وضع داكن
19-04-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - النرويج - جمعية التعليم ورعاية الأسرة في النرويج : 01 - الله عفو يحب العفو
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، ونصلي ونسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أولاً : نسأل الله سبحانه تعالى أن يجعل هذه الأيام المباركة علينا خيراً وبركة ، ويجعلنا من أهل ليلة القدر ، ونسال الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال .
ثانياً : نرحّب أجمل التّرحيب بشيخنا الفاضل العلّامة الدّاعية الكبير المعروف الشيخ  محمد راتب النّابلسيّ .
باسم جمعيّة التّعليم ورعاية الأسرة في النرويج وشركائها في هذا الملتقى الرّمضاني المبارك ، باسم صفحة معاً لتعلم اللغة النرويجيّة التي أيضاً يُبث على صفحتها هذا اللقاء ، وهذه المحاضرة المباركة ، وباسم الجمعية الثّقافيّة الإسلاميّة في لارفيك ، واتحاد المسلمين في كريستيانساند ، ومسجد ريفالا في السّويد ، باسم جميع الذين ذكرناهم وغيرهم من المؤسّسات والمراكز التي قد تكون حاضرة معنا ، وكذلك الأخوة والأخوات الحاضرون معنا ، باسمكم جميعاً نرحّب بشيخنا ، وهذه فرصة كبيرة ومباركة في هذا الوقت القصير ، وخاصة أنّ الشّيخ في الحقبقة مشغول ، وكنّا نودّ أن يكون لنا لقاء معه أوسع يوم السّبت أو الأحد لمناسبته لأهل النّرويج وأوروبا عموماً ، ولكن عندما لم نحظَ بهذه الفرصة ، نلنا على الأقل هذا الوقت المبارك القصير ، وأيّ وقت يكون معه فهو ثمين ، وجزاه الله خيراً ، رغم مشاغله ورغم الكثير من البرامج المزدحمة عليه في هذا الشهر المبارك ، إلا أنّه كريم علينا وعلى إخواننا المسلمين في أوروبا ، ندعُ الآن المجال لشيخنا ليتحدّث إلينا مشكوراً مأجوراً ، تفضّل شيخنا .

  الإنسان هو المخلوق الأول المكرّم والمفضّل والمكلّف بعبادة الله :


الدكتور راتب :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
كم عالم إسلامي من بعثة النبي حتى الآن ؟! كم كتاب إسلامي مؤلف ؟! كم برنامج إسلامي يُعرض على الشاشات ؟! كم وكم وكم ؟! مئات الألوف ، ولكن هل هذا العدد الكبير اللامتناهي يُصنف في كليّات وفي أسس ؟ في مثلثات كالأقران ؟ الجواب : هذا الدّين فيه أربع كليّات كبار ، أربعة أقسام كبيرة ، أوّل كلية من كليات الدين : الفهم ، التصور ، الأيديولوجيا ، المنطلقات النّظرية ، العقيدة ، أسماء متعددة لمسمّى واحد : الجانب النظري في الإسلام ، المنطلق الفكري في الإسلام ، هذا لابدّ من طلب العلم ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
كمقدمة : الشيء المادي ، الجماد له طول ، وعرض ، وارتفاع ، ووزن ، وحجم ، أمّا النّبات فيزيد عليه بالنّموّ ، وأما الحيوان فيزيد عليهما بالحركة ، أما الإنسان المخلوق الأول ، والمكرّم ، والمفضّل ، والمكلّف بعبادة الله .
العبادة في أدق تعاريفها : طاعة طوعيّة ، ممزوجة بمحبّة قلبيّة ، أساسها معرفة يقينيّة ، تفضي إلى سعادة أبديّة .
في الأرض الآن  ثمانية مليار إنسان ، هل أي أحد منهم يحب الفقر ؟ لا أحد ، هل أي أحد منهم يحب القهر ؟ لا أحد ، هل أي أحد منهم يحب المرض ؟ لا أحد ، هل أي أحد منهم لا يحب أن يكون زواجه ناجحاً ، وبيته واسعاً ، وأولاده أبراراً ، وبناته محتشمات ؟ ممتاز ، هل أي أحد منهم لا يحب أن يعيش مئة وثلاثين سنة ؟ هناك قواسم مشتركة بين بني البشر ، ولكن يمكن أن نقول :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) ﴾

[ سورة الليل ]

﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ(2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يوحَى(4) ﴾

[ سورة النجم ]

 

البشر صنفان لا ثالث لهما :


لكن أحياناً هؤلاء البشر ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما : قسم عرف الله ، فطبق منهجه ، استقام على أمره ، أحسن إلى خلقه ، سعد في الدنيا والآخرة ، هؤلاء الناجحون ، هذا النجاح الحقيقي ، يوجد قسم آخر انشغل بنزواته وشهواته ، خسر الدنيا والآخرة : 

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) ﴾

[ سورة الليل ]

هذا الذي بالجنة ، الجنة فيها :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. ))

[ رواه البخاري ]

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ(5) وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ(6) ﴾

[ سورة الليل ]

الحسنى هي الجنة ، والدليل : 

﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(26) ﴾

[ سورة يونس ]

فالحسنى هي الجنة ، البشر ثمانية مليار نزلوا في حقلين : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ) صدق بالجنة ، أو صدّق أنه مخلوق للجنة ، من نتائج هذا التصديق اتقى أن يعصي الله ، بنى حياته على الإيمان ، على وحي السّماء ، على افعل ولا تفعل ، على القرآن الكريم ، كلام رب العالمين : 

(( يقولُ الرَّبُّ تباركَ وتعالى : مَن شغلَه القُرآنُ عَن مَسألتي أعطيتُه أفضَلَ ما أُعطي السَّائلِينَ  ، وفَضلُ كلامِ اللهِ على سائرِ الكَلامِ  كفَضلِ اللهِ علَى خَلقِه . ))

[ رواه أبو سعيد الخدري ]

( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ) لأنه صدّق بالحسنى ، والحسنى هي الجنة ، اتقى أن يعصي الله ، بدخله ، بإنفاقه ، بأوقات فراعه ، برحلاته ، بنزهاته ، بتجارته ، بصناعته ، بزراعته ، اتّقى أن يعصي الله ، لأنّه ( وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ) اتّقى أن يعصي الله ، الآن الرّدّ الإلهي :

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) ﴾

[ سورة الليل ]

أي زواجه ميسّر ، نجاحه في العمل مُيَسّر ، اختيار وظيفته ميسّر ، اختيار نوع تجارته ميسّر ، علاقته مع أقربائه ميسّرة  ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) ) بنى حياته على العطاء ، اتّقى أن يعصي الله لأنه ( وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ )   النّتيجة  التّيسير ، أعظم عطاء إلهي هو التيسير ، التيسير لا التعسير ، أمّا الصّنف الثّاني لأنه:

﴿ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) ﴾

[ سورة الليل ]

فاستغنى عن طاعة الله ، بنى حياته على الأخذ .
الواقع على رأس الهرم البشري- ثمانية مليار إنسان في الأرض- زمرتان : الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء عاش النّاس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء يُمدحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ، الأقوياء كما قلت قبل قليل عاش النّاس لهم ، أما الأنبياء فعاشوا للناس ، لذلك البطولة أن تكون من أتباع الأنبياء ، وإذا كنت قويّاً بمنصب معيّن فتخلّق بأخلاق الأنبياء ، فلذلك من كليّات الدين العقيدة ، لابد من طلب العلم ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، العقيدة ، المنطلق النظري ، الفكر ، الأيديولوجيا ، إن صحّت صحّ العمل ، إن فسدت فسد العمل ، العقيدة .
 

العبادة علة وجودنا :

 
الآن الحركة ؛ أنت بحاجة للطّعام والشّراب ، الأنبياء بشر ، كيف وُصِف الأنبياء على أنهم بشر ؟ كانوا يأكلون الطّعام وهم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام ، ويمشون في الأسواق ومفتقرون في ثمن الطعام إلى المشي في الأسواق ، هؤلاء البشر ، لذلك البشر هكذا ، فلابد من طلب العلم ، ولابد من أن تعرف سرّ وجودك ، وغاية وجودك ، ولماذا أنت في الدنيا ، شخص ما أُرسل إلى مدينة في الغرب لينال الدكتوراه ، أكبر مدينة مثلاً قد تكون باريس ، علة وجود هذا الإنسان في هذه المدينة العملاقة - له أن يذهب إلى مطعم ويأكل ، له أن يجلس في الحديقة ويتنزّه ، له أن يشتري كتاباً ويقرأه - علّة وجوده الأساسية وغاية وجوده الدراسة .
الآن علة وجودنا العبادة ، والآية واضحة ، وصريحة ، وقاطعة ، قال تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

والعبادة طاعة طوعية ، الذي خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، رزقنا بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، فقال تعالى :

﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256) ﴾

[ سورة البقرة ]

أن تكون العلاقة به علاقة حب ، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

والحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، الحب في الله أن تحب الله ورسوله ، والأنبياء جميعاً ، والرسل جميعاً ، أن تحب العمل الصالح ، أن تحب أهلك ، لا أن تحب امرأة أجنبية لا يحلّ لك أن تلتقي بها ، أن تحبّ ما جاء به هذا القرآن العظيم ، فهذا الذي يتحرّك وفق منهج الله يتّبع تعليمات الصّانع ، والصّانع هو الجهة الخبيرة ، قال تعالى :

﴿  إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍۢ (14) ﴾

[ سورة فاطر ]

 

حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :


أول كلية العقيدة ، الثانية الحركة ، الحركة السلبية : استقامة ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما كذبت  ، ما غششت ، أما الإيجابية فهي العمل الصالح :

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

فالعمل الصالح بعد الإيمان بالله واليوم الآخر هو أهم شيء متكرّر ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، قال تعالى :

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) ﴾

[ سورة الأنعام ]

سمّي العمل صالحاً ، لأنه يصلح للعرض على الله ، لذلك : ( رَبِّ ٱرْجِعُون(99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا ) لذلك علة وجودنا الوحيدة ، الفريدة ، بعد الإيمان بالله واليوم الآخر العمل الصالح ، بل إن حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح ، والدليل : ( وَلِكُلٍّۢ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ) فالكلية عقيدة ، حركة ، الاستقامة السلبية ، والعمل الصالح إيجابي .
 

من ذكر الله منحه السكينة :


﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14) ﴾

[ سورة طه ]

إنّك إن صلّيت ذكرت الله ، لكن الله تعالى يقول :

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ﴾

[ سورة البقرة ]

إنك إن ذكرت الله عبدته ، لكنه إذا ذكرك  -هذا الشيء الذي لا يصدق - منحك خصائص أقلها الصلاة ، أقلها السكينة ، تسعد بصلاتك ولو فقدت كل شيء ، السكينة ذاقها يونس في بطن الحوت ، وذاقها إبراهيم في النار ، وذاقها النبي في الغار ، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، السكينة عطاء إلهي ، هذه السكينة لا تكون إلا بالإيمان ، أما بغير الإيمان :

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

أي أقوى إنسان في الأرض ، والذي يحكم أكبر دولة في العالم ينطبق عليه هذا القانون : سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا وأقل إنسان مستخدم في مدرسة إذا كان مع الله يتمتع بنعمة الأمن والأمان ، الإنسان إذا آمن استحق التوفيق والسكينة ، قال تعالى: 

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 

تعلم العربية من الدين :


القرآن دقيق جداً ، لو قرأ أحدهم في الصلاة : أؤلئك الأمن لهم فالصلاة باطلة ، لأنه لا يوجد فيها قصر وحصر ، لهم ولغيرهم ( أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ ) لهم وحدهم ، أي إذا قال أحدهم في الصلاة : نعبد إياك ولم يقل :

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ﴾

[ سورة الفاتحة ]

فالصلاة باطلة ، لماذا  ؟ لأن ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) فيها حصر وقصر ، قدمنا إياك على الفعل فصار هناك حصر وقصر ، أما : نعبد إياك فلا تمنع أن نعبد غيرك ، مثال آخر :

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

[ سورة فاطر ]

لو قرأ أحدهم : إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ فالصلاة باطلة أصلاً ، لأن الله عز وجل لا يمكن أن يخشى العلماء ، فالمعنى باطل أصلاً والصلاة باطلة ، أما ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ) مفعول به مقدم ( مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) لذلك قال سيدنا عمر رضي الله عنه : تعلموا العربية فإنها من الدين ، واللغة العربية أوسع لغة بدقة بالغة ، نظر : واضحة ، أما رأى فقد تكون قلبية ، رأيت العلم نافعاً ، نظر شذراً : باحتقار ، شَخَصَ : مع الخوف ، لاح : شيء ظهر واختفى ، لمح : نظرت وأعرضت ، نظر شذراً : باحتقار ، حملق : بخشية ، بحلق ، يوجد أربعون أو  خمسون فعلاً في اللعة العربية للنظر ، وكل فعل له خاصة ، لذلك :

﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) ﴾

[ سورة الزخرف ]

سيدنا عمر رضي الله عنه يقول : تعلموا العربية فإنها من الدين .
 

تلخيص لما سبق :

 
إذاً الكليات ؛ العقيدة ، الأيديولوجيا ، الفهم ، الحركة السلبية : الاستقامة  ،   والإيجابية : العمل الصالح ، الثمرة :

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

[ سورة طه ]

إنك إن صليت ذكرت الله ، لكن الله إذا صليت له يذكرك ، لماذا يذكرك ؟ ليمنحك نعمة التوفيق :

﴿  قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَىٰكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88) ﴾

[ سورة هود ]

( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) وما توفيقي إلا بالله قولاً واحداً ، لا توفيق إلا بالله ، منحك نعمة الحفظ ، قال تعالى :

﴿ قَالَ هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَٰفِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ(64) ﴾

[ سورة يوسف ]

منحك نعمة السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، إذاً كليات هذا الدين العقيدة ؛ فكر ، فهم ، أيديولوجيا ، الحركة سلبية : استقامة ، إيجابية : عمل صالح ، قال تعالى :

﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ(99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّآ ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) ﴾


علة وجود الإنسان في الدنيا بعد إيمانه بالله واليوم الآخر هو العمل الصالح .


مرة ثانية ؛ التكرار يفيد أحياناً ، سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح  ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، لذلك الغنى والفقر بعد العرض على الله ، هذه عقيدة وحركة ، الثمرة : الصلاة .
مرة ثانية : ( وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ ) إنك إن صليت ذكرت الله ، تقول : 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)  ﴾

[ سورة الفاتحة ]

﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ(30) ﴾

[ سورة النور ]

الركوع : يا رب سمعاً وطاعة لتنفيذ هذا الأمر ، إنك سألته : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) هذا سؤال منك لله عز وجل ، فجاء الجواب فحوى الآيات التي تقرؤها بعد الفاتحة ، أما الركوع فسمعاً وطاعة يا رب ، خضوعاً لمنهجك ، منهجك هو القويم ، هو الصراط المستقيم ، هو العمل الصالح ، هو الإحسان ، يا رب سمعاً وطاعة ، أنت ضعيف ، أحياناً أمام شهوة معينة ، أمام طمع بمال معين : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) تسجد ، يا رب أعنا على طاعتك ، بالركوع خضوع ، السجود استعانة ، بما بعد الفاتحة هذا المنهج : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ) المغضوب عليهم الذين عرفوا وانحرفوا ، والضالين ما عرفوا وانحرفوا ، مثلاً شخص يكاد يموت من العطش ويعرف مكان الماء ، ولكنه لم يذهب ، وآخر يكاد يموت من العطش ولا يعرف مكان الماء ، فالضالون ماعرفوا وانحرفوا ، أما الأول فعرفوا وانحرفوا ، ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .
إذاً كليات الدين ؛ العقيدة ، الفكر ، الأيديولوجيا المنطلق النظري ، الفهم للدين ، والحركة لها شرطان : الاستقامة والانضباط بمنهج الله ، بكسب المال وإنفاقه ، باختيار الزوج ، وبقبول الزوج لابنتك ، باختيار حرفتك ، هناك حرفة تؤذي المجتمع ، وحرفة مشروعةـ يوجد تعامل مشروع بالحرفة المشروعة ، وتعامل غير مشروع ، ثم الثمرة : ( وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ ) إذا صليت ذكرت الله ، أدّيت واجب العبودية لله ، لكن الله إذا ذكرك منحك نعمة الأمن ، حيث لا يتمتع بهذه النعمة إلا المؤمن ، منحك نعمة التوفيق ( وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ ) منحك نعمة الانسجام ، التيسير في عملك ، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
 

التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :


لذلك قبل أن أختم هذا اللقاء الطيب فحوى دعوة الأنبياء ، فحوى مضامين الأنبياء ، الأنبياء الذين ذكرهم الله والذين لم يذكروه ، أنت مدرس ويوجد لديك خمسون طالباً في الصف ، قلت : لكل واحد منكم هدية ، إذاً يوجد اثنان غابوا فليس لهم هدية ، أما لو قلت : ما من- إعراب من : استغراق أفراد النوع - ما من شخص في هذا الصف إلا وله هدية إذاً دخل بها الغائبون ، اسمع الآية : 

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدُونِ(25) ﴾

[ سورة الانبياء ]

ما من رسول : أي الرسل جميعاً والأنبياء جميعاً الذين ذكروا والذين لم يذكروا لهم هذه النتيجة ، ( وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا ) أي لا معطٍ ولا مانع ، ولا معزّ ولا مذلّ ، ولا ضارّ ولا نافع ، هذه نقطة دقيقة جداً فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد ، وما تعلّمت العبيد أفضل من التوحيد ، ونهاية العلم التّوحيد ، ألّا ترى مع الله أحداً ، ألّا ترى معطياً إلا الله ، ولا مانعاً إلا الله ، ولا معزاً إلا الله ، ولا مذلاً إلا الله ، ولا رافعاً إلا الله ، ولا خافضاً إلا الله ، ولكن هناك ملمح دقيق دقيق دقيق ، يتمنى العلماء أن تذكر الاثنين معاً : ضار نافع ، معط مانع ، يضر لينفع ، يمنع ليعطي ، الأسماء المتعاكسة يوجد طباق بينها ، الأفضل أن تذكر معاً يضر لينفع ، يمنع ليعطي . . . إلخ .
لذلك فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ( وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ ) فحوى دعوة الأنبياء جميعاً والرسل جميعاً طبعاً من باب أولى ( أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا ) التوحيد نهاية العلم ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
 

الشرك الخفي أخطر شيء في حياة الإنسان :


الآن أخطر شيء يخافه النبي : 
كان في مَسجدِ ( دِمَشْقَ ) معَ نفرٍ مِن أصحابِ النَّبيِّ فيهمْ مُعاذُ بنُ جبلٍ فقال عَبدُ الرَّحمنِ :

(( يا أيُّها النَّاسُ إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الخفيُّ ، فقال معاذُ بنُ جبلٍ : اللَّهمَّ غُفْرًا ، أَوَ ما سمعتَ رسولَ اللهِ يقولُ حيثُ ودَّعَنا : إنَّ الشَّيطانَ قد يَئِسَ أن يُعبَدَ فى جَزيرَتِكُم هذِه ولكن يُطاعُ فيما تَحتقِرونَ مِن أَعمالِكمْ فقد رَضِىَ بذلِكَ ؟ فقالَ عبدُ الرَّحمنِ : أَنشُدُكَ اللهَ يا مُعاذُ أما سَمِعْتَ رسولَ اللهِ يقولُ : مَنْ صامَ رياءً فقَد أَشرَكَ ، ومَن تَصدَّقَ رِياءً فقد أَشرَكَ ، فَذَكرَ الحديثَ ))

[ الحديث موضوع ]

لا يوجد شرك جلي ولكن يوجد شرك خفي ، ما هو الشرك الخفي ؟ 

(( إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أُمَّتِي الإِشراكُ بِاللهِ ، أمَا إنِّي لَستُ أقولُ يَعبدُونَ شَمسًا ولا قمرًا ولا وثَنًا ولَكِنَّ أعمالًا لِغيرِ اللهِ وشَهوةً خَفِيَّةً . ))

[ رواه عبد الرحمن بن غنم ]

أعمال لغير الله ، لذلك ملخص ملخص الملخص : لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه ، ولا يرجوَنّ إلا ربه ،
ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء 
من الإسرائيليات
           

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا           الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة            عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمـة            لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا

ولو لاح من أنوارنا لك لائــــــــــح            تركـــــــــــــت جميع الكائنات وجئتنـــــــا

فما حبنا سهل وكل من ادعـــى            سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــا

  فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه            وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا

***

أدعو الله من أعماق قلبي أن يحفظ للمشاهدين وللمستمعين إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار بلادكم ، والحمد لله رب العالمين .
المذيع :
بارك الله فيك دكتور ، وجزاك عنا كل خير ، يوجد لدينا سؤال نود أن نستشيرك به دكتورنا .
الدكتور راتب :
تفضل .
المذيع :
الموضوع ؛ كما تعلم في الآونة الأخيرة العديد من المتطرفين يحاولون أن يحرقوا القرآن لاستفزاز مشاعر المسلمين في الدول الاسكندنافية في السويد ، والآن يحاولون في النرويج ، ماذا تنصح الجالية المسلمة في النرويج والسويد واسكندنافيا عامة  ؟
 

بطولة الإنسان أن ينجح في الابتلاء :


الدكتور راتب :
قال تعالى :

﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ(46) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

دقق ، دولة قوية جداً ، ويوجد بعض الأشخاص أرادوا أن يرتبوا ويقوموا بانقلاب على الحاكم ، ولكن كل شيء كتبوه عند الحاكم ( وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ ) جبل قاسيون تلّة صغيرة ، لو اجتمع أهل الارض على إزالتها هل هذا ممكن  ؟ مستحيل  ( وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ )

﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِۦ رُسُلَهُ ۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍۢ(47) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

والله زوال الكون أهون على الله من أن يعد أناساً مؤمنين بالسّلامة ، والراحة ، والتوفيق ، والنجاح ، ثم يخلف وعده ، هذا من سابع المستحيلات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( لقَد أوذيتُ في اللَّهِ وما يؤذي أحَدٌ ، ولقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ ، ولقد أتَت عليَّ ثالِثةٌ وما لي ولِبلالٍ طعامٌ يأكلُهُ ذو كبِدٍ ، إلَّا ما وارى إبِطُ بلالٍ . ))

[ الصحيح المسند عن أنس بن مالك ]

وقال تعالى :

﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

﴿ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً ا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ(2) ﴾

[ سورة الملك ]

البطولة ليس ألا نُبتلى بل أن ننجح في الابتلاء ، يوسف النبي العظيم ابتلي بامرأة العزيز فنجح ، فصار عزيز مصر ، وامرأة العزيز ابتليت بجمال يوسف فلم تنجح ، فالبطولة أن ننجح في الابتلاء .
المذيع :
جزاكم الله خيراً شيخنا ، وبارك الله فيكم على هذا الجواب المناسب الذي سيفيد المسلمين ، فيجب أن يثقوا أول شيء أن هذه الأفعال والأعمال هي من المكر الذي لن ينجح بإذن الله تعالى : 

﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ ۖ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَٰكِرِينَ (54) ﴾

[ سورة آل عمران ]

الدكتور راتب :
لدي جواب آخر : يوجد مريضان أمام طبيب ، مع الأول التهاب معدة حاد فأخضعه الطبيب لحِمية قاسية جداً جداً ، ستة أشهر على الحليب فقط ، أما الثاني فمعه ورم خبيث منتشر ، سأل الطبيب : ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت .

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44) ﴾

[ سورة الأنعام ]

المذيع :
جزاكم الله خيراً ، انتهيتم شيخنا من الجواب ؟
الدكتور راتب :
نعم .
المذيع : 
ممكن سؤال آخر ؟
الدكتور راتب :
ممكن .
المذيع :
بالنسبة للأخوة والأخوات الموجودين معنا حتى في الفيس بوك ممكن للإضاءات والإشراقات التي أشار إليها الشيخ في هذه التطوافة القصيرة الثمينة والمهمة جعلت الجميع في مقام الأثر ، وفي مقام الاستماع ، وفي مقام التأثر القلبي والروحي ، ولذلك لا أرى أي سؤال ، ولكن شيخنا أنتم أشرتم في حديثكم إلى عظمة الله سبحانه وتعالى وصفاته الإلهية ، وأسماء الله سبحانه وتعالى التي تتمثل ونراها في حياتنا ، وفي الكون ، وبهذه المناسبة بما أننا قادمون على ليالي العشر ، وفيها دعاء عظيم جداً من أعظم الأسماء والصفات لله تعالى : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا ، فهل ممكن إطلاعنا ؟
 

أزمة أهل النار أزمة علم فقط :


الدكتور راتب :
أهل النار : الله عز وجل سرّب إلينا بعض أقوالهم :

﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ(10) ﴾

[ سورة الملك ]

إذاً : أزمة علم فقط ، الإنسان مفطور على حبّ ذاته ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وغاية وجوده ، واستمرار وجوده ، لذلك أزمة الإنسان المنحرف أزمة علم ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، العبرة في النهاية ، في المؤدّى .
المذيع :
جزاكم الله خيراً شيخنا ، وجزى الله الحاضرين خيراً ، وحتى لا نطيل على الشيخ لمعرفتنا بانشغالاته مرة أخرى نرحب بالجميع وبالشيخ ، وفي الختام باسم الجمعيات والشركاء الذين ذكرناهم في البداية ، وقد سعدنا جميعاً بهذه الاستضافة المباركة سواء الأخوة في جمعية اتحاد المسلمين في كريستيانساند ، أو في مسجد ريفالا في السّويد ، أو الجمعية الثقافية الإسلامية في لارفيك ، وكذلك الأخوة في صفحة الفيس بوك معاً لتعلم اللغة النرويجية ، وقد سمعنا الأستاذ رافي الذي سأل ، هو مدير الصفحة ، وجزاه الله خيراً ، وشكراً على مشاركته وتعاونه ودعمه لهذا الملتقى وهذه المحاضرة ، الأستاذ رافي قدّم السؤال ورأينا إطلالته حول السؤال الذي تكلم عن قضية إحراق المصحف ، أيضاً لا أنسى الشيخ أشرف غالي وهو موجود معنا ، وهو رئيس رابطة علماء الأزهر في الخارج ، وهم أيضاً في الحقيقة شركاء معنا في هذا الملتقى ، وداعمون أيضاً ، ومتعاونون معنا في بث الخير ونشره ، وهذا الملتقى ، وهذه المحاضرات في هذا الشهر المبارك ، شيخ أشرف إن كنت موجوداً ممكن أن تختم لنا  ؟
الدكتور راتب :
لكن قبل : سيدنا موسى في المناجاة سأل ربه قال : يا رب لا تبقِ لي عدواً ، فقال الله له : يا موسى هذه ليس لي ، هناك أعداء لله .
المذيع :
 نعم ، الشيخ أشرف موجود ؟
الشيخ أشرف :
نعم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله .
 

ترحيب حار بالدكتور راتب النابلسي :


الشيخ أشرف :
تحية كبيرة لأستاذنا وشيخنا وحبيبنا فضيلة الشيخ الجليل : محمد راتب النابلسي ، أسأل الله أن يبارك لنا في عمرك ، وأن يمتعك بالصحة والعافية ، وأن يرفع قدرك ، وأن يتقبل منك ، وشهر مبارك عليك فضيلة الشيخ ، وعلى جميع أسيادنا العلماء ، وجميع الأخوة الحاضرين ، ونسأل الله تعالى أن يتقبل من الأخوة القائمين على هذا الملتقى المبارك ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد علينا هذا الشهر المبارك بالخير واليمن ، وأن يقر أعيننا جميعاً بنصرة الإسلام والمسلمين ، وأن يبصرنا بحقيقة ما ذكرت من أهمية العلم ، طبعاً الناس موتى وأهل العلم أحياء ، وباسم رابطة علماء الأزهر الشريف في الخارج نثمّن هذه الجهود ، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن تستمر وأن يستمر هذا الخير ، وأشكر أخي الحبيب فضيلة الشيخ الجليل  الشيخ علي على هذه الفرصة الطيبة ، وأشكر الأخوة القائمين جميعاً ، وبارك الله فيكم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم .
المذيع : 
جزاكم الله خيراً ، شكراً شيخنا على هذا اللقاء المبارك وإلى لقاءات قادمة في وقت أفضل إن شاء الله .
الدكتور راتب :
 إن شاء الله ، بارك الله فيكم .
المذيع :
دعاؤكم لنا شيخنا ، ممكن أن تختم بالدعاء شيخنا  ؟
 

الدعاء :


الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لاتؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضِنا وارضَ عنا ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين ، الفاتحة .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع :
جزاكم الله خيراً شيخنا ، وبارك الله فيكم ، وصوماً مقبولاً شيخنا ، وإفطاراً شهياً فقد اقترب موعد الإفطار عندكم .
الدكتور راتب :
بارك الله فيك ، أتمنى أن أقدم لك الطعام ولكن لا أستطيع .
المذيع :
بارك الله بك شيخنا ، أنت قدمت لنا الأفضل من الطعام ، أحلى غذاء للروح والعقل، هذا من كرمكم وفضلكم شيخنا ، بارك الله في وقتكم وجهدكم ، وأمد بعمركم لمنفعة الإسلام والمسلمين .
الدكتور راتب :
سلمك الله ، وبارك بك .
المذيع :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور