وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 22 - سورة الأنفال - تفسير الآيات 60 - 63 ، الإعداد للعدو ثم الاتكال على الله
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 

من لم يجاهد أو يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق :


أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الثاني والعشرين من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الكريمة : 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ  (60) ﴾

أيها الإخوة الكرام ؛ بادئ ذي بدء ، من لم يجاهد ، ومن لم يحدث نفسه بالجهاد فهو على ثلمة من النفاق ، ولكن الناس يتوهمون أن الجهاد هو الجهاد القتالي ليس غير ، مع أن الحقيقة هناك أنواع كثيرة من الجهاد ، منها جهاد النفس والهوى ، تؤكدها الآية الكريمة :

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

[  سورة العنكبوت  ]

وقد نُسب إلى بعض الصحابة قولهم وقد عادوا من غزوة : "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، جهاد النفس والهوى " .

 

الجهاد الأساسي جهاد النفس والهوى :


حينما تحمل نفسك على طاعة الله فأنت في جهاد ، حينما تضبط لسانك عن الغيبة والنميمة فأنت في جهاد ، حينما تضبط عينك عن أن تطبقها في محارم الله فأنت في جهاد ، حينما تضبط يدك عن أن تبطش بغير حق فأنت في جهاد ، حينما تضبط رجلك عن أن تسير بها إلى مكان لا يرضي الله فأنت في جهاد ، حينما تضبط أعضاءك وجوارحك عن أية معصية فأنت في جهاد .

أيها الإخوة ؛ هذا الجهاد النفسي هو الجهاد الأساسي ، كي أقرب لكم هذه الحقيقة : الدكتوراه ، الماجستير ، الدبلوم ، اللسانس ، الشهادة الثانوية ، كل هذه الشهادات لا يمكن أن تكون قبل أن تحمل الإعدادية ، وهو التعليم الأساسي ، فمن الصف الأول وحتى الصف التاسع يسمى عندنا في بلادنا التعليم الأساسي ، الثانوية بعد التعليم الأساسي ، المعهد المتوسط بعد التعليم الأساسي ، اللسانس بعد التعليم الأساسي ، الدبلوم بعد التعليم الأساسي ، الماجستير بعد التعليم الأساسي ، الدكتوراه بعد التعليم الأساسي .

أساس الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك ، والمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة ، لذلك أية دعوة إلى الجهاد القتالي لا تسبقها دعوة إلى جهاد النفس والهوى لا تنجح ، الجهاد الأساسي جهاد النفس والهوى ، ما لم تنتصر على نفسك فلا تستحق من الله شيئاً .

 

لن يستطيع أي إنسان أن يجاهد عدوه إن لم يجاهد نفسه وهواه أولاً :


بل إن النبي صلى الله عليه وسلم هو بشر :

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) ﴾

[ سورة فصلت ]

ولولا أنه بشر ، تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، لولا أنه بشر ، تجري عليه كل خصائص البشر وانتصر على بشريته ما كان سيد البشر ، ولن تستطيع أن تجاهد العدو إلا إذا جاهدت نفسك وهواك أولاً ، لن تستطيع . لذلك جهاد النفس والهوى يغطيه القرآن الكريم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ الصحابة الكرام في قولهم : "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى " .

للتقريب مرة ثانية ؛ قد تدفع عدة ملايين لإنشاء مسجد ، لكنك لا تستطيع أن تغض بصرك عن محارم الله ، فأنت ضعيف في جهاد النفس والهوى ، أية شهوة تصر عليها ولا تفكر أن تتوب منها تحول بينك وبين الجهاد الحقيقي ، جاهد نفسك وهواك أولاً .

ومرة ثانية : والمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة ، كل قوتك أن تجاهد نفسك وهواك . 

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) ﴾

[ سورة الرعد ]

وهذه الآية فيها إشارة واضحة جداً إلى جهاد النفس والهوى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ عن طريق جهاد النفس والهوى .

 

حلاوة الإيمان ثمنها الجهاد في سبيل الله :


لذلك حينما تلزم دروس العلم ، وتتعرف إلى منهج الله ، وحينما تحمل نفسك على طاعة الله ، حينما تضبط دخلك تجعله حلالاً صرفاً ، حينما تضبط لسانك ، حينما تضبط أذنك ، حينما تضبط عينك ، حينما تضبط يدك ، حينما تضبط رجلك ، حينما تضبط أهلك ، حينما تضبط بيتك ، حينما تضبط عملك وفق منهج الله ، نقول : أنت سرت في طريق الجهاد ، جاهد نفسك وهواك أولاً ، وهذا الجهاد من أعلى درجات الجهاد ، لأنك بهذا الجهاد ترقى عند الله ، هذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : 

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار  . ))

[ متفق عليه ]

أي ؛ أن يكون الله في قرآنه أي في الأمر والنهي ، ورسوله في سنته أي في الأمر والنهي : 

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار  . ))

[ متفق عليه ]

فحينما تؤثر طاعة الله على مصلحتك المتوهمة ، على مصلحتك الدنيوية ، عندئذٍ تكون قد دفعت ثمن حلاوة الإيمان ، وحلاوة الإيمان ثمنها الجهاد في سبيل الله .

 

الجهاد الدعوي :


أيها الإخوة ، هذا الجهاد في سبيل الله مرتبة تليها مراتب ، الجهاد الثاني الجهاد الدعوي ، أن تطلب العلم ، وأن تُعلِّم ، وهذه المرحلة يمكن أن تسمى بالجهاد الدعوي ، تعليماً وتعلماً ، إلقاء وتلقياً ، فإن كنت لا تعلم تلقى العلم ، وتلقي العلم من الجهاد .

حينما تركب مركبة أولى ، وثانية ، وقد تكون ثالثة ، وتأتي من أطراف المدينة إلى المسجد لتجلس على الأرض من دون ضيافة إطلاقاً ، لتتعرف إلى الله فأنت في جهاد آخر ، اسم هذا الجهاد : الجهاد الدعوي ، هذا الجهاد تغطيه الآية الكريمة :

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ – أي بالقرآن - جِهَادًا كَبِيرًا (52) ﴾

[ سورة الفرقان ]

لذلك يقول سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ : " قوام الدين والدنيا أربعة رجال ، عالم مستعمل علمه - فالعالم حينما يطبق علمه تطبيقاً تاماً فهو في جهاد- ومتعلم لا يستنكف أن يتعلم ، والمتعلم في جهاد ـ . . . . ."   .

 

الجهاد الدعوي أن تتعرف إلى الله وتتفكر في ملكوت السماوات والأرض :


الآن الجهاد الدعوي أن تتعرف إلى الله ، حينما تجلس لتفكر في ملكوت السماوات والأرض أنت في جهاد ، حينما تقرأ كتاباً في العقيدة أنت في جهاد ، حينما تقرأ كتاباً في الفقه أنت في جهاد ، أنت في الجهاد الدعوي ، جهاد التعليم أو التعلم ، جهاد الأخذ أو الإعطاء ، جهاد التلقي أو الإلقاء ، جهاد طلب العلم أو إلقاء العلم ، هذا الجهاد تغطيه الآية الكريمة : ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ :

(( عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  : من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا  ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ  ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ  ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ  ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ  ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ  ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ  ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا  ، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ ))

[  صحيح أبي داود أخرجه أبو داود  واللفظ له ، والترمذي  ، وابن ماجه  ، وأحمد  ]

أحياناً دعاني أخ من إفريقيا لزيارة بيته في أطراف المدينة ، صدقوا ولا أبالغ رأيت بيتاً لا يمكن أن يُسكن ، برد شديد لا يحتمل ، ليس عنده مدفأة ، ليس عنده بساط ، جاء من أطراف إفريقيا ليطلب العلم في الشام ، هذا في جهاد ، طلب العلم جهاد ، قد يأتي أخ من درعا ليستمع إلى الدرس هو في جهاد ، هناك من يأتي من حلب ليستمع إلى الدرس فهو في جهاد ، وعلى الأرض ، وبلا ضيافة . 

(( إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر . ))

[ الحديث ثابت بمجموع طرقه ولكن  ضعيف بهذا اللفظ كما قال الزيلعي والعراقي ]

 

الأمن و الحكمة أكبر هدية من الله للمصلي في المسجد :


بماذا يكرمك الله وأنت في بيته ؟ يكرمك بنعمة الحكمة .

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾

[ سورة البقرة ]

أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، أنت بالحكمة تتدبر أمرك بالمال القليل ، ومن دون حكمة تبدد المال الكثير ، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً ، أنت بالحكمة تسعد في بيتك ، ومن دون حكمة تشقى في بيتك ، أكبر هدية لك أيها المصلي وأنت في بيت الله يؤتيك الحكمة ، ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾ يؤتيك الأمن ، لا تقلق ، تشعر أن الله معك ، تشعر أن الله يحفظك ، يؤيدك ، يدافع عنك ، يوفقك ، يدعمك . 

(( عن جندب بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَن صلَّى الصُّبحَ في جماعةٍ فَهوَ في ذمَّةِ اللَّهِ فانظرْ يا ابنَ آدمَ لا يطلبنَكَ اللَّهُ بشيءٍ مِن ذمَّتِهِ  . ))

[ الزرقاني مختصر المقاصد صحيح ]

(( عن عثمان بن عفان رضي الله عنه  ، قال  : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، يقول  : من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل  ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله  . ))

[ صحيح الإمام مسلم  ]


  السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء :


أنت حينما تأتي إلى بيت الله أنت طالب علم .

(( (( عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  : من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا  ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ  ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ  ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ  ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ  ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ  ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ  ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا  ، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ )) ))

[  صحيح أبي داود أخرجه أبو داود  واللفظ له ، والترمذي  ، وابن ماجه ، وأحمد  ]

أي خرجت من بيتك ، الوقت شتاء ، وبرد قارس ، والمدفأة مشتعلة ، جالس في بيتك لك أن تجلس على مقعد وثير ، تطلب القهوة ، والشاي ، والفواكه ، زوجتك أمامك ، أولادك أمامك ، جاء وقت الدرس تقوم وترتدي ثيابك ، وتركب أول مركبة والثانية من أجل أن تصل إلى مسجد بعيد ، أنت في جهاد ، بماذا يتفضل الله عليك ؟ بنعمة الأمن .

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)  ﴾

[ سورة الأنعام  ]

أنت في جهاد ، منحك الأمن ، منحك الحكمة ، منحك السكينة ، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء . 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ . ))

[ رواه مسلم وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم طولاً باختلاف يسير ]

وقد تجلس في بيت عظيم ، في غرف رائعة ، على أثاث راق ، تقدم لك الضيافة الراقية ، والحديث نهش في أعراض المسلمين . 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من قومٍ يقومونَ من مجلسٍ لا يذكرونَ اللهَ فيهِ إلا قامُوا عن مثلِ جيفةِ حمارٍ ، وكان لهم حسرةٌ . ))

[ صحيح أبي داود ، أخرجه أبو داود (4855) واللفظ له ، والنسائي في السنن الكبرى ]

 أحياناً تجلس من كثرة معاصي اللسان لا تستطيع أن تقف .

 

أفضل إنسان من دعا إلى الله وعمل صالحاً :


لذلك وبعد الجهاد النفسي يأتي الجهاد الدعوي : " قوام الدين والدنيا أربعة رجال ، عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ، وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره" ، إذاً الجهاد الثاني : 

﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ – بالقرآن - جِهَادًا كَبِيرًا (52) ﴾

[ سورة الفرقان ]

لذلك قال عليه الصلاة والسلام : عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خيْرُكُمْ - أي الخيرية المطلقة-  مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ . 

[ صحيح البخاري  ]

والآية الكريمة :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

[ سورة فصلت  ]

أي لن تجد على وجه الأرض إنساناً أفضل عند الله ﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ .

للحديث روايات ثلاثة : 

(( عن سهل بن سعد الساعدي أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ يَومَ خَيْبَرَ : لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه ، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ ، قالَ : فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ : أيُّهُمْ يُعْطَاهَا ؟ فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا ، فَقالَ : أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ؟ فقِيلَ : هو - يا رَسولَ اللَّهِ- يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ ، قالَ : فأرْسَلُوا إلَيْهِ . فَأُتِيَ به فَبَصَقَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَيْنَيْهِ ودَعَا له ، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ ، فَقالَ عَلِيٌّ : يا رَسولَ اللَّهِ ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا ؟ فَقالَ : انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ ؛ فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا ، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ . ))

[  صحيح البخاري ]

(( عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَت . ))

[ الحاكم في المستدرك عن أبي رافع ]

و :  

عن أبي جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً يعلم الدين قال له :

(( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها . ))

[ أخرجه ابن المبارك في الزهد وهو حديث ضعيف لانقطاعه ]

وحمر النعم أغلى أنواع المال .

 

الجهاد البنائي وإعداد القوة المتاحة :


أما الجهاد الثالث موضوع الدرس الجهاد البنائي : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾ أعدوا لمن يحاربونكم ، أعدوا لأعدائكم ، أعدوا للطرف الآخر الذين يتربصون بكم الدوائر ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾ ، أعدوا لهؤلاء الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمناً للجهاد ، أعدوا لذوي الشهداء الذين فقدوا معيلهم ، وأباهم ، أعدوا للأسرى الذين أُسروا ظلماً ، أي أعدوا لمن تضرر في حرب مع الطرف الآخر ، وأعدوا للطرف الآخر . ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ ﴾ للطرف الآخر ﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾   .

إخواننا الكرام ؛ رحمة الله بالمؤمنين أن الله ما كلفهم أن يعدوا لأعدائهم القوة المكافئة وقد يكون هذا الآن مستحيلاً ، لأن الأمم الأخرى تُعد لنا من مئتي عام أنواع منوعة من الأسلحة ، تسمع ساعة قنبلة خارقة حارقة ، ملجأ سقفه متر إسمنت مسلح ، هذه القنبلة تخرق السقف أولاً ثم تنفجر ثانياً فتحرق كل من في الملجأ ، وقد ألقيت هذه القنبلة في حرب الخليج الأولى ، ساعة سمع قنبلة عنقودية ، بدائرة قطرها خمسمئة متر لا ينجو إنسان ، تسمع مرة قنابل نابالم أو الفسفورية الحارقة ، قنابل تلغي الاتصالات ، قنابل تعطل الطاقات ، القنابل تفني البشر وتبقي الحجر ، البناء كما هو ، الناس وحدهم يموتون ، أعدوا لنا كثيراً ، أعدوا لنا الطائرات ، تسمع "f16 " ، أباتشي ، تسمع "b52 " ، تنطلق من أمريكا تقصف أفغانستان وتعود دون أن تتزود بالوقود ، أعدوا لنا كل شيء ، قواعد عسكرية في كل أنحاء العالم ، طيران ، أقمار صناعية ، هم يطلعون على أقل حركة في سطح الأرض ، بدل أن نعد لهم أعدوا لنا ، فلما أعدوا لنا ملكوا ناصية العالم ، الآن فرضوا علينا إباحيتهم ، فرضوا علينا انحرافهم ، والغزو الثقافي يفوق آلاف المرات خطراً من الغزو العسكري ، هذه الصحون التي تتجه إلى السماء من أجل أن تستقبل الإباحية ، والقنوات الفضائية هذا الذي أعدوه لنا ، أرادوا إضلالنا ، وأرادوا إفسادنا ، وأرادوا إفقارنا ، وأرادوا إذلالنا ، وفي الحقيقة هم في النهاية أرادوا إبادتنا . 

 

على المسلمين أن يعدّوا ما يستطيعون من قوة وعلى الله الباقي :


ماذا ينبغي علينا أن نفعل ؟ ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾   لا تيئسوا ، لماذا؟ لأن المؤمن معه قدرة الله ، معه علم الله ، لأن المؤمن يمده الله بملائكته ، وهناك قصص كثيرة ، ألقيت في إذاعة العدو ، في حرب غزة ، يسأل الجندي الأسير : ماذا يرتدي جنودكم ؟ يقول : يرتدون ثياباً مبرقعة ، فيقولون له : أنت كاذب يرتدون ثياباً بيضاء ، الله عز وجل حينما وعد المؤمنين أن يمدهم بالملائكة ، الله حينما قال : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ والباقي يتولاه الله . 

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

أعد ما تستطيع وعلى الله الباقي ، لأن الذي تستطيعه مع قدرة الله يفوق قوة العدو وأن العدو مهما كان قوياً ، تصور حلف الناتو ، ثلاثون دولة أوربية ، عمرها الحضاري مئتا عام ، طائرات ، صواريخ ، قنابل ، مدرعات ، ذخائر ، إعلام ، أموال ، وثلثا أفغانستان ليست بيدهم ، أين هم ؟ المؤمن مع دعم الله له ، مع قوة الله أقوى من عدوه . 

 

انتصار إخواننا في غزة غيّر مقاييس الحرب في العالم :


لذلك : ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ إخوتنا في فلسطين في حرب غزة ، عشرة آلاف مقاتل معهم بنادق فقط ، وأسلحة بدائية جداً ، صواريخ بدائية جداً ، وقفوا أمام أكبر جيش في المنطقة لاثنين وعشرين يوماً لم يستطع هذا الجيش العملاق ، رابع جيش في العالم بأسلحته الفتاكة أن يحقق أهدافه ، هل هذا الكلام صحيح ؟ هذه جرعة منعشة من الله ، ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ ، ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾   ،

تأثرت تأثراً بالغاً من قول أحد زعمائهم قبل الحرب قال : يا رب لقد أعددنا ما نستطيع ، وعليك الباقي ، وهذا الذي حدث ، والله انتصار إخواننا في غزة ، انتصار المسلمين في غزة عام 2008 ، وفي لبنان عام 2006 ، والله غيّر مقاييس الحرب في العالم ، ما قيمة هذا الجيش ! .

لذلك مرة قرأت تعليقاً لأحد كبار القادة في أمريكا ، قال : ماذا نصنع بحاملات الطائرات وماذا نصنع بالصواريخ العابرة للقارات وليس هناك دولة على وجه الأرض تجرؤ أن تحاربنا ؟ ولكن ماذا نصنع بهذا الإنسان الذي أراد أن يموت ليهز كياننا ؟ لذلك الحرب التقليدية انتهت في العالم ، لم تفلح .

أيها الإخوة ، ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾   النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول : 

(( عن عقبة بن عامر عن النبي صلى اله عليه وسلم قال  : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ . ))

[ صحيح أبي داود ]

أي القوة في عهد النبي الكريم إن أطلقت سهماً أن يصيب الهدف ، هذه القوة ((... ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ )) .

 

الأعداء أعدوا لنا ما يستطيعون من قوة من أجل إفقارنا وإضلالنا وإفسادنا وإبادتنا :


أيها الإخوة ، ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ نبال ، المسافة قريبة رماح  ، صار هناك التحام سيوف ، نبال بعيدة ، هناك قوس ، رماح ، سيوف . 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ لكن بالضبط كما يجري الآن ، النبال والرماح والسيوف هذه تصيب أهدافاً بعيدة ، لكن لا تحقق نصراً ، النصر أن تحتل الأرض ، قال :  ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ أنتم بحاجة إلى خيل تحتلون بها الأرض ، صار هناك قصف جوي وزحف عسكري ، والآن مهما قصفت الدول المعتدية لا بدّ من أن تحتل الأرض بالنهاية ، وقد تكون عاجزة عن أن تحتل الأرض ، النصر إذاً لم يحقق ، ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾   ، صار هناك تطوير ، الآن القوة الصاروخ ، القوة القنابل ، القوة الطيران ، القوة المدرعات ، القوة الأقمار الصناعية ، القوة التواصل ، القوة الإعلام ، القوة هذه جاءت نكرة كي تغطي كل أنواع القوة لنهاية الدوران ، في عصر الإعلام قوة كبيرة ، في عصر   الأقمار الصناعية قوة لأنها تغطي كل الأرض .

وقع تحت يدي مجلة ، الأرض كلها من القمر ، الأرض كلها ، على الأرض يوجد مربع صغير ميلي بميلي ، كُبر في صورة ثانية فإذا هو شمال أمريكا ، يوجد على الصورة الثانية مربع صغير كُبر فإذا هو فلوريدا ، هناك مربع صغير كُبر فإذا هو شاطئ بفلوريدا ، هناك مربع صغير آخر كُبر فإذا حديقة من الحشيش الأخضر عليها مربع صغير ، كُبر هذا المربع الصغير إنسان مستلق على بساط يمسك كتاباً يقرؤه إلى جانبه صحن فيه تفاح ، وساعته بيده ، ويمكن بدقة بالغة أن تقرأ عنوان الكتاب ، هذه الصورة من القمر .

أعدوا لنا ، نحن نقول : ممنوع التصوير ، أعدوا لنا ما يستطيعون من قوة ، من أجل إفقارنا ، وإضلالنا ، وإفسادنا ، وإذلالنا ، وإبادتنا ، ونحن ما صدقنا ربنا حينما قال لنا :

﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

كلمة جامعة مانعة .

 

الإرهاب في القرآن الكريم يعني أن تملك سلاحاً يمنع الإرهاب والعدوان عنك :


أيها الإخوة ؛ إذاً ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ الآن يجب أن ندرس مقياس القوة الآن ، تجد حصناً حصيناً قبل مئتي عام لا يوجد طريقة أن تصل إليه ، حوله ماء ، كقلعة حلب ، الآن بالطيران الحصن لا قيمة له ، فإن كنت أنت لا تملك سلاح جو فعالاً لا تملك شيئاً ، كل منشآتك في خطر ، مصافي النفط ، السدود ، كلها في خطر ، إذا لم تملك سلاح جو فعالاً جداً تحمي به أجواء الأرض فهناك مشكلة ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ وكل عصر له قوة ، أي القصف تمهيدي ، ثم الاحتلال بالضبط ﴿ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ ، (( ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ ))    عن بعد ، ولابدّ من رباط الخيل تحتلون بها الأرض ، من أجل ماذا ؟ قال : من أجل أن ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ فأي دولة معها سلاح فتاك هي مرهوبة الجانب ، الآن الدول نحن في التاريخ المعاصر التي تملك مفاعلاً نووياً لا أحد يحاربها ، لأنها تملك سلاحاً رادعاً ، فالسلاح أحياناً قد لا تستخدمه إطلاقاً ، ولكن وجود السلاح يرهب العدو .

حدثني أخ من باكستان ، قال لي : نحن نعيش في بلد مجاور للباكستان في الهند ، عددنا تسعون مليوناً ، نُعامل معاملة قاسية جداً ، فعندما استطاعت باكستان تصنيع قنبلة ذرية اختلفت المعاملة مئة وثمانين درجة ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾   فلابد من سلاح رادع . 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾  دقق الإرهاب هنا ماذا يعني في القرآن ؟ الإرهاب أن تملك سلاحاً يمنع الإرهاب بالضبط ، الإرهاب  في القرآن أن تملك سلاحاً يمنع العدوان عليك فقط ، أن يكون عندك سلاح رادع ، قوة رادعة ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ ويجب أن يكون عدوكم هو عدو لله لا أن تقاتلوا بعضكم بعضاً ، هذه مشكلة كبيرة جداً .

 

أكبر مصيبة تصيب المسلمين أن يكون بأسهم بينهم وسلمهم لأعدائهم :


أكبر وصمة عار بحق المسلمين أن بأسهم بينهم ، وأن سلمهم لأعدائهم .

إخواننا الكرام ، يجب أن يكون العدو الذي نحاربه عدواً لله ، كأن الله يشير إلى أن أكبر مصيبة تصيب المسلمين أن يكون بأسهم بينهم ، لذلك أعداء المسلمين يتعاونون وبينهم 5% قواسم مشتركة ، والمسلمون يتقاتلون وبينهم 95 % قواسم مشتركة ، وهذه وصمة عار بحقهم ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ معاً . ولكن أيها المؤمنون إياكم أن تتوهموا أن أعداءكم هم الذين في ساحة المعركة ، لا  ، ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ﴾ هناك من يخطط ، هناك من يخفي نفسه ، هناك من يعمل في الخفاء ، هناك من يستعد للانقضاض عليكم ، ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ لذلك المؤمن كيس ، فطن  ، حذر . ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ﴾   أي هناك من يتآمر عليكم خفية ، وهناك من عنده استعداء ليتآمر عليكم .

﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ هنا الآية متصلة بآية القتال ، أي ما تنفقون من شيء لتجهيز الجيوش ، إعداد العدة هذا أيضاً ﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ وليست العبرة بقوة العدوان ، ولكن العبرة أنهم : ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾   . . .


  من كان الله معه فلن يستطيع أحد أن يخدعه :


لذلك حينما قال الله عز وجل :

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) ﴾

[  سورة الفتح  ]

هذا الفتح المبين جاء عقب صلح الحديبية ، معنى ذلك البطولة أن ينتشر السلام بين شعوب الأرض ، الفتح الحقيقي ليس فتح حرب بل هو فتح سلم ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾ هذه الآية جاءت عقب صلح الحديبية .

﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ﴾ لا تقل : موقف تمثيلي ثم ينقضون علينا ، الله معك ، ولن يخذلك ، لا تكن داعية حرب ، كن داعية سلم ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ إن الله هو سميع وعليم ، إن تكلمت فهو سميع ، وإن أضمرت شيئاً فهو عليم ، لا تخف ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ إذا كان الله معك من يستطيع أن يخدعك ؟ ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ .


  الحب والودّ والتعاطف بين المؤمنين من خلق الله عز وجل :



﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾ هذا الحب بين المؤمنين ، هذا الود بينهم ، هذا التعاطف فيما بينهم ، من خلق الله عز وجل . المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم ، ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور