وضع داكن
21-05-2024
Logo
القضاء - الدرس : 7 - اليمين.
  • الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
  • /
  • ٠5القضاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

اليمين :

 أيها الأخوة المؤمنون، لا زلنا في موضوع القضاء، وسننتقل اليوم إلى موضوع اليمين، وقد مرّ بنا من قبل موضوع الأيمان، ولكن اليمين اليوم من زاوية القضاء فقط.
 فالمدعي قد يعجز على أن يأتي ببينة، وثيقة، سند، إيصال، مستمسك، قد يعجز عن أن يدلي ببينة، بوثيقة قطعية الثبوت، ما بقي له إلا يمين المدعى عليه، هناك تعليق لطيف جداً: الذي قصر في أخذ وثيقة صار عرضة لقلق شديد، يكفي أن يحلف خصمه، الدعوى ردت وخسر الدعوى، فكل إنسان يفرط في أخذ وثيقة، إيصال، عقد موثق، مسجل، مصدق، كل إنسان يقصر في طلب وثيقة من الطرف الآخر، إذا حصل خلاف وأنكر الطرف الآخر، ولا تملك أنت الوثيقة، ما بقي لك إلا يمين المدعى عليه، فإن حلف خسرت الدعوى، القلق الذي يعانيه المدعي، الذي لم يأخذ وثيقة من الطرف الآخر هو جزاء التقصير، هناك دعاوى كثيرة في قصر العدل، ليس هناك بينة، سبحان الله! أحياناً الإنسان بجهله، أو بجهالته، أو لرعونته، أو بوسوسة من الشيطان، يعد أخذ الوثيقة عيباً، عاراً، هو إنسان لا يسأل، المال ليس له قيمة، ويهم الطرف الآخر أن يكتب وصلاً يقول له: أبداً نحن لا يوجد إيصال بيننا:

أحبب حبيبك هوناً ما عسى  أن يكون بغيضك يوماً ما
***

 تجد هذه الشركة قائمة على الود، والمحبة، والتفاني بعد أشهر أصبح هناك خلاف، منازعات، مواقف عدوانية، وقع الشك، لا يوجد غير القضاء، جئنا إلى القضاء لا يوجد وثائق، هناك عقد؟ و الله لا يوجد، إذاً عندما أخذت المليون أعطيته إيصالاً؟ قال: لا والله ما أخذنا إيصالاً، لا يوجد إيصال بالمليون، ولا عقد شراكة، لا يوجد غير اليمين، وتعرفوا المثل المعروف: الكذاب سألوه تحلف قال: جاء الفرج، أحلف طبعاً.

المفسد أشدّ جرماً من الفاسد :

 يا أخوان كلكم شباب مقبلون على حياة عملية، يمكن لم يعد الإنسان يستطيع أن يعمل لوحده، لابد من شركة، لابد من تعاون، لابد من علاقة هذه العلاقة، إن لم تكن موثقة الآثم هو الذي يفسد أخاه، أبسط مثل وأنا أعيده كثيراً: أنت ممكن أن تضع على الطاولة خمسمئة ليرة، ممكن أن تكون في الدرج، أو في الصندوق، ما دام على الطاولة صار هناك عملية إغراء لإنسان فيأخذها، هذا الإنسان ما خطر بباله أن يأكل مالاً حراماً، أما حينما رأى المال سائباً في مكان غير صحيح، لا يوجد دقة بالتعامل معه، فأخذ هذا المال، فيا ليت الإثم يبقى على الذي أخذ لكن الذي سمح له أن يأخذ، أو جعل هذا المال عرضةً، و جعله مغرياً أشد إثماً، الأول فاسد، أما الذي سمح له أن يأخذه لتقصيره فمفسد، والمفسد أشد جرماً من الفاسد.
 الآن في قانون المخدرات الجديد إذا الإنسان أفسد الآخرين يعدم، كل من يعمل بتجارة المخدرات يعدم، أما الذي تعاطى المخدرات لمرة واحدة فعنده خمس عشرة سنة سجناً، الإعدام لمن يتجر، لمن يفسد.
 إذا عجز المدعي بحق على آخر عن تقديم البينة، وأنكر المدعى عليه هذا الحق ليس له إلا يمين المدعى عليه، طبعاً هذا خاص بالأموال، والعروض، ولا يجوز هذا في دعاوى العقوبات والحدود، بالأموال والعروض، أي الدعاوى المدنية، خلاف على مال، أما إذا في اقتراف للحدود، فالحدود لها علم آخر، ولها فقه آخر، الحديث الصحيح الذي رواه البيقهي والطبراني عن رسول الله صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(( الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ))

[ الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ]

من ينُكر يدعى لحلف اليمين :

 الذي ينكر يدعى لحلف اليمين، والمدعي يقدم البينة، لذلك في القانون- قانون المحاكمات السوري- عبء تقديم الأدلة على المدعي وقد روى البخاري ومسلم.

((عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِي اللَّهم عَنْهم مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا ) فَقَرَأَ إِلَى ( عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: فَحَدَّثْنَاهُ قَالَ: فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: شَاهِدَاكَ، أَوْ يَمِينُهُ، قُلْتُ إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلا يُبَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا ) إِلَى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ))

[البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ ]

(( إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: فَحَدَّثْنَاهُ قَالَ: فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: شَاهِدَاكَ، أَوْ يَمِينُهُ... ))

[البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ ]

 لا يوجد حل وسط، ما معك شهود يدعى إلى حلف اليمين، إذا حلف، هو أساساً كنت أروي لكم هذه القصة كثيراً أن أحد الولاة في عهد سينا عمر، وجه له سؤالاً قال له: يا أمير المؤمنين إن أناساً قد اغتصبوا مالاً ليس لهم، لست أقدر على استخراجه منهم إلا أن أمسهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلت، فقال سيدنا عمر: يا سبحان الله! أتستأذنني في تعذيب بشر وهل أنا لك حصن من عذاب الله؟ وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله؟ أقم عليهم البينة فإن قامت فخذهم بالبينة، فإن لم تقم فادعوهم إلى الإقرار، فإن أقروا فخذهم بإقرارهم، فإن لم يقروا فادعوهم لحلف اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم، و أيم الله لأن يلقى هؤلاء ربهم بخيانتهم أهون من أن ألقى ربي بدمائهم.
 إذاً اليمين، ويسمونها القضاة اليمين الحاسمة، إما أن يحلف، وإما أن يحكم.

اليمين الغموس أخطر يمين في الدين :

 إن حلف لا يحكم، فقال عليه الصلاة والسلام:

((... شَاهِدَاكَ، أَوْ يَمِينُهُ، قُلْتُ إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلا يُبَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ... ))

[البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ ]

 والعلماء سموها اليمين الغموس، وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في النار، وتخرجه من الإسلام، وهذه اليمين لا كفارة لها، لأن الذي يكفر عن يمينه هو مسلم، من حلف هذا اليمين خرج من الإسلام، وغمس في النار، واسألوا أهل العلم، واسألوا القضاة، كم من شخص حلف يميناً غموساً وقع مشلولاً أمام القاضي، أحياناً الله يؤخر العقاب، لأن الله سبحانه وتعالى قال:

﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 137 ]

 وفي آية ثم انظروا.

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

[ سورة الأنعام: 11 ]

 إذا وقع مشلولاً فوراً يكون " فانظروا " وإذا الله أعطاه فرصة يمكن ألا يصير معه شيء، لكن لحين، فإن لم يتوب جاء البلاء.
 إذاً هذا اليمين أخطر يمين في الدين:

((...مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ... ))

[البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ ]

حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة :

 لو سحبت وثيقة من إضبارة الدعوى، لو سرقت وثيقة، لا يوجد حلف اليمين، أي حينما سرقت هذه الوثيقة صار القاضي ملزماً أن يحكم لزيد على عبيد، إذاً اقتطعنا بهذه الوثيقة التي سحبناها مال امرئ مسلم، فالإنسان أيها الأخوة هناك أشياء كثيرة يمكن أن يفعلها ويجد الله تواباً رحيماً، إلا أن يقتطع حق امرئ مسلم، لا تنسوا أن حقوق العباد مبينة على المشاححة بينما حقوق الله عز وجل مبينة على المسامحة، مهما تكن الذنوب التي بينك وبين الله فالصلحة بلمحة، أما الذنوب بينك وبين العباد فهذه لا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة.
 هناك كلمة لا ننتبه لها نحن، هذه الكلمة، هذا حديث شريف.

(( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) وَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 معنى المأكل الحرام أي يغش، فمأكله صار حراماً، يكذب، يدلس، يوهم، يغير أوصاف البضاعة، يأخذ سعراً فوق ما تستحق، أية طريقة ولو أنها مقبولة عند الناس الآن تقريباً يقول لك: هكذا العمل.
 أنا لي قريب يعمل في تصليح السيارات، له جار جاءه شخص معه سيارة جديدة اقتناها حديثاً، فيها علة خفية، العلة ليست خفية على الخبير، لكن على صاحبها خفية، طلب منه عشرة آلاف ليرة، وثلاثة أيام، القريب جاره، قال له يا فلان: السعر ليس معقولاً؟ تنتهي بنصف ساعة، يكفيها ألف ليرة، قال له: هكذا العمل، أنت لا تعرف أن تعمل، قال لي قريبي: أول يوم خبّر أسرته أخذهم إلى بلودان بالسيارة، صلحها بدقيقتين، وثاني يوم أخذهم إلى الوادي، واليوم الثلاث إلى المطار، جاء صاحبها ليأخذ السيارة دفع العشرة آلاف أخذ السيارة، هذا الإنسان ظن نفسه ذكياً جداً، ومعلماً، ويعرف أن يكسب المال، باليوم الخامس دخلت نثرة حديد في عين ابنه، ابنه يعمل في مخرطة، اضطر يأخذه إلى لبنان - القصة قديمة جداً- كانت الليرة اللبنانية بمئة وستين قرشاً سورياً، دفع ستة عشر ألف ليرة لبنانية عملية جراحية بالمشفى الأمريكي، حتى نزعت هذه القطعة من قرنية العين، فستة عشر ضرب مئة و ستين الناتج خمسة و عشرون، أخذ عشرة آلاف دفعهم خمسة و عشرين، و على هذا فقِس.
 كل إنسان يظن نفسه بكسب المال الحرام ذكياً هو أحمق وغبي، قال: يا رب كم عصيتك ولم تعاقبني؟ قال: عبدي كم عاقبتك ولم تدر؟ من بلاء إلى بلاء، من مصيبة إلى مصيبة، من ضبط إلى ضبط، من مصادرة إلى مصادرة، قال له: كم عصيتك ولم تعاقبني؟ قال له: كم عاقبتك ولم تدر؟

 

من يُعمل عقله يقف عند حدود الله :

 أيها الأخوة الكرام: عقل الإنسان إذا أعمله يقف عند حدود الله، هذه القصة واحدة من آلاف، كل واحد منكم يعرف ذلك.

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 الغش يدخل بالمال الحرام، الكذب يدخل بالمال الحرام، التدليس يدخل بالمال الحرام، إخفاء العيب يدخل بالمال الحرام، تغيير صفات البضاعة يدخل بالمال الحرام، الربح الفاحش يدخل بالربح الحرام، بقى الشيء الذي يستنبط، إذا الإنسان استقام يعيش كريماً، أما الغنى الفاحش الفجائي فلن يناله، الغنى الفاحش، الغير المعقول، بين عشية أو ضحاها خلال سنوات يحكي بمئة مليون، هناك مشكلة، معنى هذا أن هناك مشكلة في الكسب، أما وفق الشرع، وفق الأصول، لن يصل إلى ثروة طائلة في وقت قصير:

((...مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ... ))

[البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ ]

 هذا يذكرننا بقوله تعالى:

﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾

[ سورة الأحقاف: 31]

 من للتبعيض، لماذا يا ربي من، كلهم سوى فرض مرة، ما بين وبينكم اغفره لكم، لكن ما بينكم وبين العباد لا يغفره إلا العباد، اذهب إلى العبد فأدي، أو ليسامحك.
 لي قريب ثان دخل شخص ألقى له ظرفاً، فتحه وجد فيه مالاً، دخل لعنده أكل من اثنتي عشرة سنة قطعة من الكاتو ولم يدفع ثمنها، بعدما اصطلح مع الله حاسب نفسه واستحى أن يقول له: أنا أكلت من عندك دون أن أدفع الثمن، هذا الظرف وضع فيه ثمن الكاتو على السعر القديم طبعاً، خطأ هذا يجب أن يضع على السعر الجديد.

الصلح مع الله يكون بأداء الحقوق :

 على كلٍّ الإنسان عندما يحاسب نفسه إنسان عظيم، قال لي أخواننا عنده معمل دخل لعنده شخص شاب، يبدو الصلاح عليه، قال له: عرفتني؟ قال: لا والله ما عرفتك، قال له: أنا كنت عندك من اثنتي عشرة سنة موظفاً، فقال له: نعم تذكرت، قال له: كنت آخذ من عندك بضاعة ولا تدري، وآخذ مالاً ولا تدري، في ذلك الوقت كان هذا الشخص يفقد مالاً من جيبه، يفقد بضاعة، لم يترك شيئاً ليكشف ذلك الإنسان و لم يتمكن من ذلك، كان حاذقاً جداً، بعد ذلك يئس، ثم توقف عن ذلك، هذا بعدما راجع نفسه مع الله، جاء إلى صاحب المعمل ليعترف له أنه هو الذي كان يأخذ المال والبضاعة من وراء ظهره، وأنه جاء مستغفراً ليدفع ما عليه، الأخ الكريم قال له يا بني نظير توبتك أنا أسامحك، وإذا رغبت لك محل في هذا المعمل بأعلى راتب.
 لا يوجد أجمل من الصلح مع الله، أي أداء الحقوق، لذلك التوبة أيها الأخوة لها ثلاثة فروع: فرع متعلق بالماضي، وفرع متعلق بالحاضر، وفرع متعلق بالمستقبل، الماضي إصلاح، والحاضر إقلاع، والمستقبل عزيمة، بالماضي الأخطاء الماضية كلها، الحقوق السابقة عليك أن تؤديها، إلا في حالة واحدة، إنسان كان بحلب مثلاً وأكل و لم يدفع ما عليه، ذهب فشاهد المنطقة كلها مهدمة، لأن هناك تنظيماً، وجد ساحة كبيرة أين المحل؟ لا يوجد محل، بهذه الحالة يدفع المبلغ الذي لم يدفعه سابقاً صدقة، تسجل في صحيفة صاحب المال، صاحب الدكان، هذا الحل الوحيد، أما هناك أشخاص يقولون: نحن سوف ندفعها صدقة حتى لا نواجه خطأنا أمام الشخص، ما دام الشخص موجوداً وتعرفه يجب أن تؤدي الحق إليه، لكن لست مكلفاً أن تؤدي الحق بشكل فاضح، بطريقة أو بأخرى، هذا المال إذا وصل إليه انتهى الأمر، هذا المال إذا وصل إليه دون أن تفضح نفسك لا يوجد مانع، لكن حقوق العباد مرة ثانية لا تؤدى إلا بالأداء أو المسامحة، وأكبر غلطة وأكبر وهم أخواننا الحجاج يتوهمون إذا حجوا بيت الله الحرام عادوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، هذا الكلام لا ينصرف إلا إلى الذنوب التي بينك وبين الله، أما مغتصب لبيت وراح ليحج الحمد لله الله غفر لي، لا يوجد مغفرة هنا، مغتصب دكاناً، عليك ديون لم تؤدها، أخي حججنا فمحيت ذنوبنا، ما ذهب شيء عليك بالحج إطلاقاً، هذه كيوم ولدته أمه فقط بالذي بينك وبين الله، انتبهوا، هذا الوهم الكبير عند العوام، أما آكل أموال الناس بالحرام، تغش الناس، لك أعمال سيئة جداً، هذا المعنى لا يقبل، والمعنى غير شرعي.

((عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ، قَالَ: لا، قَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَدْبَرَ أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ ))

[ مسلم عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ]

 لا يوجد غير اليمين، أي القلق الذي ينتاب المدعي إذا لم يبق له إلا يمين خصمه هو جزاء تقصيره في أخذ مستند أصولي.

اليمين لا تكون إلا بالله أو باسم من أسمائه :

 الآن اليمين لا تكون إلا بالله أو باسم من أسمائه، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ))

[ البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهم عَنْهم]

 وعن ابن عباس رَضِي اللَّه عَنْهما أن النبي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل حلفه:" احلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء".

حكم وجود البينة بعد حلف اليمين :

 هناك موضوع دقيق جداً أنتم أيها الأخوة في أمس الحاجة إليه، إنسان حلف يميناً، سقطت الدعوى، لأن الخصم حلف، بعد أن حلف المدعى عليه اليمين عثر المدعي على وثيقة، على إيصال، على عقد، على شاهد، هنا اختلف العلماء، اليمين حلف، والدعوى ردت وسقطت، وبرئ المدعى عليه، فجأة المدعي عثر على وثيقة، ما الذي يحصل؟ استمعوا الآن إلى آراء الفقهاء إلى هذا الموضوع.
 وقف العلماء في هذه المسألة مواقف ثلاث: منهم من قال: لا تقبل هذه البينة، بعد حلف اليمين لا تقبل، منهم من قال: تقبل، منهم من قال: تقبل بشروط، لا تقبل إطلاقاً، وتقبل إطلاقاً، وتقبل بشروط.
 أما الذين رأوا أنها لا تقبل لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((... شَاهِدَاكَ، أَوْ يَمِينُهُ... ))

[البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ ]

 فاليمين حجة، وقد حلف المدعى عليه اليمين، فهذه حجة يقوم عليها حكم، فلما حكم القاضي بسقوط الدعوى بحلف اليمين ظهرت بينة أخرى، لذلك أهل الظاهر قالوا: لا تقبل، لأنه قامت حجة كافية لإصدار حكم، ونحن عندنا قاعدة بالقضاء: إذا عندنا حجة كافية لإصدار حكم لا تقبل حجة مخالفة لها.
 أما الذين رأوا أنها تقبل، تقبل البينة بعد حلف اليمين فهم الحنفية والشافعية والحنابلة، قالوا: البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة، وهذا رأي عمر بن الخطاب رَضِي اللَّه عَنْه، حجتهم في ذلك أن اليمين في الأصل حجة ضعيفة، وهي لا تقطع النزاع، إذاً تقبل البينة بعدها لأنها هي الأصل، واليمين هي البديل، ومتى جاء الأصيل غاب البديل، الأصل السند، الأصل العقد، الأصل الوصل، لا يوجد وصل، لا يوجد عقد، لا يوجد سند، البديل اليمين، بعد أن حلف اليمين عثرنا على الأصل، الأصل إذا جاء بطل البديل، هذا رأي الطرف الآخر.
 لكن العلماء الآخرون الذين قالوا تقبل بشروط، رأيهم أن المدعي إذا كان يجهل هذه البينة، لم يعثر عليها، لم يجدها، لا يعلمها، وقبل حلف يمين المدعى عليه، ثم وجدها بعد حين، أو عثر عليها تقبل هذه البينة، أما إذا أثبت المدعى عليه أن هذه البينة معلومة عنده، وفي حوزته، ولم يستخدمها بل استخدم اليمين، لأنه في زعمه أقوى فعندئذ لا تقبل هذه البينة.
 إذاً الذين قالوا بعدم قبول البينة بعد اليمين انطلقوا من أن اليمين حجة تكفي لإصدار حكم، والحجة الكافية لإصدار حكم لا تقبل حجة مخالفة لها.
 والذين قالوا: تقبل البينة بعد اليمين، انطلقوا من أن البينة هي الأصل، واليمين دليل ظني، واليمين هو الخلف أي البديل فإذا وجد الأصل يجب أن يغيب البديل.
 والفريق الثالث رأوا أن البينة إذا كانت معلومة للمدعي ولم يستخدمها، وآثر عليها يمين المدعى عليه لا تقبل، أما إذا عثر عليها بعد حلف اليمين ولم يكن يعلمها فعندئذ تقبل.

عدم الحلف يعد إقراراً لدعوى المدعي :

 الآن هذا المدعى عليه قال: أنا لا أحلف اليمين، إذا عرضت اليمين على المدعى عليه لعدم وجود بينة المدعي فنكل ولم يحلفها عد نكوله في مثل هذا إقراراً للدعوى، عدم الحلف إقرارٌ لدعوى المدعي إذ لو كان صادقاً لحلف، والنكول يكون صراحة أو بالسكوت احلف بقي ساكتاً، يا أخي احلف، معنى هذا أنه نكل، أما قال: أنا لا أحلف، إما صراحة، أو بالسكوت، على كلٍّ صراحة أو بالسكوت عدم الحلف يعد إقراراً لدعوى المدعي، الأرجح أنه إذا لم يحلف لا يجوز للقاضي أن يقول للمدعي إذاً أنت احلف أنك على حق، هذه اسمها رد اليمين، ما دام المدعى عليه نكل بحلف اليمين، لم يحلف، هناك من يرى أن على القاضي أن يرد اليمين على المدعي، إذاً أنت احلف أنك على حق، هذا موضوع خلافي لماذا؟ قال لأن اليمين كما قال عليه الصلاة والسلام تكون على النفي فقط لا على الإثبات، واليمين على من أنكر، يحلف مع الإنكار، أما الإثبات فلا يحتاج إلى يمين، الإثبات يحتاج إلى أدلة.

النّكول وحده لا يكفي للحكم :

 أما عند الإمام مالك، والإمام الشافعي، فأن النكول وحده لا يكفي للحكم على المدعي عليه، لأنه حجة ضعيفة، أي عندنا هنا حالة شخص لا يحلف، هو على حق والمبلغ ما أخذه، وليس في ذمته لكن عنده ورعاً بحيث أن الموضوع بكامله لا يساوي عنده حلف يمين بالله عز وجل، هذا ورع، فنحن إذا إنسان رفض أن يحلف نعده متهماً؟ لا، هذا رأي الإمام الشافعي، والإمام مالك، النكول وحده لا يكفي للحكم، أنا أعرف شخصاً ولو كان على الحق مئة بالمئة لا يحلف، الله أغلى من ذلك، والدنيا كلها لا تعدل عنده جناح بعوضة، ليأكل هذا المال ولا يحلف، هذا رأي الإمام الشافعي، أي ليس النكول كافياً لإصدار حكم بالاتهام، لذلك الإمام الشافعي يرى أن ترد اليمين على المدعي، احلف أنت إذاً أنك على حق، هنا يوجد مشكلة، إذا المدعى عليه استغل ورعه، هذه كثيراً ما تحدث، يكون هناك بعض المحامين عندهم حاسة سادسة، يكون الطرف الخصم ديناً، ورعاً، ولبسوه تهمة يعرف نقطة الضعف عنده، من اليمين، أكثر المحامين الذين عندهم حنكة، الخصم ما وضعه؟ إذا كان وضعه ديناً جيد، الدين عنده نقطة ضعف، وهي يخاف من الله كثيراً، يبدأ باليمين، الرد الطبيعي أن الإنسان عندما يكون ورعاً ويأبى أن يحلف اليمين لا لأنه مذنب بل لأنه متورع عن ذلك، القاضي يقول له: إذاً أنت احلف اليمين أنك على حق.
 قصة معروفة لما دخل أبو حنيفة على المنصور وعند المنصور أحد خصومه وأراد هذا الخصم اللدود أن يحرجه، وأن يفسد ما بين المنصور وبين أبي حنيفة من علاقة فقال: يا إمام إذا أمرني الخليفة بقتل امرئ أأقتله أم أتريث فلعله مظلوم؟ فقال أبو حنيفة لخصمه: الخليفة على الحق أم على الباطل؟ أجبني، قال له: على الحق، قال له: كن مع الحق.
 إذا شعر القاضي أن هذا المتهم المدعي عليه ورع، ودين، ولا يحلف اليمين، إذاً أنت أيها المدعي احلف أنك على حق، فإن حلفت نعطيك الحق، وإذا لم يحلف ردت الدعوى.
 قال: هناك دليل هو أن النبي عليه الصلاة والسلام رد اليمين على طالب الحق ويبدو أن العلة هذه أن إنساناً ورعاً، لا يحلف اليمين، هل يعد هذا دليل على أنه مذنب؟ لا، لذلك النبي ردّ على من لم يحلف رد عليه اليمين، هذا الحديث الذي فيه رد اليمين من قبل النبي عليه الصلاة والسلام، في هذا الحديث راوي اسمه مسروق، هو غير معروف، والراوي المجهول الحال هذا يضعف الحديث.

اليمين على نية المستحلف لا على نية الحالف :

 النقطة الثانية: هناك أشخاص بجهل فاضح أنا حلفت لكن نويت على الخبز لا على النقود، ساذجة، جهل، حمق، طبعاً الجواب السهل البسيط : اليمين على نية المستحلف لا على نية الحالف، نيتك ليس لها قيمة إطلاقاً، نيتك على نية المستحلف الذي استحلفك، فأنا سمعت من أناس كثيرين أنه ظن حاله شاطراً ونوى نية أخرى، والقاضي عندما حلفه نوى نية أخرى وحلف وقال لي: نفدت، أنا ما قصدت النقود، هذا الجهل لماذا العلم ضروري يا أخوان؟ حلف يميناً غموساً وهو لا يدري، وخرج بها من الإسلام وهو لا يدري، أي من الكبائر اليمين الغموس، فلذلك اليمين على نية المستحلف فإذا حلف أحد المتناقضين، كانت اليمين على نية القاضي، وعلى نية المستحلف الذي تعلق حقه فيها، لا على نية الحالف، لما تقدم في باب الأيمان حديث صريح، حديث للنبي عليه الصلاة والسلام.

((الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 لكن بعض العلماء قالوا: يجوز التورية إذا اضطر إليها إذا كان مظلوماً، إما أن تقول إن الكتب السماوية مخلوقة وإما أن نقطع رأسك وكلام الله قديم، وهذه العقيدة الصحيحة، قال له: الزبور، والتوراة، والإنجيل، والقرآن كلها مخلوقة، وقصد أصابعه هذه حالات نادرة، إذا كنت مظلوماً ظلماً واضحاً وأكيداً، العلماء قالوا: للمظلوم أن يوري يمينه، أحد الأئمة قال له: التوراة، والإنجيل، والقرآن كلها مخلوقة، ونجا من القتل.

الشاهد الواحد ندعمه بيمين المدعي :

 الآن عندنا حالة ما قال له النبي الكريم:

((... شَاهِدَاكَ، أَوْ يَمِينُهُ... ))

[البخاري عَنْ أَبِي وَائِلٍ ]

 معنى هذا: شاهدان في شاهد واحد، هناك حل لطيف إذا الإنسان عنده شاهد واحد ممكن أن يستخدم هذا الشاهد مع يمينه، شاهد ويمين، شاهد شهد هذه الواقعة، والمدعي يحلف يميناً إضافة للشاهد، لو كان هناك شاهدان لا يوجد مشكلة، الشاهدان يكفيان لإثبات الحق، لكن شاهد واحد ندعم هذا الشاهد بيمين المدعي، أتينا بالشاهد، وأنا أحلف اليمين، القاضي أنا الذي أراه كلما كان قريباً من الله عز وجل الله يلهم القاضي، أي هناك بإخلاصهم في إظهار الحق، الله عز وجل يرشدهم إلى أساليب مبتكرة في كشف الحقيقة، دائماً القانون يعطي للقاضي حرية الحركة، أحياناً تنشأ عنده قناعات.
 اسمع إقرار قانون المخدرات أنه لو فرضنا إنساناً بريئاً، ودس في جيبه قطعة حشيش، وأخبرت النيابة بهذا، إذا ما أعطينا للقاضي حرية حركة راح إعداماً، أو حوكم ثلاثين سنة، يجب على القاضي أن يدرس حالة الشخص، إذا ما عرف أنه يتعاطى المخدرات، سمعته طيبة، دين، إذا هذه مدسوسة عليه، يعطى القاضي حرية الحركة كيلا نقع في ظلم شديد، القوانين دائماً تعطي القاضي حرية الحركة، له قناعات، الشافعي يقول: القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن، لأنه لا يمنع أنه يجوز أقل مما نص عليه.

 

القرين القاطعة :

 الآن عندنا شيء اسمه القرين القاطعة، خرج الإنسان من دار خالية، خائفاً مرعوباً، مدهوشاً، وفي يده سكين ملوثة بالدم، فدخل إلى الدار فإذا فيها شخص مذبوح هي قرينة، هنا لا يوجد إقرار، ولا شهود، ولا يمين، ولا بينة، لكن هناك قرينة، إنسان خرج من داره خائفاً، مدهوشاً، معه سكين، عليها آثار دم، دخلنا إلى الدار فإذا فيها إنسان مذبوح، هذا يسمون القرينة القاطعة، قصة وقعت في هذه البلدة.
 ضابط شرطة يسكن في بناء بالطابق الثالث، نازل رأى باباً فتح، خرج منه إنسان خائف، هو قبض عليه احتياطاً، دخل إلى البيت شاهد إنساناً ميتاً وحده، على القرينة القاطعة، اتهم هذا بالقتل، طبعاً وضع في السجن، وحوكم، وحكم عليه بعشرين سنة، بعد ست سنوات إنسان اقترف جريمة، وأثناء الاعتراف اعترف بهذه الجريمة والجريمة السابقة التي اتهم بها هذا الإنسان الخائف، طبعاً صدر قرار بإطلاق سراحه، وتعويض، لي صديق كان وقت إطلاق سراحه في المحكمة، يعمل بالقضاء، بفضول منه سأله قال له: تعال إلي، أنت دخلت إلى السجن ست سنوات ظلماً، بربك هل فعلت مع الله شيئاً تستحق عليه هذا العقاب الخاطئ؟ قال له: نعم وأكثر والله، أي إذا القاضي غلط الله لا يغلط، هناك أشخاص يساقون إلى جريمة وهم منها بريئون، لكنهم اقترفوا جريمة سابقة.
 حدثني قاض و الله من فمه، قال: حكمنا على إنسان قاتل بالإعدام، وكلفت المحامي أن يبلغه الحكم، قال له المحكوم بالإعدام أستاذ أنت قاتله؟ قال له: لا، قال له: وأنا ما قتلته، أنا قاتل إنساناً غيره، فأنتم اطمئنوا إذا القاضي غلط الله لا يغلط، عدالة مطلقة، لكن المشكلة أن الإنسان يحاسب بذنب آخر، أما هو من هذا الذنب بريء، بالطرف الثاني هناك مشكلة، لذلك:

﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾

[ سورة الكهف: 49]

 هذه تابعة للحساب القديم، معروفة عندكم، الشوحة قالت لسيدنا سليمان: اسأل لنا ربك الله هل هو مهول أم عجول؟ سأله فقال له: قل لها أنا مهول و لست عجولاً، أي على التراخي، هذه شاهدت أناساً يأكلون اللحم، خطفت اللحم وطارت به، فعلقت بصة نار باللحم احترق عشها مع البيض الذي فيه، وراح كل شيء، استغربت فعادت إلى سيدنا سليمان، فقالت له؟ ألم تقل أن الله مهول كان الله عجولاً؟ قال: يا رب ماذا أقول لها؟ قال: قل لها: هذا حساب قديم، فأحياناً يكون هناك حساب قديم متداخل، هذه القرينة القاطعة.
 عندنا مثل إنسان على رأسه عمامة، وبيده عمامة، وآخر خلفه يركض وراءه يطالبه بالعمامة، هذه قرينة كافية أن العمامة للثاني، معه عمامة، وبيده عمامة، والثاني بلا عمامة ولحقه، معناها قرينة كافية، لذلك بعض الأجانب عندهم شيء اسمه المحلفين، المحلفون أشخاص عاديون، يأتون بخمسين شخصاً من الشارع، ويسمعونهم وقائع الجريمة، الإنسان بالفطرة يحس أن هذا مجرماً وهذا بريئاً، فالقضاة يأخذون برأي المحلفين وهم من عامة الناس وهذا لا يوجد عليه ضغوط، أحياناً تجد الدعوى فيها ملف تلفيق، وفيها وثائق مزورة، وفيها شهود زور، أما أن يأتي إنسان من عامة الطريق اسمع القصة يقول: و الله فلان متهم، وفلان بريء، فالأخذ بالمحلفين له وجهة نظر أن هذا الإنسان لا يوجد عليه ضغوط، و ليس له مصلحة لا مع زيد، ولا مع عبيد.
 قال: رجلان في سفينة، وفي السفينة دقيق، أحدهما تاجر والثاني صاحب السفينة، الدقيق لمن؟ للتاجر، والسفينة لمن؟ لصاحب السفينة، هذه قرينة كافية، أي هناك أشياء واضحة كالشمس.

 

الدين الإسلامي يعتمد على الإقرار الشفهي إذا تواضع الناس واتفقوا :

 الدين الإسلامي يعتمد على الإقرار الشفهي، لكن إذا تواضع الناس، واتفق الناس على أن تكون الوثائق كلها مكتوبة، تواقيع، وشهود، تؤخذ بها، قد تكون شهادة مكتوبة بالأصل، الدين قائم على الإدلاء الشفهي، بعت؟ بعت، زوجت؟ زوجت، لكن أحيانا أخوان يسألونني نريد كتاباً و لكن ليس كتاب محكمة، ما القصة؟ أنا أعرف لماذا، إذا ما تمّ الزواج، لأنهم متوقعون الطلاق سلفاً، إذا الزواج لم يتم لا تسجل الزوجة أنها مطلقة، جوابي على السؤال: قبل مئة سنة كيف كنت تشتري البيت؟ ترى البيت يعجبك، الثمن مناسب، معك الثمن تعطيه ثلاثمئة ليرة ذهبية، يعطيك مفتاح البيت، فقط، هذا الشراء الآن أنت تقبل أن تشتري بيتاً على المفتاح فقط؟ تريد الورقة الخضراء، الأمور تعقدت، الحياة أصبحت معقدة، الأحكام تدور مع الزمان، فكما أنه اليوم لا يمكن أن تقبل بشراء بيت بالتسليم فقط بالمفتاح، لابد من إقرار الجهات المسؤولة، كذلك في الزواج أنا أقترح وأتمنى على كل أولياء الأمور ألا يسمحوا بالزواج العرفي، هو أولاً ممنوع، والذي يجري العقد مؤاخذ، ويحاسب حساباً عسيراً، وكل الأشخاص المشبوهين يطلبون الزواج العرفي خارج المحكمة، وخارج المحكمة يكفي أن يقول لا أعرفها، وانتهى الأمر، ضاعت حقوقها، هي عند الناس زانية، لذلك كما أن البيت لا يشترى إلا بالسجل العقاري، كذلك البنت لا تزوج إلا بعقد قران أصولي في المحكمة، تسمع أحياناً حجة مضحكة، يقول فيها: لا يوجد أسهل من عقد القران في الدولة، ثاني يوم يأتي القاضي إلى عندك إلى البيت، لا يوجد مشكلة أبداً إلا أن تكون في نية خبيثة، أو في نوايا غير مشروحة عند الزوج.

التناقض :

 عندنا في الدرس القادم موضوعاً جيداً جداً، لكم أن تستخدموه أنتم: التناقض، إذا وقع الشهود في تناقض، أو وقع في الاعتراف تناقض، فالتناقض دليل قطعي على إبطال الدعوى، أو على أن المدعي ليس صادقاً في دعواه، فالتناقض موضوع أيضاً ضروري جداً أن نصل إليه، أنا بالمناسبة هذا الموضوع ليس اختصاصياً، أنا أحكي الأشياء الأساسية، مبسطة مع الأمثلة لكم، للخلافات المنزلية، أب عنده أولاد، تاجر عند موظفون، أي أنت قاض شئت أم أبيت، هذه بعض الأشياء الأساسية في القضاء، أما التفاصيل في مجلات، وفي اجتهاد محكمة النقد، وفي أراء للعلماء مفصلة بالموسوعات الفقهية، وفي تفاصيل أنتم في غنى عنها طبعاً، أما القاضي عليه أن يعلمها كلها، والمحامي، ومن يعمل في القضاء، هذه من لوازم حرفته، أما أنتم فنعطيكم كما قال المثل تعلم كل شيء عن شيء، وشيئاً عن كل شيء، هي باب شيء عن كل شيء.

تحميل النص

إخفاء الصور