وضع داكن
19-04-2024
Logo
سنريهم آياتنا - الندوة : 01 - الإنسان هو المخلوق الأول ـ خلق الإنسان1 - البويضة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة:

مشاهدينا سلام الله عليكم و بركاته، يقول الله تعالى:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾

( سورة فصلت الآية: 53 )

ومن قوله تعالى هذا استوحينا اسم برنامجنا: "سنريهم آياتنا"، برنامجنا الذي يتناول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و السنة، ويسعدني أن أحاور في هذا فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين، أستاذ راتب أهلاً وسهلاً بك.
أستاذ راتب، أمر الله عز و جل الإنسان أن يعبده وهو تكليف للإنسان أن يؤمن بالواحد الديان لكن من هو هذا الإنسان ؟ و لماذا وجد في هذه الدنيا ؟.

الإنسان هو المخلوق الأول رتبة والمخلوق المكرم لأنه قَبِل حمل الأمانة:

الدكتور راتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، أمناء دعوته، و قادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
الحقيقة أن الإنسان إذا عرف نفسه عرف ربه، الإنسان هو المخلوق الأول رتبة قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

( سورة الأحزاب الآية: 72 )

هو المخلوق الأول الذي قَبِل حمل الأمانة َ، فلما قبل حمل الأمانة كرمه الله أعظم تكريم، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء )

هو المخلوق الأول والمخلوق المكرم، لذلك ورد في بعض أقوال الإمام علي رضي الله عنه:
" أن الملائكة ركبت من عقل بلا شهوة، وأن الحيوان ركب من شهوة بلا عقل، بينما الإنسان ركب من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة " الدليل:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾

( سورة البينة )

وإذا سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾

( سورة البينة )

إذاً هو المخلوق الأول رتبةً والمخلوق المكرم لأنه قبل حمل الأمانة، لأنه قال: يا رب أنا لها.

المذيع:

ولكن ما سبب وجوده في هذه الدنيا ؟.

 

سبب وجود الإنسان في هذه الدنيا:

الدكتور راتب:

لأنه قبل حمل الأمانة كرمه الله بأن سخر له:

﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾

( سورة الجاثية الآية: 13)

و بديهةً وعقلاً المسَخرُ له أكرم من المسخّرْ، إذاً هو المخلوق الأول والمكرم لكن علة وجوده في الدنيا أن يعبد الله، وقبل أن أتابع هذه الفكرة لا بد من مثل:
لو أن إنساناً ذهب إلى بلدٍ بعيد نزل في أحد فنادقه، وفي صبيحة اليوم الأول سأل إلى أين أذهب ؟ سؤال عجيب غريب نقول له: أنت لماذا جئت إلى هنا ؟ إن جئت طالب علمٍ اذهب إلى المعاهد والجامعات، وإن جئت تاجراً اذهب إلى المعامل والمؤسسات، وإن جئت سائحاً اذهب إلى المقاصف والمتنزهات.
أي أن الإنسان لا تصح حركته في الحياة إلا إذا عرف سرّ وجوده، هذا مثل ضيق لو وسعنا هذا المثل كإجابة عن سؤالك الكريم: لماذا الإنسان في الدنيا ؟ أنا لا أعتقد أن شيئاً أخطر على الإنسان من فهمه أو عدم فهمه لسرّ وجوده، إنه إن عرف سرّ وجوده صحت حركته، وإن صحت حركته سلم وسعد وحقق الهدف من وجوده، أما إذا لم يعرف سرّ وجوده تنطبق عليه الآية الكريمة:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

(سورة الكهف )

إذاً لا بد من أن يعرف الإنسان سرّ وجوده، وغاية وجوده، لماذا أنا في الدنيا ؟ ما سرّ وجودي ؟ ما غاية وجودي ؟ ما الرسالة التي كلفت حملها ؟ ما المهمة التي كلفت أن أؤديها ؟ لماذا أنا في الدنيا ؟ لماذا في الدنيا العمر قصير؟ لماذا المرض ؟ لماذا الهم ؟ لماذا الحزن ؟ لابد من أن أعرف من أنا، إن علمت أنني المخلوق الأول عند الله، وأن الله كلفني رسالةً ساميةً، وأناط بيّ مهمة راقية، وأن سرّ وجودي أن أعبده. أستنبط هذا من كلام الله عز و جل حينما قال:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

(سورة الذاريات)

المذيع:

إذاً أساس عبادة الإنسان لله عز و جل هي في معرفة الإنسان لله عز وجل.

أساس عبادة الإنسان لله عز و جل هي في معرفة الإنسان لله عز وجل:

الدكتور راتب:

هو علة وجوده أن يعبد الله ولكن يفهم الناس العبادة بمفهوم ضيق. مثلاً: لو قلت السيارة هي المركبة المصنوعة من معدن، والتي تتحرك على عجلات بقوة محركٍ انفجاري، أساسه الوقود السائل، هذا مفهوم للسيارة، لكن في القرآن الكريم قال:

﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ ﴾

(سورة يوسف الآية: 19)

أي شيء يسير هو سيارة بالمفهوم الضيق عرفناها لكن البطولة أن تعرف المفهوم الواسع، فالعبادة بمفهومها الضيق جداً والذي سبب للمسلمين مشكلات لا تنتهي أنهم فهموا الدين صلاةً، و صياماً، و حجاً، و زكاةً فقط.

المذيع:

وهل ينطبق هذا المثل على خلق الإنسان ؟

العبادات الشعائرية لا تصح و لا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية:

الدكتور راتب:

الإنسان حينما يعرف سرّ وجوده يرى أن العبادة واسعة جداً، تنطلق مع الإنسان في كل نشاطاته، في خلوته، في جلوته، بل مفهوم العبادة يبدأ من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية.

المذيع:

و كيف ذلك ؟

الدكتور راتب:

لأنه بالمفهوم الواسع هناك منهجٌ تفصيليٌ، عبادة الله تعني أن تطيعه في عباداته الشعائرية وفي عباداته التعاملية.

(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ))

[ أحمد عن أم سلمة ]

وهذه العبادة التعاملية، والأصح من ذلك أن العبادات الشعائرية لا تصح و لا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية.
فلذلك الإنسان مكلفٌ أن يعبد الله لا بالمفهوم الضيق بل بالمفهوم الواسع، يعني أن ينصاع لمنهج اللهِ التفصيلي، أن يكون صادقاً، أن يكون أميناً، أن يكون منصفاً، أن يكون رحيماً، أن يكون عفواً، أن يكون حليماً، أن يكون محققاً لوعده، منجزاً لعهده، أن يكون أخلاقياً بحسب قيم الأخلاق التي جاء بها الإسلام، إضافة إلى أداء عباداته الشعائرية يكون قد حقق الهدف من وجوده، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال: 

(( إنما بعثت معلماً )) 

[ أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو ]

(( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))

[ أخرجه أحمد عن أبي هريرة ]

فالعبادة طاعة لكن طاعةٌ في أداء العبادات الشعائرية، وفي أداء العبادات التعاملية.
فهذا موضوعٌ دقيقٌ جداً، الإنسان إذا عرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، ومن هو ؟ وما مرتبته بين المخلوقات ؟ وقديماً قيل: من عرف نفسه عرف ربه.

المذيع:

برنامجنا يطرح الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، هل يتجلى الإعجاز أستاذ راتب بخلق الإنسان ككل أم في كل جزءٍ من أجزاء الإنسان.

أصل العبادة غاية الخضوع لله والانصياع له والحب له:

الدكتور راتب:

هذا السؤال سابقاً لأوانه، لأنني أريد أن أبين للأخوة المشاهدين متى يحتل الإعجاز في حياة الإنسان المكانة الكبيرة، فالإنسان كُلف أن يعبد الله.
ما تعريف العبادة ؟ قالوا: العبادة طاعة طوعية ـ لأن الأقوياء يطاعون و لكن طاعة قسرية ـ هي طاعةٌ طوعية ممزوجةٌ بمحبةً قلبية، قد تطيع القوي ولا تحبه، ولكن الله عز و جل لا يقبل منك أن تطيعه من دون حب، طاعةٌ طوعية وليست قسرية، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، فما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، وأيضاً وما عبد الله من أحبه ولم يطعهُ، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، أصل العبادة غاية الخضوع لله، أصل العبادة غاية الانصياع لله، أصل العبادة غاية الحب لله، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، السبب أساسها معرفة يقينية، لا بد من أن تعرف الله، معرفة الله هي السبب، الآن اقتربنا من موضوع الإعجاز، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، فالأصل هو الطاعة، الطاعةُ الطوعية مع الحب، والسبب أن تعرف الله، كيف تعرفه ؟ هذا الكون كله ينطق بوجوده، و بوحدانيته، وبكماله، وفي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحد، هذا الكون بأكمله يدل على وحدانيته وعلى كماله.
فلذلك اقتربنا من موضوع هذه الحلقات المباركة إن شاء الله.
طاعة طوعية ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية أساسها معرفةٌ يقينية تفضي إلى سعادةٌ أبدية.

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

( سورة هود الآية: 119 )

ولذلك خلقه. 

خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة، خلقنا لجنة عرضها السموات والأرض، خلقنا لجنَةٍ يدوم نعيمها، خلقنا لجنَةٍ لا يعلم الإنسان ما خبئ لهُ من سعادةٍ أبدية، خلقنا لجنَةٍ فيها:

(( ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطرَ على قلب بَشَر ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

لذلك تعد أكبر خسارةٍ على الإطلاق أن تخسر الآخرة.

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

(سورة الزمر الآية:15 )

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

أحياناً الإنسان يقرأ كتاباً قصيراً فيستمتع به، فينتهي من قراءته، ويتثاءب وينام، ولكنه أحياناً يقرأ كتاباً خطيراً ينتهي من قراءته فتبدأُ متاعبه، لأن هذا الكتاب وضعهُ وجهاً لوجهٍ أمام مسؤولياته.
هذه الحلقات التي إن شاء الله أرجو منها الخير الكثير، هذه الحلقات تضع الإنسان أمام مسؤولياته.

سرّ وجود الإنسان أن يعبد الله عز وجل:

الإنسان لم يخلق عبثاً.

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾

( سورة المؤمنون الآية:115 )

مستحيلٌ وألفُ ألفُ ألفِ مستحيل أن يكون الخلقُ عبثاً.

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾

( سورة القيامة )

فلذلك يجب أن يقف الإنسان على سرّ وجوده، سرّ وجوده أن يعبد الله، إنه إن عبد الله حقق الهدف من وجوده، وسعد وسلم في الدنيا والآخرة، إنه إن عبد الله وصل إلى أقصر طريقٍ إلى سعادته، ذلك أن الإنسان مفطورٌ في أصل خلقه على حبّ وجوده.

المذيع:

وأين الحياة اليومية في عبادة الله ؟.

الإنسان كائن متحرك تبدأ حركته من الصباح و حتى المساء

الدكتور راتب:

والله كما قلت قبل قليل، منهج الله شمولي، أي أنت من ساعة استيقاظك إلى ساعة نومك مساءً، أنت في حركة.
لماذا أنت في حركة ؟ لأن الله أودع في الإنسان الشهوات، هذه الطاولة لو أبقيناها على حالها مئات السنين تبقى هي هي، هذه سكونية، لماذا ؟ ليس فيها شهوات، لا تشتهي هذه الطاولة أن تتزوج، لا تجوع، لا تشعر بالحر ولا بالبرد، كيان سكوني، أما الإنسان كيان متحرك، لماذا هو متحرك ؟ لأن الله أودع فيه الشهوات، من أجل أن يأكل لابدّ من أن يعمل، لابدّ من أن يخرج من بيته، لابدّ من أن يبحث عن عمل، من أجل أن يشتري بأجره طعاماً، يبحث عن شقه الآخر، عنده رغبةٌ جامحة أن تكون له زوجة.
في الحقيقة إذا بحث عن طعامه وشرابه يحافظ على وجوده، وإن بحث عن زوجته يحافظ على نوعه، ثم هو يبحث عن شيءٍ يرتفع به في سلم البطولات هو تأكيد الذات، فالكائن متحرك، إذاً تبدأ الحركة تبدأ من استيقاظ الإنسان صباحاً إلى أن ينام مساءً. وقد ورد في أحد الأحاديث: 

(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه وشتت عليه شمله، و لم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ))

 

[الترمذي عن أنس]

الإنسان عقل يدرك، فيه جانب عقلي.

المذيع:

هو جانب الإقناع.

الإنسان إذا عرف سرّ وجوده و غاية وجوده حقق الهدف من خلقه:

الدكتور راتب:

غذاء العقل العلم و أداته الإقناع، و له قلب يحب هذا الجانب النفسي، غذاء القلب الحب، و له جسم يحتاج إلى الطعام والشراب، له جانب عقلي، و جانب نفسي، و جانب جسميٌ مادي، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، وما لم تلبَ هذه الحاجات الثلاث فالإنسان لن ينجح، ولن يفلح، لذلك هذا الموضوع خطير جداً، و أسأل الله سبحانه وتعالى في لقاءات قادمة ولاحقة أن نعالج هذا الموضوع معالجةً متأنية، إن الإنسان إذا عرف سرّ وجوده و غاية وجوده حقق الهدف من خلقه.

المذيع:

المعروف أن الإنسان يحتاج إلى الإقناع حتى يعبد الله عز و جل، والإقناع غالباً يكون بالدليل العلمي، هل يمكننا أن نطلع على أي مشهد من المشاهد العلمية ؟.

مشهد من عظمة الله في خلق الإنسان "البويضة":

الدكتور راتب:

كما تفضلت نحن في هذه الحلقات في كل حلقة فيها مشهد من عظمة الله في خلق الإنسان وخلق غير الإنسان، نحن أمام موضوع هو خلق الإنسان.
الناس المنغمسون في نُزعةِ الحياة الدنيا اليومية يسيرون لا مبالين بالمعجزةِ المهمة المتحققة أمام أعينهم، هذه المعجزة هي خلق الإنسان.

تبدأ أول مرحلة في معجزة الخلق بنضج الخلية، خلية البويضة، هناك عضو في جسم المرأة يسمى المبيض، هناك رحلةٌ طويلةٌ أمام البويضة الناضجة، ستدخل أولاً أنبوب فالوب، وهنا ستقطع مسافةً طويلةً حتى تصل إلى الرحم، يبدأ أنبوب فالوب بالحركة للإمساك بالبويضة الناضجة قبل خروجها من المبيض بمدةٍ قصيرة، ويحاول إيجاد خلية البويضة عن طريق لمساتٍ خفيفةٍ على المبيض، ونتيجة هذا البحث يجد أنبوب فالوب البويضة الناضجة ويسحبها لداخله، وحينئذٍ تبدأ رحلةُ خليةِ البويضة، يتوجب على البويضة قطع طريقٍ طويل عبر أنبوب فالوب لكن ليس لها أي عضوٍ يؤمن لها قطع هذا الطريق كالزعانف أو الأرجل، ولهذا خُلق لرحلتها نظامٌ خاص، فقد وظفت مليارات الخلايا التي توجد في سطحٍ داخليٍ لأنبوب فالوب لإيصال البويضةِ إلى الرحم.
لولا هذا النظام الدقيق في تحريك البويضة لما كانت هذه الندوة، ولما كان إنسان على وجهِ الأرض.
تحرك الخلايا هذه الشعيرات الموجودة على سطحها نحو الرحم باستمرار، وهكذا تُحمل خليةُ البويضة من يدٍ إلى يد إلى الجهةِ التي يجب ذهابها نحوهُ كحملٍ ثمينٍ جداً.
عند ملاحظةِ هذه الشعيرات نجدها قد نسقت في المكان والشكل الذي يجب أن تكون عليه ضمن خِطةٍ ذكيةٍ جداً، وتقوم بحركةِ نقلٍ معاً وإلى الجهةِ نفسِها وكأنها آلةٌ مبرمجة، فلو لم يقم قسمٌ من هذه الخلايا بمهمتهِ، أو قام بنقلها إلى جهاتٍ مختلفة، لن تصل البويضة إلى هدفها، ولن تتحقق الولادةُ أبداً، ولك تها التي أوكلت إليها دون أي خطأ، وهكذا تتقدم إلى المكانِ المجهزِ خصوصاً من أجل البويضة، أي إلى رحم الأم، لكن خلية البويضة المنقولةِ بدقةٍ بهذا الشكل عمرها لا يتجاوز أربعاً وعشرين ساعة وتموت ما لم تلقح في هذه المدة. إذاً هي تحتاج إلى مادةٍ حياتيةٍ للتلقيح، هذه المادة هي النطفة التي تأتي من جسم الرجل، علينا أن نفكر ولو قليلاً في هذه الحقيقة.
كيف عرفت الخلايا التي لا وعي لها طريقة تجهيز النطفة بشكلٍ يتناسب مع جسم الأم رغم جهلها بها ؟
الحقيقة في خلق الإنسان آياتٌ باهرات تلفت النظر، وقد يقشعر الإنسان جلده منها لأنك إذا فكرت في خلق السماوات والأرض حققت أسرع طريقٍ إلى الوصول إلى الله، لأنك تواجه الحقيقة المعجزة وجهاً لوجه.
نحن في لقاءات قادمة إن شاء الله نتابع عرض فقرات من هذا الموضوع الأول في حياتنا وهو خلق الإنسان.

خاتمة و توديع:

المذيع:

سبحان الخالق العظيم، يقول الله تعالى:

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

( سورة لقمان الآية:11)

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور