- محفوظات
- /
- ٠11محاضرات
كلمتي في مسجد الفاتح في إسطنبول في ذكرى المولد النبوي الشريف وبحضور ثلة كبيرة من العلماء الأتراك والعلماء العرب والعلماء السوريين وطلاب العلم السوريين ذكور وإناثًا في تاريخ : ٢١ / ١١ / ١٣ / م
محمد راتب النابلسي
يا سيدي يا رسول الله :
أيها الإخوة الكرام … الكلمات إذا تعددت تنوعت ، وسأجعل مسار كلمتي في هذا اللقاء الطيب خطاباً موجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
فيا سيدي يا رسول الله ، تُطلّ علينا اليوم الله ذكرى مولدِك الشريف ونحن في أمسِّ الحاجة إلى هديك الرباني ، الذي لا تزيده الأيام إلا رسوخاً وشموخاً ونحن في أمسِّ الحاجة إلى سُنتك المطهرة التي هي المَنهجُ القويم ، والصراطُ المستقيم ، والتي لا تزيدها الأيام إلا تألقاً وعَبقــــــاً ، ونحن في أمسّ الحاجة إلى أخلاقك العظمى ، التي لا يزيدها التأمل والتحليل إلا عُلّواً وشروقاْ ، لقد أَلّفت القلوب بكمالك ، وأُلفتِ الكتب بأقوالك .
يا سيدي يا رسول الله يا من جئت الحياة ، فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، ما من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك .
يا سيدي يا رسول الله …
لقد زكى الله عقلك فقال :
﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾
وزكى لسانك فقال :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ﴾
وزكى شرعك فقال :
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
وزكى جليسك فقال :
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾
وزكى فؤادك فقال :
﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾
وزكى بصرك فقال :
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾
وزكاك كلّك فقال :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
لقد أقسم الله بعمرك الثمين فقال :
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
وجعل اللهُ جل جلاله العبوديةَ له أعلى مرتبةٍ ينالها إنسان على وجه الأرض ، فقال تعالى :
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)﴾
الحق أنت وأنت إشراق الهدى
ولك الكتاب الخالد الصفحاتِ
من يقصِدِ الدنيا بغيرِك يلْقَهـــا
تيهاً من الأهوال والظلمـــات
هذه بعض أخلاقك العظيمة :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
يا سيدي يا رسول الله ، يوم كنت طفلاً عزفت عن لهو الأطفال وعن ملاعبهم ، وعن أسمارهم ، وكنت تقول لأترابك ، إذا دعوك إلى اللهو : أنا لم أخلق لهذا .
ويوم جاءتك رسالة الهدى ، وحُمِّلت أمانة التبليغ ، قلت لزوجتك ، وقد دعتك إلى أخذ قسط من الراحة :
(( انقضى عهد النوم يا خديجة ))
ويوم فتحت مكة التي آذتــك وأخرجتك وكادت لك ، وائتمرت على قتلك وقد ملَأتْ راياتُك الأفُقَ ظافرةً عزيزة ، قلت لخصومك الذين أصبحت حياتهم معلقةً بكلمة تخرج من فمك :
(( اذهبوا فأنتم الطلقاء ))
ويوم دانت لك الجزيرة العربية ، من أقصاها إلى أقصاها ، وجاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، صعِدت المنبر ، واستقبلت الناس باكياً وقلت لهم :
(( من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتَد منه ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليشتمْه ، ولا يخشى الشحناء فإنها ليست من شأني ولا من طبيعتي ))
يا سيدي يا رسول الله : كنت تصلي في أصحابك صلاة الفجر ، وعلى غير عادة منك ، أنهيت صلاتك على عجل ، وأنت في قمة الغبطة والنشوة مع ربك ، لا لشيء ذي بال ، بل لأنك سمعت بكاء طفل رضيع ، ينادي أمه ببكائه ، وكانت أمه تصلي خلفك في المسجد ، لقد أنهيت صلاتك على عجل رحمة بهذا الرضيع .
يا سيدي يا رسول : الله لقد كنت ترتجف ، حين تبصر دابة تحمل على ظهرها أكثر مما تطيق ، وقلت مرة لصاحب ناقة هزيلة : ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فقد شكت إليّ أنك تُجيعها وتدئبها .
لقد كنت تجمع لأصحابك الحطب في بعض أسفارهم ليستوقدوه ناراً تُنضج لهم الطعام ، فقالوا نحن نكفيك ذلك يا رسول الله فقلتَ لهم : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً أقرانه .
وفي بعض الغزوات كان الأصحاب ألفاً ، والرواحل ثلاثمئـــــــــة فقلت وأنت رسول الله ، ونبي هذه الأمة وسيدها وزعيمها وقائدها : كل ثلاثة على راحلة ، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ، فسويت نفسك مع أقل جندي في هذا الجيش وركبت الناقة … ولما جاء دورك في المشي توسلا صاحباك أن تبقى راكباً ، فقلت لهم : ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر .
حقاً يا سيدي يا رسول الله ؛ لقد كنت أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً ، وأجود الناس عطاءً ، وأصدقهم لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عُشرةً ، لقد صدق ملِك عُمان حينما قال بعد أن التقى بك : والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له ، وأنه يَغلِب فلا يبْطَر ، ويُغلب فلا يضْجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد .
يا سيدي يا رسول الله … لقد رأى أصحابك رأي العين كل فضائلك ومزاياك ، رأوا طهرك وعفافك ، رأوا أمانتك واستقامتك ، رأوا شجاعتك وثباتك ، رأوا سُمّوك وحنانك ، رأوا عقلك وبيانك ، رأوا كمالك ورحمتك ، فكنت كالشمس تتألق في رابعة النهـــــــارْ .
عنايته صلى الله عليه وسلم بأصحابه .
فمن عنايتك بأصحابك ، وتواضعك لهم أنك دخلتَ بعض بيوتك ، فدخل عليك بعض أصحابك ، حتى غُص بهم المجلس وامتلأ، فجاء جَرير البُجلي ، فلم يجد مكاناً فقعد على الباب فنزعتَ رداءك وألقيته إليه ، فأخذه جرير ووضعه على وجهه وجعل يقبله ويبكي وأعاده إليك وقال لك يا رسول الله : ما كنت لأجلس على ثوبك ، أكرمك الله كما أكرمتني ، فنظرت إلى من حولك يميناً وشِمالاً ، فقلت :
(( إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ ))
وعن عدي بن حاتم قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فألقى إليّ وسادة من أدم محشوة ليفاً ، فقال : اجلس عليها ، قلت : بل أنت ، قال : بل أنت ، فقال عدي : فجلست عليها ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض ، فقلت أشهد أنك لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً ، وأسلم عدي بن حاتم .
وروى البيهقي في الدلائل أنه وَفَد وفْدُ النجاشي على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخدمهم بنفسه ، فقال له أصحابه : يا رسول الله نحن نكفيك القيام بضيافتهم ، وإكرامهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين ، وأنا أحب أن أكافئهم بنفسي .
ومن عدله صلى الله عليه وسلم .
ما رواه الإمام البخاري عن عَائِشَةَ :
(( أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ : وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ ص فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ؟ ثُمَّ قَامَ فَخْطَبَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَـرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرق فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ؛ وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا ))
ومن صبره صلى الله عليه وسلم .
ما رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
(( لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ مثلي وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ مثلي ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا مَا وَارَى إِبِطُ بِلَالٍ ))
ومن شجاعته صلى الله عليه وسلم .
ما قاله سيدنا علي رضي الله عنه : كنا أي معشرَ الصحابة ، إذا حمي البأس ، واحمرت الحِدَق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدو منه .
ومن خشيته صلى الله عليه وسلم .
أنه غضب صلى الله عليه وسلم ذات مرة من صغير، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِـيَ الله عَنْهَا قَالَتْ : دَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَصِيفَةً لَهُ فَأَبْطَأَتْ ، فَقَالَ :
(( لولا مَخَافَةَ القصاص يَوْمَ الْقِيَامَةِ لأَوْجَعْتُكِ بِهَذَا السِّوَاكِ ))
ومن هيبته صلى الله عليه وسلم .
أنه كان صلى الله عليه وسلم فخماً مفخماً، يتلألأ وجهه تلألؤَ القمر ليلة البدر، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه أحبه ، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ :
(( أَتَى النَّبِيََََََّ ص رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ ، فَقَالَ لَهُ : هَوِّنْ عَلَيْكَ ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ))
ومن حيائه صلى الله عليه وسلم .
كان أعظم الناس حياءً ، لأنه أعظمهم إيماناً ، عَن ابْنِ عُمَرَ :
(( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ : دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيْمَان ))
فكان أشد حياءً من العذراء في خدرها وقد بلغ من حيائه أنه لا يواجه أحداً بما يكره ، ورحم الله من قال في مدح خير الأنام :
يا من له الأخلاق ما تهوى العُلا
منها وما يتعشق الكبـــراء
فإذا سخوت بلغت بالجود المـدى
وفعلت ما لا تفعــل الأنـواء
وإذا عفوت فقادراً ومقــدّراً
لا يستهين بعفوك الجُهـــــــــلاء
وإذا رحمت فأنــت أم أو أب
هذان في الدنيا هـما الرحمــاء
وإذا غضبت فإنما هي غضبة
في الحق لا ضِغـن ولا بغضــاء
وإذا خطبت فللمنابر هِــزةٌ
تعرو النـديَّ و للقلوب بكـــــــــــاء
يا أيها الأميُّ حسبك رتبــــــةً
في العلم أن دانت لـك العلمــاء
ومن عفوه صلى الله عليه وسلم .
عفوه عن سفانة بنت حاتم طيّ ، فقد عُرض الأسرى على النبي ص عقب بعض الغزوات ، فوقفت امرأة أسيرة فقالت : يا رسول الله ، هلك الوالد، وغاب الوافد ، فامنن علي منّ الله عليك ، وخلِّ عني ، ولا تُشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي كان سيدَ قومه يَفُكُّ العاني ، ويعفو عن الجاني ، ويحفظ الجار ، ويحمي الذمار ، ويفرّجُ عن المكروب ويطعم الطعام ، ويُفشي السلام ، ويحمل الكلّ ، ويعين على نوائب الدهر ، وما أتاه أحد في حاجة فردّه خائباً، أنا بنت حاتم طيِّ ... فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( يا جارية هذه صفات المؤمنين حقاً ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : ارحموا عزيز قوم ذلَّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع بين الجُهَّال ))
فاستأذنته بالدعاء ، وقالت : أصاب الله ببرك مواقعَه ، ولا جعل لك إلى لئيمٍ حاجة ، ولا سلب نعمــــةً عن كريم قوم إلا جعلك سبباً في ردِّها، ورجعت إلى أهلها، وقالت لأخيها عدي : ائتِ هذا الرجل ، فإني قد رأيت هدياً ، وسمتاً ، ورأياً ، يغلب أهل الغلبة ، ورأيت فيه خِصالاً تعجبني رأيته يحب الفقير ، ويفُك الأسير ، ويرحَم الصغير ، ويعرف قدر الكبير ، وما رأيت أجودَ ، ولا أكرم منه ، فإن يكن نبياً فللسابق فضلُه ، وإن يكن مَلِكاً ، فلا تزال في عزِّ مُلْكه … قيل وأسلمت... واستجاب لها أخوها ، وقَدِمَ إلى المدينة وهو يظن انه سيلقى ملكاً فقال : دخلت على محمد وهو في المسجد، فسلمت عليه فقال : مَنِ الرجل ؟ فقلت عديُّ بن حاتم ، فقام وانطلق بي إلى بيته ، فو الله إنه لعامدٌ بي إليه ، إذ لقيتْه امرأةٌ ، ضعيفة كبيرة في الطريق فاستوقفته فوقف طويلاً تكلمه في حاجتها، فقلت في نفسي : والله ما هذا بملك ، ثم مضى بي حتى دخل بيته ، فتناول وسادة من أدم محشوة ليفاً ، فقذفها إليَّ فقال : اجلس على هذه ، قلت : بل أنت فاجلس عليها ، فقال : بل أنت ، فجلست عليها، وجلس رسول الله ص على الأرض ، ثم قال لي : لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من فقرهم... فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ... ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم ، وقِلَّة عددهم ، فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها فتزور هذا البيت لا تخاف ... ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين أنك ترى أن المُلك والسلطان في غيرهم ، وايمُ الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فُتحتْ عليهم وأن كنوز كسرى قد صارت لهم قال : فأسلمت ولقد عُمِّر عدي بن حاتم حتى رأى بنفسه كيف تحققت كلُّ بشارات النبي صلى الله عليه وسلم وأما ثقتك بنصر الله لك فلا حدود لها … فقد تبعك سراقة في أثناء هجرتِك ليسلِمَك إلى قريش وليأخذ المئتي ناقة التي أعدتها قريش لمن يأتيها بمحمد حياً أو ميتاً ، فقلت له كيف بك يا سراقة إذا لبست سوارَ كسرى . وهذه ثقته بنصر الله حفظ الله لكم إيمانكم وأهلكم وأولادكم وحفظ الله لكم بلدكم الطيّيب تركيا .