- محاضرات خارجية / ٠07رحلات - أمريكا
- /
- ٠4رحلة أمريكا 4 - 5 - 6 - 7
مكانة المرأة في الإسلام :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل الوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيتها الأخوات الفضليات ؛ بادئ ذي بدء : ينبغي أن تعلمن جميعاً أن مكانة المرأة في الإسلام تفوق أية مكانة في أي بلد آخر ، أو نظام آخر ، أو عقيدة أخرى ، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه :
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا امرأةٌ تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة ربت أولادها ))
وكأن النبي عليه الصلاة والسلام رفع من دور المرأة في تربية الجيل الصاعد إلى أعلى درجة لذلك :
﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾
السيدة مريم ، قال تعالى تعقيباً على كلامها :
﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾
لأن هذه السيدة الجليلة سوف تنجب السيد المسيح ، وسوف يكون نبياً كريماً ، وكل أعماله في صفيحتها .
على المرأة أن تكون عابدة لله فيما أقامها :
بادئ ذي بدء :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
قال علماء التفسير : ألحقنا بهم أعمال ذريتهم ، أي المرأة حينما تعتني بأولادها، تربيهم تربية إيمانية ، وتربيةً أخلاقية ، وتربيةً علمية ، وتربيةً اجتماعية ، وتربيةً نفسانية ، وتربيةً جسمية ، هذه المرأة ترتقي إلى أعلى مكانة في الإسلام ، فحينما نقول: امرأة أي الكائن المتميز ، بمعنى أنك إذا علمت شاباً علمت واحداً ، لكنك إذا علمت فتاةً علمت أسرةً ، لا يوجد طريق للإصلاح يسبق إعداد الفتاة لتكون أماً صالحةً ، وزوجةً صالحة ، لأن بيدها مناط المجتمع ، لا يوجد إنسان ليس له أم ، الأم أولاً ، فمن هنا جاءت عناية النبي عليه الصلاة والسلام بالمرأة .
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا امرأةٌ تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي قلت من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة ربت أولادها ))
فلذلك حينما تربي المرأة أولادها تكون قد عبدت ربها فيما أقامها .
اسمحوا لي بمثل : امرأة قامت الليل من منتصف الليل وحتى قبيل الفجر تصلي وتبكي وهي في أعلى درجة من الصلة بالله ، لكن بعد الساعة السادسة تعبت ، فلم ترعَ أولادها في إعداد طعامهم ، والنظر إلى لباسهم ، ومتابعة وظائفهم ، تركتهم , المرأة الثانية التي تستيقظ قبل الشمس بنصف ساعة تدفئ الغرفة ، تهيئ الطعام ، تعتني بأولادها , تراقب وظائفهم ، تتابع أخطاءهم هذه أقرب إلى الله من الأولى ، لأن الثانية عبدت ربها فيما أقامها ، فلابد من أن تكون المرأة عابدةً لله فيما أقامها .
لذلك قالوا : هناك عبادة الهوية ، من أنت ؟ أنت غني العبادة الأولى إنفاق المال ، من أنت ؟ أنت قوي ، العبادة الأولى إحقاق الحق ، من أنت ؟ أنت عالم ، العبادة الأولى إلقاء العلم، الآن من أنتِ ؟ أنت امرأة ، العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد ، طبعاً المرأة البنت رعاية الأم والأب، المرأة الزوجة رعاية الزوج والأولاد وهكذا ، فلذلك ارتفعت المرأة في الإسلام لأعلى مرتبة، هذه حقيقةً أولى .
المرأة هي المجتمع كله :
الحقيقة الثانية : أن تربية الأولاد بحث دقيق جداً ، لكن هل تصدقن أن الأم أو الأب لو لم يتكلما بكلمة واحدة أمام أولادهم استقامتهم دعوة ، أي طفل نشأ في بيت لم يسمع كلمة بذيئة من أمه وأبيه ، ما رأى شجاراً حاداً غير معقول ، ما رأى التواء في المعاملة ، تذهب إلى مكان مع ابنتها يسألها الزوج أين كنتم؟ تجيبه : كنا في البيت لم نخرج منه ، البنت ترى أن أمها قد كذبت على أبيها.
أيتها الأخوات الفضليات ؛ قبل أن تنطقن بكلمة واحدة لأولادكن بمجرد أن تكون الأم مستقيمةً ، صادقةً ، أمينةً ، وفيةً ، ترعى زوجها أمام نظر ابنتها ، البنت حينما ترى أمها ترعى زوجها ثم تتزوج ، تقلد أمها في رعاية الزوج ، أما إن رأت أمها تتطاول على زوجها ، ولا تعبأ بكلامه ، تشرب هذه العادات مع حليب الأم .
فيا أيتها الأخوات الفضليات ؛ المرأة لها دور كبير ، هي نصف المجتمع ولكن هذه الكلمة غير صحيحة هي المجتمع كله .
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا امرأةً تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي قلت من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة ربت أولادها ))
القدوة قبل الدعوة :
ولكن الآن أنا حينما أريد أن أربي ابني ، أربيه على ماذا ؟ قيل : فاقد الشيء لا يعطيه، إذا كان عندنا قاعدة فقهية دقيقة : ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، الصلاة فرض ، لماذا الوضوء فرض ؟ لأن الصلاة لا تتم إلا به ، فما لا يتم الفرض إلا بشيء هذا الشيء هو فرض ، لا تتم تربية الأولاد تربية إيمانيةً أولاً ، وأخلاقيةً ثانياً ، ونفسيةً ثالثاً ، واجتماعيةً رابعاً ، وعلميةً خامساً، وجسميةً سادساً إلا أن تكون الأم مستوعبةً لهذه المبادئ والقيم لأن فاقد الشيء لا يعطيه .
لذلك أنا لا أتصور أن امرأةً تستحق أن تنتزع إعجابنا ، لا أصدق امرأةً تستحق أن ترقى إلى أعلى مكانة إلا إذا طلبت العلم ، بين أيديكم هواتف نقالة ، هل يمكن لهذا الهاتف أن يستخدم من دون شحن ؟ والإنسان كهذا الهاتف لابد من شحن ، لابد من شحنة علمية ، وشحنة روحية حتى تكون الأم لها مكانة ، لها اتصال بالله ، تؤدي صلواتها ، تذكر ربها ، تقرأ القرآن ، حينما تنشأ البنت الصغيرة على أن أمها تقرأ القرآن كل يوم هذا ترسخ في أعماق نفسها ، و الحقيقة أن تربية الأولاد لا تحتاج إلى فصاحة ، ولا إلى بيان ، ولا إلى معلومات ، مبدئياً القدوة قبل الدعوة ، الإنسان لا يتعلم بأذنه يتعلم بعينه ، الأطفال يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، كل ما يقال الواقع إذا خالفه ليس له قيمة، سقطت قيمته في الوحل ، فلابد من أن تكون الأم أولاً مثاليةً طبعاً ، أنا لا أطالبكن بمثالية مطلقة هذه فوق طاقة البشر لكن أقرب إلى المثالية ، لذلك الآن هناك كلمات تنديد بالمثالية ، هذا خطأ كبير ، هناك مثالية واقعية ، أو هناك واقعية مثالية ، أي الأم لا تكذب حينما لا يضبط الابن أمه على كذبة واحدة ، ولا تضبط البنت أمها على كذبة واحدة تنشأ صادقةً ، حينما لا تضبط البنت موقفاً لأمها يتنافى مع حشمتها تنشأ البنت محتشمة ، فالتربية عملية بسيطة جداً يكفي أن تمشي على صواب حتى يمشي من حولك على صواب ، هذه عبر عنها العلماء : القدوة قبل الدعوة ، فأنا حينما أتزوج أنجب أولاداً ، وأنا تحت سمعهم وبصرهم ، وأنا علمت في التعليم خمسة و ثلاثين عاماً، الطفل مهما بدا لك صغيراً يفهم كل شيء ، وينتقد أشياء دقيقة جداً .
فلذلك لا أطالب الأخوات الفضليات - الأمهات - بأكثر من الاستقامة في البيت ، يجب ألا يكون هناك كلمة بذيئة إطلاقاً ، يجب ألا يكون هناك موقف عنيف ، خبط أبواب ، تكسير أواني، ألا يكون هناك صياح ، حتى أن بعض العلماء قالوا : الإنسان يتمتع بما يسمى اليوم بالحقوق المدنية ، هذه الحقوق المدنية عند العلماء اسمها العدالة ، فالإنسان كما قال النبي الكريم .
(( من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، وائتمنوه فلم يخنهم ، كان ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته))
هذه الصفات تسمى في الإنسان العدالة ، فإذا كانت ذاكرته قوية ضبط ، فمن الذي يصح أن ينقل حديث لرسول الله ؟ من كان يملك العدالة والضبط ، فحينما يكون الأب عادلاً وضابطاً ، والأم عادلة وضابطة هذا يكفي لتربية الأولاد ، هذا الذي يمكن أن يقال بادئ ذي بدء .
يعني الأم بحركاتها ، بتعليقاتها ، بكلامها ، بتصرفاتها ، بغضبها ، برضاها ، حينما تكون متوازنة ، منضبطة ، كاملة ، هذه تربية الأولاد في الإسلام ، هذه التربية بالقدوة قبل الدعوى .
الإحسان قبل البيان :
الآن هناك قاعدة ثانية : الإحسان قبل البيان ، حدثنا أستاذ في الجامعة هو أستاذ علم النفس التربوي ، وهو من كبار علماء النفس قال : الأم التي ترضع ابنها بقسوة ، هذا ينشأ بخلق آخر ، بخلق شرس ، أما حينما يرى من أمه الحنان والعطف فينشأ لطيفاً .
أنا أذكر أنني كنت في أستراليا وبعد إلقاء محاضرة طويلة ، امرأة تقف بعيداً تنتظر أن ينفض الناس من حولي ، فأنا لاحظتها تنتظر طويلاً ، فلما انتهى من حولي ، اقتربت مني وقالت لي : لك عندي هذه الرسالة ، أخذتها وقرأتها في البيت فبكيت ، هي فتاة نشأت في أسرة توفيت أمها تزوج أبوها من أم غير أمها ، هذه امرأة الأب قاسية جداً ، قاسية قسوة لا حدود لها ، فلم تستمع إلى كلمة عطف منها إطلاقاً ، ثم أمرت هذه الزوجة زوجها أن يضع ابنته في مدرسة داخلية ، وضعها أبوها في مدرسة داخلية لكنها نصرانية ، تقول هذه البنت : وقعت مرةً فجاءت الراهبة وقالت لها : يا حبيبتي هل حصل معك شيء ؟ كلمة يا حبيبتي تركت أثراً بنفسها منقطع النظير ، تنامى هذا الأثر حتى حملها على التنصر ، وتنصرت ونالت إجازة في الأدب العربي ، ثم إجازة في اللغة الإنكليزية وتخرجت من الفاتيكان و هي تحمل إجازة في اللاهوت ، وأصبحت من أكبر الراهبات في هولندا ، وفي فرنسا ، وفي إيطاليا ، ثم نقلت إلى أستراليا ، أنا كنت في زيارة هناك لأستراليا ، هناك دروس بالإذاعة أربع ساعات يومياً ، يبدو أنها حينما كانت في أوروبا شكت في الإسلام أصلاً ، واعتقدت بألوهية المسيح ، فلما سمعت دروسي في أستراليا اختل توازنها ، الإسلام حق كلام منطقي ، فيه أدلة ، فيه سمو بالنفس ، من فضل الله كان لدروسي أثر كبير ، لكن الذي ترك فيها أثراً أيضاً أن المجتمع المسكوني - هذا مؤتمر يعقد سنوياً في الفاتيكان - هذا المؤتمر اتخذ قراراً - هذا قبل اللقاء معها بسنة - أن المسيح ليس ابن الله ، فاعتزت بدينها ، الدين الإسلامي هو الصح ، القصة طويلة ودعوتها إلى الشام بقيت عندنا أسبوعين ، وكانت بأعلى مستوى من الذكاء ، والله عز وجل هداها للإسلام ، وكان أبوها حينما قيل له تنصرت ، قال : أنا أثق بابنتي سوف تعود إلى هذا الدين .
المساواة بين المرأة و الرجل في التّكليف و التّشريف و المسؤولية :
أنا أقول لكم : قضية الدين قضية أساسية ، قضية وجود ، قضية سعادة أو شقاء ، قضية مصير ، والمرأة أريد أن أقول كلمة دقيقة جداً : المرأة مساوية للرجل في التشريف ، وفي التكليف ، وفي المسؤولية .
بالخليج كان هناك مؤتمر للمرأة وانتقدوا هذه المقولة لماذا هي مساوية للرجل ؟ هي في الأصل دونه ؟ قلت : بالعكس ، الرجل مساو للمرأة ، هكذا أفضل ؟ في التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية .
فيجب أن نعتقد جميعاً اعتقاداً جازماً أن المرأة قد تصل إلى أعلى درجة في الجنة ، المرأة السيدة مريم صدّيقة ، طبعاً لا نبية في الإسلام ، لكن ما الذي يأتي بعد النبوة ؟ الصديقة ، السيدة مريم كانت صديقة النساء ، ومريم ابنة عمران :
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾
فلذلك باب البطولة مفتوح أمامكن ، طبعاً ممكن الزوجة بارك الله بها أن تربي أولادها، تهيئ الطعام ، تتابع دراسة أولادها ، هذا كله صح ، لكن حينما ترتقي المرأة فوق وظيفتها النسائية إلى معرفة الله ، وإلى الدعوة إليه ، فهذه مرتبة عالية جداً ، لذلك :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
والله أنا في جامعي في الشام , أكثر من عشرين أو أربعين شخصاً هدايتهم تمت على يد زوجاتهم ، المرأة حينما تتمسك بالدين لها تأثير قوي جداً فيمن حولها ، لكن أهم شيء أولادها ، أي هناك مهمة أولى منوطة بالمرأة تربية أولادها ، ورعاية زوجها ، لذلك :
(( اعلمِي أيتها المرأة ))
دققوا هذا كلام النبي .
سيدنا سعد بن أبي وقاص يقول : ثلاثة أنا فيهن رجل ، معنى رجل في هذا النص لا يعني أنه ذكر يعني أنه بطل ، كلمة رجل في القرآن والسنة تعني البطولة .
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
يقول سيدنا سعد : "ثلاثة أنا فيهن رجل ، وما سوى ذلك فأنا واحد من الناس - من هذه الثلاثة - ما سمعت حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى" .
عبادة التربية أعلى عبادة خصّ الله بها المرأة :
لذلك أيتها الأخوات الفضليات ، المرأة لها دور كبير كزوجة .
(( انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ أي يعدل الجهاد في سبيل الله ، والجهاد ذروة سنام الإسلام ))
فمرشحة أن تكوني بنتاً صالحة - لأخواتنا الفتيات العازبات - ومرشحة أن تكوني أماً صالحة ، وزوجة صالحة ، وجدة صالحة ، نحن جداتنا منبع النور ، منبع الحكمة في كل أسرة ، فالمرأة سبحان الله بالإسلام لها تألق ، بكل مرحلة من عمرها ، يمكن بالبدايات حينما تخطب ينظر إلى جمالها ، لكن بعد حين إلى حكمتها ، إلى وفائها لزوجها ، بعد حين إلى رعايتها لأحفادها ، فكل مرحلة بحياتها فيها تألق والتألق مستمر .
إذا : القدوة قبل الدعوة ، أول نقطة دقيقة جداً أتمنى عليكن الانتباه لها ، الصدق الذي تمارسينه هو نفسه دعوة إلى أولادك ، الأمانة دعوة ، لا يوجد كلمة زائدة ، ولا كلمة نابية ، ضبط اللسان دعوة ، أنا أعرف أسراً كثيرة جداً بثلاثين سنة ما نطق في البيت كلمة بذيئة ، هذا الطفل هكذا ينشأ ، هكذا رُبي على الكلمة ، وأنا في حياتي التعليمية بخمس و ثلاثين سنة ، ما وجدت طالباً خلقه عال إلا أنا أعتقد يقيناً أن وراءه أماً فاضلة ، أحياناً من هندامه ، من نظافته ، من أدبه ، من حشمته ، من سكوته ، أي لا يوجد إنسان عظيم إلا وراءه امرأة ، لكن هناك كلمة لا أعرف مدى صحتها ، لا يوجد إنسان حيوان إلا وراءه امرأة أيضاً ، أي أهملت تربيته ، خذوها على الجهتين لا يوجد إنسان تفوق إلا وراءه أماً أو زوجة ، ولا يوجد إنسان أساء إلا وراء ذلك إهمال للتربية ، من هنا نقول : المهمة الأولى العبادة التي خصّ الله بها المرأة عبادة التربية ، وهذه أعلى عبادة .
أثر الأم في أولادها يفوق حدّ الخيال :
القدوة قبل الدعوة ، الإحسان قبل البيان ، أي الأم أم ، لكن أحياناً يكون هناك قسوة ، أو إهمال ، الأكل غير جاهز ، صباحاً دبروا أنفسكم لأنني أشعر بالتعب مثلاً ، أنا والله لي قصة مع والدتي رحمها الله ، تكون عند خالتي ، بيتنا بركن الدين ، وبيت خالتي بالمهاجرين مسافة طويلة ، فتأتي والدتي من عند أختها من المهاجرين إلى ركن الدين فقط حتى تسخن الطعام ، كي تسخن لنا الطعام ، تقول لها خالتي : عليهم أن يسخنوا الطعام بأنفسهم ، تقول : لا ، هكذا تعلمنا .
رعاية الأم تترك أثراً يفوق حدّ الخيال ، أقرب جهة لكم أولادكم ، إذا رضع الحنان والعطف من أمه ينشأ رحيماً في التعامل مع الآخرين ، له أثر بالغ جداً في التعامل مع الناس من خلال تربيته التي تلقاها من أمه .
القدوة قبل الدعوة ، الإحسان قبل البيان ، الإحسان ، دائماً وأبداً ممكن أن يكون هناك أب عادي ، وأم عادية ، وبيت عادي ، و فوضى ، و عنف .
درسنا في الجامعة كتاباً فرنسياً ، ملخص الكتاب : العنف بأي مكان بالأرض لا يلد إلا العنف ، أحياناً الأب قاس على زوجته ، الزوجة قاسية على بناتها ، البنت الكبيرة قاسية على أختها الصغيرة ، آخر واحدة قاسية على القطة ، العنف لا يلد إلا العنف ، والرحمة لا تلد إلا الرحمة ، فبيت هادئ فيه رحمة ، فيه مودة ، الحقيقة ما الذي يصرف الأولاد عن بيوتهم ؟ العنف ، بالبيت يوجد عنف ، و صياح ، و ضرب ، و سباب ، و شتائم ، وهناك بيت هادئ فيه مودة ، يدخل الابن إلى البيت يجد ترحيباً كبيراً جداً ، الأكل جاهز ، يحس بالعطف والحنان ، أنا أقول : يمكن أن تصل المرأة إلى أعلى درجات الجنة ، حينما تؤدي ما ألزمها الله من تربية أولادها ورعاية زوجها فقط ، نحن الرجال عندنا مليون طريق للآخرة ، أما أنتن فالطريق إلى الآخرة ضمن البيت ، لو أن المرأة ما خرجت من البيت أبداً تستحق الجنة .
(( أيما امرأة ربت بناتها فهي معي في الجنة ))
((من كن له ثلاث بنات فعالهن وآواهن وكفهن وجبت له الجنة ، قلنا : وبنتين ؟ قال : وبنتين، قلنا : وواحدة ؟ قال : وواحدة .))
كم هي المرأة غالية على الله ، الذي يعتني بها يدخل الجنة ، هل تصدقن ؟ ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ، حينما يعتدي معتد على البيت ، ويدافع الزوج عن زوجته بكل قوة ويقتل، هو شهيد ، هل هناك مكانة أعلى من هذه ؟ من يموت من أجل زوجته أو بناته فهو شهيد ، وكم إنسان شهيد في سوريا من أجل العدوان على البنات فقتل ، فالذي يموت من أجل زوجته أو ابنته فهو شهيد عند الله عز وجل ، الإسلام عظيم ، لكن فهمه فيه تقصير جداً .
القدوة قبل الدعوة ، الإحسان قبل البيان .
بطولة الإنسان أن يصل للحقيقة بعقله قبل أن يصل إليها فعلاً :
الآن هذا الذي أقوله الآن زيادة على ما كلف الله به النساء ، المرأة لزوجها وأولادها ، جيد جداً ، رائع ، لكن أولادها كبروا ، و بناتها تزوجن ، عندها فراغ كبير ، فما قولكن لو أخت كريمة زوجت بناتها ، ولا يوجد عندها أي أعمال منزلية ، والله أكرمها بزوج صالح ، ووضعه المادي جيد أن تكون داعية ؟ والله بالشام ما شاء الله لهن أثر كبير جداً ، يقولون : إن أعظم منظمة إسلامية بالعالم موجودة بالشام الآن ، شيء كبير ، هناك حفظ قرآن ، و أشياء رائعة جداً ، فالحقيقة يمكن أن يملأ وقت الفراغ كله .
هناك شيء عجيب بالدنيا سبحان الله ! إن شاء الله أتمكن أن أشرحه لكن الله عز وجل خلق الإنسان بطاقة لا نهائية ، لأن الإنسان خلق لمعرفة الواحد الديان ، الله لا نهائي ، لا نهاية لعظمته ، فلابد للإنسان من طاقة كبيرة جداً تستوعب هذه المهمة ، فالإنسان عندما يختار هدفاً محدوداً ويصل إليه يبدأ شقاؤه ، كيف ؟ إنسان هدفه المال فقط ، و المال متألق أمامه ، فإذا جمع المال فوجد الوضع هو هو ، بقدر ما كان غنياً عنده صحن فول صباحاً ، عنده بيضتان مقليتان ، لن يستطيع أن يأكل أكثر من ذلك ، بقدر ما كان غنياً ينام على سرير واحد ، بدلة واحدة ، وجبة طعام واحدة ، اكتشف أن المال ليس كل شيء ، كان متوهماً أن المال كل شيء ، فإذا هو شيء من الأشياء ، وعند الموت لا قيمة له ، لا قيمة للمال إطلاقاً ، الإنسان بطولته أن يصل للحقيقة قبل أن يصل إليها .
مثل اقبلوه مني ، مثل ضربته بسوريا ، في دمشق هناك مدينة تدعى : حمص ، إذا الإنسان ركب سيارته إلى حمص ، لأن له هناك مبلغاً كبيراً ، فخرج من دمشق وجد لوحة كتب عليها : الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في النبك ، ماذا يفعل ؟ يرجع ، اللوحة كلها أربع كلمات ، لو أن دابة تمشي إلى حمص أين تقف ؟ عند الثلج ، ما الذي حكم الدابة ؟ الواقع ، ما الذي حكم الإنسان العاقل ؟ النص ، فالدين أساسه نص ، كله نص ، نص من الله ، القرآن نص، الحديث نص ، فكلما ارتقى الإنسان يحكمه النص ، لا يحكمه الواقع ، فالذي يصاب بالسرطان بعد التدخين ، يترك الدخان ، هذا حكمه الواقع ، هذا بهيمة ، أما الذي يقرأ موضوعاً عن الدخان ، ويدع الدخان ، فهذا عاقل ، فالبطولة دقيقة جداً ، العاقل يحكمه النص وغير العاقل يحكمه الواقع ، فلا تقول : أنا واقعي ، لا تفرح بها ، أنا واقعية ، لا ، لا ، أنا عقلانية ، العقل تصل به إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، ودائماً وأبداً العقلاء الكبار بالأرض ، الأذكياء ، العلماء ، الأعلام في الحياة بلغوا الحقيقة قبل أن يصلوا إليها ، من أذكى إنسان ؟ الذي أعدّ للموت قبل أن يصل الموت، مثلاً من الأم العاقلة ؟ التي أعدت بناتها إلى الزواج ، علمتهن أشياء أساسية ، فالإنسان حقيقته أن يعيش المستقبل ، لا أن يعيش الواقع ، العالم الآن كله يعيش الواقع ، الآن يحكي عن واقعه وعن ماضيه ، أما مستقبله فلا يفكر فيه ، يتفاجئ به ، لذلك ورد :
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت))
إنسان توفى والده وهو غني جداً ، فبلغه الحديث :
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت))
فبحث عن إنسان فقير يكاد يموت من الجوع ، و قال له : هل تأخذ عشرة جنيهات وتنام مع أبي أول ليلة في القبر ؟ قال له : نعم ، فتحوا له فتحة كبيرة مبلغ عشرة جنيهات ضخم جداً ، هذا و هو جالس - القصة رمزية - جاء ملكا الموت ، قال أحدهما للآخر : عجيب يوجد شخصان، بالعادة نجد شخصاً واحداً بالقبر ، فخاف الثاني فتحرك فعرفوا أنه ليس ميتاً ، فقالوا : لنبدأ به أجلسوه ، هذا من فقره يلبس كيساً من الخيش ، فتحه من الأعلى ليخرج رأسه ، ومن الطرفين مد يديه ، و ربطه بحبلة ، الحبلة من أين أحضرتها ؟ قال له : من البستان ، كيف دخلت إلى البستان ؟ لم يعرف الجواب ، فضربوه بشدة ، فخرج من القبر ، ثم قال : أعان الله والدكم .
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
حاجة المرأة إلى العلم لأن العلم حصن :
أخواتنا الفضيلات أنت حينما تتيقن أن هناك سؤالاً لماذا فعلت هذا ؟ أحياناً الأم يكون عندها بنت زوجها فقير ، والبنت الثانية زوجها غني ، الغني يحترم احتراماً بالغاً ، الولائم بكل مناسبة ، إذا عطس يزورنه ، والثانية مسكينة زوجها فقير يهملونها ، الغلط كبير جداً ، فالعدل ، و الذي لا يعدل بين أولاده ولا بين بناته يواجه محاسبة كبيرة جداً ، فالمرأة بحاجة إلى علم لأن العلم حصن .
يا بني العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقه ، والعلم يزهو على الإنفاق ، مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة .
أتمنى أن يكون هذا اللقاء الطيب إن شاء الله باعثاً لنا جميعاً على مزيد من طاعة الله، ومزيد من القرب منه ، ومزيد من تربية أولادنا .