وضع داكن
07-05-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 19 - التبليغ
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

كن مبلغا أو داعية:

أيها الأخوة الكرام, من الصفات التي ينبغي أن يتصف بها المؤمن التبليغ.
بادئ ذي بدء: الدعوة إلى الله اسم آخر من أسماء التبليغ؛ إما أن تكون مبلغاً أو تكون داعياً إلى الله عز وجل، الدعوة إلى الله نوعان؛ دعوة هي فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، ودعوة فرض الكفاية، هو التبحر في العلم، والتفرغ له، والتعمق فيه، والداعية من هذا الصنف يملك الأدلة العقلية والنقلية والواقعية، والداعية إلى الله من هذا الصنف يستطيع أن يرد على كل التساؤلات، ويأتي بكل الحجج والبراهين، ويزيل الشبهات، هذا الصنف من المبلغين فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الكل، ولكن التبليغ أو الدعوة في القسم الثاني, فرض على كل مسلم كائنًا من كان، أي أن هذا المسلم ينبغي أن يسلم ما سمع في حدود ما سمع، أو في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، الدعوة إلى الله أو التبليغ الذي هو فرض عين على كل مسلم, هو أن تبلغ عن النبي ولو آية, ولو حديثًا، أي شيء سمعته، وتأثرت به، ينبغي أن تبلغه.
الدليل على هذا:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً, وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ, وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))

[أخرجه البخاري في الصحيح, والترمذي في سننه]

الدعوة إلى الله أو التبليغ كفرض عين, مستقاة من قوله تعالى:

﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

[سورة العصر الآية: 1-3]

تواصوا بالحق ربع النجاة، أركان النجاة:

﴿آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

[سورة العصر الآية: 3]

دليل آخر:

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

[سورة يوسف الآية: 108]

فمن لم يدع على بصيرة, فليس متبعاً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وهو لا يحب الله، لأن الله عز وجل يقول:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾

[سورة آل عمران الآية: 31]

ذلك أنه في الحياة الدنيا دوائر للحق ودوائر للباطل، فإذا لم ندعوا لله عز وجل, تنامت دوائر الباطل، وضغطت على الحق فتلاشى، فنمو الحق من أجل بقائه, لأن الطرف الآخر يسعى سعياً حثيثاً لإطفاء نور الله عز وجل، فما لم يكن بالمقابل سعي حثيث آخر لنشر الحق, معنى ذلك: أن دوائر الباطل تضيق على دوائر الحق ويتلاشى الحق.

لا دعوة للداعي إذا سكت عن الحق:


أيها الأخوة, الله عز وجل في آية دقيقة جداً يقول:

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ﴾

[سورة الأحزاب الآية: 39]

هؤلاء لهم صفات لا تعد ولا تحصى، إلا أن الله أغفلها جميعاً، واكتفى بصفة واحدة:

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾

[سورة الأحزاب الآية: 39]

هذا الذي يخشى غير الله فيسكت عن الحق خوفاً ممن يخشاه، أو ينطق بالباطل إرضاء لمن يخشاه انتهت دعوته، فلا داعي لأن نقول: إن الداعية ينبغي أن يكون أميناً عفيفاً، كل هذه الصفات تسقط إذا خشي من جهة، إذا سكت عن الحق، أو أراد إرضاءها، ونطق بالباطل.

لا يعد النبي مبلغاً إذا سكت عن الحق:

أيها الأخوة, التبليغ من الصفات التي يجب اعتقادها في الأنبياء الكرام والرسل العظام، وقد عرفه العلماء فقالوا:
التبليغ: أن يبلغ الرسول كل ما أمر بتبليغه، فلا يخفي منه شيئاً، ولا يكتمه بحال من الأحوال، وألا تحمله رهبة على أن يكتم بعضاً مما أوحي إليه، وأمر بإبلاغه للناس.
مهمة الأنبياء في التبليغ غير مهمة العلماء وأفراد المسلمين، لا يتسامح مع النبي بسكوته إذا نطق أحد في حضرته بكلام ليس صحيحاً، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعد كلامه تبليغًا، وفعله تبليغًا، وسكوته تبليغًا، لذلك: النبي لا يمكن أن يسكت عن كلمة قيلت في حضرته لم تكن صحيحة.
والتبليغ –أيضاً- منوط بحملة العلم من هذه الأمة، لأن الله سبحانه وتعالى يصف الذين ينوبون عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: بأنهم يبينونه للناس ولا يكتمونه.
والآية الكريمة:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾

[سورة المائدة الآية: 67]

لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((كلمة الحق لا تقرب أجلاً ولا تقطع رزقاً))

إذا بلغت ما سمعت فقد أديت ما عليك:

أيها الأخوة, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً, وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ, وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

إنسان حضر خطبة جمعة أو درس تفسير، أو التقى بإنسان من حملة العلم، وسمع منه شيئاً ثميناً قيماً, ينبغي أن يبلغه لمن حوله من أصدقائه، أو من زملائه، أو من أهل بيته، فإذا بلغت هذا الذي سمعته, فقد أديت هذا الذي عليك.
قَالَ:

((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً, -هذه الدعوة التي هي فرض عين-، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))

فإذا قال واحد: أنا لا أكذب على النبي متعمداً، ولكنني وجدت حديثاً فنقلته للناس, نقول له:

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ, فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

لا يكفي أن تكون سليم النية، ينبغي أن تتحقق، لأن الإبلاغ عن رسول الله مهمة خطيرة، فإذا أبلغت عنه كلامًا ما قاله, فقد ضيعت الناس، لذلك العوام: لأن يرتكبوا الكبائر, أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون.
وفي حديث آخر: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِي اللَّه عَنْه- قَالَ:

((خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ, فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ, فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ, فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا, يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ))

وفي حديث آخر: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا, فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ, ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ؛ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ, وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ, فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ))

ويقول سفيان بن عيينة: لا تجد أحد من أهل الحديث إلا وفي وجهه نضرة لدعوة النبي، ولم يزل أهل العلم في القديم والحديث يعظمون نقلته حتى قال الشافعي: إذا رأيت رجلاً من أهل الحديث, فكأني رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
التبليغ فرض عين، لو أن واحداً -لا سمح الله- لا يتقن الكلام إطلاقاً، ولا يستطيع أن يقول كلمة، الآن هناك من يشتري شريطاً، ويوزعه في أقربائه فقد بلغ، ليس شرطاً أن تتقن الكلام، لكن إن كان لك هذه النية الطيبة, هناك آلاف الوسائل لتنقل هذا العلم إلى من حولك، لا بد من أن تتنامى دوائر الحق.

حكم التبليغ:

أيها الأخوة, حكم التبليغ: استدل العلماء على وجوب تبليغ العلم الحق, بقوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 159]

لذلك: لا سمح الله ولا قدر, إذا قصد العالم كتمان العلم فقد عصى, وقد وجب عليه التبليغ، أما إذا سئل ولم يجب, فقد تلبس بهذا الحديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ, أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

أن تقول: أنا لا علاقة لي بالدعوة، أنا مسلم تاجر, أبيع وأشتري فقط، لا بد من أن تبلغ، لكن لا تكلف ما لا تطيق، تبلغ الذي انتهى إليك وسمعته وأدركته، ولست مكلفًا أن تبلغ كل الناس، ممن تعرف فقط، ممن يلوذ بك، التبليغ كفرض عين: أن تبلغ الذي بلغك لمن يلوذ بك، هذا هو الحد الأدنى: فرض عين على كل مسلم.
الآيات التي تتحدث عن التبليغ كثيرة, من أبرزها:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾

[سورة المائدة الآية: 67]

 قياساً على هذه الآية: أن الذي يبلغ بصدق وإخلاص الله يحفظه، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تنطق بالحق مخلصاً، ويأتيك من هذا النطق بالحق شر وبيل، أما إذا أراد الإنسان من هذا التبليغ الدنيا, يأتيه شر وبيل أحياناً، لأن الله عز وجل يقول:

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾

[سورة النور الآية: 36]

حينما يأذن الذي في السماء, يلهم هؤلاء الذين في الأرض أن يأذنوا ويعطوا الرخص، وإذا لم يأذن الذي في السماء, فهؤلاء الصغار يخلقون العقبات تلو العقبات.

ما جاء في سماع الحديث وتبليغه:

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا, مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ, ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ؛ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ, مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ, أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ, قَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى, قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ, قَالَ: أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ قُلْنَا: بَلَى, قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ, قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى, قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ- وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ, كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا, فِي بَلَدِكُمْ هَذَا, فِي شَهْرِكُمْ هَذَا, وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ, أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا, يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ, أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ, فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ, فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, ثُمَّ قَالَ: أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْن))

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

((قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالُوا: إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ, وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ, فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ, وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا, فَقَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ؛ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ, ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ, وَإِقَامُ الصَّلَاةِ, وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ, وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَيَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ, وَأَنْهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالنَّقِيرِ))

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا, فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ, ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ, وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ, وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ, فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ))

ما نهي عنه النبي من تبليغه:

الآن عندنا تبليغ منهي عنه:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا, فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَالٍ فَقَسَّمَهُ, فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَجُلَيْنِ جَالِسَيْنِ وَهُمَا يَقُولَانِ: وَاللَّهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِقِسْمَتِهِ الَّتِي قَسَمَهَا وَجْهَ اللَّهِ وَلَا الدَّارَ الْآخِرَةَ, فَتَثَبَّتُّ حِينَ سَمِعْتُهُمَا, فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْبَرْتُهُ فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ, وَقَالَ: دَعْنِي عَنْكَ فَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ))

سيدي، فلان عندكم علم أنه فعل كذا؟! دع فلانًا لربه، دعه يتوب، واجعله في ستر، لماذا الفضيحة؟ لماذا تشوه سمعة فلان أمام من ينطق بالحق؟.

((لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا, فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ))

[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]

إلا إذا كان ثمة خطر على الدعوة، وإنسان يتصرف بغير مسؤولية، ويؤذي هذه الدعوة، هذا موضوع آخر ينبغي أن تبلغ، أما إنسان ارتكب خطأ آخر فيما بينه وبين نفسه، وعلمت بهذا الخطأ ما الثمرة التي تقطفها من أن تفضحه، أو من أن ترفع قصته إلى من ينبغي أن يكون سليم الصدر تجاه من حوله؟.

حث على فريضة التبليغ بقدر ما تستطيع:

أيها الأخوة, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الْغُلُولَ, فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ, ثُمَّ قَالَ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ, يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي, فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ, لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ, فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي, فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ, لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ, يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي, فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ, لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ, فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي, فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ, لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ, فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي, فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ, لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ, فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي, فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]

اغتصاب الأموال بشتى أنواعها، بدءاً من بعير, إلى فرس، إلى شاة، إلى كائن له صياح ، كائنًا ما كان، ثم الثياب والمتاع، ثم المال، هذا الذي يغتصب، ويأتي يوم القيامة وعليه وزر ، هذا الاغتصاب يقول له النبي -عليه الصلاة والسلام-: لا أملك لك شيئاً لقد أبلغتك.
عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ, يُقَالُ لَهُ:

((ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ, قَالَ: ابْنُ السَّرْحِ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ, فَجَاءَ فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي, فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ, فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ, وَقَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ, فَيَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي؟ أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, إِنْ كَانَ بَعِيرًا فَلَهُ رُغَاءٌ, أَوْ بَقَرَةً فَلَهَا خُوَارٌ, أَوْ شَاةً تَيْعَرُ, ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبِطَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟))

إنك إن بلغت سقط عنك الوجوب، وأديت الذي عليك، أما هذا الصمت وحولك أخطاء وانحرافات وتفلت وتجاوزات، صمتك دليل إقرارك بنوع أو بآخر، وأديت الذي عليك، أما هذا الصمت وحولك أخطاء وانحرافات وتفلت وتجاوزات، صمتك دليل إقرارك بنوع أو بآخر، إلا إذا رأيت منكراً، وأردت أن تستنكره، فنشأت فتنة أكبر من المنكر، في هذه الحالة النادرة: لك أن تصمت، وتنكر بقلبك، أنت لست نبياً حتى يعد إقرارك تشريعًا، لكن عن أمكنك أن تنكر, فالأولى أن تنكر، أما إن أدى إنكارك لفتنة أكبر من الذي تنكره, فينبغي أن تنكر بقلبك، لكن لا يقبل منك أن تنكر بلسانك، وبإمكانك أن تقبل بيدك، كما أنه لا يقبل منك أن تنكر بقلبك، وبإمكانك أن تنكر بلسانك.
أيها الأخوة الكرام, عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:

((لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا بِعَرَفَةَ, فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ, فَكَبَّرَ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ, فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ, فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى, فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ, وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ, قَالَ مَسْرُوقٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ, فَقُلْتُ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ قَفَّ لَهُ شَعْرِي, قُلْتُ: رُوَيْدًا, ثُمَّ قَرَأْتُ: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾, فَقَالَتْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ, أَوْ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِهِ, أَوْ يَعْلَمُ الْخَمْسَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ ...))

[أخرجه الترمذي في سننه]

لا يمكن أن يؤخر النبي البيان عن وقته وإلا لا يعد مبلغاً:

فقد قال سبحانه:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾

[سورة المائدة الآية: 67]

النبي -عليه الصلاة والسلام- أقول: ما من أمر، -ومن: لاستغراق أفراد النوع-، ما من أمر يقربنا إلى الله ولو بدا صغيراً إلا وذكره النبي، وما من أمر يبعدنا عن الله ولو بدا لكم صغيراً إلا ونهى عنه؛ لأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغم، وجاهد في الله حق الجهاد، لذلك قال علماء الحديث:
لا يمكن أن يؤخر النبي البيان عن وقته، لو بين عن منكر بعد حين ما بلغ الناس.
يوجد شيء ثان: لا بد من أن يبلغ في الوقت المناسب، لو رأى منكراً فسكت، وبلغ في اليوم الثاني, هذا ليس تبليغاً بحق النبي، أما بحقك قد تستدرك، البارحة وجدت شيئًا ولم يعجبن، وقد غفلت عن أن أبلغكم إياه، الآن أبلغكم، هذا في حق المؤمنين، أما في حق النبي: فلا يقبل منه أن يؤخر البيان عن وقته، فإذا رأى شيئاً وسكت فهو صحيح، أما تقول: لعله بعد يوم أشار لبطلانه؟ لا.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد من أن يبلغ.
وأنا أقول لكم أيها الأخوة: أحياناً لو خيرت النبي -عليه الصلاة والسلام-, بين أن تعطيه ملء الدنيا ذهباً، وبين أن يسكت, لاختار أن يسكت، لأن الكفار كفروا بأصل رسالته, وبنبوته, وبالوحي الذي جاء به، يقول: ذهبت للقدس، ورجعت بدقائق، هو في غنى عن أن يبلغهم ذلك ، هم ينكرون عليه من دون هذه القصة، لكن الله أمره أن يبلغ، يبلغ شيء، وهو يعلم علم اليقين أنه سيلاقي سخرية وتهجماً، فالنبي مبلغ، والعالم ينبغي أن يبلغ، لكن وجوب التبليغ على العالم ليس في مستوى وجوب التبليغ للنبي.
النبي -عليه الصلاة والسلام- أصل هويته مبلغ، وهو معصوم، بمعنى أنه لا يخطئ، ولا يستطيع أحد أن يناله؛ أي يمنعه من التبليغ:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾

[سورة المائدة الآية: 67]

مناط التكليف في أن تبلغ بقدر ما تعلم:

أيها الأخوة الكرام, أسأل الله أن يكون هذا الدرس باعثاً لنا على التبليغ، شيء عملي، أنت لك جامع، تحضر الخطبة فيه، لعلك تحضر جامعاً تثق بخطيبه، وبعلمه، وبورعه، أو بمستوى خطبته، إن حضرت هذه الخطبة، أو ذاك الدرس، أو فتحت كتاب فقه, فلفت نظرك آية, أو حديث, أو حكم فقهي, أو قصة عن الصحابة, ينبغي أن تبلغها طوال الأسبوع، حاول أن تحضر خطبة قيمة ثمينة، وأن تسجل بعض نقاطها، وتكون هذه النقاط مادة حديثك لمن حولك في هذا الأسبوع، إن فعلت هذا, فقد نفذت حديث رسول الله:

((بلغوا عني ولو آية))

حضرت خطبة جمعة، ثم زرت أختك، الشيخ اليوم قال كذا، جلست في الدائرة مع أصدقائك, تقول: سمعت اليوم هذه الخطبة، بلغ مضمون أو بعض مضمون الخطبة لمن حولك؛ من زملائك، وأصدقائك، وأقربائك، وجيرانك، وأهل بيتك، إن فعلت هذا فقد بلغت رسالتك، التبليغ فرض عين على كل مسلم، وإن لم تبلغ فلست متبعاً لرسول الله، وإن لم تكن متبعاً للنبي فلست محباً لله.
التساهل: أخي أنا لا علاقة لي, هذا عمل خطباء؟ لا, هذا عمل كل مسلم: الدعوة إلى الله، أو التبليغ فرض عين على كل مسلم، لكن رحمة بالمؤمنين في حدود ما تعلم, ومع من تعرف فقط، لكن على كل منكم حينما يرتاد بيت الله, هو عند أهله شيخ، جاء شيخ مثلاً من باب التحبب مثلاً: أنت يا من تحضر درس علم، يا من لك مسجد ترجع إليه، يا من لك مرجعية دينية، أنت بالنسبة لمن حولك من أقاربك, أنت نافذة إلى السماء, تستشار ويؤخذ رأيك، وتسأل عن آية، أنت هنا طالب علم, تجلس وتصمت، لكنك إذا رجعت إلى البيت, فأنت معلم أمام أهلك الذين لم يطلبوا العلم، أنت تعد شيخاً لهم، فلا يوجد واحد منا بمكان يتلقى, وبالمكان الآخر عليه أن يلقي، أما أربعون سنة أتلقى! إلى متى؟ متى تلقي؟ إلى متى تستمع وتخزن؟ غير معقول! فلا بد من أن تلقي, لذلك:
اعلموا علم اليقين, أن تبليغ العلم فرض عين، وأنا لن أكلفك تتبحر، وتقرأ كتاب الأم للشافعي، وتقرأ الأصول, لا، الخطبة التي حضرتها, أو الدرس الذي سمعته, أو الندوة التي شاهدتها, أو الصديق الذي أخبرك، هذا الذي علمته ينبغي أن تبلغه.

بقدر ما تهتم بطعامك اهتم بدينك:

أقول هذه القصة الطريفة: أعرف رجلاً يسكن أحد أحياء دمشق المتطرفة، وهو يركب مركبته، ويدير المحرك ربع ساعة, حتى تكون مهيأة في أيام الشتاء، وينطلق لطرف المدينة الآخر ليشتري كيلو فول، يحب الفول من عند هذا الإنسان، أما إذا حضرت صلاة الجمعة, فيختار أي جامع، ويأتي بعد أن تنتهي الخطبة ويتبجح، ويقول: الحمد لله أدركت الركعة الثانية مع الإمام، أما كيلو فول أغلى عليك من كل دينك!؟ من أجل أن يأكل طعام معين, يهيئ المركبة ربع ساعة، وينتقل لطرف المدينة الآخر، أما من أجل دينه, أي خطيب, أي جامع, خطبة عميقة, غير عميقة, الخطيب متقن, غير متقن، ابحث عن خطيب ترتاح لخطبته، واجعل خطبته مجال الحديث طوال الجمعة، أنت بهذا تكون قد نفذت كلام النبي: بلغوا عني ولو آية.
هذا وقت, لذلك حينما يقول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾

[سورة الجمعة الآية: 9]

ما معنى الآية؟ أي لسماع الخطبة من أولها:


من دخل للمسجد في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، في الساعة الثانية بقرة، في الثالثة شاة، في الرابعة دجاجة، في الخامسة ديكا، -والخطيب لم يصعد بعد للمنبر-، فإذا صعد الخطيب المنبر, أغلقت الصحف، وجلست الملائكة تستمع الخطبة.
أخطر فكرة بالخطبة أولها، هي مفتاح الخطبة، يأتي قبل انتهاء الخطبة بكلمتين، ماذا فعلت أنت؟ من أجل عملك تأتي قبل ربع ساعة، إذا كان لك عمل مهم، ومدير شركة ضابط أموره، ويقيمك تقييما شديدا إذا تأخرت، تأتي قبل ربع ساعة، لماذا في سماع الخطبة، وفي تلقي دينك، لم يبق غير الخطبة، والخطبة عبادة تعليمية، وهذا من عظمة هذا الدين، مهما قمع الدين في بلد، لا يستطيع أن يلغي الخطبة والدرس، أما خطبة لا، لا يستطيع، فرض على كل مسلم.
عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ, وَكَانَ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ:

((قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا, طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ))

[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]

قضية الدعوة إلى الله كفرض عين، مبدئياً اكتف بالخطبة، واكتب عندك الملاحظات، واستوعب، وحاول نقل ما في الخطبة لمن حولك من الأقارب؛ زوجتك، أولادك، أخواتك، جيرانك، زملاءك, أصدقاءك, تكون قد أديت ما أمرك به النبي.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور