وضع داكن
07-10-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة البروج - تفسير الآيات 12-22 بطش الله تعالى ومكانة القرآن.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين.
اللّهمّ لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ وصلنا في الدرس الماضي في سورة البروج إلى قوله تعالى:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

[ سورة البروج ]


الله -عزًّ وجلَّ- إذا أراد أن يأخذ العصاة أخذهم أخذاً شديداً:


قد يبدو لقارئ القرآن أن كل سورةٍ في كتاب الله فيها مجموعة مقاطع، وقد لا يبدو لمن يقرأ القرآن قراءة سريعة أن هناك علاقة بين هذه المقاطع، ولكن لو تعمقنا في فهم هذه السورة لوجدنا أن الله -سبحانه وتعالى- يقول:

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ (10) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ جَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

[ سورة البروج ]

أي أن ربنا-سبحانه وتعالى- يؤكد أن الله إذا أراد أن يأخذ العُصاة أخذهم أخذاً شديداً، سيدنا موسى سأل الله -عزًّ وجلَّ- فقال: "يا رب أي عبادك أحبُّ إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: يا موسى أحبُّ عبادي إلي تقي القلب، نقيُّ اليدين، لا يمشي إلى أحدٍ بسوء، أحبَّني وأحب من أحبني وحببني إلى خلقي، فقال: يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أُحببك إلى خلقك؟! قال: ذكرهم بآلائي- الآيات الكونية كما كان في الدرس الماضي والسماء ذات البروج-، ونعمائي- وهذه النعم الكبيرة التي منَّ الله بها علينا-، وبلائي" ، وفي هذه الآية مناسبةٌ للحديث عن بطش الله الشديد، ربنا -عزًّ وجلَّ- قال:

﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)﴾

[ سورة النحل ]

وهذه الآية مطبقة في كل زمانٍ وفي كلِّ مكان وتحت سمع الناس وبصرهم، آيةٌ ثانية ربنا -سبحانه وتعالى- يقول:

﴿ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)﴾

[ سورة الأنعام ]

هذا من بطش الله الشديد، وأن تذوق القرية التي كانت آمنةً مطمئنةً والتي كان رزقها يأتيها رغداً من كل مكان أن تذوق الخوف والجوع هذا من بطش الله الشديد، وربنا-سبحانه وتعالى- في آيةٍ ثالثة يقول:

﴿ وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَٰلِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُۥٓ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾

[ سورة هود ]

ليست أخبار الزلازل، والفيضانات، والمجاعات، والبراكين، والصواعق عنا ببعيد، وهذا من أخْذ الله الشديد، وهذا من بطش الله -عزًّ وجلَّ-، الله -سبحانه وتعالى- قد يُنزِل بطشه بجماعاتٍ وقد ينزِل بطشه بأفرادٍ، ألم تسمع بإنسانٍ فقد ثروته كلها وأصبح يتكفف الناس؟ هذه قصص كثيرة.
قال لي رجل: إن بيتي مساحته مع الحديقة 1500 متر، وهناك موظفان خاصّان للحديقة، وعندي ثلاث سيارات؛ واحدة للسفر وواحدة للمدينة وواحدة للمعمل، وقال لي: ما دخل بيتي الطعام إلا بكمياتٍ كبيرة، رأيته في بعض الدكاكين في أحد أحياء دمشق ينام على طاولة التفصيل، ويأكل طعاماً من العلبة التي فتح منها الطعام ولا صحن في دكانه، ثم بكى وقال: لقد طردني أهلي خارج المنزل، وكيف كان من قبل؟! فعندما يرى الإنسان أشخاصاً ألمَّت بهم المصائب، بالإضافة إلى أنه ينبغي له أن يعطف عليهم، وأن يرحمهم، وأن يقدم لهم المساعدة، ينبغي له أن يستنبط من هذه الظواهر المؤلمة حكمةً، أن تقول: والله لا يستأهل، هذا كلام فيه شكٌ في حكمة الله -عزًّ وجلَّ-، وأن تقول: يستأهل    - الله لا يقِمْه- كذلك فيها شماتة، لا تقل هذا الكلام ولا ذاك، ولكن قل كما قال سيدنا عيسى -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام-:

﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (118)﴾

[ سورة المائدة ]


معنى البطش:


فربنا -عزًّ وجلَّ- قال: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، (إنّ) حرف مشبه بالفعل معناه التوكيد؛ أي إذا قلت: الله غفورٌ رحيم، وإذا قلت: إن الله غفورٌ رحيم، التركيب الثاني فيه توكيد، إذا قلت: الشمس ساطعةٌ، وإذا قلت: إن الشمس ساطعةٌ، فالتركيب الثاني فيه توكيد، فربنا -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ما هو البطش؟ الأخذ بالعنف، وربنا حليم كريم يُمِدُّ للناس مداً لكنه إذا أخذهم:

﴿ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَٰهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍۢ مُّقْتَدِرٍ (42)﴾

[ سورة القمر ]

فالذي لا يخاف من الله أحمق، ألا نرى بأعيننا ما يحِلُّ ببعض الناس من أمراضٍ وبيلة ومن أمراضٍ عضالة؟! ألا نرى بما يحل ببعض الناس من فقرٍ مدقع؟! ألا نرى ما يحل بالناس من مصائب قد لا تحتمل؟! ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ فالبطش شدة الأخذ والأخذ بالعنف وبالقوة، "يا موسى ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي"، والبطش من بلاء الله -عزًّ وجلَّ-: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، هذا البطش نُسب إلى الله -عزًّ وجلَّ- فلم يُنْسب إلى اسم التسيير نُسب إلى اسم الربوبية؛ الله رب العالمين، ومعنى رب مربٍ، والمربي لا بدَّ من أن يكون عالماً ورحيماً في وقتٍ واحد، الذي يربي شيئاً يحتاج في تربيته إلى علم، ويحتاج في تربيته إلى عطف، فالله -سبحانه وتعالى- عليمٌ بنا ورحيمٌ بنا، ومع ذلك بطشه شديد، وأحياناً الطبيب يكون طبيباً لامعاً جداً وماهراً جداً ومع ذلك يقول: لا بدَّ من بتر الرِّجل وإلا فهذا المرض سيتفاقم، نقول: إن الطبيب قطعها، قد يقطعها مجرم وقد يقطعها حادث، فلا نقول: إن الحادث هذا كان رحيماً، أما إذا قلنا: إن الطبيب قطعها، فحينما تنسب قطعها إلى الطبيب، والطبيب يتمتع بالعلم والرحمة، إذاً لا بدّ من أن يكون قطعها فيه حكمةٌ بالغة، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ﴾ نسبة البطش إلى الله -عزًّ وجلَّ- وإلى اسم الربوبية بالذات هذا يعني أن هذا البطش لا بدَّ منه وهو عين الحكمة، وهو في النهاية رحمة ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، البطش وحده الأخذ بالعنف، فكيف إذا وُصف البطش بأنه شديد، إذا قلنا: إن لله بطشاً، كلمة بطش وحدها تعني الأخذ بالعنف والقوة، فكيف إذا وصفنا هذا البطش بأنه شديد؟! هذا شيء يلفت النظر ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، هذه اللام يعربها النحاة لام المزحلقة، أصلها لام التوكيد، أساسها لبطش ربك شديدٌ، دخلت عليها إنْ فزحلقنا اللام إلى خبر إنَّ، أساسها لام التوكيد، إذاً الله -سبحانه وتعالى- في قوله (إنّ) يؤكد، والبطش هو الأخذ الشديد، وهذا البطش وُصف بأنه شديد، لكن هذا البطش الشديد مضافٌ إلى رب العالمين، ورب العالمين عليمٌ وحكيم ورحيم، إذاً هذا البطش لا بد منه ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾، يذكرني هذا التفسير بقوله تعالى:

﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ (69)﴾

[ سورة العنكبوت ]

أربع توكيداتٍ في هذه الآية؛ ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ اللام لام التوكيد﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ﴾ النون نون التوكيد الثقيلة، ﴿سُبُلَنَا وَإِنَّ﴾ إن حرف توكيد، ﴿وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾ اللام لام المزحلقة أي لام التوكيد، إذاً عندما يتجه الإنسان إلى الله -عزًّ وجلَّ- ويتمنى أن يتقرَّب منه، فليطمئن أنَّ الله    -سبحانه وتعالى- لا بدَّ من أن يهديه إلى السبيل الصحيح.

من طرق التعرف إلى الله-عزًّ وجلَّ- الكون:


﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ أي الإنسان من حين إلى آخر لا بدَّ من أن يتعرف إلى الله عن طريق الكون، عن طريق الكون يعظّمه.

﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلْأَنْعَٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَٰٓؤُاْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

[ سورة فاطر ]

الدرس الماضي كان معظمه على:

﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ (1)﴾

[ سورة البروج ]

التعرُّف إلى الله من خلال الكون يورث عظمةً لله في النفس، تعظيماً لله في النفس ﴿إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَٰٓؤُاْ﴾ ، ومعرفة الله من خلال النعم تورث المحبة، "يا داود؛ ذكِّر عبادي بإنعامي عليهم، فإنَّ النفوس جُبِلت على حبِّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها" ، فإذا نظرت إلى نعمة البصر ونعمة السمع ونعمة الإدراك السليم، والعقل والحركة، تقضي حاجتك من دون أن تكلِّف أحداً بذلك، ونعمة الزوجة والأولاد والبيت، المأوى إذا لك مأوى فهي نعمة، وأنّك تملك قوت يومك، ونعمة السمعة الطيبة وأنّك تعرف الله -عزًّ وجلَّ-، فسيدنا عمر كان إذا أصابته مصيبةٌ قال: "الحمد لله -ثلاثاً-على هذه المصيبة، الحمد لله إذ لم تكن في ديني" .

تمام النعمة الهدى:


 فنعمة الدين هي النعمة الكبرى والنعمة العظمى، ولذلك فسَّر المفسرون قوله تعالى:

﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطًا مُّسْتَقِيمًا (2)﴾

[ سورة الفتح ]

أي تمام النعمة الهدى، إذا كان الإنسان في بحبوحة، وله منزل متسع، وله زوجة وأولاد، وعمل يدرُّ عليه دخلاً جيداً، ولم يكن مهتدياً، فهذه ليست نِعمة، سمَّاها الله نَعمة، قال الله تعالى:

﴿ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّٰتٍۢ وَعُيُونٍۢ (25) وَنَعْمَةٍۢ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ (27)﴾

[ سورة الدخان ]

أما النِعمة إذا أتممتها بالهدى، إذا كنت مهتدياً فالزوجة نعمة، إذا كنت مهتدياً فالمال نعمة والأولاد نِعمة، أما إن لم يكن مهتدياً فقد يدفع ابنه إلى معصية، وقد يدفع ابنه إلى الفجور، فيأتي يوم القيامة هذا الابنُ ويقول: يا ربّ لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي لأنه كان سببي، فهل يعدُّ الولد نعمةً من دون هدىً؟! لا، هذه الزوجة التي يفتخر زوجها بجمالها، ويسمح لها بالخروج بأبهى زينة هل تُسمَّى هذه الزوجة نعمة؟! لا، هذه نَعمة؛ لأنها يوم القيامة تقوده إلى جهنم، هذا المال الذي جمعه من حرام، يُحشر الأغنياء أربع فرقٍ يوم القيامة، فريقٌ جمع المال من حرام، وأنفقه في حرام، فيقال: خذوه إلى النار، حسابه يسير بمعنى سريع، وفريقٌ جمع المال من حرام، وأنفقه في حلال فيقال: خذوه إلى النار، وفريقٌ جمع المال من حلال وأنفقه في حرام فيقال: خذوه إلى النار، وفريقٌ جمع المال من حلال وأنفقه في حلال، فهذا الذي يحاسب، هذا يقال: قفوه فاسألوه، هل ترك فرض صلاةٍ؟ هل قصَّر في حقِّ جيرانهِ؟ هل قطع رحمه؟ هل قصر في حق أولاده؟ هل قال من حوله: يا رب لقد أغنيته بين أظهرنا فقصَّر في حقنا؟ هل، هل...؟ النبي الكريم رأى أنَّه يوجد عنده قائمة أسئلة طويلة جداً، انتظر، انتظر، قال: تركته وما زال يُسأل ويُسأل؛ هذا الذي جمع المال من حلال وأنفقه في حلال، فالإنسان يجب أن يعرف أنه إذا فكر بالمنعم فقد أحبّ الله -عزًّ وجلَّ-، "يا داود؛ ذكِّر عبادي بإنعامي عليهم، فإنَّ النفوس جُبِلت على حبِّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها" ، وإذا فكر في البطش؛ في بطش الله -عزًّ وجلَّ-، إذا فكر في النِقم، إذا فكر في المصائب، والبلايا، والرزايا، والمحن، والنكبات، والأمراض، والفقر، والذل، ففي هذا يخاف من الله -عزَّ وجلَّ- ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ،  هناك أشخاصٌ فقدوا أموالهم، فإذا الله -عزًّ وجلَّ- أوقف عمل الكليتين فجأةً وهذا مرض شائع جداً، هبوط مفاجئ في عمل الكليتين، فما الحلّ؟ الحل هو الغسيل في الأسبوع مرتان وكلّ مرة خمس أو ست ساعات وتقف بالدور أيضاً، قال الطبيب لي: هذه اليدَّ تتحمل عشر مرات تقريبًا، فالشريان الموجود فيها يتحمل عشر مرات، وفي اليد الثانية عشر مرّات كذلك فصارت عشرين، وبالرجل عشرة أي ثلاثين، والرابعة عشر فصارت أربعين، فهنالك حدود، فتح الشريان وأخذ الدم كله منه وتصفيته بجهاز حديث ثم إرجاع الدم إلى جسم الإنسان تستغرق من الوقت ست ساعات، وكل مرة تكلِّف مبلغاً لا بأس به، تكلّف بالشهر ستة آلاف أو خمسة آلاف أو أربعة آلاف، أو تقدّم وثيقة أنك معفى من دفع ثمن التصفية، وفي الأسبوع مرتان ويبقى بالمئة عشرون من البولة في الدم وتسبب ضيقاً بالنفس وبالمشاعر، ونرفزة سريعة جداً وتسبب ضيقاً وانحطاطاً عامّين في الجسم، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، من يتحمل آلام الأورام الخبيثة؟ فالأورام الخبيثة لها آلام في البطن لا تحتمل ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، هناك رجل كان يعتدي على الأعراض في بعض القرى، وكلما بلغه أن هناك إنساناً مسافر يتسور البيت ويعتدي على زوجته، فالله -عزًّ وجلَّ- أصابه بمرضٍ خبيث في عضوه، فالله -عزًّ وجلَّ- له موعظة كبيرة جداً ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ،  لا بد أن تخاف من الله خوفاً شديداً، يجب أن تخاف من الله بقدر علمك به بالضبط، إن حجم معرفتك بالله هو نفسه حجم خوفك منه، لذلك أشد الخلق خوفاً من الله هو سيدنا رسول الله، سيدنا عمر قال: "والله لو أنزل الله في كتابه أنه معذباً رجلاً واحداً لظننته أنا"، من شدة الخوف، وقال: "يا ليت أم عمر لم تلد عمر" ، ماذا فعل سيدنا عمر؟ قال: "والله لو تعثَّرت بغلةٌ في العراق - وهو في المدينة - لحاسبني الله عنها، لِمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟" إذا قال: يا ليت أم عمر لم تلد عمر، يقول هذا الكلام حقيقةً، فهو خائف جداً ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، أنا والله الذي لا إله إلا هو شيءٌ واحدٌ يثير عجبي، أن إنساناً تجاوز الأربعين وهو يعصي الله -عزًّ وجلَّ-، فما الذي ينتظره؟!

(( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ  ))

[ رواه الترمذي -وقال: حديث حسن -عن أبي هريرة ]


إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فتذكّر قدرة الله عليك:


والذي لا يخاف من الله أحمق، والذي لا يخاف من الله غبي وشقي.

(( كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقالَ: أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ ))

[  صحيح مسلم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ]

إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فتذكّر قدرة الله عليك

[ عمر بن عبد العزيز  ]

نقطة دم كرأس الدبوس إذا تجمدت في أحد شرايين الدماغ فمعنى ذلك شلل، أو جنون، أو فقد ذاكرة، أو فقد بصر، أو سمع؛ نقطة دم، بالنخامية وهي غدة وزنها نصف غرام بالضبط، هذه الغدة مسيطرة على جميع الغدد في الإنسان، سماها العلماء (ملكة الغدد) فلو تعطلت، بعض الغدد من بعض وظائفها إحداث توازن في السوائل في الجسم، فلو اختلت لكان على الإنسان أن يشرب في اليوم الواحد عشر تنكات من الماء، وعليه أن يخرجها بولاً، إذاً عليه أن يبقى إلى جانب الصنبور والمرحاض طوال اليوم، لو اختلت بعض الغدد في الجسم، فماذا تفعل الكوليرا هذا الجرثوم؟! 
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾  أحياناً عن طريق زلازل، أو صواعق، أو فيضانات، أو براكين، أو عن طريق بأس الإنسان للإنسان، أو عن جراثيم، والكوليرا أخطر ما فيها أن الإنسان عندما يشرب ماء تنفذ السوائل من أمعائه إلى شرايينه عن طريق الامتصاص، جرثوم الكوليرا يعكس الآية، جميع ما في الجسم من ماء ينفذ إلى الأمعاء عبر غشاء الأمعاء، فالإنسان يفقد ماء جسمه كله في ساعتين أو ثلاث، يخرج أربعين مرةً أو خمسين ماء ثم يموت من الجفاف، جرثوم لا يُرى ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ،  ومرض الطاعون أوقف جيشاً بكامله، عندما احتل نابليون عكا، الذي حال بينه وبين احتلالها الطاعون ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ .

﴿ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِىَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ(31)﴾

[ سورة المدثر ]

فله جنود لا تُرى بالعين جراثيم وفيروسات، والآن له جنود موجودون في أمريكا؛ مرض اسمه (الهربس) هذا مرض جنسي ناتج عن الانحلال الأخلاقي، مرض حياتي لا شفاء منه يصيب الإنسان بنوبات من الحُمى والإنتان والقشعريرة، وهذه النوبات تأتي في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو في اليوم مرتين إذ ليس لها قاعدةً، هذا المرض ليس له دواء، وهذا المرض انتقل إلى قطر عربي بسبب أنهم اشتروا دماً من أمريكا ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ،  فإذا الإنسان ارتكب الفاحشة فالأمراض الجنسية وحدها أكبر عقاب من الله -عزًّ وجلَّ-عاجل للفحشاء، قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا (32)﴾

[ سورة الإسراء ]

ذهب رجل إلى بلد وارتكب الفاحشة وله زوجة وأولاد، فرجع معه مرض ويخجل أن يتكلم مع زوجته، فمعنى ذلك أنه خانها، يغادر ويرجع ويتطبب خلال ست سنوات، وقال لرجل آخر: لقد احترق قلبي على هذه الغلطة ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، عندما تكون أخلاق الإنسان نظيفة، وبدنه نظيفاً فإنه يكون سعيداً، فهذه الآية يجب أن تترك فينا أثراً بليغاً ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الشعوب؛ الشعوب الضالة ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ ،﴿قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ﴾ ،  من آيات الله -عزًّ وجلَّ-: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَٰلِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُۥٓ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾

أمثلة واقعية تبين بطش الله تعالى:


﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، أحدهم في أوج شبابه له بيت، وله سيارة، وعمل يدر عليه أرباحاً طائلة لكنه لا يعرف الله أبداً، ذهب إلى بلد عربي ونزل في مسبح فجاءته جرثومة إلى عصبه السمعي فأتلفته، قيل لي: إنه دخل البيت، وارتمى على الأرض، وصار يبكي كالأطفال، يقول: أصبحت أطرشاً ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، سمعك بيده، بصرك بيده، يقول: أخي حدث انزلاق في الشبكية، فبيد مَنْ الشبكية؟ عمل عملية جراحية معقدة جداً أعطوها أربع تبشيمات في الشبكية ألصقوها، لكنه مهدد في كل لحظة أنّ تسقط الشبكية فيفقد بصره ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، الله -عزًّ وجلَّ- قادر أن يسلب الإنسان بصره، وأن يسلب له سمعه، ويسلبه صحته، وقوته، وإن كان سلبه عقله فأقرب الناس إليه يترجون أولي الأمر أن يكون له مكان في مشفى الأمراض العقلية، يكون بيته وهو اشتراه، وزوجته تترجى وتتغطى وتذهب تريد مكاناً لزوجها وتقول: أهلكنا، فلم ننم الليل البارحة، فإذا أعطى الله أحدهم عقلاً متزناً فهو بنعمة، فإذا سلب منه عقله لم يعد له مكان في البيت أبداً، إذ فقد مكانه في البيت، وفقد مكانه في العمل.
رجل تزوج امرأة جيدة ومستقيمة، ومتدينة ومستورة، فلم يعجبه هذا الشكل، أمرها أن تختلط مع أصدقائه حتى أخرجها من دينها، آلام في عينه لا تطاق من طبيب إلى طبيب، آخر شيء استقر عند طبيب لا بدَّ من قلعها، قلعت عينه ووضعت في كفه ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، شخص آخر حصل على شهادات عليا ووصل إلى أعمال راقية جداً وعاش في بحبوحة كبيرة، فقد بصره، وفي أول أسبوعين أو ثلاثة يقول له مساعده: إنَّ المعاملة هذه مضمونة، يقول له: موافق ثم يوقع، بعد أسبوعين أو ثلاثة أو شهرين أُعفي من منصبه، زاره صديق لي وهو صديقه أيضاً، قال له: والله يا فلان أتمنى أن اجلس على الرصيف وأتكفف الناس ولا أملك شيئاً من حطام الدنيا وأن يرد الله لي بصري ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، رجل يقطن في بعض أحياء دمشق وعنده رغبة كل يوم مساءً - في الصيف طبعاً على طريق الصالحية- أن يقوم بنزهة ذهاباً وإياباً، ولا يفعل شيئاً ولكنه يمتّع نظره بالجمال، إن الله جميلٌ يحب الجمال، نصحه جارٌ له وهو صديقٌ لي، نصحه نصائح كثيرة، قال له: أنت رجل ولك بنات وشباب متزوجون، قال له: لا أعمل شيئاً، أنا أنظر فقط، هذا الإنسان أصيب بمرض اسمه (ارتخاء الجفون) وإلى الآن موجود، إذا كان يريد أن يراك يمسك جفنه ويقول: أهلاً وسهلاً ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، في الدنيا يوجد أشياء لا تحتمل. 

﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦ ۖ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ ۚ أَنتَ مَوْلَىٰنَا فَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ (286)﴾

[ سورة البقرة ]

البصر غالٍ، والسمع غالٍ، والصحة غالية، والحركة غالية جداً، وتوجد أمراض تكلُّس المفاصل يصبح الإنسان قطعةً واحدة، لا حركة ولا سكنة مُلقى على ظهره على سرير، وإذا الإنسان ظل ملقى على ظهره أياماً طويلة يتعفن اللحم؛ يتحلل ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، وكلما همّ الإنسان بمخالفة الله -عزًّ وجلَّ- يذكر هذه الآية ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ شيء مخيف، وهناك مدينة أغادير في المغرب في ثلاث ثوانٍ بالضبط أصبحت قاعاً صفصفاً.

﴿ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَآ أَمْتًا (107)﴾

[ سورة طه ]

ويوجد فيها فندق يبلغ ارتفاعه ثلاثين طابقاً، –Holiday inn- هذا الفندق هبط كلّه وبقي منه متر واحد فقط، وبقيت اللوحة الكبيرة التي كُتب عليها عنوان الفندق إلى الآن، إن ذهبت إلى هذه المدينة تجد على الأرض لوحة كبيرة مكتوباً عليها اسم الفندق، هذه اللوحة كانت مثبَّتة على الطابق الثلاثين ﴿إِنَّ أَخْذَهُۥٓ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ ، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ ، يوجد على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي، وتوجد مصائب طبيعية كالزلازل والبراكين، وتوجد مصائب إنسانية فكثيراً ما حدثت غزوات تمت من شرقي آسيا؛ هولاكو وتيمورلنك، سألوا مرة تيمورلنك: من أنت؟ قال: أنا غضبة الرب.

دورة حياة الكائنات:


﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12) إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ(13)﴾

[ سورة البروج ]

إنه الذي يبطش هذا البطش الشديد هو نفسه الخالق الذي يبدئ ويعيد؛ يبدأ الخلق ثم يعيده، فهذا الطفل يكبر، يكون جنيناً، أصبح رضيعاً، ثم طفلاً، ثم صبيّاً، ثم شاباً فرجلاً فكهلاً فشيخاً ثم توفي، ابنه يكبر وهكذا...، فكل واحد منا له دورة، كان صغيراً، فصار كبيراً، فصار شيخاً، شارف الأجل، جاء ابنه مكانه ﴿إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ ، والحيوانات كذلك ﴿إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ ، والنبات كذلك، فمن عنده بستان، هذه الشجرة حطب يابس جاء الربيع فأزهرت وأورقت، ثم أثمرت، وأينعت، وقُطفت، ثم أوراقها سقطت وعادت حطباً، ثمَّ أزهرت، فأورقت، فأثمرت، فأينعت، فقُطفت، فسقطت أوراقها ﴿إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ ، هذا الورق المتساقط يدخل في التراب ويتحلل ويصبح غذاءً للتراب، كل شيء تنتجه النباتات يتحلل ويصبح في خدمة نمو النباتات ﴿إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ ،  قال لي شخص عنده بستان: أغلى شيء السماد الطبيعي، يصبح للأشجار المثمرة نكهة لذيذة جداً، سبحان الله! هذا السماد روث البهائم، أكلت وهضمت وأخرجت الفضلات، والفضلات ساهمت في بناء التربة مرةً ثانية ﴿إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ دورة، الإنسان له دورة إذ يولد ووزنه 3 كغ، والآن وزنه 72، 74، 76، 78، 82، اطرح 3 من 83 فيصبح وزنك 80 كغ، من أين جاءت هذه الزيادة؟ من الغذاء؛ من الطعام والشراب، يموت ويوضع في التراب فتفتح القبر فتجد عظاماً، فأين بقية الجسم؟ غدت تراباً ﴿إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ ؛ هذا الإنسان، والحيوان كذلك، والنبات أيضاً، الآن في أحدث النظريات المجرات تنفجر وتصبح رماداً، ثم بعد ملايين السنين تتجمع وتصبح مجراتٍ جديدة ﴿إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ ، فهذا البطش الشديد مِن الذي يبدئ ويعيد، من الخالق، هذا بطش الخالق؛ بطش رب العالمين ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ خفنا كثيراً والله لكن:

﴿ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ (14)﴾

[ سورة البروج ]


الفرق بين المغفرة والتكفير:


انظر إلى القرآن المتوازن: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ﴾ الغفور بمعنى الشافي، هناك فهم ساذج لهذه الآية، أن فلاناً ارتكب ذنباً فقال: اسمح لي، قال له: اذهب لا شيء عليك، ليس هكذا، هذا معنى ساذج للمغفرة، المغفرة شفاء؛ أي هذا الذي ارتكب الذنب نفسُهُ مريضة، أقبل على الله بعد التوبة فجاء النور الإلهي فشفى نفسه من هذا المرض، فإذا غُفر لإنسان شفيت نفسه بنور الله، الصلاة طهور؛ أي بها يطهَّر الإنسان من ذنوبه، وهذه هي المغفرة، التكفير غير المغفرة، التكفير حينما يفنى الإنسان وتفنى هذه الذاكرة، حينما يبعث مرةً ثانية لا يذكر من أيام جاهليته شيئاً، أما في الدنيا فلو تاب الإنسان واستقام وأقبل وطهرت نفسه فبذاكرته أعماله في الجاهلية وهذه أحياناً تنغِّص عليه سعادته بعد التوبة والاستقامة والعمل الصالح والإقبال والطهر والسمو، فبذاكرته ما فعله في الجاهلية، الآن غُفر له، لكنه إذا مات وفني جسمه فهذه الذاكرة تحللت، إذا بعثه الله مرةً ثانية لا يذكر من أيام جاهليته شيئاً؛ هذا هو التكفير ولذلك فالأنبياء لا يفنون، والشهداء لا يفنون؛ لأنهم فعلوا عملاً يغطي على كل شيء إن كانوا شهداء، وإن كانوا أنبياء أطهاراً مطهرين منذ الولادة وحتى الوفاة. 
 ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُۥ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ﴾ أحياناً الإنسان يعفو عنك، هذا غفور، يقول لك: سامحناك يا أخي، اسكت لا تتكلم ولا كلمة، وليس كذلك فالله -عزًّ وجلَّ- غفور ودود، ودود أي محب، أنت استغفرت، هو يشفيك، ويمنحك شيئاً من مودته، من أسماء الله الودود، من أسماء الله المُقيت، الهواء والماء والخبز مقيت، لكن الودود جعل لك أزهاراً، شاهدت مجلداً مؤلفاً من ثمانية عشر جزءاً، كل جزء عرضه 8 سم، كل ورقة فيها رسم لزهرة غير التي تليها؛ أنواع منوعة، ماذا نسمي هذه الورود والرياحين والألوان والأشكال والروائح الشذية تحت اسم ماذا؟ تحت اسم الودود، الألوان تحت اسم الودود، جمال الطفل تحت اسم الودود.

﴿ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱلْبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)﴾

[ سورة الكهف ]

تنوّع الطعام تحت اسم الودود، الفواكه تحت اسم الودود، فصل الربيع تحت اسم الودود ﴿وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ﴾ أي أنَّ الله -عزًّ وجلَّ- يتودد إلينا بهذه النعم المنوعة، بهذه الأزهار وبهذه الأطيار والأسماك والرياحين والمناظر والهواء العليل يتودد إلينا ﴿وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ﴾ .

معنى الودود:


الودود لها معنى عام، هذه النعم التي تزيد عن حاجتنا، والحاجة أن الإنسان يأكل خبزاً وقمحاً وما شاكل ذلك، هذه هي حاجته الأساسية لكن أيضاً جعل له موالح، وجعل له شاياً وقهوة، فهذا من خلق الله -عزًّ وجلَّ-، جعل له فواكه منوعة ومسرَّات منوعة، فهذه كلها تحت اسم الودود ﴿وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ﴾ على المستوى الجماعي، أما على المستوى الفردي فكل إنسان عندما يستقيم على أمر الله ويتوب إلى الله توبة نصوحاً فالله -عزًّ وجلَّ- يعامله معاملة تفتنه، ما هذه المعاملة؟ لطف وتيسير أمور وشعور بالراحة والسرور.

﴿ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ (14) ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ(15)﴾

[ سورة البروج ]

العرش: المُلك وبتعبير آخر الكون، صاحب الكون، الإنسان يكون صاحب مزرعة فيمشي بالعرض، يقول لك: هذه مزرعة لي، أنت تقول: الملك لله مزرعة فلان، ﴿ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ﴾ كلُّ هذا الكون بمجراته، أحدث رقم مليون مليون مجرة، كشفوا منها ألف مليون، في المجرة يوجد عشرة آلاف مليون، ويوجد ثلاثة عشر مليوناً، ومئة وثلاثون ألف مليون في كل مجرة، وبعض النجوم يزيد حجمه عن الشمس ثلاثين مليون مرة، ثلاثين مليون مرة زيادة عن حجم شمسنا، وشمسنا زيادة عن أرضنا مليون وثلاثمئة مرة، والأرض معروفة أربعة أخماسها بحر: ﴿وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ* ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ﴾ المجيد: العظيم، السامي، العالي، العليّ:

﴿ ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(16)﴾

[ سورة البروج ]

أي أمره هو النافذ، لا تستطيع جهةٌ في الأرض أن تحول بينه وبين ما يريد ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ ، إذا كنت مع من هو ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ أقوى بكثير من أن تكون مع الذي لا يستطيع أن يفعل ما يريد، سيدنا داود قال:

﴿ مِن دُونِهِۦ ۖ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ (56)﴾

[ سورة هود ]

﴿ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍۢ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (2)﴾

[ سورة فاطر ]

بيد الله -عزًّ وجلَّ-، فالله: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ أمره هو النافذ:

﴿ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ (18)﴾

[ سورة الأنعام ]


أدلة على أن أمر الله هو النافذ:


ورد في الأثر: "عبدي أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد، كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما أريد، أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد" ، الله -سبحانه وتعالى-﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ ، ربنا يعلمنا، سيدنا يوسف ماذا أراد به أخوته؟ تعلمون القصة الطويلة مغزاها في كلمةٍ واحدة، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَىٰهُ مِن مِّصْرَ لِٱمْرَأَتِهِۦٓ أَكْرِمِى مَثْوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمْرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾

[ سورة يوسف ]

إخوته جميعاً أرادوا به كيداً، وضعوه في غيابة الجب، الله ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ فجعله عزيز مصر، سيدنا موسى:

﴿ أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُۥ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِىٓ (39)﴾

[ سورة طه ]

سيدنا موسى رُبِّي في قصر فرعون، كان يخاف من طفلٍ من بني إسرائيل يقضي على ملكه، فأمر بقتلهم جميعاً، الذي سوف يقضي على ملكه ربّاه في قصره ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ .

﴿ فَٱلْتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ (8)﴾

[ سورة القصص ]

هذه القصص بليغةٌ جداً، كل شيءٍ بأمر الله، أمره هو النافذ، فالواحد لا يظن أنَّ باجتهاده أو بذكائه يفعل ما يريد، لا يفعل الله إلا ما يريد، وأنت ضمن إرادته، ﴿وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ* ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ ، الدليل:

﴿ هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ (17)﴾

[ سورة البروج ]

من هم؟ قال:

﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)﴾

[ سورة البروج ]

 ففرعون اسم فرعون، وثمود اسم قوم، فكيف جمع الله اسم رجل مع اسم قوم؟! قال: هذه إشارة إلى أنَّ قوم فرعون ذابوا في فرعون، ذابت شخصيتهم كلها في فرعون، فإذا قلنا فرعون، نعني بهذه الكلمة قوم فرعون.

﴿  وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلْأَوْتَادِ (10)﴾

[ سورة الفجر ]

﴿ فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُۥ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فَٰسِقِينَ (54)﴾

[ سورة الزخرف ]

هؤلاء ذابوا جميعاً، ذابت شخصيتهم ولم يبق في هذا المجتمع إلا فرعون، فربنا -عزًّ وجلَّ- كنَّى به عن قومِ فرعون، ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ* فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ أي أهلكهم الله -عزًّ وجلَّ- وهذا تأكيد قوله تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ .

﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍۢ (19)﴾

[ سورة البروج ]

والمقصود بالذين كفروا كفَّار قريش؛ أي على الرغم من كلِّ هذا قومك يا محمد يكذِّبونك، ولم يقل يكذبونك ﴿بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍ﴾ هذه (في) الظرفية؛ أي هم في حالةٍ من التكذيب، هم غارقون في كل أنواع التكذيب، كما قال أحدهم: لم أرَ أشدَّ صمماً من الذي يريد ألا يسمع:

﴿ بَلْ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهْتَدُونَ (22)﴾

[ سورة الزخرف ]


ما المقصود بالمحيط؟


﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍۢ (19) وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطٌۢ (20)﴾

[ سورة البروج ]

1- معنى محيط هنا؛ أي محيطٌ بدقائق أعمالهم،

أعمالهم كلها تحت إشرافه ومراقبته، أحياناً الإنسان يعمل عملاً ويظنُّ أنَّ فلاناً لا يراه، فلان صوره وأراه شريطاً فيقول: أعوذُ بالله، كلُّ الذي فعلته مسجلٌ عليك، ربنا -عزًّ وجلَّ- قال: ﴿بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍۢ* وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطٌۢ﴾ ، أي؛ كلّ أعمالهم وكلّ حركاتهم وكلّ سكناتهم وجميع تصرفاتهم وتجاوزاتهم وطُغيانهم كلُّه في علم الله -عزًّ وجلَّ- وفي قبضته ﴿وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطٌ﴾

2- المعنى الثاني: والله قادرٌ عليهم في كلِّ لحظة،

في أي لحظة من لحظاتهم الله –سبحانه وتعالى- يهلكهم.

عظمة القرآن الكريم ودوره في حفظ اللغة العربية:


﴿ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطٌۢ (20) بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ (21)﴾

[ سورة البروج ]

أي لا حدود لعلوه، ولا حدود لسموه، وشرفه، وعظمته ﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ﴾ أي لو أنكم جعلتم هذا الكتاب كتابكم الأوحد فالقرآن غنىً لا فقر بعده، من تعلّم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، من تعلم هذا الكتاب فهو أمانٌ له من الخرف، لا يخرفُ إنسانٌ قرأ القرآن وتعلمه، قارئ القرآن لا يحزن أبداً، لا يوجد داعٍ أن يحزن فكله قوانين واضحة، وهذه القوانين بمنزلة مقدمات ونتائج حتمية. 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل ]

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَعْمَىٰ (124)﴾

[ سورة طه ]

﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ﴾ ، ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾

﴿ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾

[ سورة فصلت ]

لا يحزن قارئ القرآن، يرى أموره كلها بيد الله -عزًّ وجلَّ- وهو الرحيم، الحنون، اللطيف، السميع، البصير، القدير، الغني، المحب.

﴿ بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ (21) فِى لَوْحٍۢ مَّحْفُوظٍ(22)﴾

[ سورة البروج ]

بعضهم قرأ: في لوح محفوظٌ؛ أي بل هو قرآنٌ محفوظٌ في لوحٍ، إذا قلنا محفوظٌ في لوحٍ؛ أي من الزيادة والنقصان، وإذا قلنا: ﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ* فِى لَوْحٍۢ مَّحْفُوظٍ﴾ أي اللوح محفوظ من الزيادة والنقصان، وإذا كان محفوظ للقرآن من التبديل والتغيير، إما أن تكون محفوظ صفة للقرآن ﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ﴾ (في لوحٍ محفوظٌ) من التبديل والتغيير، وإذا قلنا: (في لوحٍ محفوظٍ) فمن الزيادة والنقصان، فأحياناً يصورون بعض الخرائط على أفلام صغيرة، يضعونها في أماكن أمينة حتى لو احترقت مثلاً يقول: عندنا صور مايكرو فيلم لكل هذه المصورات، فربنا -عزًّ وجلَّ- هذا الكتاب؛ القرآن الكريم في لوحٍ محفوظ لا يزيد ولا ينقص، ولا يتبدل، ولا يحرّف، ولا يغيّر، ولا أي شيء يطرأ عليه. 

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ (9)﴾

[ سورة الحجر ]

ومن نعمة الله -عزًّ وجلَّ- أنه حفظ لنا كتابنا، وهذا الكتاب حفظ لنا لغتنا، فلا يوجد بالعالم أمة أطفالها الآن يقرؤون في الصف العاشر ما كتبه شعراءٌ قبل ألفٍ وخمسمئة عام بفضل كتاب الله، أما اللغة الإنكليزية ما كتبه شكسبير في عام ألف وستمئة تقريباً الآن يترجم ترجمة إلى اللغة الإنكليزية، هذه اللغة تبدّلت، وتغيَّرت، وتطورت، لكن الله -عزًّ وجلَّ- حفظ القرآن فحفظ لنا لغتنا، مئة مليون إنسان يتكلمون لغة واحدة هذا شيء من فضل الله -عزًّ وجلَّ-، والحمد لله رب العالمين.

موضوع إضافي : فوائد التفاح والفاكهة


تسعة في المئة من هذا السكر سكر بسيط سهل الهضم؛ أي ينتقل من الفم إلى الدم في أقل من عشرين دقيقة، شيء آخر؛ إن التبادل بين الخلايا وبين الأكسجين يسبب ترسب بعض المواد التي تغدو في تراكمها سامة، ماء التفاح يُحِل هذه المواد السامة ويخفف من ظاهرة التسمم التي تصيب كبار السن؛ لذلك التفاح يسهم في إرواء العطش الخلوي، هناك عطش بشري علاجه الماء، وهناك عطش خلوي علاجه الفاكهة، لو إنسان شرب ماء كثيراً وأكل أكلاً ليس فيه فاكهة إطلاقاً، يحس بحالة من التسمم العام يزيلها أحياناً تناول الفاكهة، فالتفاح يزيل العطش الخلوي، وهذا مهم جداً في حل السموم التي تؤذي الجسم البشري، من منا يصدق أن التفاح يقاوم ظاهرة خطيرة في الشيوخ اسمها(التحمض) أي تناول اللحوم والمكسرات دون بذل جهد يسبب تراكم مواد حمضية في الخلايا، هذه المواد الحمضية إذا تراكمت تسبب تعبًا في الجهاز العضلي، التفاح يقاوم ظاهرة التحمض في الجسم، شيء آخر؛ التفاح يُستخدم مضاداً حيوياً لنخر الأسنان، لذلك ينصح أطباء الأسنان بتناول التفاح، ويزيد من نشاط القلب، ويقي عطب الأوعية الدموية، وشيء آخر؛ إن قشرة التفاح المغلي يسبب حلّ الرمال وإدراراً للبول، فالله -عزَّ وجلَّ- خلقه كامل، يخلق فاكهة منظرها جميل وممتع، بعض الأشخاص يضعون على الطاولة صحن فاكهة وهم لا يتمنون الأكل، منظر هذه الفاكهة محبب، والرائحة عطرة، والمادة مغذية ودوائية، شيء آخر في التفاح، التفاح يقاوم الغازات والإمساك أيضاً، والتفاح يوجد فيه مادة تسمى (البكتين) مرممة للجهاز الهضمي، والتفاح مرطب ومسهل ويقي من إلتهابات الأمعاء؛ هذا خلق الله -عزَّ وجلَّ-، لا أحد يتمنى أن يأخذ دواءً الآن، يقول لك: لا أريد، وهذا الدواء، دواء على شكل فاكهة، دواء لو الإنسان تناول كل ما خلقه الله -عزَّ وجلَّ- باعتدال لوقى نفسه الحاجة للدواء، فالله -سبحانه وتعالى- قال: "يا داود؛ ذكِّر عبادي بإنعامي عليهم، فإنَّ النفوس جُبِلت على حبِّ من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها" ، 

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور