وضع داكن
27-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 097 - من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه…….
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين أيها الأخوة الكرام:
 كنت ذكرت من قبل أن الإنسان يشحن في الصلاة شحنة روحية، لعلها تكفيه إلى صلاة قادمة، ويشحن يوم الجمعة شحنة أكبر لعلها تكفيه إلى جمعة أخرى، ويشحن في رمضان شحنة أكبر وأكبر لعلها تكفيه إلى بقية العام، لكنه إذا حج بيت الله الحرام ينبغي يشحن شحنة تكفيه حتى نهاية العمر، لذلك الإنسان حينما يفاوض الحجر الأسود، أو حينما يقبله، أو يشر إليه، يقول يا ربي إيماناً بكتابك، وإتباعاً لسنة نبيك، وعهداً على طاعتك.
فكل من اعتمر أو حج ينبغي ألا ينسى هذا العهد الذي عاهد الله به، فالله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)﴾

( سورة الأعراف )

 فالذي يحج وينعم الله عليه بنعمة الحج ينبغي أن يحفظ العهد، كيف أنه عاهد الله عز وجل، والحقيقة نحن في الحياة الدنيا تحكمنا أقنعة مزيفة، أقنعة كثيرة مزيفة، فالمال قناع، والثياب قناع، والنعيم نعيم الاغتسال، ونعيم القرب من الأهل، والنعيم إلى إيواء إلى بيت مريح، هذا كله من نعيم الدنيا، وكل العبادات يمكن أن تؤديها وأنت في بلدك، تصلي وأنت في بلدك وفي بيتك، وتصوم وأنت في بلدك، وتزكي وأنت في بلدك، لكن هذه العبادة العظمى التي تنفرد عن بقية العبادات لا تؤدى إلا في بيت الله الحرام، إذاً لا تؤدى إلا مع التفرغ، إذاً لا بد من ترك الأهل والأولاد والزوجة والأقارب والمكتب والتجارة والمكانة والثياب الأنيقة والبيت المريح والمركبة، لتلبي دعوة الله عز وجل، فمن لبى دعوة الله عز وجل كأنه يؤكد لنفسه أن تلبية نداء الله خير عنده من الدنيا وما فيها.
 فلذلك الحج في حقيقته رحلة إلى الله، قد تسافر إلى بلد سياحة، أو دراسة، أو تجارة لكنك إذا سافرت إلى بيت الله الحرام إنما تسافر إلى الله عز وجل، الحج رحلة إلى الله والله عز وجل يناديك، أن تعال يا عبدي، أن تعال ذق طعم القرب مني، تعال ذق طعم مناجاتي، تعال ذق طعم محبتي، تعال ذق طعم الإنابة لي.

 

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
تعصي الإله وأنت تظهر حب ه ذاك لعمري في المقال شـــنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته  إن المحب لمن يحب يطيــع

 الحج: أول شيء بالحج أنه نزع للأقنعة المزيفة، قناع المال هناك، قناع الثياب الأنيقة ينزع هناك، قناع البيت المريح ينزع هناك، ناع المنصب الرفيع ينزع هناك، يعني كأن الله سبحانه وتعالى جعل الحج، وكلام دقيقة، رحلة قبل الأخيرة، الأخيرة إلى القبر هذه رحلة قبل الأخيرة، كما أن الإنسان حينما يموت يدع بيته أهله وبيته وأولاده وثيابه ومكانته ودخله وأطايب الطعام التي كان يحبه، ويُدس بالقبر بأرخص أنواع الأقمشة، بخام أبيض ولا شيء يأخذه معه، وليس في القبر مراتب كما في الدنيا، يقول لك فندق أربع نجوم خمس نجوم ثلاث نجوم، في نجوم الظهر في القبر.
أيها الأخوة:
 الحقيقة الحج نزع لكل هذه الأقنعة، وتدريب على الرحلة الأخيرة، يعني بعرفات كل هذه الناس يرتدون ثياب موحدة، قد يكون فيهم الغني الكبير، وفيهم الفقير، ثياب موحدة أما في الدنيا تتباهى بنوع ثيابك، وبمصدرها، أجنبية، مكلفة رقم فلكي، واخترت اللون الفلاني، تتباهى بكل شيء في الدنيا، أما هناك نزعت منك الدنيا، نزع طعامها، وثيابها ونعيمها وبقيت طاعة الله عز وجل.
 قد يسأل سائل لماذا سقط الحج عن الفقير ؟ الفقير دنياه محدودة، ودنياه خشنة ودنياه لا تفتنه، لكنه فرض على المستطيع، لأن المستطيع قد يشغل بدنياه، وقد يؤخذ بدنياه وقد ينسى آخرته بدنياه، عملية تذكرة، فهذا الذي يكتب له أن يحج بيت الله الحرام ينبغي أن يعلم أن الله دعاه، أنك إذا لبيت الدعوة إكرام الله لك أنه يلغي الماضي بأكمله، مهما كان في من ذنوب متعلقة بالله، ما كان بينك وبين الخلق لا يسقط إلا بالأداء أو المسامحة، هذا معنى قوله تعالى:

 

 

﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾

 

( سورة الأحقاف الآية: 31 )

 من، يعني يغفر لكم بعضها، يسر لكم ما كان بينكم وبين الله، لكن ما كان بينكم وبين العباد لا يغفر، وأكبر وهم يتوهمه المسلمون أنه يفعل ما يشاء، ويأكل من مال الناس ما يشاء، ويغتصب منهم ما يشاء، ويبتز أموالهم ما يشاء، ويذهب إلى بيت الله الحرام ليعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه، نقول لا يا أخي الذنوب التي لك، الذنوب التي متعلقة بالعباد لا تسقط بحال إلا أن تؤديها، أو أن يسامحك هذا الإنسان، هذا أول وهم يجب أن يزال أدي الحقوق، لذلك الحاج الصادق لا يذهب إلى الحج إلا بعد ما يؤدي عليه من حقوق حقوق واجبات، ذمم، حسابات معلقة، دفعات غير مسددة، يؤدي ما عليه من حقوق ويذهب إلى بيت الله الحرام ليعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه، يعني فرصة كبيرة أن يطوى العمر كله بمغفرة تامة.

 

(( من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه))

 

[ متفق عليه ]

 والحقيقة في حكمة بالغة من الحج وهي: أن الله اختار بيته الحرام في منطقة استوائية، حرها لا يحتمل، وليس فيها بنات.

 

﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾

 

( سورة إبراهيم الآية: 37 )

 قد يسأل سائل لو أن بيت الله الحرام فيه أمكنة كسويسرة، بلاد جميلة جداً، جبال خضراء، بحيرات، نسيم عليل، وكان على مدار العام دفعاً للازدحام، المملكة استخدمت وفد من أمريكة خبراء للسير، لوضع نظام للسير في أثناء الحج، في أزمات سير خانقة فجاء هذا الوفد درس الأماكن، درس الطرقات، ووضع دراسة رائعة، اقترح على المملكة أن تقيم خمس مواسم حج في العام، كل شهرين موسم، بعيدون عن الدين بعد الأرض عن السماء، فالازدحام مطلوب، والحر مطلوب، الله ثبت لك النعيم المادي، فإذا كنا أسعد الناس في الحج ما الذي تحرك النعيم الروحي، لو أن الحج مكانه جميل جداً الأمور تختلف لا تدري لماذا كنت مسروراً من هذا الجو الرائع، من هذه المناظر الخلابة، من هذا الطعام النفيس، أم من هذا الإقبال على الله، أما الله ثبت لك كل عوامل اللذة المادية، ثبتهم وحرك الاتصال بالله، لذلك:

﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾

( سورة إبراهيم الآية: 37 )

هناك إقامة الصلاة، هناك الدعاء، فمن وقف في عرفات ويغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له.
 فأنا حينما أسأل عن بعض النصائح أقول أخطر يوم في كل حياتك يوم عرفة يوم اللقاء مع الله، فإذا أمضيت هذا اليوم بشرود، وبحديث دنيوي، أو بقلب لاهي أنت فوت عليك فرصة لا تقدر بثمن، أيعقل أن يطلبك الله من أقصى الدنيا، من أمريكة قد تأتي، من اليابان، من أحل أن تجلس بعرفات هكذا ؟! تجلس هكذا 12 ساعة ؟! هذا ليس معقول العبادات معللة بمصالح الخلق، هذا يوم اللقاء الأكبر، هذا يوم الاعتذار، يوم الاستغفار يوم العهد، يوم الوعد، يوم الترجي، يوم الاستعطاف، يوم ذوبان محبة لله عز وجل، إذا واحد كتب له أن يحج بيت الله الحرام عليه أن يعتني بيوم عرفة، إنه يوم الحج الأكبر، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
" الحج عرفة ".
 إذا واحد ما ذهب إلى هناك، ما أتيح له أن يحج ينبغي أن يعتني بهذه الأيام العشر التي تبدأ بذي الحجة، هذه الأيام مباركة، والصيام فيها مستحب، لكن صيام يوم عرفة لغير الحجاج سنة مؤكدة تقريباً.
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً ويقول الله عز وجل:

﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ﴾

( سورة آل عمران الآية: 97 )

 معنى ومن كفر، أي من لم يحج البيت، استخفافاً بهذه العبادة، فقد كفر، إذا غير مستطيع ما في مشكلة، هو الأولى على السرعة لا على التراخي، في آراء عديدة لكن الأولى على الفور، لذلك من أدق ما في المذهب الحنفي أنك إذا حججت بيت الله الحرام ينبغي أن توصي بحجة بدل، أنا ذاهب للحج ! لعلك لم تدرك طواف الإفاضة، إذاً لم ينعقد الحج فمن تمام هذه العبادة أن توصي بحجة بدل ولو أنت متجه إلى بيت الله الحرام، لتعظيم هذه الفريضة، لكن الحج فرض مرة، يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه:

 

(( إذا أصححت بعبدي جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، وأتت عليه خمسة أعوام لم يفد إلي لمحروم ))

 فإذا الإنسان ميسور، وصحيح الجسم، ومضى على حجته خمس سنوات وتمكن أن يحج حجة جديدة، فكل حجة لها مستوى، الحج مستويات، كلما حججت حجة تمنيت أن تحج أخرى كي تتلافى بعض الثغرات، فالأولى أن يختم لهذا الإنسان بحجة تامة مقبولة لعل الله سبحانه وتعالى يرحمه بها.

 

 

إخفاء الصور