وضع داكن
23-04-2024
Logo
رحلة استراليا 3 - المحاضرة : 03 - المعنى الحقيقي للعبادة - أسئلة وأجوبة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 إذاعة الصوت الإسلامي معكم مستمعينا، وفي هذا الصباح يسعدنا ويشرفنا أن نستقبل معنا فضيلة الداعية الكبير محمد راتب النابلسي، أهلاً وسهلاً بكم دكتور.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم ونفع بكم.
الأخت رانيا:
 يا دكتور لا أعرف كيف أرحب بك؟
الدكتور راتب:
 أنا بين أهلي.
الأخت رانيا:
 بارك الله فيك، هذه الكلمة تغني عن أشياء كثيرة، لأن الكلمات التي سأقولها تمثل كل المستمعين أيضاً، الكل يريد أن يتقدم إليك بالتهاني ونحن مسرورون بأنك موجود معنا.
الدكتور راتب:
 جعلني الله أهلاً لمحبتكم.
الأخت رانيا:
 فضيلة الدكتور إن شاء الله تعالى نحن نقول للمستمعين خلال إقامتك في سدني سيكون لدينا لقاءات معك، لقاء منها لقاء صباحي سيكون بإذن الله صباح كل خميس، أما هذا اليوم فهذا يوم خاص استثنائي، وأيضاً زميلي الأخ أنور حمام سيجري معك لقاءات في الفترة المسائية، إن شاء الله خلال هذه اللقاءات سيكون هناك موضوع مختلف، وسنفتح المجال للمستمعين لكي يشاركونا بأسئلتهم.
 موضوعنا لهذا اليوم الذي اخترناه هو عن العبادة، العبادة شيء كبير في حياتنا، لكن ما هو المعنى الحقيقي لهذه العبادة؟ قد يظن بعض الناس بأن العبادة تقتصر على الصلوات، أو الصوم، هل هي فعلاً تقتصر على هذا الموضوع؟ أم أن هناك أشياء أخرى نقوم بها وهي عبادة ولا نعرفها؟ أم أننا يجب أن نقوم بها من باب العبادة أيضاً؟

المعنى الحقيقي للعبادة :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 الحقيقة الدقيقة أن الإنسان إذا ذهب إلى بلد ما، وقد يرسل أب ولده إلى مدينة كبيرة لينال الدكتوراه في جامعتها، فمدينة كبيرة واسعة جداً، فيها معامل، فيها متاجر، فيها مؤسسات، فيها جامعات، فيها بيوت للسكن، فيها متنزهات، فيها مسارح، علة وجود هذا الشاب في هذه المدينة شيء واحد نيل الدكتوراه، فبطولة هذا الشاب أن يبقى هذا الهدف واضحاً أمامه، أما الأشياء الأخرى فلا تقدم ولا تؤخر.
 وضوح الهدف يسهل وسائل الوصول
فالإنسان حينما جاء إلى الدنيا، هناك أكبر سؤال ينبغي أن يجيب عنه، لماذا أنا في الدنيا؟ أو لماذا هذا الطالب الذي أرسله والده من مصر لماذا هو في باريس هنا؟ من أجل شيء واحد، باريس مدينة عملاقة، فيها ملاه، فيها دور سينما، فيها مسارح، فيها ملاعب، فيها أسواق، فيها مكتبات، فيها مؤسسات، علاقة هذا الشاب بهذه المدينة شيء واحد أن ينال الدكتوراه، والله عز وجل حينما قال:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[سورة الذاريات]

 الهدف الوحيد، أو علة وجودنا في الدنيا أن نعبد الله، لأن عبادة الله ثمن الجنة، نحن خُلقنا لجنة عرضها السموات والأرض، فيها:

(( ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]

 الله عز وجل خلقنا ليسعدنا، لنكون مقربين إليه إلى أبد الآبدين، بشكل أو بآخر الإنسان عندما يلقي نظرة على البحر يستمتع بهذا المنظر، صفيحة زرقاء، والسماء زرقاء، فيها بعض الغيوم، وأحياناً هناك جبال خضراء على الساحل، هذا المنظر الجميل ممتع لأنه أخذ مسحة من جمال الله
جمال الطبيعة فيه مسحة من جمال الله
الإنسان إذا نظر إلى ابنه الصغير وقد أبدع الله خلقه، وجه جميل، هذا الوجه الجميل مسحة من جمال الله.
 فنحن في كل حياتنا نستمتع بمنظر جميل، بطعام طيب، برائحة رائعة جداً، بمنظر سهل، بمنظر جبل، بمنظر بحر، بباقة ورد مثلاً، الأشياء الجمالية في الدنيا هذه أخذت مسحة من جمال الله، شيء لا يذكر لكننا في الجنة نعاين جمال الله عز وجل، الجنة أساسها أنك تكون من أسعد الخلق حينما تعاين جمال الله عز وجل.
 لذلك في بعض الآثار أن الله عز وجل يسمح لعباده في الجنة أن ينظروا إليه، فيغيب أحدهم مئة ألف عام من نشوة النظرة.

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾

[ سورة القيامة]

الأخت رانيا:
 فضيلتكم، يعني أن الله خلقنا ليسعدنا في العبادة التي من أجلها نحن خلقنا؟.

المصائب في الدنيا لتقريب الإنسان من هدفه :

الدكتور راتب:
 طبعاً، الشر لا وجود له في الكون، لأنه يتناقض مع وجود الله، الشر من أجل الشر، أما في عمل جراحي من أجل الشفاء فقد نفتح بطن المريض ونخدره، ونستأصل الزائدة الدودية، ونخيط هذا الجرح، وبعد انتهاء المخدر يتألم هذا الإنسان، هذه العملية من أجل سلامته.
 قساوة الحياة تدفع نحو الهدف
أنا حينما أفهم أن كل شيء بالحياة سلبي، كل أنواع المصائب من دون استثناء، من أجل تقريب الإنسان من هدفه، لذلك:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة]

 كل أنواع المصائب في الدنيا من أجل أن ننبه الإنسان إلى سر وجوده في الدنيا وإلى غاية وجوده.
الأخت رانيا:
 الآن سبحان الله! عندما أنت استشهدت بالمثال على الشاب الذي ذهب إلى فرنسا كي يدرس، هدفه الوحيد هو الدراسة، ونحن خلقنا هدفنا العبادة، لكن كل ما حولنا من أمور قد تغرينا أو تسلط الشيطان علينا، هذه الأمور تبعدنا عن العبادة التي من أجلها خلقنا، هنا يكون الامتحان؟.

