وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0677 - وصية لقمان لابنه5 - الصبر - البقدونس وتأثيره الصحي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر .
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

الصبر ثمن الجنة :

أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في المنهج التعليمي التربوي الذي ورد في وصية لقمان الحكيم لابنه ، وقد كان موضوع الخطبة السابقة :

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾

[ سورة لقمان ]

واليوم :

﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾

الصبر ضبط للشهوات ، وتحمل للمكاره ، وصبر على قضاء الله وقدره .
الصبر ثمن الجنَّة . .

هذه الجنة التي خُلقنا من أجلها ثمنها الصبر ، فالإيمان هو الصبر ، بقية المخلوقات ليسوا مكلفين ، ولم يعطوا حرية الاختيار ، كسائق القطار يمشي على سكة ، لكن الإنسان لكرامته عند الله عز وجل ، ولأنه قَبِل حمل الأمانة التي أشفق من حملها السموات والأرض ، سخر الله له الكون كله تسخيرين ، تسخير تعريف وتسخير تكريم ، وأودع فيه العقل ، ومنحه حرية الاختيار ، وأودع فيه الشهوات ، قال تعالى :

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾

[سورة آل عمران : 14]

ليرقى بها صابراً أو شاكراً إلى رب الأرض والسموات ، فثمن الجنة ضبط الشهوات، قال تعالى :

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

[سورة النازعات : 40-41]

الصبر هو الإيمان ، أشدُّ شيءٍ في حياة المؤمن أنه صابر ، صابر على ما أُمر به، صابر عما نهي عنه ، وصابر على قضاء الله وقدره ، فالسِّمة الصارخة في حياة المؤمن هي الصبر .

ورود الصبر في القرآن الكريم :

الله جل جلاله أمر بالصبر ، و ورد الصبر في تسعين موضعاً في كتاب الله ، هذه المواضع وزعت على ستة عشر باباً ، الباب الأول أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصبر ، وكل أمر في القرآن الكريم ما لم تقم قرينة على عكس ذلك ، كل أمر يقتضي الوجوب ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

[سورة البقرة : 153]

وقال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[سورة آل عمران : 200]

وقال تعالى :

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾

[سورة النحل : 127]

إذا قلنا ما الكلمة التي تقابل الإيمان ؟ إنَّها الصبر ، الصبر ثمن الجنة ، الصبر علامة محبة الله ، الصبر علامة ابتغاء رضوان الله ، الصبر علامة السعي للجنة ، الصبر علامة الخوف من النار ، إنَّ الصبر أساسي في حياة المؤمن بنص الأوامر القرآنية .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

[سورة البقرة : 153]

يجب أن تصبر ، وينبغي أن تحمل أخاك على الصبر ، يجب أن تصبر وتعتقد أن الصبر من نعم الله الكبرى .
سيدنا عمر كان إذا أصابته مصيبة يقول : الحمد لله ثلاثاً ، الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها ، والحمد لله إذ أُعنت على الصبر عليها . .

الأمر بالصبر و النهي عن الضجر :

وكما أن الله جلّ جلاله أمرنا بالصبر ، نهانا عن ضدِّه وهو الضَّجر قال :

﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[سورة الأحقاف : 35]

الاستعجال دليل نفاذ الصبر ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾

[سورة النساء : 59]

إنسان خدم أمه المريضة قعيدة الفراش أعواماً طويلة ، تزيد عن عشرة أعوام ، ثم نفذ صبره ، فعلا صوته ، وتأفف من وجودها في بيته فجاء أخوه ، ونقلها إلى بيته ، وبعد يومين توفيت ، أبطل عمله كله ، لا تبطلوا أعمالكم ، تابع الصبر إلى نهايته ، لأن جزاء الصبر بغير حساب ، يقول الله عز وجل :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران : 139]

أي إن تكونوا تألمون أيها المؤمنون فإن هؤلاء الكفار يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون . . إذا كنت في نفق مظلم ، والكافر في نفق ، الكافر في نفق مسدود لكن النفق الذي أنت فيه نافذ إلى الجنة ، فيه أمل ، قال تعالى :

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[سورة القصص : 61]

إذا كنت في شدة أو في ضيق فأنت موعود بالجنَّة . . .
قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار . . كما قيل عقب معركة أحد . . فأنت إن كنت في نفقٍ ضيِّق ، إن كنت في ضائقة ، وعدك الله بالجنة قال تعالى :

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[سورة القصص : 61]

الثناء على أهل الصبر :

أيها الأخوة الكرام ، ربنا عزَّ وجل خالق الكون أثنى على أهل الصبر ، قال :

﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾

[سورة آل عمران : 17]

هؤلاء أثنى الله عليهم ، إذا أثنى الله عليك فأنت في مرتبة عالية عنده :

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾

[سورة البقرة : 177]

لابد من الابتلاء ، وطِّن نفسك أن هذه الجنة التي وُعدنا بها ، قال تعالى :

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾

[سورة آل عمران : 142]

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾

[سورة العنكبوت : 2-3]

يا إمام أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال الإمام الشافعي : " لن تمكن قبل أن تُبتلى"
جنة عرضها السموات والأرض تريدها بلا امتحان ؟ بلا جهد ؟ هذا مستحيل ، من أجل أن تضيف إلى اسمك كلمة دكتور ، تدرس ثلاثةً وثلاثين عاماً ، د . فقط على الكرت ، تدرس دراسات طويلة من أجل أن تهيئ نفسك لحرفة راقية ، تستعد لها ضعف العمر ، أربعون سنة استعداداً لعشر سنوات أو عشرين ، وهذه الجنة التي عرضها السموات والأرض إلى أبد الآبدين ، هذه من دون صبر ؟ من دون جهد ؟ من دون ثمن ؟ ألا إن سلعة الله غالية . .
" طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب " .

﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾

[سورة آل عمران : 17]

الصبر سبب محبة الله عز وجل :

أيها الأخ الكريم ، ألا تحب أن يحبك الله عز وجل ؟ إن محبة الله أثمن شيء في حياتك ، ما من مرتبة تصل إليها أعلى من أن يحبك الله والصبر سبب محبَّة الله ، قال تعالى :

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾

[سورة آل عمران : 146]

إن أردت أن يحبك الله عز وجل فاصبر ، اصبر على طاعته ، واصبر عما نهاك عنه ، واصبر على قضائه وقدره .
الإنسان أحياناً يقيم علاقة طيبة مع إنسان قوي ، يمتلئ طمأنينة ، يمتلئ قلبه أمناً، يقول لك : صديقي ، هاتفه معي . . . ألا تحب أن يكون الله معك ؟ وإذا كان معك فمن عليك؟ من يستطيع في الأرض كلها أن ينالك بسوء إذا كان الله معك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ألا تحب أن يكون الصبر سبباً لمعية الله ؟
قال بعض العلماء : معية الله معيتان ، معية عامة ومعية خاصة ، المعية العامة هو مع كل خلقه بعلمه وإحاطته ، مع الكافر ، مع الملحد ، مع المجرم ، مع أي مخلوق ، قال تعالى : وهو معكم أينما كنتم ، المعية الخاصة ، الله مع المؤمنين ، معهم حافظاً ، معهم مؤيداً، معهم ناصراً ، معهم موفقاً ، معهم مسدداً ، قال تعالى :

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾

[سورة الأنفال : 46]

ألا تكفي هذه أن يكون الله معك ، إن الله مع الصابرين . .
وإن أردت توجيه الله لك ، يقول الله عزَّ وجل :

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾

[سورة النحل : 126]

خير لك أن تصبر ، خير لك أن ترضى بقضاء الله وقدره ، حينما تسعى وتسعى ، وينتهي بك السعي إلى هذا المكان ، الآن اصبر ، أما إذا كان عندك مدخر من الجهد ، والوقت، عندك حيلة تصل بها إلى هدفك .

((إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

[ أبو داودعن عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ]

حينما تُغلب اصبر ، أما . .

﴿ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾

[سورة الشورى : 39]

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة الشورى : 40]

مأمورون أن نسعى . .
من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال عمر : كذبتم ، المتوكل الذي ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله . أنا أصبر حينما أُغلب .

أنواع الفقر :


لذلك قالوا هناك فقر الكسل ، وفقر القدر ، وفقر الإنفاق . . فقر الكسل صاحبه مذموم ، كسول ، إرجائي ، يؤخر ، لا يتقن عمله ، هذا يفقره الله فقر كسل ، بسبب كسله .
وهناك فقر القدر ، يُصاب الإنسان بعاهة ، هذا فقر القدر ، هذا يحتاج إلى صبر .
وهناك فقر الإنفاق ، قال : والله يا رسول الله إني أحبك ، قال : انظر ما تقول ، قال : والله إني أحبك ، انظر ما تقول ، قال : والله إني أحبك ، قال : إن كنت صادقاً فيما تقول للفقر أقرب إليك من شرك نعليك ، هذا فقر الإنفاق . . معك مال ، وأمامك فقراء مرضى ، محتاجون . . شاب يتحرق على أن يتزوج ، وبإمكانك أن تزوجه . . إنسان بلا عمل ، بإمكانك أن تعينه . . إنسان مريض بإمكانك أن تنفق على شفائه ولا تفعل . . قال : إن كنت صادقاً فيما تقول . . هذا فقر الإنفاق ، هذا فقر محمود .
ماذا أبقيت يا أبا بكر ؟ قال : الله ورسوله ، أنفق على النبي كل ماله .
عندنا فقر الإنفاق محمود ، فقر الكسل مذموم ، فقر القدر معذور عليه أن يصبر .
الصبر خير لأصحابه ، قال تعالى :

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾

[سورة النحل : 126]

عمل الإنسان سبب لدخول الجنة :

حينما تصبر الله جل جلاله سوف يجزيك أحسن ما كنت تعمل ، أي أعلى عمل لك يجزيك عليه ، قال تعالى :

﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[سورة النحل : 96]

مهما قدَّمت لا تقدِّم شيئاً أمام الجنة ، إنك تدفع سبب دخول الجنة ، فرق كبير بين أن تشتري تفاحاً ثمنه عشر ليرة ، وتُعطى بيتاً ثمنه مئة مليون ، أنت بكل عملك في الدنيا قدمت ثمن مفتاح البيت ، ولم تقدم ثمن البيت ، الجنة محض فضل ، وعملك سبب لدخول الجنة ، ادخلوا الجنة برحمتي ، واقتسموها بأعمالكم . .
الإنسان قد يأخذ شيكاً محدداً . . مئة ألف ، مئتا ألف ، خمسمئة ألف مليون . . محدد ، إلا أن الصابر أجره بغير حساب ، ما قولك إنسان يملك ثروة فلكية ، أعطاك شيكاً موقعاً فقط ، قال لك : ضع الرقم الذي تريد ، هكذا الصابر ، قال تعالى :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[سورة الزمر : 10]

بلا حساب ، الصابر فقط ، كل حسنة لها ثواب ، ثواب محدد ، إلا الصابر ، يوفى الأجر بغير حساب ، دقق في المثل مرة ثانية ، إنسان عنده ثروة فلكية ، أعطاك شيكاً موقعاً فقط ، قال لك : ضع الرقم الذي تريد لا تخشى مهما يكن كبيراً ، ضع الرقم الذي تريد وخذ المبلغ . .

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[سورة الزمر : 10]

الصابر موحد يعرف الله و يصبر على ما أصابه :

الله عز وجل بشر الصابرين ، قال :

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾

[سورة البقرة : 155]

هذه الآية خاصة بالمؤمنين ، وبشر الصابرين :

﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

[سورة البقرة : 156]

أن تأتي مصيبة تقول : يا رب لك الحمد أنا صابر ، نجحت نجاحاً باهراً نلت العلامة التامة ، هذا هو النجاح ، يقول سيدنا علي : " الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين"
لا يمكن أن تُمتحن المركبة في الطريق الهابطة ، لابد من أن تُمتحن في الطريق الصاعدة ، تُمتحن بالرخاء وتُمتحن بالشدة ، تُمتحن بالغنى وتُمتحن بضيق ذات اليد ، تُمتحن بالصحة وتُمتحن بشيء يوهمك أنك مريض ، ماذا تقول؟ . .
أب يغدق على ابنه كل شيء ، من الطعام ، والشراب ، واللباس ، وغرفة خاصة ، ونفقة كبيرة ، بأحسن مدرسة ، بأحسن لباس . . مرةً جلس الابن على المائدة قال له والده : يا بني لا تأكل . . كل هذا الفضل الذي غمر الأب ابنه فيه ألا ينبغي أن يقول حاضر يا بابا ؟ كما تريد . .
سيدنا إبراهيم قال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ، هل هذا مقبول أن يذبح الأب ابنه ؟ أن يذبح النبي ابنه ؟ قال تعالى :

﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾

[سورة الصافات : 102]

هذا الصبر أيها الأخوة يمتص كل مشكلة ، لأنك تعلم أن الأمر بيد الله ، وأن الله إذا أراد شيئاً وقع ، وإذا وقع الشيء أراده الله حكماً ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق :

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[سورة آل عمران : 26]

والله مرة احترق سوق في دمشق ، أحد التجار أنا أظنه صالحاً احترق محله كله ، وذهب من البضاعة بالملايين ، التقيت به قال لي : أنا لي في التجارة ثلاثون عاماً ، لعلي أكلت مرة مالاً حراماً في هذه السنوات الثلاثين ، فجعلها الله تكفيراً لي ، ما رأيت تاجراً احترق محله كله ، وله أموال في الصندوق احترقت أيضاً ، وتلقى هذا القضاء والقدر بالصبر . . الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين . الصابر عالم ، الصابر يعرف الله ، الصابر موحد ، يعرف أن الأمر بيد الله ، الصابر يعلم أن الله رحيم ، وأن الله حكيم ، وأن الله عادل .
بشرهم الله ، قال :

﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

[سورة البقرة : 157]

إنا لله : نحن ملك لله ، وإنا إليه راجعون بهذه المصيبة ، هكذا قال بعض العلماء .

الصبر سبب النصر :

والصبر سبب النصر ، قال تعالى :

﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾

[سورة آل عمران : 125]

أيها الأخوة الكرام : المعركة بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد ، وبين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق ، أما بين باطلين فلا تنتهي ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( واعلم أن النصر مع الصبر ))

[ أحمد عن ابن عباس]

أهل الصبر أهل العزائم ، الطبقة العليا نخبة المؤمنين ، قمم المؤمنين هم الصابرون، قال تعالى :

﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

[سورة الشورى : 43]

المراتب العليا ، الحظوظ العظمى ، الأهداف الكبرى ، لا ينالها إلا الصابرون ، قال تعالى :

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾

[سورة القصص : 80]

﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

[سورة فصلت : 35]

المرتبة العالية جداً جداً ينالها الصابر ، الحظ العظيم - أن يكون نصيبك من الله عظيماً- يناله الصابر ، بل إن الآيات الكونية التي نصَّبها الله عز وجل من أجل أن نعرفه ، لا ينتفع بها إلا الصابرون :

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾

[سورة سبأ : 5]

الإيمان نصفان :


بالمناسبة الإيمان نصفان ، نصف صبر ، ونصف شكر . .
مثلاً الله أودع في الإنسان الشهوات ، إذا نظر إلى امرأة تحل له وأكرمه الله بها يشكر فيرقى ، وإذا غض بصره عن امرأة لا تحل له يصبر فيرقى ، في الحالتين يرقى .
إذا أكلت مالاً حلالاً ، كسباً مشروعاً ، واستمتعت بهذا المال ، أنفقته على أهلك وأولادك ، ترقى ، ترقى شاكراً ، وإن تعففت عن مال حرام ترقى صابراً ، في الحالتين ترقى عند الله ، إن كبرت بعين الناس بسبب طاعتك لله ترقى ، وإن كبرت بأعين الناس بسبب قوتك وبطشك تسقط ، فدائماً الإنسان يرقى صابراً ، ويرقى شاكراً . .

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾

[سورة سبأ : 5]

حتى الآيات لا ينتفع بها إلا الصابر :

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾

[سورة إبراهيم : 5]

الصبار الشكور هو المؤمن ، يصبر في الضراء ويشكر في السراء هذه صفة المؤمن ، في الزلازل وقور ، في الرخاء شكور ، إذا أعطي الدنيا يشكر ، إذا حُرم منها يصبر ، إذا اغتنى يشكر ، إذا افتقر يصبر ، إذا صحّ جسمه يشكر ، إذا مرض يصبر ، إذا أقبلت عليه الدنيا يشكر ، إذا أدبرت عنه يصبر ، في الحالتين يرقى ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))

[ أخرجه مسلم عن صهيب الرومي ]

غير المؤمن في الرخاء كفور ، وفي الشدة قنوط ، يقنط من رحمة الله ، في الرخاء كفور ، وفي الشدة يؤوس .

الفوز المطلق هو الفوز بالجنة :

بالمناسبة أيها الأخوة إن أردت أن تكون إماماً للناس ، والله عز وجل أمرك أن تدعو بهذا :

﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[سورة الفرقان : 74]

إن أردت أن تكون إماماً فطريق الإمامة الصبر ، قال تعالى :

﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾

[سورة الأنبياء : 73]

الشيء الدقيق جداً هو أنك مخلوق للجنة ، أعظم عطاء تناله أن تصل إلى الجنة، قال تعالى :

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

[سورة آل عمران : 185]

هذا الفوز المطلق ، الإنسان يفوز بالمال في الدنيا ، يموت يترك المال .
يفوز بمرتبة عالية يموت يدعها ، يفوز بمتع كثيرة يموت يتركها ، هذا فوز نسبي ، فوز محدود :

(( لو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماء ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله ]

.
ولكن الفوز المطلق أن تُزحزح عن النار وأن تدخل الجنة ، قال تعالى :

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

[سورة آل عمران : 185]

الصبر من نعم الله الكبرى :

عود على بدء :

﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴾

[سورة الرعد : 23]

الباء السببية ، سلام عليكم بما صبرتم . .أي ثمن الجنة أن تصبر ، أن تصبر على طاعة الله ، وأن تصبر عما نهاك الله عنه ، وأن تصبر على قضاء الله وقدره . .
الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا إيمان لمن لا صبر له ، هذا الذي يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ، خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين . .
يقول سيدنا عمر عملاق الإسلام رضي الله عنه : " خير عيش أدركناه بالصبر"
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم :

(( الصبر ضياء ))

[مسلم عن أبي مالك]

نور أمامك ، ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري :

(( ومن يتصبر يصبره الله ))

[البخاري عن أبي سعيد الخدري]

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾

[سورة النحل : 127]

يا رب أعني على الصبر ، حتى الصبر من نعم الله الكبرى . .

(( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))

[ أخرجه مسلم عن صهيب الرومي ]

لكن الصبر عند الصدمة الأولى ، بعد الصدمة الأولى الصبر إجباري لابد من أن تصبر ، لكن ليس لك أجر بعدها ، الصبر عند سماع الخبر . . يا رب لك الحمد ، يا رب أنا طوع يديك . .

 

أعلى درجة في الصبر أن يصبر الإنسان باختياره :

الآن أيها الأخوة هناك موضوع دقيق جداً ، قال العلماء : أرفع أنواع الصبر على الإطلاق ما كان اختياراً .
مثلاً : أنت في البيت جالس بين أهلك وأولادك وزوجتك جلسة مريحة ، كل شيء ميسر ، حان وقت مجلس العلم ، قد تأتي إلى مجلس العلم ليس هناك كرسي مريح فرضاً ، ليس هناك ضيافة ، قال تعالى :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[سورة الكهف : 28]

هذا الذي يصبر باختياره هذا أعلى أنواع الصبر .
الصبر على الطاعة باختيارك ، والصبر على المعصية باختيارك ، أما الصبر على بلاء الله ليس باختيارك ، ماذا تفعل ؟ لو أردت ألا تصبر ماذا تفعل ؟ إنسان لو مات ابنه، لو أراد ألا يصبر هل بإمكانه أن يعيده حياً ؟ لذلك الصبر على الطاعة ، هذا صبر فيه كسب ، والصبر عن المعصية ، صبر فيه كسب ، أما الصبر على قضاء الله وقدره فهذا صبر لا يوجد فيه كسب ، أي إن لم تصبر هذا الواقع ، ماذا تفعل ؟ . .
لذلك العلماء قالوا : صبر سيدنا يوسف على مطاوعة المرأة التي راودته عن نفسه ، أعظم عند الله بكثير عن صبره وهو في الجب ، وعن صبره وهو في السجن ، مع بعض التفاصيل. كان هذا النبي الكريم شاباً ، وداعي الشهوة في الشباب أقوى ، وكان عازباً ليس له ما يعوضه ويبرد شهوته ، ثانياً ، وكان غريباً ، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يتسحيا من يسكن في بلده ثالثاً ، وكان مملوكاً والمملوك ليس وازعه كوازع الحر ، وكانت المرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته وقد غاب الرقيب ، وهي الداعية إلى نفسها والحريصة أن يبقى الخبر سراً أكثر منه ، وتوعدته إن لم يفعل بالسجن ، ومع كل هذه الدواعي صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله، أي أعلى درجة في الصبر أن تصبر باختيارك ، أما الذي يأتي قضاءً وقدراً فننصحكم أن تصبروا ، لأنه لا يوجد بديل أساساً . .
أما هذا باخيتارك ، حينما تنفق مالك باختيارك ، حينما تطلب العلم باخيتارك ، حينما تؤثر أخاك باختيارك ، أعلى أنواع الصبر ما كان من كسبك ، لذلك العلماء قالوا : الصبر على أداء الطاعات أكمل من الصبر على اجتناب المحرمات ، فإن الله عز وجل يحب أهل طاعته أكثر ، أي من ترك المعصية عمل عملاً عظيماً ، ولكن عمله سلبي ، ولكن من عمل الطاعة ارتقى إلى الله عز وجل ، أنت بترك المناهي تسلم ، وبفعل الطاعة ترقى عند الله عز وجل .
هذا معنى قول سيدنا لقمان لابنه وهو يعظه :

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

[سورة لقمان : 17]

أيها الأخوة الكرام : حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُقِ العظيم ، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .

البقدونس و تأثيره على الصحة :


 كلما ازددت معرفة بآيات الله ازددت معرفة بالله، شيء لا يخطر في بالكم, هذا البقدونس الذي تأكلونه كل يوم، هناك مجلة محترمة تصدر في بلاد الخليج عالجت موضوع هذا النبات معالجة عميقة جداً, فإذا في هذه المقالة الشيء الذي لا يُصدق، من أجل أن تعرف كيف أن الله أكرمك؟ .
 قالت: هذا النبات فيه كثير من الفيتامينات، وفيه كثير من العناصر النادرة، وفيه زيت طيار، ملعقتا طعام من هذا النبات مفروم فرماً ناعماً تؤمن للكائن الحي ثلث الجرعة اليومية من طليعة الفيتامين (a), وثلثي الفيتامين ( c)، وثمن جرعة الحديد اليومية . المواد النادرة في هذا البقدونس: الزرنيخ، والبورون، والنحاس, والتيتانيوم، هذه مواد نادرة موجودة في البقدونس، لذلك قال بعض الأطباء: كُلْ كلَ شيء؛ لأن كل شيء فيه مواد مرممة، ومعالجة للجسم باعتدال . ينصح الأطباء أن يوضع على المائدة قبل خمس دقائق من تناول الطعام؛ لأن فيه زيت طيار، والفائدة في هذا الزيت الطيار . هذا النبات دواء مدر للبول، يستخدم في حالات الاستسقاء، وفي حالات الوزمات ذات المنشأ القلبي، ويُستخدم في الحصى، والكلية،وأمراض المثانة، وفي أمراض الكبد وفي الحويصلة الصفراوية,وهذا النبات ينظم التنفس، وينشط القلب، ويعين على خروج الغازات من الجسم, ويحصن الرؤيا، ويوقي اللثة، ويشفي من لدغات البعوض, والزنابير والنحل، ويقتل الطفيليات . هذا النبات يزيل رائحة المواد الكريهة في الجسم،يقوي غدتي الكظر، وهي المسؤولة عن الحالات التي تصيب الإنسان في حالات الشدة،الكظر يرفع ضربات القلب , ويضيق الأوعية والشرايين المحيطية, ويرفع نسبة السكر في الدم،ويزيد وجيب الرئتين. هذا النبات يفيد الغدة الدرقية، المسؤولة عن الاستقلاب، ويقوي الأوعية الدموية ويمنعها عن أن تنفجر عند ارتفاع الضغط،وهو ممتاز لأمراض الجهاز البولي التناسلي, ويساعد في حال تشكل الحصى في الكليتين وفي المثانة على تفتيتها،ويعالج مرض الاستسقاء, ويعالج بعض أمراض العيون، ويحسن الدورة الشهرية، وفي فصل طويل عن التجميل عن طريق البقدونس ما لنا شغل فيه .
 هذا النبات الذي بين أيدينا، لو تفكر الإنسان في هذا الغذاء الذي يأكله من صممه له؟ من أودع فيه هذه النسب؟ لذلك قالوا: خير الدواء ما كان غذاءً, دواء متوازن غير مؤذي نباتي، أما الأدوية التي نأخذها الكيماوية هذه تشفي من جهة، وتؤذي من جهة أخرى.

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين .
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين .
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام والمسلمين وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير .

تحميل النص

إخفاء الصور