طلبت العلم أكثر كنت متواضعاً أكثر، حتى أن بعض علماء الكونيات قال: لم تبتل بعدُ أقدامنا ببحر المعرفة.
والتواضع يُلازم العلماء الكبار، والتكبر يُلازم أنصاف المتعلمين، وأخطر إنسان هو نصف المتعلم، لا هو عالم فيُنتفع بعلمه، ولا هو جاهل فيقبل أن يتعلم، خطير جداً:
من الناس من يدري ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه، ومنهم من يدري ولا يدري أنه يدري، فهذا غافل فنبهوه، ومنهم من لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلِّموه، ومنهم من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فلتحذروه.
جاهل ويظن أنه على علم، وقد ورد هذا في القرآن الكريم، قال تعالى:

 

﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾

 

[ سورة الجاثية: الآية 23 ]

 وهو يحمل شهادة عليا، ضالٌ مُضِل، أضلَّه الله على علم:
وقل لمن يدَّعي في العلم فلسفة حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
أي لا شيء يُشرِّف الإنسان كطلب العلم، ولا يوجد شيء يرفع الإنسان عند الله كطلب العلم، و لا شيء يؤكد إنسانية الإنسان كطلب العلم، ولا شيء يجعلك تعيش مهمتك في الحياة كأن تطلب العلم.
الأمم التي تفوقت كثيراً في مضمار الحياة الدنيا تعطي العلماء في كل الاختصاصات ميِّزات خيالية، وهذه مشكلة، أوروبة بكاملها تعاني من هروب الأدمغة إلى أمريكا، أمريكا ماذا تفعل ؟ لو أسسنا جامعة كم مليار تحتاج ؟ تحتاج إلى مئات المليارات، والمحصِّلة منها بالمائة خمسة عباقرة، ماذا فعلوا ؟ سرقوا هذه الخمسة في المائة من الشعوب الأخرى، أعطوهم جنسية ودخل كبير، وحِسُّهم القومي والإيماني والأخلاقي ضعيف فوجدوا الحياة جميلة جداً، فقدموا كل خبرتهم وتفوقهم لبلاد الغرب، فالأولى أن نُكَرِّم العلم والعلماء، مبدئياً بأي اختصاص، لأن أية نهضة لا تقوم إلا على العلم، وأنّ أي إصلاح لا يبدأ إلا بالعلم، وأنَّ العلم مفتاح كل شيء، طبعاً النبي الكريم أشار هنا إلى من يعرف كتاب الله أكثر، ولأن أعلى كتاب في الكون هو كتاب الله، ولأن التوحيد هو نهاية العلم، ولأنّ العبادة هي نهاية العمل، فكان من وحَّد الله وعبده في قمة المجتمع، فينبغي أن يُكَرَّم، والله أنا كنت عبداً فقيراً، عندي دوام بوظيفة، فوجدت رجلاً من أهل العلم يقف في الطلياني يرتدي عمامة وجُبَّة، وهو مدرس بثانوية، والله يومياً أدعوه لركوب سيارتي وأوصله إلى باب الثانوية وأنزل وأفتح الباب، تكريماً لزِيِّه الديني، فأنا أرى كلما كرمت من يعمل بالعلم أو من يعمل في العلم الشرعي فهذا تكريم للدين، ومن اللطيف إذا كنت في مركبة أو مكان ودخل إنسان يرتدي زي إسلامي أن تحترمه، احتراماً للزي فقط، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

 

(( أَيُّهُما أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ ))

 

[ البخاري، الترمذي، النسائي، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد ]

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تُؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمِّي وعلى آله وصحبه وسلم.

إخفاء الصور