الإنسان مخير وكل أفعاله مسؤول عنها هو وحده وسيحاسب عليها :

الدكتور راتب:
 لكن لابد من توضيح: حينما يسلط الله علينا الشيطان، الحجة أصبحت معنا لا مع الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾

[ سورة الأنعام الآية: 149]

 فالشيطان لا يُسلط.

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾

[ سورة إبراهيم الآية: 22]

 لو فرضنا إنساناً ذهب إلى الشرطة ليشتكي على إنسان، هذا الإنسان وقع في حفرة مياه آسنة سوداء، يرتدي ثياباً بيضاء جميلة، فذهب هذا الذي وقع في الحفرة ليشتكي على هذا الإنسان، فسأله المحقق: هل دفعك إلى هذه الحفرة؟ قال له: لا والله ما دفعني، هل أنزلك هو؟ قال: لا والله، لِمَ تشتكِ عليه؟ فقال: قال لي انزل فنزلت، هذا فاقد العقل.
 الشيطان يملك أن يوسوس فقط، ومعنا سلاح خطير جداً:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة الأعراف الآية: 200]

  الاستعاذة سلاحنا ضد الشيطان
لمجرد أن تستعيذ بالله انتهى الشيطان، معك كلمة فقط، كلمة تلغي بها عمل الشيطان.
 إذاً الإنسان مخير وكل أفعاله مسؤول عنها هو وحده، وسيحاسب عليها.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[سورة الحجر]

 

 


  الإنسان مخير بين الخير والشر
أنت مخير، وعندك وسائل كبيرة جداً لمحاربة الشيطان، الشيطان يوسوس فقط والملك يُلهم، فالإنسان بين إلهام الملك بالخير ووسوسة الشيطان بالشر هو مخير، فحينما يستجيب للشيطان يرغب هو بهذه المعصية، لا أحد يقول: فلان أضلني، لا يوجد إضلال إطلاقاً، الإنسان يضل نفسه.
الأخت رانيا:
 سمعت مرة أن أحد الأطباء يقول: بأن أي شخص مدمن على المخدرات لا يصبح مدمناً من أول مرة، كنا نشاهد في الأفلام أن يأخذ الإبرة فيصبح مدمناً، فقال: إن هذا الكلام غير صحيح، لا يصبح الإنسان مدمناً إلا إذا اختار أن يكون مدمناً، إذاً أيضاً هنا الاستجابة للشيطان؟.

 

 

لا مسؤولية من دون حرية :

الدكتور راتب:
 أختنا الكريمة، حينما نلغي الاختيار ألغينا الدين كله، ألغينا الجنة، ألغينا النار، ألغينا الخير، ألغينا الشر، ألغينا المسؤولية، ألغينا الأمانة، ألغينا التكليف، الإنسان مخير، وكل الفرق الضالة تتوهم أنه مسير، ألقاه في اليوم مكتوفاً، وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء، فأنا حينما أعتقد أن الله أجبرني على هذه المعصية التغى الدين كله، كيف يحاسب؟ كيف أدخل إلى النار؟ أعوذ بالله مستحيل، دائماً الفرق الضالة تريد أن تظهر الدين غير منطقي، غير صحيح، غير معقول، لا يوجد حرية، لا، الإنسان حر فيما يفعل، لذلك هو مسؤول، لا مسؤولية من دون حرية.
الأخت رانيا:
 إحدى الأخوات قالت لي بأن الدين الإسلامي صعب، هل ديننا فعلاً صعب؟.

الدين صعب لمن يجبر عليه أما لمن اختاره فليس صعباً :

الدكتور راتب:
 لا أبداً، الدين صعب لمن يجبر عليه، أما لمن اختاره فليس صعباً، الإنسان أراد الشهوة، أراد المصلحة، أراد المال، أراد المتعة بخلاف منهج الله، فحينما يجبر على أن يكون في بلد فيها ضبط شديد يجبر على الاستقامة هو صعب فعلاً، اختيار الطريق يسهل الصعاب
أما حينما تنبع هذه الاستقامة من اختياره فهذا شيء سهل جداً، الطالب المتفوق يقبع وراء المكتب ساعات طويلة ويدرس ساعات طويلة و هو مستمتع لأن هدفه كبير، هدفه أن يصبح دكتوراً مثلاً، يصبح أستاذ جامعة كبير، ما دام هدفه كبيراً فوسائل الهدف محببة إليه، أما إذا كان هدفه غير ذلك ووالده أجبره على الدراسة فعندئذٍ القضية مؤلمة.
الأخت رانيا:
 في عودتنا لعنوان هذا اللقاء العبادة نوضح أكثر للمستمعين بأن العبادة لا تقتصر على الشعائر الدينية، كالصوم، والصلاة.

الإنسان كائن متحرك أودع الله فيه حاجات كثيرة جداً :

الدكتور راتب:
 تلك عبادة شعائرية، نحن عندنا عام دراسي، تسعة أشهر، عندنا ثلاث ساعات امتحان، العبادة الشعائرية كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، تشبه الامتحان فقط، والعبادة التعاملية تسعة أشهر تشبه الدراسة، كيف أكسب مالي؟ كيف أُنفق مالي؟ كيف أعامل زوجتي؟ كيف أربي أولادي؟ كيف أزور أصدقائي؟ كيف أتعامل مع شركائي؟ كل العلاقات الاجتماعية، والتجارية، والجمالية، والنفسية، والعائلية، هذه حركة، الإنسان كائن متحرك، لماذا هو متحرك؟ لأن الله أودع فيه حاجات كثيرة جداً، ألخصها بثلاث حاجات، أودع فيه حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده، على وجوده كإنسان، ثم أودع فيه حاجة ثانية هي حاجته إلى التفكر إلى تأكيد الذات، من أنا؟، الطالب بالمدرسة يحب التفوق، اسم هذه الحاجة عند علماء النفس تأكيد الذات، أن تكون موضع نظر، أن يشار إليك بالبنان، هذه حاجة نفسية.
 فهناك حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الإنسان، و حاجة إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع، عندنا بقاء الفرد بالطعام والشراب، بقاء النوع بالزواج، إن لم يكن هناك زواج البشرية تهلك، الآن عندنا حاجة إلى بقاء الذكر، أن يشار له بالبنان، كل إنسان عنده حاجة سماها العلماء تسميات عديدة، منها تأكيد الذات، منها أن تكون ذا مكانة رفيعة في المجتمع، هذه حاجة أساسية، لكن المجرم يحقق هذه الحاجة بالجريمة، السارق يحققها بالسرقة، بينما المؤمن يحققها بالعمل الصالح، كل هذه الحاجات الأساسية التي أودعها الله بالإنسان تلبى وفق منهج الله، وبخلاف منهج الله، هناك حاجة إلى الطعام والشراب، لكن هناك طعام حرام مسروق، وهناك حاجة إلى الزواج لكن هناك زنا، وهناك حاجة إلى تأكيد الذات بالجريمة أحياناً.
 فالحاجات الثلاثة حاجة إلى بقاء الفرد بالطعام والشراب، حاجة إلى بقاء النوع بالزواج، والحاجة الثالثة بقاء الذكر بالتفوق.
الأخت رانيا:
 سبحان الله يا دكتور! الدين أو العبادة كل شيء في حياتنا، لكن عندما ذكرت الحاجات الثلاثة إذا قرأتها أقول: شيء طبيعي، نريد الزواج لبقاء الإنسان على وجه الأرض، لكن عندما تتعمق بهذه الأشياء الثلاث تجد أن هناك حرام وحلال، أن هناك حتى في العمل أنت تختار عملاً صالحاً وعملاً غير صالح، لكل منحى من حياتنا.

الإنسان ممتحن في كل دقيقة من حياته :

الدكتور راتب:
 الإنسان ممتحن في كل دقيقة، إما أن يأخذ موقفاً كاملاً، بوحي من عقله، وإدراكه لمهمته ورسالته، أو يأخذ موقفاً خاطئاً بدافع من شهوته، فالإنسان إما مع نداء عقله، أو مع نداء شهوته، لكن نداء العقل ليس فيه حرمان، أي شهوة أودعها الله في الإنسان جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أي شهوة أودعها الله فينا، ما من شهوة على الإطلاق أودعها الله فينا إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، وأي شهوة أخرى لها قناة أخرى، الإنسان بين الخير والشر، بين أن يكون مع الله أو مع الشيطان، بين أن يكون مع المبادئ أو مع الشهوات.
الأخت رانيا:
 لكن البعض يشعر أنه في هذا العالم وفي كل ما حوله من مغريات يقول أحياناً: إنني غير قادر، يضعف، كيف ينمي هذه الروح؟ كيف ينمي هذه النفس لكي تقوى على هذه العبادة في كل مجالات الحياة ودون أن تخذل هذه النفس تجاه المغريات؟

لا يكلف الله نفساً إلا وسعها :

الدكتور راتب:
 الجواب الدقيق: مستحيل وألف ألف مستحيل أن نكلف ما لا نستطيع، الدليل من القرآن:

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

[سورة البقرة الآية:286]

 أما الذي يقول: لا أستطيع فهذا كلام خاطئ، لذلك يقول بعضهم: إن الأشياء التي نتوهم أننا لا نستطيعها هي الأشياء التي لا نريد أن نفعلها، الأشياء التي نتوهم أننا لا نستطيعها هي التي لا نريد أن نفعلها.
الأخت رانيا:
 إذاً الإنسان قادر على أن يغير كل أمور حياته من طريق خطأ إلى طريق صالح؟
الدكتور راتب:
 لولا أنه قادر لما كان من معنى لإرسال الأنبياء، لولا أنه قادر ما من داع للأنبياء إطلاقاً، الله عز وجل أعطانا القدرة على التغيير، والدليل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[سورة الرعد الآية:11]

الأخت رانيا:
 فضيلة الدكتور، الآيات القرآنية واضحة، أحياناً لا تريد أو ليس الإنسان بحاجة لأن يأخذ ويعطي، الأمور واضحة وثابتة، ما علينا إلا أن نلتزم بها.
 كلمة الالتزام، البارحة عندما قلت: سأجري لقاء مع فضيلة الدكتور، قال لي أحد الأشخاص: أرجوك اسأليه موضوع الالتزام، كيف أكون ملتزماً؟ الآن من سياق الحديث تأتي هذه الإجابة على هذا المعنى، أحياناً يفكر البعض بأن الالتزام هو أن يكون لك لحية، أو أنك تصلي، أو امرأة تضع الحجاب وتصلي، لكن الالتزام أو هذه المعاني كلها تتعلق بالعبادة وبأمورنا المعيشية والحياتية.

الالتزام هو توظيف السلوك والاستقامة والعمل الصالح في علاقة الإنسان بربه :

الدكتور راتب:
 الإسلام يشمل كل مناحي الحياة
العبادة شعائرية وتعاملية، تعاملية مئة ألف بند، طريقة الطعام، الشراب، الزواج، تربية الأولاد، اختيار العمل، السلوك أثناء العمل، علاقتك بمن هو فوقك، بمن هو تحتك، بمن هم حولك، العبادة مئات ألوف البنود، هذه العبادة التعاملية، هناك منهج تفصيلي للإنسان، هذا المنهج هو الكتاب والسنة، وهناك تفاصيل دقيقة جداً في شؤون الحياة، كيف أختار زوجتي؟ كيف أربي أولادي؟ كيف أنفق مالي؟ كيف أكسب مالي؟ تفاصيل مذهلة، أما عندنا عبادة شعائرية، العبادة هذه مناسبة للوصول إلى الله، فالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، هذه عبادات شعائرية، هي في الحقيقة تماماً تشبه كما قلت قبل قليل: ساعات الامتحان الثلاثة، هناك عام دراسي تسعة أشهر فيه دوام، فيه انتباه للمعلم، فيه قراءة الدرس، كتابة الوظيفة، أداء الامتحان، هذه عبادة تعاملية وساعات الامتحان الثلاثة عبادة شعائرية، كيف أريد أن أوظف سلوكي واستقامتي وعملي الصالح في علاقتي بربي؟.
 لذلك لا معنى للصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، من دون التزام بمنهج الله عز وجل، مثلاً إنسان ذهب إلى الامتحان و هو لم يقرأ أية كلمة، لكن معه قلمين أو ثلاثة أو خمسة، ومعه كأس من الشاي، وشطيرة، كل الأشياء الخارجية عن الدراسة معه، لكنه لم يدرس.
الأخت رانيا:
 دكتور الآن أود أن أفتح المجال للمستمعين لكي يشاركونا بأسئلتهم.

تعريف العبادة :

الدكتور راتب:
 لكن قبل ذلك أنا أقدم للأخوة المستمعين تعريف العبادة: هي طاعة طوعية، العبادة طوعية، الله عز وجل الذي خلقنا، والذي أمدنا، حياتنا بيده، موتنا بيده، رزقنا بيده، سعادتنا بيده، نجاحنا بيده، الذي خلقنا ما أراد أن يجبرنا على منهجه قال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 256]

 أساس العبادة الحرية
أساس العبادة الحرية، لأن الله عز وجل ما أرادنا أن نأتيه مكرهين، أرادنا أن نأتيه طائعين، بمبادرة منا، لذلك:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

  الإله العظيم ما أراد أن نعبده قهراً ولا قسراً، أراد أن نعبده محبة واختياراً، كأن الله جل جلاله أراد أن تكون علاقتنا به علاقة المحبوبية قال:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[سورة المائدة الآية:54]

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 165]

 ما أراد الله وهو الذي خلقنا، والذي أوجدنا، وبيده حياتنا، وموتنا، ورزقنا، وسعادتنا، وشقاؤنا، ما أرادنا أن نعبده قسراً، ولا إكراهاً، أرادنا أن نعبده اختياراً ومحبة، لذلك العلاقة بين العباد وبين الله عز وجل أصلها المحبة،

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

الأخت رانيا:
 فضيلة الدكتور حينما ذكرت الآن أن الله سبحانه وتعالى هو قال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

  عندما نقول هذا المعنى أن خُلقت في أسرة مسلمة، طبعاً أصبحت مسلمة، لكن هناك من لم يوجد في عائلة مسلمة، وكان نصرانياً، أو كان يهودياً، أو كان غير ذلك، هنا كيف تنطبق هذه الآية على أناس لم يصل الإسلام لهم؟.

الإيمان يحتاج إلى جهد ذاتي وتفكر في خلق السموات والأرض وطلب العلم :

الدكتور راتب:
 الحقيقة لو الإنسان ولد من أبوين مسلمين، ولم يبن إيمانه بجهده لا قيمة لإيمانه، والدليل لا يستقيم، لو أن الإنسان ولد من أبوين مسلمين، دون أن يفكر في هذا الدين، أو دون أن يتبناه، أو دون أن يحكم عقله في خصائصه، هذا لا يعد ناجٍ عند الله عز وجل، هذا صار عادات وتقاليد، ليس هذا هو الدين، الدين إيمان، إيمان يحتاج إلى جهد ذاتي، يحتاج إلى تفكر في خلق السموات والأرض، يحتاج إلى طلب العلم.
 نحن عندما نكتب أمام إنسان: د. أي دكتور، كلمة اسمه بالبطاقة، وقبلها يوجد حرف الدال هذا معه شهادة ابتدائية، معه إعدادية، معه ثانوية، معه لسانس، معه دبلوم عام، دبلوم خاص، ماجستير، دكتوراه، كل هذه الشهادات بدال، دكتور أي يحمل أعلى شهادة في الجامعة، معنى الشهادات السابقة قطعاً يحملها، من إتمام المرحلة الابتدائية، إلى الإعدادية، إلى الثانوية إلى اللسانس، إلى الدبلوم، إلى الدبلوم الخاص، إلى الماجستير، إلى الدكتوراه.
 إذا قلت: مؤمن هذه أيضاً شهادة أي عرف الله، أولاً: كلمة إيمان فيها ثلاثة معان دقيقة، فيها معنى علمي، ومعنى أخلاقي، ومعنى جمالي، معنى علمي هذا المؤمن عرف الله، عرف الحقيقة الكبرى في الكون، عرف سرّ وجوده، عرف غاية وجوده، عرف حقيقة الدنيا، عرف حقيقة كسب المال، إنفاق المال، عرف حقيقة علاقته بالمرأة، هناك قناة نظيفة هي الزواج و قناة آثمة هي الزنا، فهذا المؤمن عرف الله، وعرف منهجه، وعرف سر وجوده، وغاية وجوده.
فالإيمان مرتبة علمية، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلمه، والإيمان مرتبة أخلاقية، الإيمان يتناقض مع الكذب، مع الغش، مع الخيانة، مع المبالغة، مع الاحتيال، هذه كلها معان ساقطة، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكذب المؤمن، المؤمن لا يكذب، هذا المعنى الأخلاقي، و هناك معنى جمالي، والمؤمن يستمد سعادته من الاتصال بربه، منبع الكمال، والجمال، منبع الحق، فهناك مرتبة جمالية، هو من أسعد الناس، نحن أحياناً في صلاتنا نقول: وعلى أسعدنا محمد، أسعد الخلق هو رسول الله، ولو عرف الله.

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء))

[تفسير ابن كثير]

الأخت رانيا:
 إذاً فضيلة الدكتور ليس كل مسلم مؤمناً.

من صحت رؤيته صحّ عمله :

الدكتور راتب:
 طبعاً، الإسلام ولد من أبوين مسلمين، أي بالهوية مسلم، بدوائر النفوس مسلم، بالهجرة والجوازات مسلم، الإسلام منهج، أنا لا أبالغ فيه خمسمئة ألف بند، هل طبقها؟ هل اختار عملاً فيه نفع للناس؟ هناك أعمال فيها سوء، أسس ملهى، و الملهى أساسه معصية، اختار عملاً صالحاً، اختار زوجة صالحة، ربى أولاده تربية صالحة، اختار عمل خير ينفع الناس.
الأخت رانيا:
 إذاً لكي نكون مؤمنين يجب علينا أن نلتزم بهذا المعنى لكلمة إيمان.
الدكتور راتب:
 وقبل الالتزام يجب أن نعرف، إذا الإنسان ألغى من حياته طلب العلم انتهى، لأن أساس الإنسان أي حركة يقوم بها تسبقها رؤية، اللص لماذا يسرق؟ تصور أن السرقة طريق سريع للغنى بلا جهد، أخذ مالاً كثيراً بجهد قليل
وراء كل عمل رؤية إن صحت صح العمل
فدائماً وراء كل عمل هناك رؤية، فحينما تتعرف إلى الله، وإلى منهجه، تصح رؤيتنا، إن صحت الرؤية صح العمل.
الأخت رانيا:
 فضيلتكم، هناك أشخاص هم ملتزمون بعملهم، أخلاقهم جيدة، يتعاملون مع الآخرين بحسن الخلق، كل شيء جميل في حياتهم، لكن موضوع التوحيد، من خلال معاملتي، أو من خلال التعرف على الكثير من الأشخاص هنا- طبعاً غير مسلمين- لكن فيهم كل الأخلاق الحميدة في التكلم، في التحدث، في الأعمال، يساعدون الآخرين، هذا المثال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

 كيف؟.

من اختار الدنيا فقط فله الدنيا فقط :

الدكتور راتب:
 الإنسان إما أن يسعد في الدنيا بإيمانه، أو بذكائه، أو بكليهما، فالإنسان إذا أراد الله يعبده، يسعد في الدنيا وفي الآخرة، يسعد قبل الموت، وبعد الموت، يسعد في كل أحواله، أما إذا كان ذكياً أراد أن يكون ذا مكانة في الدنيا فيسقط، يتقن عمله، يكون زوجاً صالحاً، أراد هذه الأشياء لكي يكون سعيداً في الدنيا فقط، الله عز وجل كريم يعطيه الدنيا بأعلى مستوى.
 الأوربيون، والذين ابتعدوا عن منهج الله عز وجل، أتقنوا دنياهم تماماً، دنياهم منظمة جداً، ومريحة جداً، هؤلاء أرادوا الدنيا ووصلوا إليها، العبرة أن الإنسان ماذا يريد؟ أراد الدنيا؟ هذه الدنيا، أراد الجنة؟ هذه الجنة، فإذا الإنسان اختار الدنيا فقط فله الدنيا فقط.
 يصعب تصور اللانهاية
بالمناسبة: كلمة أبد كلمة صعب تتصورها، أنا أقدم مثلاً بسيطاً: أنه واحد بالأرض وأصفار لا إلى هذا الجدار، ولا إلى نهاية البحر، إلى الشمس، مثلاً: مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر أصفاراً، وكل ميلي صفر، هذا الرقم واحد في سدني و أصفار إلى الشمس، وكل ميلي صفر، لو جعلناه كسراً عشرياً، ووضعنا هذا الرقم صورة والمخرج لا نهاية فقيمته صفر، أي رقم مهما تصورناه إذا نسب إلى اللانهاية قيمته صفر، فالجنة لانهاية، فالدنيا لا شيء، إن أعطيت، أو لم تعطَ لا قيمة لها، شيء لا قيمة له عند الله عز وجل.

((ولو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ ))

[أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر بن حيان]

 طلب العلا يحتاج إلى جهد
لأنها مؤقتة، الآن عفواً: مرة روتشيلد أحد أكبر أغنياء العالم مقيم في بريطانيا، دخل إلى غرفة خزانته، عنده غرفة وليس صندوق حديد، غرفة بأكملها، فأغلق الباب خطأ، يصيح ويصيح ولا أحد يسمعه، حتى مات من الجوع، جرح إصبعه وكتب على الجدار: أغنى إنسان بالعالم يموت جوعاً.
 فالدنيا لا قيمة لها، يأخذها الإنسان أو لا يأخذها، أما الإنسان فمخلوق للجنة.
 عفواً: بالجامعة المقاعد غير مريحة، مصنوعة من الخشب، لا يوجد مقعد وثير، يوجد تنجيد، و إسفنج و أشياء مريحة في الحياة أما مقعد الجامعة فمقعد عادي جداً، أما يجوز في أي ملهى هناك مقاعد، و أرائك، و مناظر، و مشروبات مثلاً، أما بالجامعة فمقعد عادي، لكن هذا الذي على هذا المقعد سيكون طبيباً، أو مهندساً، أو بمنصب رفيع.
الأخت رانيا:
 وهو سيجلس، ويعبر من هذا المكان، لذلك إقامته قد تكون ليست مريحة لكنها مؤقتة.

بطولة الإنسان فيما بعد الموت :

الدكتور راتب:
 كل الناس أمام الموت سواسية
بشكل أو بآخر: لا يكون عطاء الكريم عطاء ينتهي بالموت، هذا ليس عطاء، فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه؟ حين زوى عنه الدنيا، فإن قال: أهانه فقد كذب، وإن قال: أكرمه فقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا، الدنيا تنتهي بالموت، يستوي بالموت الغني والفقير، والقوي والضعيف، والوسيم والدميم، وكل الصفات تنتهي عند الموت، فالبطولة ما بعد الموت.
الأخت رانيا:
 فضيلتكم، قد يقول قائل: أريد الدنيا والآخرة معاً، فهل هو من الذين يطلق عليه الطمع في الدنيا والآخرة؟.

الله عز وجل خلق الإنسان ليسعده لا ليشقيه :

الدكتور راتب:
 ليس صعباً أن يجمع الله لعبده بين النعمتين، أنا أقول دائماً: حينما أدعُو لإنسان أقول له: جعل الله نعم الدنيا متصلة عندك بنعم الآخرة، الدنيا ما دام فيها تطبيق لمنهج الله فيها سعادة، الإنسان يمشي بشكل صح، دخله حلال، إنفاقه حلال، بيته إسلامي، زوجته مؤمنة، أولاده رباهم تربية عالية، هذا في جنة في الدنيا، والدليل:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن]

 قال أحدهم: جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة، نحن ما خلقنا للشقاء أبداً، لكن الشقاء يأتي من المعصية، الأصل خلقنا للسعادة، أما حينما يعصي الإنسان ربه فيشقى.

 

 

أسئلة و أجوبة :

الأخت رانيا:
 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسعدنا في الدنيا وفي الآخرة، إن شاء الله، فضيلتكم إذا أراد أحد المستمعين، أو إحدى الأخوات أن يسألوا سؤالاً بإمكانهم الاتصال بنا الآن، رقم الهاتف: (97583399).معنا اتصال:
 السلام عليكم.
السائلة:
 السلام عليكم، السلام عليكم شيخنا، الحمد لله على السلامة والله نورت أستراليا، أهلاً وسهلاً بكم، حضرت الشيخ سؤالي: عندما يموت الإنسان في القبر هل يشعر بالديدان تأكله؟ وإن شاء الله نسمعكم على الهواء.

عندما يموت الإنسان في القبر لا يشعر بالديدان تأكله لأن الروح تتوقف عند الموت :

الدكتور راتب:
 لا أعتقد بذلك لأن هو الإنسان جسم، ونفس، وروح، الروح هي القوة المحركة تتوقف عند الموت، هناك قوة إمداد من الله تتوقف عند الموت، وهناك نفس هي ذات الإنسان، وهناك جسم، الذي يأتيه الدود هو الجسم، الجسم مثل ثياب خلعها الإنسان، لكن غير المؤمن يُعذب في قبره، تتعذب نفسه.
الأخت رانيا:
 معنا اتصال، السلام عليكم تفضل.
السائلة:
 أريد أن اسأل الدكتور النابلسي، أولاً: الحمد لله على السلامة، أنا أريد أن أقول لك شيئاً، إذا إنسان كان ماشياً بالصحراء وانقطع منه الزاد، وانقطع منه كل شيء، آخر شيء وجد بئر ماء، أكيد يريد أن يهجم عليه، ويشرب منه، أنا رجل متعطش للعلم الذي هو عندك، أنا أتمنى عليك بعد صلاة الفجر- لأننا نحن نعمل بعد صلاة الفجر- أن تعطينا دروس تقوية.
الأخت رانيا:
 أنا أخي أقترح عليك أن تتصل بنا بعد البرنامج إن شاء الله نرى كيف ننسق معكم، ونرى الوقت والمكان الذي أنتم متواجدون به، حتى فضيلة الدكتور يعرف أين يلقي الدرس بإذن الله، أنا أعرف أنك تسمعني على الراديو، الصوت عندك يتقطع، اتصل بنا إن شاء الله بعد البرنامج لأنه خلال الفترة الحالية يتم تحضير البرنامج الدعوي لفضيلة الدكتور، وإن شاء الله يكون لكم نصيب، وهو لا يوجد عنده أي مانع من أن يقدم هذه الدروس.

ترحيب حار بالدكتور محمد راتب النابلسي :

نأخذ اتصالاً آخر: السلام عليكم.
 السلام عليكم، أهلاً وسهلاً بكم في أستراليا شيخي الدكتور النابلسي، نتمنى لكم إقامة طيبة في هذا البلد، ليس عندي سؤال، ولكن أود أن أشكركم على دروسكم، و أنا أسر كثيراً عندما اسمع الدروس، وما تعقبه بأمثال من واقع الحياة، وتدخل لأي عقل، وغير الأمثال التي تطرحها بالإعجاز العلمي شيء جميل جداً، جزاك الله خيراً، ونتمنى لك التوفيق.
الدكتور راتب:
 بارك الله بك، ونفع بك، إن شاء الله.
الأخت رانيا:
 السلام عليكم.
السائلة:
 السلام عليكم أخت رانيا، كيف حالك؟ الحمد لله، السلام عليكم فضيلة الشيخ والحمد لله على سلامتك، والله الإنسان عاجز عن أن يعبر عن مدى سعادته بوجودك عندنا هنا بأستراليا، بارك الله فيك، نحن متابعون لدروسك، نحن ببلادنا الأردن، ونحن جئنا إلى هنا ونتابع حضرتك دائماً، و دروسك تثلج قلبنا، بارك الله فيك.
 أنا عندي سؤال بسيط لحضرتك لو سمحت، الإنسان إذا كان هناك سوء تفاهم بينه وبين إنسان، وحاول أن يرضي هذا الإنسان أو يستسمحه بجميع الطرق وبالرغم من هذا هو لم يغلط بحقه الغلط الكبير، وحتى إذا غلط بحقه حاول أن يستسمحه أكثر من مرة، وهو لا يقبل أن يرضى.

على الإنسان أن يؤدي الذي عليه و يطلب من الله الذي له :

الدكتور راتب:
 أولاً: لو لم يرضَ فالأول أدى الذي عليه، وعند الله صار بريئاً، إذا كان هناك سوء تفاهم بين شخصين، أحدهما طلب من الآخر السماح، واعتذر، وقدم له أسباباً مبررة بخطئه، والثاني ما قبل، الأول سقط عنه الإثم، وبقي على الثاني وحده، أدِّ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك، انتهى الأمر.
 عفواً هناك ملاحظة، لو فرضنا هناك حق بينهما، حق مادي، هو يجب أن يؤدي الحق أولاً، بعد ذلك يطلب السماح، أما إن لم يؤدّ الحق و هناك ذمة مالية وقال له: سامحني، هذا كلام ليس له معنى، أنا حينما أؤدي الحق الذي علي أطلب منه المسامحة، فإن لم يسامح فهذا شأنه مع الله، أنا نجوت من عقاب الله.
السائلة:
 المشكلة يا شيخ أن هذا الإنسان، إنسان قريب جداً لي، وبخلافي معه يخلق بعدم رضاه سوء تفاهم بيني وبين الناس المقربين لي، وهو أيضاً مقرب للشخص الثاني الذي أنا أتعامل معه.

البيان يطرد الشيطان :

الدكتور راتب:
 البيان يطرد الشيطان، الشخص الثاني الذي أتعامل معه أبين له مع الأدلة، فإذا لم يقنع مني فصارت هذه مشكلة الثاني، أنا أقدم لك براءتي، وهذه الأدلة، وهذا الكلام الذي قيل عني فيه افتراء، وأعمل تحقيقاً، فإذا ما أراد أن يتفهم صار الثاني آثماً، صار الاثنان آثمين.
السائلة:
 بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.
الأخت رانيا:
 وأنت أيضاً بارك الله فيك، معنا اتصال، السلام عليكم.
السائلة:
 السلام عليكم، مرحباً بك فضيلة الشيخ، نورت أستراليا، عندي سؤال مهم: ما حكم الرجل الذي يطلق زوجته في المحاكم الأسترالية، ويقول بأنها لا زالت في عصمتي لأنني لم أطلقها، علماً بأنني منفصلة عنه من حوالي سنة ونصف.
الأخت رانيا:
 هو طلق هذه الزوجة في المحاكم الأسترالية، لكن عند الشيخ لم يطلقها.
السائلة:
 نعم يقول: لم أطلقها، وذكر أمام الشهود، إذا تنازلت عن البيت سوف أطلقك، وأنا في حيرة من أمري.
الدكتور راتب:
 البيت لمن؟ - البيت لزوجي - هو مسجل باسمك.
الأخت رانيا:
 نعم سنوضح لفضيلة الدكتور، أهلاً وسهلاً بكم.
 فضيلتكم، قضية هذه الأخت مشابهة للكثير من القضايا، هنا بحكم القانون إذا كان الزوج هو مالك للمنزل ولكن إذا طلق زوجته بإمكان هذه الزوجة أن تأخذ نصيباً من هذا المنزل قد يصل إلى سبعين بالمئة من قيمة المنزل، خاصة إذا كان لديها أطفال، كلما كان عدد الأطفال أكثر كلما كانت نسبة نصيبها من المنزل أكبر، وأحياناً تأخذ المنزل بأكمله، على كلٍّ على حسب الحالة، فهنا هذا الرجل طلقها في الطلاق الأسترالي في الحكومة لكن دينياً لم يطلقها واشترط عليها كي يطلقها أن تتنازل عن المنزل، هل يحق له أن يشترط هذا الشرط؟ وهي هنا تسأل بأنه طلقها في الحكومة لكنه فضيلة الشيخ لم يطلقها، هل هي تعتبر مطلقة؟.

الطلاق يقع ولو كان الإنسان هازلاً به :

الدكتور راتب:
 والله فيما أعلم أن الطلاق يقع ولو كان الإنسان هازلاً بالطلاق، الطلاق وقع، فهذا كلام فيه افتراء غير صحيح.
الأخت رانيا:
 هو قال لها: بأنني سأطلقك عند الشيخ مثلاً في حال أنت تنازلت، أريد أن أوضح لها حتى تكون هي مطمئنة، في كل الأحوال وقع الطلاق، إذا طلقها عند الشيخ، أو لم يطلقها، هو اعتقد أنه فقط إذا أنا طلقتك في المحكمة، أو في الحكومة فأنت ليست مطلقة، فإذاً هي مطلقة و الطلاق وقع في كل الحالات.
الدكتور راتب:
 أنا قلت: لو طلق هازلاً يقع الطلاق، فكيف لو طلق عند الحكومة؟ أبلغ.
الأخت رانيا:
 في هذه الحالة هي بإمكانها الزواج الآن من شخص آخر بعد قضاء العدة؟.
الدكتور راتب:
 طبعاً، الطلاق لا يوجد فيه هزل، جده جد، وهزله جد، فالهزل أضعف بكثير من الطلاق عند الحكومة، لماذا طلقها؟ أراد الفراق، لها حقوق عنده، لكن المشكلة أنه ما دام الإنسان يقيم في هذه البلد فهذه قوانين البلد، القضية ليست شرعية، القضية قانونية، فأنا حينما أقيم في أستراليا أخضع لقانون أستراليا.
الأخت رانيا:
 هل هذه هي العهود؟ ما يطلق عليها العهود؟.
الدكتور راتب:
 أنا حينما قبلت هذه الجنسية من هذا البلد معنى هذا أني قبلت القوانين التي تحكم علاقاتي كيف أن الإنسان وقع على تجنس بجنسية أسترالية؟.
الأخت رانيا:
 حتى لو كان هذا القانون مخالفاً لما أنا أعتقد به من الناحية الدينية؟.

أي شيء يخالف الشرع باطل لكن نريد الشيء الواقعي :

الدكتور راتب:
 والله هو أي شيء يخالف الشرع باطل لكن أريد الشيء الواقعي، في هذا البلد الذي يقيم فيه هذه مطلقة عند الدولة، فالقضية لا تحل بسؤالك عبر الهاتف، تحتاج دراسة طويلة.
 هناك نقطة ثانية: من يقوم بهذه الدراسة؟ إنسان مقيم بأستراليا، أنا عالم أتيت من الشرق الأوسط، هذه القضية لم ترد عندنا إطلاقاً، فلها ملابسات، لها ظروف، لها شيء يدعمها، شيء ينفيها، هذه تحتاج إلى معالجة من علماء مقيمون في أستراليا.
الأخت رانيا:
 لكن الشيء بالشيء يذكر فضيلتكم، بأن هناك خطأ من البعض بهذا الموضوع، هناك الكثير من الأشخاص الذين يطلقون في المحكمة لأشياء حتى باتفاق، فضيلتكم إذا كان الطلاق في المحكمة بالاتفاق مع الزوجة والزوج، من أجل البعض تعطى دفعة إعانة أكثر مما تعطى بالحالة العادية، هل هذا يعتبر طلاقاً؟.

عقد الزواج أقدس علاقة بين شخصين :

الدكتور راتب:
 والله أنا أعتقد أن أقدس عقد على ظهر الأرض من آدم إلى يوم القيامة هو عقد الزواج، أن يتخذ وسيلة للرزق، مستحيل.

﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ﴾

[ سورة النساء]

 الزواج أوثق العقود وأقدسها
الميثاق الغليظ عقد الزواج، أقدس علاقة بين شخصين من آدم إلى يوم القيامة هو عقد الزواج، فإذا جعلناه وسيلة للمرابحة، والربح، والابتزاز، فهذه مشكلة خطيرة جداً، أنا لا أرى هذا الشيء مقبولاً شرعاً إطلاقاً، أن يكون عقد الزواج بالابتزاز، الزواج أنا كمسلم أخضع لمنهج الله عز وجل، منهج الله فيه دفع المتأخر، أو المتقدم، أما نصف المال فخلاف منهج الله عز وجل.
الأخت رانيا:
 فضيلتكم في بعض حالات الزواج حصلت هنا بأنه اختلف رجل وزوجته وطلقا شرعاً، وقانوناً، لكن عادا مرة أخرى، قد يكون قد اشترط عليها أو اشترطت عليه بأن نعقد عقد زواج جديد في المحكمة الشرعية لكن في القانون لا نريد أن نعد هذا لكي لا نتقيد بالقوانين هنا، في هذه الحالة هو في الحكومة مطلق أو هما مطلقان؟ ولكن هنا في الواقع زوجان شرعاً.

 

على الإنسان الالتزام بمنهج الله عز وجل :

الدكتور راتب:
 فإذا أنجبا ولداً شرعاً وعادا إلى بعضهما لمن هذا الولد؟ هذه مشكلة كبيرة.
الأخت رانيا:
 هنا بإمكانها أن تنسبه لوالده على أنه صاحبها.
الدكتور راتب:
 هذه مشكلة أخرى، هذا الوضع بأستراليا يتناقض مع الشرع.
الأخت رانيا:
 أخلاقياً شيء مخز، امرأة محجبة تذهب إلى مكان في الحكومة وتقول: هذا الولد من خليلي، أو من صاحبي، وهو بالفعل يكون زوجها، وهذا مخز لنا.
الدكتور راتب:
 أنا أتألم حينما نرفع قضية إلى قاضٍ مسلم، إذا كان الحكم إسلامياً، و كانت القضية لصالحنا، ونرفع إلى قاضٍ أسترالي إذا كان حكمه لصالحنا، هذه مشكلة كبيرة جداً، هذه اسمها تلفيق، أبحث عن مصلحتي إما عند قاضٍ مسلم، أو عند قاضٍ أسترالي، هذا شيء بعيد عن منهج الله عز وجل.
الأخت رانيا:
 وإذا عدنا لموضوعنا الأساسي لهذا اليوم وهو العبادة، العبادة هي معاملات وأخلاق، معاملة مع الرجل، مع زوجته، مع أبنائه.

العبادات في الإسلام لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت المعاملات :

الدكتور راتب:

(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام ))

[ورد في الأثر]

 سدس الدرهم، عندنا عبادات ومعاملات، العبادات أشياء شرعها الله لنا كي نتصل به، كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، أما المعاملات فعلاقات الأمة، هذه علاقات الأمة خطيرة جداً.

(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ))

 فإذا كان هناك انضباطاً مالياً، انضباط في الأخذ، في العطاء، انضباط في العمل، انضباط في الحقوق، في الواجبات، هذا جوهر الدين، تأتي العبادات تكمل، العبادات تأتي تماماً مناسبة لقطف ثمار هذه الاستقامة، أما إذا لم يكن هناك استقامة فالعبادة لا معنى لها إطلاقاً، والدليل أتمنى أن تكون هذه الفقرة واضحة جداً لدى المستمعين:

((يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثورا، قيل يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 هذه الصلاة.

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]

 هذا الصيام.

(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))

[ورد في الأثر]

 قل: أنفق طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منك.

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ سبحانه وتعالى﴾

[ سورة التوبة]

 هذه الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، هذه العبادات في الإسلام لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت المعاملات، والمسلمون الآن غفلوا عن المعاملات واكتفوا بالعبادات.
الأخت رانيا:
 لذلك تجد الكثير يصلي، ويصوم، ولكنه يكذب، ويسرق، نأخذ اتصالاً آخر.
 السلام عليكم، تفضل أخي وعليكم السلام.
السائل:
 نرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، الحمد لله على سلامتك، ولنا فترة لم نسمع شيئاً منك، وكأنك لست موجوداً بالساحة، هناك كلام كثير سُئل، وستسأل، لا أعرف، ما رأيك بالوضع الراهن في سوريا؟ لأن عندنا شيوخ كبار ولكن وقفوا مع السلطان الجائر، فما رأيك في الوضع الراهن ستسأل كثيراً يا شيخ؟

الابتعاد عن الظلم :

الدكتور راتب:
 أنا على خلاف ما قلت، ولكن لا تعلم ما ينبغي أن تعلمه، أنا على خلاف ما تتصوره، يكفي هذا الكلام.
الأخت رانيا:
 نأخذ اتصالاً، السلام عليكم.
السائلة:
 السلام عليكم، أهلاً وسهلاً بك، جزاك الله خيراً، وأهلاً بفضيلتكم، وبارك الله فيك، نحن نبقى معك حتى بقيام الليل في سدني نسمع كلماتك كلها، وهذا الأسبوع كنت تدلنا على الأبراج، وعلى غيرها، سبحان الله في كل شيء نرى جمال الله.
 سؤالي، أولاً: أنا أريد أن أقول كلمة يا رانيا: كل واحدة زوجها من عشرين سنة و هو يعمل و هو تعب جداً، ونقول أمام الشيخ النابلسي هذا الداعية العظيم، والأخلاق العظيمة، أن التي تزوجت لمدة شهرين أو ثلاثة طمعاً به من الحرام أن تأخذ أمواله، لها نقدها، حرام عليها.
 سمعنا منك كثيراً أ

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور