وضع داكن
28-03-2024
Logo
محفوظات - مقالات متنوعة : المقالة 08 - الجهاد .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الإسلام هو النظام الأمثل للإنسان ، منفرداً أو مجتمعاً ، مهتماً بجسده أو متطلعاً إلى روحه، ناظراً إلى دنياه ، أو مستشرفاً لآخرته مسالماً أو محارباً ، مطالباً بحق نفسه ، أو معطياً حق غيره ، فلا يكون المسلم مسلماً ، إذا ترك دنياه لآخرته ، ولا إذا ترك آخرته لدنياه إلا أن يأخذ منهما معاً ، فإن الأولى مطية للثانية.
 والإسلام رسالة الإنسان ، ومنهجه في كل مجالات الحياة ، وفي جميع ميادين النشاط البشري ، فلا يدع جانباً ، من جوانب الحياة الإنسانية إلا كان له فيها موقف ، قد يتمثل في الإقرار والتأييد ، أو في التصحيح والتعديل ، أو في الإتمام والتكميل ، أو في التغيير والتبديل، وقد يتدخل في الإرشاد والتوجيه ، أو بالتشريع والتقنين ، وقد يسلك سبيل الموعظة الحسنة ، وقد يتخذ أسلوب العقوبة الرادعة ، كلٌ في موضعه.
والغاية الأخيرة ، والهدف البعيد ، هو الحصول على مرضاة الله ثمناً لحسن الصلة به ، والسعادة الأبدية في قربه.. قال تعالى:

﴿ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ﴾

[سورة الإنشقاق الآية 6]

 وفي الإسلام غايات ، وأهداف أخرى ، إنسانية ، واجتماعية، ولكنها بعد التأمل فيها ، لا تخرج عن خدمة الهدف الأكبر ، وهو مرضاة الله تعالى ، وحسن مثوبته ، فهو هدف الأهداف، وغاية الغايات.
 * ففي الإسلام تشريع ، ومعاملات ، ولكن المقصود منها تنظيم حياة الناس ، حتى يستريحوا ، ويبرؤوا من الصراع على المتاع الأدنى ، ويفرغوا لمعرفة الله ، وعبادته ، والسعي لمرضاته.
 * وفي الإسلام حث على المشي في مناكب الأرض ، والأكل في طيباتها ، ليكون العمل أساساً للابتلاء ، والنعمة وسيلة لمعرفة المنعم وأداء حقه وشكره ، قال تعالى:

 

﴿ كلو من رزق ربكم واشكروا له ﴾

 

[سورة سبأ الآية 15]

 * وفي الإسلام جهاد وقتال للأعداء ، قال تعالى:

 

﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ﴾

 

[سورة البقرة 193]

 فكل ما في الإسلام من تشريع ، وتوجيه ، وإرشاد ، إنما يقصد إلى إعداد الإنسان ، ليكون عبداً خالصاً لله ، يعرفه ويطيعه ويوحده ويعبده قال تعالى:

 

﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله ألا أنا فاعبدون ﴾

 

[سورة الأنبياء الآية 25]

 وبعدئذ يستحق رحمته..

 

﴿ إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ﴾

 

[سورة هود الآية 119]

 لقد ضمن القرآن الكريم الجهاد معنى إنسانياً نبيلاً وفريداً ، وحدد له مقاصده العليا ، منزهة عن الهوى والأغراض المادية العاجلة ، والمطامح الشخصية ، أو العنصرية ، من شهوة العلو في الأرض ، أو التوسع فيها لتكون أمة هي أربى من أمة ، وجرَّده وسيله رئيسة لترسيخ القيم والمثل العليا ، في الوجود البشري بعامة ، والحفاظ عليها.
 وإن الإسلام لم يجعل الجهاد مفروضاً في أعلى مراتب الفرضية ، وأعظمها مثوبة من أجل الدفاع عن الوجود ، أو الحفاظ على مقوماته فحسب ، بل يوليه عناية فائقة إذ جعله سنداً مكيناً لدعوته ، التي تسعى إلى نشر رسالة السماء إلى الأرض ، لتتحقق خلافة الإنسان فيها.. عن طريق التمسك بمبادئ الحق ، والخير السامية ، وقيم العدل والإحسان الرفيعة ، فجعله خالصاً ومخلصاً لوجه الله تعالى ، وابتغاء مرضاته ، ومرضاته لا تتم إلا إذا سادت تعاليمه ، وعلت في الأرض مُثُلُه ، وحتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله ، ولا أدل على صحة هذه المبادئ ، وتلك المفهومات من هذه السعادة ، التي تملأ جوانح الإنسان حينما يكتشف سرَّ وجوده ، وجوهر رسالته ، وينطلق في طريق الهدف الكبير ، الذي خُلق من أجله.
* * *
وإليكم هذا المشهد:
لما فرغ الناس لقتالهم في أُحد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

 

(( من رجلٌ ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع: أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ " فذهب رجل من الأنصار ، فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق ، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال: أنا في الأموات ، أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام ، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله ، إن خُلِصَ إلى نبيكم وفيكم عين تَطرِف.. قال: فلم أبرح حتى مات.. فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فبكى ، حتى أخضل لحيته ))

 

(راجع السيرة النبوية لابن هشام (3/75) و" أسد الغابة " لابن الأثير (2/348)

 وقد ظهرت من ثمرات هذه المبادئ ، وتلك القيم ، بطولات فذة ، يندر أن نرى مثلها في المجتمعات التي أدارت ظهرها لمنهج الله ، وانغمست في وحول الشهوات ، قال تعالى:

 

(( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً))

 

[سورة مريم الآية 59]

 

إخفاء الصور