وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة القمر - تفسير الآيات 1-8 - الآيات الكونية و التكوينية و القرآنية تدل على الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


 من أشراط الساعة: بعثة النبي الكريم:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأول من سورة القمر. 

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

﴿ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ (1)﴾

[ سورة القمر ]

(السَّاعَةُ) : يوم القيامة، و (اقْتَرَبَتِ) : أي اقترب مجيئها، وقد قال عليه الصّلاة والسّلام:

(( رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ بإصْبَعَيْهِ هَكَذَا -بالوُسْطَى والَّتي تَلِي الإبْهَامَ-: بُعِثْتُ والسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ. ))

[ أخرجه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي   ]

أي أن بعثة النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أحد أشراط الساعة، وقد ذكر النبي -عليه الصّلاة والسّلام- عن أشراط الساعة الشيء الكثير بعضها وقع وبعضها لمَّا يقع.


الإيمان بالله وباليوم الآخر أمر حتمي ؟


أيها الإخوة؛ (ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ) أي أيها العباد هيئوا أنفسكم لهذه الساعة، ويمكن أن نفهم نحن من هذه الآية أن لكلٍ منَّا ساعة قد تأتي قبل يوم القيامة، فالأوْلى أن يستعدَّ الإنسان لساعته؛ ساعة فِراق الدنيا وساعة لقاء ربِّه، أن يستعد لهذه الساعة بمعرفة الله، بمعرفة كتابه، معرفة سنَّة نبيه، بالتوبة، بالعمل الصالح، بالبذل، بالتضحية، كأن يقول إنسان ناصح لطلاب: "اقترب الامتحان" ، فما معنى اقترب الامتحان؟ ينبغي أن نستعدَّ له بالدراسة، بإتقان الدراسة، بالحفظ، باستغلال الوقت، بعدم تضييع الوقت، بالتعمُّق، بالمذاكرة، بالتدريب من أجل أن ننجح في الامتحان، فاقتراب الامتحان أي (ادرسوا)، اقتراب الساعة يوم القيامة أي استعدُّوا لهذا اليوم ، يوم الدين، يوم الدينونة، يوم الجزاء، يوم الحساب، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم الحق، يوم الفصل، يوم أن يأخذ كل ذي حقٍّ حقَّه، يوم أن تنكشف الحقائق، أن تصبح الحقائق واضحة كالشمس، يوم تقع الواقعة:

﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3)﴾

[ سورة الواقعة ]

من لوازم وجود الإله -وهو الحقّ- أن يقيم الحق، أن تُسوَّى كل الحسابات، أن تُؤدَّى كل الحقوق، أن تُدفَع كل الغرامات، أن يُحاسَب الإنسان عن كل أعماله؛ هذا يوم الدين.


الإيمان بالحساب يؤدي للاستقامة: 


أيها الإخوة ذكرت هذا قبل درسين سابقين، فرقٌ كبير بين أن تؤمن بالحساب وبين أن تتوهم العبثية، إن توهَّمت العبثية فلن تستقيم على أمر الله، أما إن آمنت بالحساب فلابدَّ من أن تستقيم، أي الله -عزَّ وجلَّ- كل أسمائه محقَّقةٌ في الدنيا إلا اسم (العَدل) لا تراه واضحاً جليّاً إلا يوم القيامة، فالله سبحانه وتعالى يبدأ الخلق -وقد بدأه - ثم يعيده، لماذا؟ 

﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)﴾

[ سورة طه ]

مرَّة ركبت مع صديقٍ لي في مركبته، وضع صورةً لها وقد التُقِطَت من جهاز الرادار، وأُرسِلَت له إلى البيت؛ أي أنت في التاريخ والساعة والدقيقة، السرعة كانت كذا، وصورة المركبة ولوحتها، هذا الشيء مُسكِت، لا يستطيع أن يقول كلمة ولا حرفًا: لم أكن أو كنت، الوقت والتاريخ، واليوم، والمكان، والسرعة، وصورة المركبة مع لوحتها، فإذا كانت كل أعمالنا عند الله هكذا، كل أعمالنا مسجَّلة بدقائقها، وتفاصيلها، ووقتها، ومكانها، وزمانها، ويوم القيامة تُعرَض علينا. 

﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)﴾

[ سورة الكهف ]

فإذا توهّم الإنسان أن جهازه الهاتفي مراقب فكيف يتكلَّم؟ إذا راقب إنسان إنسانًا، أي مخلوق راقب مخلوقًا فإنه ينضبط أشدَّ الانضباط، فكيف إذا أيقن أن على كتفيه ملكين يسجِّلان عليه كل حركاته وسكناته، وكل أعماله خيرها وشرِّها، صالحها وطالحها؟ فكأن الله -سبحانه وتعالى- حينما قال: (ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ) أي يا عبادي استعدّوا لها، استعدوا لها بالتوبة، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، زِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، ملك الموت تخطَّاكم إلى غيركم وسيتخّطى غيركم إليكم فخذوا حذركم (ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ) ، فإذا أردت أن تفهم الساعة على أنها يوم القيامة وهذا هو الأصل، ولكن الشيء الواقعي القريب منك لكل منَّا ساعته التي لابدَّ منها، قد تأتي قبل يوم القيامة، والزمن يمضي، والإنسان في خسر لأن الزمن يستهلكه، كلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه (ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ) ، وأحياناً الإنسان يشيب شعره، يضعف بصره، يضعف سمعه، تسقط أسنانه، ينحني ظهره، يتألَّم في مفاصله، تضطرب نسب دمه، تزداد الحموض، تزداد المواد الدسمة، فهذه المؤشِّرات تدل على أن الساعة قد اقتربت، يا عبدي لقد اقترب اللقاء فهل أنت مستعد؟

إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ   وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ

[ البوصيري ]

تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ    هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديـعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَـــهُ    إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ

[ الإمام الشافعي ]


أبواب التوبة مفتوحة لكل الناس:


إذاً الآية الكريمة: (ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ) أي استعدّوا لها بالتوبة:

(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد ))

[ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة مرفوعاً ]

والشيء الذي لا يُصدَّق أن الماضي كلَّه يُلغى بثانية. 

(( التَّائبُ من الذَّنبِ كمن لا ذنبَ له ))

[ أخرجه ابن ماجه، والطبراني عن عبد الله بن مسعود ]

إذا ذهب الإنسان إلى بيت الله الحرام تائباً منيباً مخلصاً عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه، إذا جاءه رمضان وصام صوماً صحيحاً، صام نهاره وقام ليله وعبد ربَّه خرج من رمضان كيوم ولدته أمَّه وأعتقه الله من النار، إذا تاب العبد، إذا صام العبد، إذا حجَّ العبد، إذا صلَّى الإنسان الجمعة وتاب في أثنائها كفَّر الله له كل السيئات التي كانت قبلها، أبواب التوبة مفتَّحةٌ على مصارعها، والله -سبحانه وتعالى- يريدنا أن نتوب، والدليل:

﴿ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا (27)﴾

[ سورة النساء ]

وما فتح لكم باب التوبة إلا ليتوب عليكم، ما فتح لكم باب الاستغفار إلا ليغفر لكم، ما فتح لكم باب الدعاء إلا ليستجيب لكم، قال لكم:

﴿ وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِين (60)﴾

[ سورة غافر  ]

استغفروني أغفر لكم، توبوا إلي أتب عليكم، فماذا بقي؟! هذا معنى: (ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ)  

كأن تقول لطالبٍ في نهاية العام الدراسي: اقترب الامتحان، أي اذهب إلى النزهات؟ أو نم إلى منتصف النهار؟ أو تسلى بأشياء سخيفة؟ هل يُعقَل هذا؟! ماذا نقصد من قولنا لطالبٍ على وشك الامتحان: اقترب الامتحان؟ أي انتبه، استنفر، شَمِّر، اكسب وقتك، إياك أن تضيع وقتك؛ هذا معنى (ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ) فالساعة يوم القيامة، والساعة ساعتنا كلُّنا، ساعتنا ساعة مغادرة الدنيا. 


معجزات الله في الكون والإنسان:


(وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ) الله -عزَّ وجلَّ- كما ورد في سورة الإسراء في قوله تعالى، الله -جلَّ جلاله- ذكر في هذه السورة الكريمة حديثاً:

﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍۢ فَأَبَىٰٓ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلْأَرْضِ يَنۢبُوعًا(90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍۢ وَعِنَبٍۢ فَتُفَجِّرَ ٱلْأَنْهَٰرَ خِلَٰلَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةِ قَبِيلًا(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَٰبًا نَّقْرَؤُهُۥ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا (93)﴾

[ سورة الإسراء ]

أي أن كفَّار قريش طالبوا النبي بمعجزاتٍ حسِّية، وهذه الآيات التي تلوتها عليكم تؤكِّد هذه الحقيقة، طالبوه بمعجزاتٍ حسّية، وغاب عنهم أن القمر أعظم من انشقاقه، وأن الشمس أعظم من انطماسها، وأن نظام الكون على ما هو عليه أعظم من خرقه، ولكن الكافر يتعنَّت، لكن الكافر يطلب مالا يوصله إلى الحقيقة، وقد ورد في الأثر: "أن حسبكم الكون معجزة"؛ الكون وحده، أي ابنك الذي أمامك كيف خُلِّق من نطفةٍ لا تُرى بالعين؟! الخمسمئة مليون نطفة تشكِّل اثنين سنتيمتر مكعَّب، أو سنتيمتراً مكعَّبًا، والطفل خُلِّق من نطفةٍ واحدة لقَّحت بويضةً، وانقسمت إلى عشرة آلاف قسم، تشكلَّ الدماغ، مئة وأربعون مليار خلية استنادية لم تُعرَف وظيفتها بعد، أربع عشرة مليار خلية سمراء فيها النشاط الفكري والمحاكمة والتصور والتذكُّر، أعصاب لا يعلم عددها إلا الله، مئة وخمسون ألف كم من الأوعية الدموية في جسم الإنسان، ثلاثمئة ألف شعرة ولكل شعرة وريدٌ، وشريانُ، وعصبٌ، وعضلةٌ، وغدَّةٌ دهنيةٌ، وغدَّةٌ صبغيةٌ، مئة وثلاثون مليون عصيَّة ومخروط في شبكية العين لالتقاط الصور، القلب يضخ ثمانية أمتار مكعَّبة في اليوم الواحد، والأسرة قد تستهلك في السنة بأكملها مترًا مكعبًا وقوداً سائلاً، أما القلب في اليوم الواحد يضخ ثمانية أمتار مكعبة دون كللٍ ولا مللٍ بدسَّامات، ببُطينين، بأُذينين، بشريان أبهر، والشرايين قلوب، الشريان مرن يأخذ دور القلب فإذا نبض القلب اتسع الشريان، لأنه مرن إذا عاد إلى وضعه الطبيعي ضخَّ الدم بالتالي، فكل شريانٍ مضخَّةٌ تعين القلب، وحينما تتصلَّب الشرايين يتعب القلب، وقد قالوا: عمر الإنسان من عمر شرايينه، واكتشفوا الآن أن زيت الزيتون وحده هو الذي يقي من تصلُّب الشرايين، فالإنسان بوضعه الراهن بعضلاته، بأعضائه، بعظامه، بأعصابه، بجهاز الدوران، بجهاز الهضم، بجهاز التصفية والإخراج، الإنسان وحده معجزة، التفَّاحة معجزة، القمح معجزة، نزول هذه الأمطار معجزة، هل يوجد عندنا شيء يتحرَّك بلا صوت، بربكم طائرة تحمل خمسمئة راكب تملأ الدنيا ضجيجاً!

﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ۚ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾

[ سورة النمل ]

بلا صوت (صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ) ، فالحقيقة الإنسان إذا نما عقله يرى أن كل شيءٍ في الكون يدّل على الله، يدل على وجوده، يدل على وحدانيته، يدل على كماله، أما الذين يطلبون خرق النواميس فهؤلاء ما عرفوا حقيقة الكون، ولو عرفوها لذابوا إعظاماً لله -عزَّ وجلَّ-، لا على خرقه للنواميس بل على خلقه المتقن وصنعته المتقنة: (صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ)

﴿ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٍۢ ۖ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍۢ(3) ثُمَّ ٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)﴾

[ سورة الملك ]


حقيقة انشقاق القمر:


(ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ) كلمة (ٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ) العلماء فسَّروها تفسيرات عديدة، منهم من قال: "القمر انشق حقيقةً مرَّتين في عهد النبي، وانشقاق القمر من معجزاته الحسّية" ، إذْا علَّق كفَّار مكة إيمانهم على آيةٍ حسيّة فقد جاءت هذه الآية الحسيّة وانشقَّ القمر، وبعضهم قال: "اقتربت الساعة واقترب انشقاق القمر" ، واقتربت الساعة تُشْبِهُها آيةٌ كريمة:

﴿ أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)﴾

[ سورة النحل ]

معنى هذا أنه لم يأت، ولكن الإله إذا قرَّر شيئاً فكأنه وقع.

﴿ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُۥ فَقَدْ عَلِمْتَهُۥ ۚ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَآ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَآ أَمَرْتَنِى بِهِۦٓ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ (117)﴾

[ سورة المائدة ]

هذا الشيء لم يقع بعد، فلماذا عبَّر الله عنه بالفعل الماضي؟ قالوا: هذا الماضي الذي عبَّر الله به عن المستقبل لتحقُّق الوقوع، والإنسان مهما كان قوياً، ومهما كان متمكِّناً فإنه يقول لك: سأفعل كذا بعد أسبوع، قد يموت قبل أن يفعل، لا توجد جهة في الكون تستطيع أن تجزم بفعل شيءٍ قبل وقوعه إلا الله، ولذلك ربّنا وحده إن عبَّر عن المستقبل يستخدم الفعل الماضي (وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ) (أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ) لم يأتِ بعد، والدليل: (فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، فالله -جلَّ جلاله- إذا وعد بشيء وقع.

﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ (82)﴾

[ سورة يس ]

فإما أن نفهم الآية على أن القمر انشقَّ حقيقةً، وهو من المعجزات الحسيّة للنبي-عليه الصلاة والسلام- كما قال كفَّار قريش: يجب أن تأتينا بالملائكة قبيلاً، أن تفجر الأرض ينبوعاً.. إلخ، فكانت هذه الآية إجابةً لطلبهم كي يؤمنوا، وبعضهم قال: انشقاق القمر لم يقع بعد لقوله تعالى:

﴿ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ (37)﴾

[ سورة الرحمن  ]

والقمر من السماء، فإما أن نعتقد أن القمر لم ينشقَّ بعدُ، وإما أن نعتقد كما قال بعض المفسِّرين: إنه انشق، على كلٍّ العبرة فيما يلي:

﴿ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ(1) وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2)﴾


انغماس الكفار في شهواتهم وعدم إصغائهم إلى الحق:


طبعاً هؤلاء الكفَّار الذين انغمسوا في شهواتهم إلى قمَّة رؤوسهم، وأرادوا الدنيا، أرادوا مالها، أرادوا نساءها، أرادوا زينتها، أرادوا مباهجها، أرادوا متعَها الرخيصة، هؤلاء لا يستطيعون أن يصغوا إلى الحق لأنهم إن أصغوا إليه قيّدهم وألجمهم وحدَّد حركتهم، فالذين ينغمسون في ملذَّاتهم إلى قمَّة رؤوسهم فهؤلاء الذين يردّون الحق، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ. ))

[ أخرجه مسلم عن عبد الله بن مسعود ]

بطر الحقِّ: ردُّ الحق، تأتيه آيةٌ كالشمس في رابعة النهار، يركب رأسه وينكرها، يأتي زلزال واضح جداً فيقول لك: اضطرابٌ في القشرة الأرضية، لا يقبل أن تُفسَّر الأشياء تفسيراً سماوياً، لا يقبل إلا التفسير الأرضي:

﴿ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)﴾

[ سورة الزمر  ]

أما إذا فسَّرت الأمور تفسيرًا أرضيًا شركيًا يقبلونه.


الآيات الكونية و التكوينية و القرآنية تدل على الله-عزَّ وجلَّ-:


إذاً: (وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً) آيةً كونيةً، وما أكثر الآيات الكونية! فالله -عزَّ وجلَّ- ونحن تحت سمعنا وبصرنا نرى بلاداً أصابها الجفاف سنواتٍ عِجافاً أكلت الأخضر واليابس، نرى بلاداً أصابتها أعاصير دمَّرت كل شيء، نرى بلاداً أُهلِكَت بالفيضانات، نرى بلاداً أُهلِكَت بحروبٍ أهلية، الله -جلَّ جلاله- يقول:

﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)﴾

[ سورة النحل ]

شيء مخيف، فالآيات تترى، الآيات بين أيدينا نصغي إليها صباحاً ومساءً؛ مركبةٌ فضائية سمَّوها (المتحدّي) احترقت بعد سبعين ثانية وعليها سبعة روَّاد فضاء بينهم امرأة، يتحدّون من؟! أحياناً تُوضع الثقة كلّها بشيءٍ فيأتي إعصارٌ يدمّره، يأتي زلزالٌ يهدمه؛ هذه آيات، والذي فعله الله بالأقوام السابقة آيات، هناك آياتٌ كونية، الشمس والقمر آيتان، الليل والنهار آيتان، السماوات والأرض آياتٌ تدل على عظمة الله -عزَّ وجلَّ-، خلق الإنسان آية، طعامه آية، شرابه آية، الأسماك آية ، الأطيار آية ، الهواء آية، الماء آية ، هذه آياته الكونية تدل عليه، وكتابه آياتٌ قرآنية، وأفعاله آياتٌ تكوينية، فأنت بين آياتٍ ثلاث: بين آياته الكونية، وآياته التكوينية، وآياته القرآنية، الكون خلْقه، والقرآن كلامه، والأحداث أفعاله، وكل هذا يدلّ عليه.

 (وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ) سُحِرنا، (مُّسْتَمِرٌّ) فيه معانٍ ثلاثة، مستمر: محكم، سحر متقن، و(مُّسْتَمِرٌّ)   سحر دائم، فكثيراً ما يأتي الناس بمثل هذه الأقوال: سحر دائم، أو سحر ذاهب لا قيمة له وسوف ينقضي، إما أنه ذاهب، أو أنه مستمر، أو أنه محكم، (وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) كالنعامة تماماً حينما تواجه الحقيقة تغرس رأسها في الرمل وتتوهَّم الحمقاء أنها نجت، لكنها لم تنجُ، أن تغمس النعامة رأسها في الرمل متوهِّمةً أنها ناجيةٌ من الخطر القريب منها هو منتهى الحمق والغباء، لذلك فبعض الكفَّار كالنعامة يغرسون رؤوسهم في الرمال ويتعامون عن الحقائق الدينية الباهرة على توهّم أنهم سينجون، والنقطة الدقيقة جداً التي أُلِحُّ عليها في هذه المناسبة أنه إذ لم تؤمن بقانون فلا تمنع وقوعه، فقانون السقوط إن لم تعبأ به ونزلت من طائرةٍ بلا مظلَّة فلا تنجو من أن تقع مكسَّر الأضلاع؛ لأنه قائم وواقع آمنت به أو لم تؤمن، قدَّسته أو لم تقدِّسه، قَبِلْتَهُ أو لم تقبله القانون واقع، سنَّة الله ساريةٌ في عباده التفتوا إليها أو لم يلتفتوا، أيقنوا أو لم يوقنوا، لا يمنعك من الله إلا أن تكون على منهجه في أمره ونهيه.


العلاقة الترابطية بين التكذيب والهوى، وبين إضاعة الصلاة واتباع الشهوات:  


﴿وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرٌّ(3)﴾

[ سورة القمر ]

دقِّقوا: (وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهْوَآءَهُمْ) لماذا كذَّبوا؟ لأنهم اتبعوا أهواءهم، لماذا اتبعوا أهواءهم؟ لأنهم كذَّبوا، ماذا نقول في العلاقة بين الكلمتين؟ نقول هناك علاقةٌ ترابطية، فالإنسان حينما يكذِّب بالآخرة الشيء الطبيعي جداً أن يتبع هواه مادام لا توجد آخرة، ولا حساب، ولا مسؤولية، والقضية عبث، والإنسان يُترَك سُدى، والخلق خَلْق عبث أي لا غاية له، لو آمنت هكذا ينبغي أن تتبِع الهوى هذا الشيء الطبيعي، أما إذا آمنت أن الإنسان لن يُترَك سدى، وأن الله -سبحانه وتعالى- لم يخلقنا عبثاً، وأننا سوف نُسأل وسنحاسَب، وسوف يُقتصُّ منَّا واحداً واحداً، وسوف تسوَّى الحسابات، وتؤخذ الظلمَات، ويدفع الثمن أصحابها غاليًا عندئذٍ يستقيم على أمر الله (وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهْوَآءَهُمْ) هذا المعنى تؤكِّده آيةٌ أخرى، الله -عزَّ وجلَّ- قال:

﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚوَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ (55)﴾

[ سورة النور  ]

قد يسأل سائل ما الوضع؟ نحن أين موقعنا من هذه الآية؟ موقعنا هو قوله تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾

[ سورة مريم ]

لماذا أضاعوا الصلاة؟ لأنهم اتبعوا الشهوات، لماذا اتبعوا الشهوات؟ لأنهم أضاعوا الصلاة، علاقةٌ ترابطية بين إضاعة الصلاة واتباع الشهوات، وكذلك هذه علاقة ترابطية (وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهْوَآءَهُمْ) ، آيةٌ ثالثة:

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (50)﴾

[ سورة القصص ]

أما الآية الدقيقة (كُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرٌّ) الأمور تستقرُّ على الصحيح، أي الباغي عليه تدور الدوائر، والمُخادِع يخدع نفسه، والذي يمكر ما يمكر إلا بنفسه، والذي يستهزئ يستهزئ بنفسه، فالإنسان مهما تحرَّك الأمور تستقر على الحق، تصوّر كرة وألصق في مكان من جدارها الداخلي قطعة رصاص ودحرجها لا تستقر إلا والرصاص على الأرض، (كُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرٌّ) الاستقرار على الحق، أي الله -عزَّ وجلَّ- يدمِّر الظالم، ينصر المستقيم، يرفع مكانة الأمين، يفضح الخائن، يدعم الصادق، يفضح الكاذب (وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرّ)


سنة الله في خلقه:


(البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل كما شئت، كما تدين تدان) 

لأن الله موجود، ولأن الأمر كله بيده، ولأنه الفعَّال لما يريد، ولأنه القاهر فوق عباده، ولأنه على كل شيءٍ وكيل فالبرُّ لا يُبلى، والذنب لا يُنسى، والديَّان لا يموت، المستقيم له معاملة، مستقيم له مصير رسمه الله له، يوجد تأييد ونصر وحفظ، المنحرف له معاملة، ينكشف انحرافه ويلقى جزاء عمله، والغاشّ للمسلمين له معاملة، يفضحه الله ويخسر المال الذي جمعه من غِشِّه، يفضحه الله على رؤوس الخلق ويخسر المال بل أضعاف المال الذي جمعه من الغِشّ، والنصوح يرفع الله اسمه ويدعم عمله (كُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرٌّ) ، الرحيم يتجلّى الله -عزَّ وجلَّ- على قلبه: 

(( الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ ، ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ... ))

[ أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد عن عبد الله بن عمرو  ]

فكل أمرٍ مستقر، الغشاش يُكشَف غشّه، المنافق يُكشَف نفاقه، المُحتال يُكشَف احتياله، الأمور لا تستمر على وضعها غير الصحيح؛ هذه سنَّة الله في خلقه، إنسان يحتال على الناس لابدّ من أن يفضحه الله، إنسان يكذب لابدَّ من أن يُكشَف كذبه، الأمور لا تستقر فالحائط لا يستقر إلا إذا بُني على شاقول، فإذا بني من دون شاقول أصبح مائلاً لابدَّ من أن يقع، ووقوع البناء دليل أنه لم يكن صحيحاً، ثبات البناء دليل أنه بني صحيحاً (كُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرٌّ) ، زوجان بَنَيا زواجهما على طاعة الله هذا الزواج يستقر ويتنامى، زوجان بنيا زواجهما على معصية الله هذا الزواج يتصدَّع وينهار(كُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرٌّ)

يوجد معنى آخر لهذه الآية: الأمور التي يفعلها الله -عزَّ وجلَّ- مبنيةٌ على علم، استقرار الشيء دليل إتقان صنعته، أحياناً تكون الطاولة قد صُنِعَت بشكلٍ سريع غير متقن، غير مستقرَّة تتحرَّك، أما إذا كانت مستقرَّة فمعنى هذا أنها متماسكة، ومتوازنة، ومدروسة، فالاستقرار معناه إتقان الصنعة، وكل أمرٍ خلقه الله -عزَّ وجلَّ- مستقرٌّ على علمٍ، وعلى حكمةٍ، وعلى عدلٍ، وعلى رحمةٍ، وعلى عدالةٍ؛ وهذا المعنى الثاني.


قصص الأقوام السابقة زجر للمنحرفين:


﴿ وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَكُلُّ أَمْرٍۢ مُّسْتَقِرٌّ(3) وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلْأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)﴾

[ سورة القمر ]

هذا كتاب الله فيه قصص الأقوام السابقين؛ قوم عادٍ وثمود، وقوم تبَّع، وأصحاب الأيكة، وقوم نوح، وقوم لوط، وقوم إبراهيم كيف أنهم كذَّبوا فأهلكهم الله -عزَّ وجلَّ-، هؤلاء.

﴿ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(3) أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍۢ (5) يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ(6)﴾

[ سورة المطففين ]

هؤلاء يحاسَبون، فالقرآن فيه قصص الأقوام السابقة، أليست هذه مزدجراً للمنحرفين؟ في القرآن الكريم آياتٌ كثيرة. 

﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)﴾

[ سورة النحل ]

أليست هذه الأنباء كافيةً كي تزجر المنحرفين؟ إن في قصص الأنبياء السابقين، أو أقوامهم المكذّبين، أو في آيات الحلال والحرام، والحقّ والباطل، والخير والشر، أو في مشاهد يوم القيامة وما يتعذَّب فيه الكفَّار في النار، وما يتنعَّم فيه المؤمنون في الجنة.


عدم نفع النذر عند تعطيل العقل:


(وَلَقَدْ جَآءَهُم) في هذا الكتاب (مِنَ ٱلْأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ومع ذلك لم يزدجروا، قد يأتيك طبيب بإحصاءات مذهلة أن نسب الذين يصابون بأمراض القلب من بين المدخّنين عشرة أمثال، طبيبٌ جرَّاح قلبٍ قال لي بالحرف الواحد: والله أنا أجري عمليات قلب مفتوح منذ سبع سنوات في هذه البلدة، وما دخل إلى غرفة العمليات مريضٌ واحد إلا وهو يدخِّن، تعطيه أمثلة، تعطيه شواهد، تعطيه أدلَّة، وأقوال، وورماً خبيثاً في الرئة، بالحنجرة، باللسان، احتمال الغرغرين.. مرض موات، تصلُّب الشرايين، ضعف القلب وتسرُّعه، الجلطة، تعطيه الأدلَّة الكافية ومع ذلك يدخِّن، الأمر عجيب:

﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلْأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ(4) حِكْمَةٌۢ بَٰلِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ (5)﴾

[ سورة القمر ]

فالإنسان إذا عطَّل عقله فالنذُر لا تنفعه.


بواعث الإنسان: 


الإنسان له باعثان: باعث العقل، أو باعث الشهوة، إن استجاب لباعث الشهوة فإنه يمشي في طريق الهلاك، أما إذا استجاب لباعث العقل فهو في طريق النجاة، إن استجاب لباعث إرضاء الله فهو في طريق السعادة، أما إذا استجاب لباعث إرضاء الذَّات فهو في طريق الشقاء، إن استجاب لباعث العمل للآخرة كسِبَ الدنيا والآخرة، إن استجاب لباعث العمل للدنيا خسِر الدنيا والآخرة، فيوجد باعثان وليس هناك باعثٌ ثالث؛ حتميّة الباعثين.

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ (50)﴾

[ سورة القصص ]

لذلك: (وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلْأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) الإنسان أحياناً يجب أن يقف موقفًا جريئًا، هذا كلام الله؟! هل عندك شك؟ لا، فالله -عزَّ وجلَّ- يَعِد العصاة بالنار، فما موقفك؟ هل أنت مصدِّقٌ لهذا الوعيد أم لست مصدِّقاً له؟ طبيبٌ إذا منعك من أكلةً تحبُّها تمتنع عنها، أكلة تحبها جداً، أيكون وعيد الطبيب أشدَّ من وعيد الله؟! أتصدِّق الطبيب دون أن تصدِّق الله -عزَّ وجلَّ-؟! الإنسان حينما يعصي الله محاصر، وموضوع في زاوية ضيّقة، متَّهم بالغباء، متهم بالكُفْرَان.


الإنسان مخيّر لمعرفة الله:


(وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلْأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌۢ بَٰلِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ) أي أن الإنسان إن لم يتخذ قراراً بمعرفة الله وطلب الحقيقة من أعماق أعماقه فلا ينفعه شيء، لو أنَّ الآيات حوله من كل جانب، لو أنَّ الأحداث كلَّها تؤكِّد حقيقة الدين فلا ينتفع بها، فإذا أراد أن يعرف الله فإن كل شيءٍ في الكون يدلُّ على الله، كونه، وأفعاله، وكلامه. 

(حِكْمَةٌۢ بَٰلِغَةٌ) أن الإنسان مخيّر، وإذا أراد أن يهتدي تعرَّف إلى الله من خلال عقله، أومن فطرته، أو من الأحداث التي حوله، أو من خلال كتابه، أما إذا أراد أن يتَّبع شهوته فلو أنَّ الأمور كلها تنطق بحقائق الدين ما استمع إليها. 

﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلْأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ(4) حِكْمَةٌۢ بَٰلِغَةٌ ۖ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ۘ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْءٍۢ نُّكُرٍ(6)﴾

[ سورة القمر ]

دعهم لي-هذا كلام فيه تهديد- دعهم يا محمد لقد أصمَّوا آذانهم، حبهم للدنيا أعماهم وأصمَّهم، دعهم لي، إن لم يستجيبوا لك (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) ليومٍ عسير:

﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ۘ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْءٍۢ نُّكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ ۖ يَقُولُ ٱلْكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)﴾

[ سورة القمر ]


خيارنا مع الإيمان خيار وقت فقط:


إخوانا الكرام؛ حقيقة خطيرة جداً، أنت خيارك مع الإيمان خيار وقت، دقّقوا فيما سأقول: إن لم تؤمن الآن وأنت صحيحٌ، قويٌ، شابٌ، غنيٌ، حي، هذا أخذته من قول النبي الكريم: 

(( اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ . ))

[ أخرجه ابن أبي الدنيا، و الحاكم، و البيهقي عن عبد الله بن عباس  ]

فإن لم تؤمن وأنت شاب، صحيح، غني، فارغ، حَيّ فلابدَّ من أن تؤمن بعد فوات الأوان، فرعون قال:

﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ (90)﴾

[ سورة يونس ]

 قيل له:

﴿ ءَآلْـَٰٔنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ(91)﴾

[ سورة يونس ]

ما نَفْعُ إيمانك الآن؟ فنحن مع الإيمان ليس خيارنا خيار قبول أو رفض، بل خيار وقت فقط، ذكرت هذا في الأسبوع الماضي أن الفرق بين المصاب بالإيدز والحامل لهذا الفيروس ليس فرقاً في النوع لكنه فرقٌ في الوقت فقط، المصاب ظهرت عليه أعراض الإيدز المرعبة، وأما الحامل أعراض الإيدز المرعبة في طريقها إلى الظهور لم تظهر بعد، فقضية وقت بينهما، ليس هناك فرقٌ نوعي بل فرق زمن، ونحن إن لم نؤمن فلابدَّ من أن نؤمن، جميع الحقائق التي يعرضها القرآن الكريم سوف ترونها رأي العين عند مغادرة الحياة.

﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ (99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّآ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[ سورة المؤمنون ]

غير الذي كنت أعمل، غير الذي كنَّا نعمل.

﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَٰلِحًا غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ ۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37)﴾

[ سورة فاطر  ]

يوجد نذير.

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى ۗ وَكَانَ ٱلشَّيْطَٰنُ لِلْإِنسَٰنِ خَذُولًا (29)﴾

[ سورة الفرقان ]


أهوال يوم القيامة:


(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ)   كلمة مخيفة جداً، أي إن لم يستجيبوا لك يا محمد دعهم لي، دعهم ليومٍ تشيب فيه الولدان، دعهم ليومٍ لا يُنْسَى؛ ليوم الهول الأعظم، قال عليه الصلاة والسلام:

(( يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، النِّساءُ والرِّجالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ! قالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا عائِشَةُ، الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ. ))

[ أخرجه البخاري، ومسلم عن عائشة أم المؤمنين   ]

أي غير مُطهَّرين، فقالت: يا رسول الله هكذا يرى بعضنا بعضاً بلا ثياب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (يا عائِشَةُ، الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ)   لشدَّة الهول لا يعنيهم ذلك، أحياناً تقول الأم لابنها وقد وقعت عينها على عينه يوم القيامة، تقول: "يا ولدي لقد كان بطني لك وعاءً، وصدري سقاءً، وحجري وطاءً، فهل من حسنةٍ يعود عليَّ خيرها اليوم؟ قال: ليتني أستطيع ذلك يا أماه إنني أشكو مما أنتِ منه تشكين" ؛ هذا يوم القيامة، كل شيء فعله الإنسان سيُحاسَب عليه، فإذا لم تستجب الآن ونحن أصحَّاء، أشدَّاء، أحياء، وعندنا وقت فراغ، إن لم نستجب الآن يقول الله لنبيّه: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ۘ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْءٍۢ نُّكُرٍ*خُشَّعًا أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ* مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ ۖ يَقُولُ ٱلْكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ)

﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ(8) فَذَٰلِكَ يَوْمَئِذٍۢ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ(10)﴾

[  سورة المدثر ]

دقِّقوا أيها الإخوة؛ توبوا إلى الله قبل فوات الأوان، اصطلحوا مع الله قبل أن يأتي يومٌ لا نستطيع ذلك، عالجوا أنفسكم، حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، هذه الآيات أيها الإخوة في درسٍ قادمٍ إن شاء الله نتابع تفسيرها مبتدئين بقوله تعالى:

﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍۢ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ (9)﴾

[ سورة القمر ]

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور