وضع داكن
18-05-2024
Logo
الأردن - السلط - مسجد يرقا - المحاضرة : 88 - وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

المقدمة:


إخواننا الكرام، لا بد من مقدمة، هذا الجَمع البشري الآن يقف على منتهياته زمرتان: الأقوياء والأنبياء، الأقوياء: ملكوا الرقاب، والأنبياء: ملكوا القلوب ، الأقوياء: عاش الناس لهم، والأنبياء: عاشوا للناس، والناس جميعاً تَبَعٌ لقوي أو نبي، الأقوياء: يُمدحون في حضرتهم، والأنبياء: في غيبتهم. فالبطولة أن نكون من أتباع الأنبياء، ولكن:

(( الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. ))

[ صحيح مسلم عن أبي هريرة  ]

لكن النبي جبار خواطر فقال: (وفي كُلٍّ خَيْرٌ) لأن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح، وخيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح والدليل: 

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[ سورة المؤمنون ]

وسُمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً: ما ابتُغِي به وجه الله، وصواباً: ما وافق السنة.
إذاً: علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح، (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) الإنسان إذا وافته المنية ماذا يقول؟ (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) إذاً: علة وجودنا، يعني أنت أرسلت ابنك إلى بلد آخر كباريس لينال الدكتوراه، علة وجوده في أكبر مدينة في أوروبا الدراسة، علة وجوده، غاية وجوده:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)  ﴾

[  سورة الذاريات ]

والعبادة طاعة طوعية، حياتنا بيد الله، والموت بيده، والصحة بيده، والمرض بيده، والقوة بيده، والضعف بيده، والغنى بيده، والفقر بيده، والصحة بيده، ومع كل كل كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً، فقال: 

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[ سورة البقرة  ]

بل أراد أن تكون علاقة الحب أصلاً في العلاقة به، قال: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾

[ سورة المائدة ]

إذاً: البطولة أن نؤمن بهذا الدين العظيم، ولكن لم ترد كلمة إيمان بالله في القرآن في الأعم الأغلب إلا ومعها الإيمان باليوم الآخر، فالإنسان إذا آمن باليوم الآخر انضبط:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

[ سورة الحجر ]

فالبطولة أن تقرأ الكتاب الكريم، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، المسافة نفسها بين خالق الأكوان وبين الإنسان شيء دقيق جداً، إذاً علة وجودنا العمل الصالح بالدليل القطعي: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) 
الآن الله -عز وجل- رحمة بعباده أرسل الأنبياء والمرسلين، 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾

[ سورة الأنبياء  ]

هذه (مِن) : تفيد استغراق أفراد النوع (إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) يعني علة وجودنا العبادة، والعبادة بتعريف سريع: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
اللذة غير السعادة، اللذة: حسية، تحتاج اللذة إلى صحة ومال ووقت، في البدايات: يوجد صحة ووقت ولا يوجد مال، بالوسط: يوجد صحة ومال ولا يوجد وقت، بالعكس، بالنهاية: يوجد مال ووقت ولا يوجد صحة، ما سمح الله للدنيا أن تُمدَّنا بسعادة بل بلذة، واللذة آنية، فالبطولة أن نفهم سر وجودنا، وغاية وجودنا، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والعبادة كما قلت قبل قليل: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام:


لذلك لنا أن نقول نخاطب النبي -عليه أتم الصلاة والتسليم-: يا سيدي يا رسول الله، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدّست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكّيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيّأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من أُعطيت القدوة، وضربت المثل، وعبّدت الطريق، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، يا من أُعطيت القدوة، وضربت المثل، وعبّدت الطريق، لذلك لسان حالك يقول: المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني، والحب أساسي، والشوق مركبي، وذكر الله أنيسي، والثقة كنزي، والحزن رفيقي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضا غنيمتي، والزهد حرفتي، واليقين قوتي، والصدق شفيعي، والطاعة حسبي، والجهاد خلقي، وجُعلت قرة عيني في الصلاة.
الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.
أيها الإخوة الكرام، مخلوق حادث كالإنسان، مادي، بحاجة إلى الطعام والشراب، بحاجة إلى أن يلبي شهواته، هذا الإنسان المؤمن له خصائص ينفرد بها، نتابع مرة الثانية:
المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني، والحب أساسي، والشوق مركبي، وذكر الله أنيسي، والثقة كنزي، والحزن رفيقي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضا غنيمتي، والزهد حرفتي، واليقين قوتي، والصدق شفيعي، والطاعة حسبي، والجهاد خلقي، وجُعلت قرة عيني في الصلاة، أن تتصل بأصل الجمال والكمال والنوال، أن تتصل بصاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، أن تتصل بالرحمن الرحيم، تشتق منه الرحمة، العدل، الإنصاف، الحكمة، يعني: إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً.

(( إنَّ محاسنَ الأخلاقِ مخزونةٌ عندَ اللهِ فإذا أحبَّ اللهُ عبدًا منحهُ خُلُقًا حسنًا ))

[ العلاء بن كثير وهو ضعيف ]

لذلك:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾

[ سورة القلم ]

(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ) ما قال: "إنك ذو خلق عظيم"، "لعلى" أعلى من مستوى "ذو"، يعني طبعاً الله -عز وجل- أعطى النبي الكريم مئات الخصائص التي انفرد بها، لكن حينما أثنى عليه أثنى على خُلقه، لذلك يقول ابن القيم الجوزية: "الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان"
الآن نتابع خطابنا للنبي الكريم: أشهد أن الذين-يا رسول الله- بهرتهم عظمتك لمعذورون، وأن الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون، أيّ إيمانٍ وأيّ عزمٍ وأيّ مضاءٍ؟ أيّ صدقٍ وأي طُهرٍ وأيّ نقاءٍ؟ وأيّ تواضعٍ وأيّ حبٍّ وأيّ وفاء؟ يوم كنت طفلاً عزفت عن لهو الأطفال، وعن ملاعبهم، وأسمارهم وكنت تقول لأترابك إذا دعوك إلى اللهو: أنا لم أُخلق لهذا.
كان صغيراً، ويوم جاءتك رسالة الهدى وحُمّلت أمانة التبليغ قلت لزوجتك وقد دعتك إلى أخذ قسط من الراحة: انقضى عهد النوم يا خديجة .
يعني للتقريب: أب ميسور أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون، علة وجوده في أكبر مدينة في أوروبا الدراسة، ينبغي أن نعلم جميعاً علة وجودنا، غاية وجودنا يعني لا تصح حركتنا إلا إذا عرفنا سر وجودنا. 

مواقف من عفوه ورحمته عليه الصلاة والسلام:


إذاً: حينما تُدعى إلى أخذ قسط من الراحة تقول للسيدة خديجة: انقضى عهد النوم يا خديجة.
ويوم فتحت مكة التي آذتك، وأخرجتك، وكادت لك، وائتمرت على قتلك، وقد ملأت راياتك الأفق ظافرة عزيزة –فتح مكة- قلت لخصومك الذين نكلوا بك وبأصحابك وقتلوا وتآمروا: 

(( اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ ))

[ رواه أبو إسحاق و في سنده ضعف ]

 أعلى مستوى عفو في العالم، يعني سنوات طويلة كادوا له، قتلوا أصحابه، ائتمروا على إيذائه، ومع كل ذلك (اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ) ويوم دانت لك الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، صعدت المنبر، واستقبلت الناس باكياً، وقلت لهم: 

(( من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه. ))

[ الطبراني في المعجم الكبير و في سنده ضعف ]

ويوم دخلت على ثوبان ذلك الغلام الفقير رأيته يبكي، فسألته: ما يبكيك يا ثوبان؟ قال: يا رسول الله إنك إن غبت عني إني أشتاق إليك فتبكي عيناي، فإذا تذكرت الآخرة، وأنني لن أكون معك في الجنة حيث أنت في أعلى درجاتها ازداد بكائي، عندئذ هبط الأمين جبريل، يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) ﴾

[ سورة النساء ]

(( جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ إنَّكَ لأحَبُّ إليَّ من نَفسي وإنَّكَ لأحبُّ إليَّ من ولدي وإنِّي لأَكونُ في البيتِ فأذْكرُكَ فما أصبِرُ حتَّى آتيَ فأنظُرَ إليْكَ وإذا ذَكرتُ موتي وموتَكَ عرفتُ أنَّكَ إذا دخلتَ الجنَّةَ رفعتَ معَ النَّبيِّينَ وأنِّي إذا دَخلتُ الجنَّةَ خَشيتُ أن لا أراكَ فلم يردَّ عليْهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ شيئًا حتَّى نزلَ جبريلُ بِهذِهِ الآيةِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. ))

[ الضياء المقدسي عن عائشة أم المؤمنين ]

إخواننا الكرام، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.

فلو شاهدت عيناك من حسننا    الذي رأوه لـما ولـيت عنا لغيرنا

ولو سمعت أذناك حسـن خـطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا

ولو ذقـت مـن طعـم المحبة ذرة    عذرت الذي أضحى قتيلاً بـحبنا

ولو نسمت من قربـنا لك نسـمة       لَمُتّ غريباً واشـتياقاً لقـربـنا

ولـو لاح من أنوارنا لـك لائـح        تـركت جـميع الكائنات لأجلنا

فما حبنا سهل وكل من ادعى        سهولته قلنا له قد جهلتنا 

[ علي بن محمد بن وفا ]

إخواننا الكرام، إذاً: ما يبكيك يا ثوبان؟ قال: يا رسول الله، إنك إن غبت عني أشتاق إليك فتبكي عيناي، فإذا تذكرت الآخرة وأنني لن أكون معك في الجنة حيث أنت في أعلى عليين ازداد بكائي، عندئذ عندئذ هبط الأمين جبريل، -لهذا الطفل الصغير- يقول الله عز وجل: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)
ويوم أقبل عليك رجل فظّ غليظ، لم يكن قد رآك من قبل غير أنه سمع أن محمداً يسب آلهة قريش، فحمل سيفه وأقسم ليسوّينّ الحساب مع محمد، ودخل عليك، وبدأ حديثه عاصفاً مزمجراً وأنت يا رسول الله تبتسم، وتنطلق مع ابتسامتك أطياف نور آسِر، وما هي إلا لحظات حتى انقلب الغيظ المُتجَهِّم حباً، يكاد من فرط الوجد والحياء أن يذوب، وانكفأ على يديك، ودمعه ينهمر في عينيك، ولما أفاق قال: يا محمد، والله لقد صعدت إليك، وما على وجه الأرض أبغض إلي منك، وإنني لذاهب عنك، وما على وجه الأرض أحب إلي منك.
لقد أشرقت على هذا الرجل أنوار الحق ومحبة الخلق الكامنة في قلبك الشريف يا سيدنا يا رسول الله، ففعلت في قلب الرجل فعل السحر، إنها النبوة.
ويوم غضبت صلى الله عليك على غلام لك، وكان بيدك سواك، فقلت له: والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك: 

(( كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتي وكان بيدِه سِواكٌ فدعا وصيفةً له أو لها حتَّى استبان الغضبُ في وجهِه فخرَجَت أمُّ سَلَمةَ إلى الحُجراتِ فوجَدَت الوصيفةَ وهي تلعَبُ ببُهْمَةٍ فقالت ألا أراكِ تلعبين بهذه البُهْمةِ ورسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعوك فقالت لا والَّذي بعَثك بالحقِّ ما سمِعْتُك فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لولا خشيةَ القَودِ لأوجَعْتُك بهذا السِّواكِ . ))

[ الهيثمي عن أم سلمة أم المؤمنين ]

الرحمة، رحمة مهداة.
يا رسول الله، يا سيد الخلق، يا حبيب الحق، نحن بأمس الحاجة إلى هديك الرباني، الذي لا تزيده الأيام إلا رسوخاً وشموخاً، ونحن في أمس الحاجة إلى سنتك المطهرة التي هي المنهج القويم والصراط المستقيم، ونحن في أمس الحاجة إلى أخلاقك العظمى التي لا يزيدها التأمل والتحليل إلا تألقاً ونضارة، لقد كنت بحق بين الرجال بطلاً، وبين الأبطال مثلاً، حيث قلت لابنتك فاطمة الزهراء رضي الله عنها: يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، أنا لا أغني عنك من الله شيئاً، لا يأتيني الناس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه.

(( يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا ، يا صفية عمة رسول الله اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، يا عباس عم رسول الله اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل. ))

[ رواه مسلم ]

(( وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ. ))

[ رواه مسلم ]

وما من كلمة تقال في شمائلك أبلغ من كلمة سيدنا جعفر بن أبي طالب ابن عنك رضي الله عنه يوم كان في الحبشة مهاجراً، وسأله ملكها النجاشي عنك فقال:

(( أيها الملك كنا قوماً اهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، فيأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله فينا رجلاً رسولاً منا نعرف صدقه وأمانته وعفافه ونسبه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وشهادة الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات. ))

[ الوادعي عن أم سلمة  ]

خاطبك ربك فقال:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46)﴾

[ سورة الأحزاب ]

صفات الصحابة رضوان الله عليهم: 

لقد دعوت إلى الله، وتلوت على قومك آيات الله، وعلمتهم الكتاب والحكمة، وزكيت الذين آمنوا بك وساروا على نهجك حتى صاروا أبطالاً، رهباناً في الليل، فرساناً في النهار، يقومون الليل إلا قليلاً، ينفقون أموالهم سراً وعلانية، يذرؤون بالحسنة السيئة، في صلاتهم خاشعون، عن اللغو معرضون، للزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، ولأماناتهم وعهدهم راعون، يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالواً سلاماً، يبيتون لربهم سجداً وقياماً، هم تائبون عابدون، حامدون سائحون، راكعون ساجدون، آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر، حافظون لحدود الله، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون في الله لومة لائم، إذا قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم زادهم إيماناً، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، يبلغون رسالات الله ويخشونه، ولا يخشون أحداً إلا الله، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون، ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، كانوا قوامين لله، شهداء بالقسط، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، أحبوا الله وأحبهم، رضي الله عنهم ورضوا عنه.
أيها الإخوة الكرام، الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء مسعد، لكن هو أصل الجمال والكمال والنوال، النبي الكريم، يعني هناك نقطة دقيقة أتمنى أن أعالجها في هذا اللقاء الطيب: نحن نقول نهاية العلم القانون: فيزياء، كيمياء، رياضيات، طب، هندسة، جيولوجيا، نهاية العلم القانون، ما القانون؟
القانون: علاقة بين متغيرين، مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل، بلا دليل تقليد، بلا مطابقة الواقع جهل، علاقة مقطوعة بها، غير مقطوع: الوهم 30%، الشك 50%، الظن 70%، غلبة الظن 90%، القطع 100%.
فالقانون: علاقة مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل، هذا القانون.

سنن الدفع والرفع: 


سؤال لطيف: ماذا يقابل القوانين في العلوم الوضعية: فيزياء، كيمياء، رياضيات، هندسة، طب، فلك، يقابلها السنن:

﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)﴾

[ سورة فاطر ]

نحن عندنا سنن زمرتان كبيرتان: سنن الدفع إلى الله، وسنن الردع.

الهدى البياني: 

الدفع: الهدى البياني، أنت مرتاح، تسمع درس علم، تتابع درس تفسير في محطة فضائية إسلامية، تسمع خطبة خطيب، الهدى البياني أولاً. الدفع إلى الله: الهدى البياني، مقالة، خطاب، درس كتاب تفسير، الموقف الكامل الكامل الكامل: الاستجابة

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ﴾

[ سورة الأنفال ]

كلمة دقيقة: نحن ألسنا أحياء! الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، وصف الذين شردوا عن الله:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)﴾

[  سورة النحل ]

كلام خالق السماوات والأرض:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾

[  سورة الجمعة  ]

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4) ﴾

[  سورة المنافقون  ]

يعني من خشب مسندة (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) هكذا، فخيارنا مع الإيمان ليس خيار تحسيني، خيار وجودي، أنت المخلوق الأول الذي قبلت حمل الأمانة في عالم الأزل:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

لما قبل هذا الإنسان حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة، والمُكلَّف، والمُحاسَب، والمُعاتَب، والمُعاقَب، لأنك في عالم الأزل قبل عالم الصور، نحن الآن في عالم الصور، هذا خشب، وهذا آيباد، نحن في عالم الصور، كنا في عالم الأزل قبل الصور، نفوس

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) ﴾

[ سورة الإسراء ]

لأنك من بني البشر في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة، فلما قبلت حمل الأمانة كنت عند الله المخلوق الأول رتبة، والمُفضَّل تكرُّماً، والمُحاسَب مسؤولية، والمُعاقَب حينما الإنسان يكبر، فأنت المخلوق الأول عند الله، والمخلوق الأول جيء به إلى الدنيا ليدفع ثمن مفتاح الجنة التي قال عنها النبي الكريم:

(( فِيهَا ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ  ))

[ صحيح مسلم ]

فأنت تتلقى الهدى البياني من خطيب الجمعة، من ندوة إسلامية، من كتاب تفسير، من سهرة فيها عالم رباني، المصادر كثيرة جداً، هذا الهدى البياني أنني قرات كتاباً، سمعت حديثاً، تابعت خطبة، اقتنيت تفسيراً، الهدى البياني الموقف الكامل منه: فقط الاستجابة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) هل نحن أموال؟ صدقوا ولا أبالغ، الله -عز وجل- وصف الذين شردوا عنه (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ)

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) ﴾

[  سورة الفرقان ]

(كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) خيارنا مع الإيمان لا خيار تحسيني بل خيار وجودي. 
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
يعني هذه النفس قبل أن تعرف الله شهوانية، تخاف، اقرأ صفات الذين شردوا عن الله (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) شيء لا يُصدق، فنحن خيارنا مع الدين خيار إما أن نكون أو ألا نكون، والحقيقة الدقيقة: الله -عز وجل- ما ذكر الإيمان بالله إلا وأضاف له الإيمان باليوم الآخر، (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) إذاً: المستوى الأول: الهدى البياني، سمعت خطبة، سمعت درساً، تابعت مناظرة إسلامية من عالمَين ربانيَّين، اقتنيت كتاب تفسير، هذا الهدى البياني، الموقف الكامل له الاستجابة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) لذلك الذين شردوا عن الله (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) وصف قرآني (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) فالبطولة أن أعرف الله في الوقت المناسب. 
يا إخوان، يعني أكفر كفار الأرض، من؟ فرعون الذي قال:

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) ﴾

[ سورة النازعات ]

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) ﴾

[  سورة القصص ]

أثناء الغرق قال:

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) ﴾

[   سورة يونس  ]

معنى ذلك أن خياري مع الإيمان خيار وقت، أنا خياري مع مليون قضية خيار رفض أو قبول، مع الإيمان خيار وقت، فرعون آمن حينما أدركه الغرق، فأنا خياري مع الإيمان خيار وقت، فالبطولة والنجاح والفلاح والتفوق والعقل أن أعرف الله في الوقت المناسب، لا بعد فوات الأوان، هناك كثير من الطلاب أمامي، إذا إنسان دخل لفحص في الجامعة وما أجاب بأي كلمة أخذ صفراً بجدارة، لو ذهب إلى البيت وقرأ الموضوع وفهمه، رجع، لا، الفرصة انتهت:

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) ﴾

[ سورة النساء ]

إذاً: أول منفذ إلى الله، أول منهج الهدى البياني، أنت مرتاح، ليس لديك أي مشكلة لا ببيتك ولا مع زوجتك ولا مع أولادك ولا مع أصحابك، أبداً، دُعيت إلى الله، سمعت خطيباً في المسجد يعطيك معلومات دقيقة جداً، فأنت خُلقت لتعرف الله، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
يعني إخواننا الكرام، خيارنا مع الإيمان خيار استراتيجي، خطير، إما أن تعرف الله في الوقت المناسب، أو سيكون الشقاء أبدياً.
فأول شيء: الهدى البياني، درس، خطبة، تفسير، سهرة لعالم رباني، الموقف الكامل: الاستجابة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)
الطرف الآخر: (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) وأقسى واحدة (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) كتاب الفيزياء النووية ضعه على ظهر حمار، بعد ساعة اسأل الحمار ماذا فهم منه؟ هذه الحقيقة.
إخواننا الكرام، أتمنى عليكم أن تبحثوا عن الحقيقة المرة، هذه الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، يعني سامحوني بهذا المثل، لا يكفي أن أضع على حائط صورة الكعبة، هذا شيء ممتاز وليس خطأ، وأضع على سيارتي مصحف صغير، البطولة أن يكون الدخل حلالاً، والإنفاق حلالاً، والشاشة مضبوطة، والآيباد مضبوط، والهاتف مضبوط، والسهرة مضبوطة، وهناك حشمة، ومعرفة لله -عز وجل- والله الذي لا إله إلا هو إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا يكون أن يكون أتقى مني هناك مشكلة مع الله -عز وجل-، هذا هدى بياني: خطبة جمعة، يعني أنت من أجل أن تضع جانب اسمك فقط "د." 23 سنة دراسة، كي تستحق الجنة إلى أبد الآبدين أليس لديك وقت لحضور درس علم؟ أليس لديك وقت لطلب خطيب لامع رباني؟ لكن هذا البيت جنبي متى يأتي؟ في الركعة الثانية يوم الجمعة، ويظن نفسه حقق هذا الدين، هذه فريضة دعوية "الجمعة" مهما كان الوضع صعب، الخطاب لا يقف. 
عفواً، هذا الهاتف، قد يكون ثمنه ألف، بلا شحن أصبح قطعة بلاستيك، وأنت أيها المؤمن بلا شحن مجرد إنسان لا وزن لك إطلاقاً. ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
إذاً: الهدى البياني أرقى شيء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)
الآخر: (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) نبضه 80 ممتاز، ضغطه 8/12 عند الله ميت (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) . هذا منهج الهدى البياني، هذا أرقى شيء، وأنت جالس ببيتك تابعت درساً علمياً، حضرت المسجد فسمعت من خطيب لامع رباني، قرأت كتاب تفسير، الهدى البياني: الموقف الكامل: الاستجابة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)

التأديب التربوي: 

ما استجاب، يعني لو أن هناك شخص معه التهاب معدة حاد، ورأى الطبيب فقال له: تحتاج إلى حمية قاسية لستة أشهر بالتمام والكمال والشفاء تام ومحقق، إذا غلبت محبتك للطعام أصبحت بحاجة إلى عمل جراحي.
أول شيء: الهدى البياني، الشيء الثاني: التأديب التربوي:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾

[ سورة السجدة ]

فنحن بين الهدى البياني، والتأديب التربوي، والبطولة أن الله -عز وجل- حكيم، يسوق لعباده من الشدائد ما يحملهم بها على التوبة، كلما دخلت إلى مسجد ووجدته ممتلئ أشعر أن الله -عز وجل- رب العالمين لكل شخص شرد عنه ساق له بعض المتاعب، أعرف شخصاً في الشام زكاته حوالي عشرة آلاف ليرة- قصة قديمة جداً من الخمسينات- فزوجته ضغطت عليه حتى يطلي البيت بدل إنفاق الزكاة، فتعرّض لحادث سير، قال لي: الذي هربت منه دفعته بهذا الحادث الذي حصل، فلذلك البطولة أن تعرف الله في الوقت المناسب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)
هذا الهدى البياني أرقى شيء، أما التأديب التربوي أصعب قليلاً، فيه معاقبة، ولكن أيضاً إذا تبت:

(( التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كمَن لا ذَنْبَ له ))

[ البيهقي عن عبد الله بن عباس وفي سنده ضعف ]

الإكرام الاستدراجي: 

لا بالهدى البياني استجاب، ولا بالتأديب التربوي تاب، هناك حالة ثالثة ولكنها صعبة جداً، الناجحون فيها قلائل: الإكرام الاستدراجي: فجأة دخل كبير، يعني زوجته محجبة، أعرف شخصاً ذهب إلى بلاد بعيدة وطلب من زوجته أن تأتيه بالبنطال لا بالحجاب.
هذا النوع الثالث، الهدى البياني أولاً، تأديب تربوي، ثم الإكرام الاستدراجي، على كل أرجو الله أن يحفظنا جميعاً.
الهدى البياني: أنت بأرقى حالة، المطلوب: الاستجابة.
التأديب التربوي: هناك شبح مصيبة، المطلوب: التوبة.
الإكرام الاستدراجي: شيء مريح، دخل كبير فجأة، منصب رفيع فجأة، هنا الشكر.

القصم: 

إذا لا بالهدى الأولي البياني تاب ولا بالتأديب التربوي تاب، ولا بالإكرام شكر، يوجد القصم.
يوجد قوانين، بالمناسبة القانون بالعلم، يقابل القانون السنن، هذه سنن؛ سنن الدفع إلى الله: الهدى البياني، التأديب التربوي، الإكرام الاستدراجي، الحالة الثالثة: نحن قلنا: الردع: المصيبة الكبرى، للأنبياء المصيبة كشف، عنده كمال كبير لا يبدو إلا بالمصيبة، النبي الكريم أثناء الهجرة تبعه سراقة، وُضع مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ما معنى ناقة كمفهوم؟
يعني مرسيدس 600 شيء كبير جداً لمن يأتي به حياً أو ميتاً، قال له: يا سراقة كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟ شخص ملاحَق، مهدور دمه، يعني أنا سأصل للمدينة، وسوف أنتصر، وسوف أحارب أكبر دولة وقتها "فارس" وسوف أنتصر ولك يا سراقة سوار كسرى.
بعهد سيدنا عمر أتت الغنائم وجاء بسراقة وألبسه سوار كسرى.
إخواننا الكرام، والله زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، شيء دقيق جداً.
هذه السنن؛ سنن الدفع: هدى بياني، تأديب تربوي، إكرام استدراجي، قصم.
الآن سنن الردع: المصائب، للأنبياء: المصائب كشف، عنده كمال لا يظهر إلا بمصيبة، معك مركبة يعني 150 حصان، لا تبدو في الطريق الهابط بل في الصاعد ممتلئة ركاب، والصندوق ممتلئ.
الشيء الآخر: المصائب، للأنبياء: كشف، للمؤمنين: دفع ورفع، لغير المؤمنين: إنذار وقصم، كل شخص منا مُحتل مكان بهذا اللقاء الطيب.
الهدى البياني، التأديب التربوي، الإكرام الاستدراجي، القصم، المصيبة للأنبياء: كشف، للمؤمنين: دفع ورفع، لغيرهم: إنذار وقصم، لذلك: لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه ولا يرجوَنَّ إلا ربه.
في الحقيقة أن الإنسان إذا عرف الله ولم يقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني.

إيجابيات هذا البلد الطيب: 


إخواننا الكرام، هناك نِعَم أقولها والله لست مجاملاً لكم ولا مادحاً، ولكن وسط، هذه البلاد، أهل هذه البلاد الأكارم هناك إيجابيات ألفوها فنسوها، يعني مثلاً: أنا أقول كلمة دقيقة جداً: 
1. في هذا البلد الطيب التدين ليس تهمة تُحاسَب عليها، صح أم خطأ؟ هل يوجد أحد ضُبط متلبّساً بالصلاة؟ لا يوجد، وهذه أكبر نعمة.
2. الشعب أطياف كثيرة، هل يوجد بين طيفَين أحقاد تاريخية تقتضي القتل؟ لا يوجد، هذه نعمة ثانية.
3. يوجد حكومة قوية تحاسب وتعاقب، فلا يوجد عندها قتل.
هذه نِعَم أُلِفت فنُسِيت، والبطولة والذكاء والنجاح والفلاح أن تعرف الله في الوقت المناسب (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)
إذاً: الملخص: ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء.

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي ))

[ أخرجه  البيهقي في  شعب الإيمان وهو ضعيف ]

لذلك الإنسان إذا عرف الله فهو أسعد إنسان، مرة أخيرة: اللذة غير السعادة، السعادة: أن تنعقد لك مع الله صلة، مع أصل الجمال والكمال والنوال، مع الذات الكاملة، مع صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، هذه السعادة الحقيقية، وما سواها لذة فقط، واللذة تُمل.
فإخواننا الكرام، إن كنت تحب نفسك حباً غير معقول، ينبغي أن تستقيم على أمر الله، يعني مثل من حياتنا اليومية: اقتنيت مركبة إن شاء الله- تألق ضوءاً أحمر في لوحة البيانات، إن فهمته ضوءاً تزيينياً احترق المحرك، وتحتاج إلى مئة ألفاً لتصليحه، وإن فهمته ضوءاً تحذيرياً، أوقفت المركبة وأضفت ليتر زيت فقط.
فالبطولة والذكاء والنجاح والفلاح والتفوق أن تتبع تعليمات الصانع، الصانع الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتَّبَع تعليماته، الآن ركبت سيارتك وهناك طريق ممنوع الدخول إليه لوجود حقل ألغام، هذه اللوحة وُضعت حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟ هذه بطولة، كل النواهي في القرآن والسنة لم توضع حداً لحريتك، بل وُضعت ضماناً لسلامتك، فإذا أردت الله -عز وجل-: ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.  
أدعو لكم أن يحفظ الله إيمانكم وأهلكم وأولادكم وصحتكم ومالكم واستقرار هذه البلاد، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور