الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبع أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
إخواننا الكرام، موضوع الدرس اليوم له خصوصية كبيرة، الفتن في آخر الزمان، هناك أحاديث كثيرة جداً اخترت منها بعض هذه الأحاديث:
الحديث الأول: في كتاب جامع الأصول من أحاديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- في باب الفتن، أيها الإخوة، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ، ومأْجُوجَ مِثْلُ هذا، وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ، وبِالَّتي تَلِيهَا فَقَالَتْ زَيْنَبُ فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ أنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ. ))
[ صحيح البخاري عن زينب أم المؤمنين ]
علم الغيب بيد الله تعالى وحده:
أولاً: قال تعالى يبين أن النبي الكريم على علوّ قدره، وعلى أنه سيد الأنبياء والمرسلين:
﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾
هذه الحقيقة دقيقة جداً، سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم على علو مقامه، وهو الإنسان الأول، والنبي الأول، والرسول الأول، (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) .
(وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) إلا أن الله -عز وجل- بتعبير معاصر سرّب له بعض أشراط الساعة، فهذا الذي يقوله النبي ليس من عنده، ولا من رؤيته، ولا من اجتهاده:
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) ﴾
لذلك: أول شيء، أول حديث: (وَيْلٌ للعربِ من شرٍّ قد اقْتَرَبَ) علم الغيب بيد الله وحده، سمح لنا أن نطّلع على ما سيكون قبل أن يكون؛ لكرامة الإنسان عند الله.
الصالحون القلة لا يمنعون تأديب الله للكثرة الكثيرة
يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا-على زوجته زينب- فَزِعًا يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ، ومأْجُوجَ مِثْلُ هذا، وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ، وبِالَّتي تَلِيهَا فَقَالَتْ زَيْنَبُ فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ أنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ. ))
[ صحيح البخاري عن زينب أم المؤمنين ]
إذا 8 مليارات إنسان بالعالم غارقون في الملذات والشهوات والبعد عن الله-عز وجل-والمؤمنون قلة قليلة، نعم (أنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ)
يعني الصالحون القلة لا يمنعون تأديب الله للكثرة الكثيرة، إذا أب عنده خمسة أولاد، واحد مستقيم، ولي، طاهر، صائم، مصلي، له أعمال صالحة، هذا الابن البار يمنع الأب من معالجة إخوته المتفلتين؟ لا، اسمه رب، رب يعني مربي، يعني تصور أن-كلمة دقيقة- طفل عمره 8 سنوات قال لأبيه: لا أحب الدراسة، قال له: كما تحب يا بني، كما تريد، جلس في البيت لا يوجد وظائف، ولا يوجد أستاذ، ولا يوجد تأديب، ولا يوجد استيقاظ باكراً، كله انتهى، رأى نفسه هذا الطفل أنه أسعد طفل في الأرض، ليس لديه شيء، يستيقظ في العاشرة، ويأكل طعاماً على مزاجه، ويجتمع بأصدقائه ويلعب معهم، عندما كبر وجد نفسه بلا بيت ولا سيارة ولا زوجة ولا مكانة فاحترق قلبه، كأنه يقول لأبيه: لما قلت لك: لا أريد أن أدرس لماذا لم تضربني؟ لماذا لم تعنفني؟ اسمع الآية:
﴿ وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَٰهُم بِعَذَابٍۢ مِّن قَبْلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلَآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)﴾
هنا الرسول: المصيبة، المعنى السياقي الحتمي: الرسول: المصيبة، أخذ بالرياضيات صفر، فعاقبه أبوه عقاباً شديداً حتى نجح، لما صار مهندساً كبيراً قال: لو لم يؤدبني أبي بالشباب كنت الآن بلا عمل، واضحة؟
سلبيات الحياة هي سبب النجاح:
والله الذي لا إله إلا هو إذا ساق الله -عز وجل- لأحدنا –نحن كلنا نخضع للمعالجة الإلهية- إذا كشف لنا الله-عز وجل-حكمة ما جاءنا من سلبيات الحياة، سلبيات الحياة هي سبب النجاح، لما قال له: لا أريد أن أدرس عاقبه، لما صار طبيباً وسيارته أمام الباب- مثلاً يعني- ودخله كبير، ولديه بيت على البحر، وبيت في الجبل، وبيت في العاصمة، وله مكانته الكل يقول له: دكتور، لو ما أدبه أبوه منذ الصغر لمَا صار طبيباً، هذه نقطة دقيقة جداً، الله رب، هو خالق، وإله، ولكنه رب العالمين، يعني يؤدب، كل سلبيات حياتنا سبب رقينا.
صدقوا ولا أبالغ، الذي يحصل الآن في العالم الإسلامي كأنه حرب عالمية ثالثة على المسلمين ولا أبالغ، هذه الحرب سبب الأشياء الأرضية انتهت، يقول لك: وازع داخلي، أين الوازع الداخلي، ضمير، أين الضمير؟ حتى القيم التي تُطرح في العالم كله الأرضية فقط سقطت واحدة واحدة، لم يبقَ إلا الإيمان بالله، مؤمن بالله، مستقيم على أمره، تعمل عملاً صالحاً، يحفظك، كأن الخمسين سنة الماضية كل القيم الأرضية سقطت، أعني ما أقول، كل كلمة دقيقة جداً: القيم الأرضية التي اخترعها الإنسان، هذه القيم سقطت سقوطاً ذريعاً.
(لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ، ومأْجُوجَ مِثْلُ هذا، وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ، وبِالَّتي تَلِيهَا فَقَالَتْ زَيْنَبُ فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ أنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ) . الله -عز وجل- وصف هذه الأمة بالخيرية:
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) ﴾
معنى (كُنتُمْ) هنا: أصبحتم، دقيقة الفكرة، (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) بهذه الرسالة التي خصها الله للأمة العربية أصبحتم -أيها العرب- (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) هذه الخيرية ما خصائصها؟
(تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) الأمر بالمعروف: كلمة معروف عميقة جداً: تعرفه النفوس ابتداء، يعني إنسان ما سمع درس دين بحياته، ولا محاضرة إطلاقاً، بعيد عن الدين بعد الأرض عن السماء، دخل إلى البيت الساعة الواحدة، قالت له أمه: أريد هذا الدواء رضي الله عنك، قال لها: كل الصيدليات مغلقة، فسكتت، لكنه يعلم أن هناك خمس صيدليات مناوبة، ومعه سيارة، فلا ينام مرتاحاً، هذه الفطرة، لو ذهب –افتراضاً- والدواء مفقود، طاف على خمس صيدليات ولم يجد الدواء، أمه بالحالتين لم تأخذ الدواء، لكن في المرة الثانية ينام مرتاحاً، هذه الفطرة.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)﴾
"كيف بكم الآن إذا لم تأمروا بالمعروف-أعوذ بالله- ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: "أوكائن ذلك" ؟! يعني معقول! هذا عصر صحابة، عصر المبادئ والقيم، قال: "وأشد منه سيكون"، قالوا: "وما أشد منه"؟ قال: "كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف" ، يعني عدد كبير من الأسر "لا تصلِّ بابا، تُفضَح ويأخذون اسمك"، "وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف، قالوا: أوكائن ذلك يارسول الله! قال: وأشد منه سيكون" ، الحالة صعبة الآن، "وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً" ! أخطر عصر عصر تبدل القيم، المتفلت له مكانة اجتماعية، البنت: سافرة، كل مفاتنها ظاهرة، هذه "سبور"، ليست عاصية "سبور"، يعني هناك حوالي عشرين أو ثلاثين مصطلح أقولهم لكم إن شاء الله، أكبر المعاصي لها اسم آخر.
(( كيف بكم إذا طغَى نساؤُكم وفسق شبَّانُكم وتركتم جهادَكم قالوا وإنَّ ذلك لكائنٌ يا رسولَ اللهِ قال : نعم والَّذي نفسي بيدِه وأشدُّ منه سيكونُ قالوا وما أشدُّ منه يا رسولَ اللهِ ؟ قال : كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروفٍ ولم تنهَوْا عن منكرٍ قالوا وكائنٌ ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قال : نعم والَّذي نفسي بيدِه وأشدُّ منه سيكونُ قالوا وما أشدُّ منه ؟ قال : كيف أنتم إذا رأيتم المعروفَ منكرًا والمنكرَ معروفًا قالوا وكائنٌ ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قال : نعم والَّذي نفسي بيدِه وأشدُّ منه سيكونُ , قالوا وما أشدُّ منه ؟ والَّذي نفسي بيدِه وأشدُّ منه سيكونُ , يقولُ الله تعالَى : بي حلفتُ لأُتيحنَّ لهم فتنةً يصيرُ الحليمُ فيها حيرانَ . ))
[ العراقي عن أبي أمامة الباهلي وفي سنده ضعف ]
سيدنا عمر أدخل شاعراً السجن لأنه قال بيتاً يُعد أهجا بيت قالته العرب: أدخل صاحبه السجن، الزبرقان، ماذا قال:
دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها وَاِقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
هذا شعار كل إنسان الآن، عنده بيت، ودخل معقول، وزوجة، وسيارة، ويوم الجمعة يذهب بنزهة، والناس هلكى من جوعها، والله الإنسان عندما يتابع الأخبار ويرى النساء المحجبات يركضن خوفاً من القتل يجب أن تتعاطف معهم؛ لأن الأمة واحدة، فكلام الناس الآن: "عليك بنفسك" مادام لك دخل وفير، وبيت كبير واسع تملكه، وزوجة تروق لك وأولاد، دعك من الناس يا أخي، دعك من أي عمل صالح، وارأف بنفسك، هذا الواقع، الواقع مر، نحن الآن ملياران مسلماً.
(( خَيرُ الصَّحابةِ أربَعةٌ ، وخيرُ السَّرَايا أَربعُمِئَةٍ ، وخَيرُ الجيوشِ أَربعةُ آلافٍ ، ولن يُغلبَ اثْنَا عَشَرَ ألفًا من قِلَّةٍ))
[ الألباني عن عبد الله بن عباس وهو ضعيف ]
هذا كلام النبي ليس من عنده، ليس من تصوره (وَحْيٌ يُوحَىٰ)
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) ﴾
الإسلام فردي، والإسلام جماعي:
ملياران مسلماً في خمس عواصم مشكلة كبيرة جداً، أين وعود الله بالنصر؟ الله -عز وجل- ينصر بالتمام والكمال، يعالج، فأنت يجب أن تعرف، لكن أنا أطمئن الإخوة الحاضرين، لدينا إسلامان: إسلام فردي، وإسلام جماعي، أنت كفرد مكلف بثلاث دوائر، أو تملك القرار بثلاث دوائر: قرار بنفسك: تستطيع أن تصلي أو لا تصلي، تطلق بصرك بالحرام أو تغض بصرك، تتحرى الحلال بالكسب أو لا تتحرى الحلال، لا يهم، فأنت دائرة.
وبيتك دائرة: يوجد شاشة مفتوحة، ويوجد شاشة مضبوطة، يوجد سهرات مضبوطة، لا يوجد فيها اختلاط، يوجد سهرات فيها اختلاط، فالأمر لك بالبيت، الأمر لك مع نفسك، والأمر لك بالبيت، ولك بعملك، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك، أنت محاسب عن ثلاث دوائر: أنت دائرة، بيتك دائرة، عملك دائرة، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك، لا تُحاسَب عن فساد عام في الأرض، ليس لك علاقة، أنت أين لك قرار، أين تستطيع أن تقول لا؟ في بيتك، أنت دائرة: تستطيع أن تصلي أو لا تصلي، تستطيع أن تكون صادقاً أو غير صادق، تستطيع أن تبيع بيعاً حلالاً أو بيعاً حراماً، وعملك دائرة، أنت دائرة، بيتك دائرة، عملك دائرة فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك.
أنا أتعاطف مع الأمة أحياناً أساعد، ألقي درساً، أدفع صدقة، أعين يتيماً، الأعمال صالحة، أما كمسؤولية جزائية تُحاسَب عن نفسك، وعن بيتك، وعن عملك، أما أنت كمؤمن تتعاطف مع أصحاب المصائب كلها، وقد تخففها عنهم، وقد تنفق مالك من أجلهم، لكن كل هذه أشياء من عملك الصالح عند الله -عز وجل- أما كمسؤولية جزائية: أنت محاسب عن دائرة لك فيها القرار، فأنت دائرة، بيتك دائرة، عملك دائرة.
الحديث الثاني: ذاك الأول،
(( كنْتُ عاشِرَ عشرةٍ في مسجِدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقام فتًى من الأنصارِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ؟ من أفضل المؤمنين؟ قال: أحسَنُهم خُلقًا. قال: فأيُّ المُؤمنينَ أكيسُ؟ يعني أذكى، قال: أكثرُهم للموتِ ذِكْرًا وأحسَنُهم استعدادًا قبلَ أنْ ينزِلَ به، أولئك الأكياسُ. قال: ثمَّ إنَّ الفتى جلَسَ، فأقبَلَ علينا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا معشرَ المُهاجِرينَ، خِصالٌ خمْسٌ إذا نزلْنَ بكم -وأعوذُ باللهِ أنْ تُدْرِكوهنَّ-: لم تظهَرِ الفاحشةُ يعني الزنا هنا في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم، ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم، ولم يَمْنعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ من السَّماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَروا، ولم يَنْقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّطَ اللهُ عليهم عدُوًّا من غيرِهم، فأخَذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ وتَخيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم. ثمَّ أمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ يَتجهَّزُ لسَرِيَّةٍ يبعَثُه عليها، فأصبَحَ عبدُ الرَّحمنِ وقد اعتَمَّ بعمامةٍ كَرابيسَ سوداءَ، فنقَضَها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعمَّمَه، وأرخى من خلْفِه أربعَ أصابعَ أو قريبًا من شِبْرٍ، ثمَّ قال: هكذا فاعتَمَّ يا ابنَ عوفٍ؛ فإنَّه أعرَفُ وأحسَنُ. ثمَّ أمَرَ بِلالًا، فرفَعَ إليه اللِّواءَ، فعقَدَه، ثمَّ قال: خُذْ يا ابنَ عَوفٍ، فسَمِّ اللهَ، واغْزُوا في سَبيلِ اللهِ، فقاتِلوا من كفَرَ باللهِ، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِروا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تَقْتلوا دابَّةً؛ فهذا عهدُ اللهِ فيكم وسُنَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. ))
[ البوصيري عن عبد الله بن عمر ]
مرة إنفلونزا الطيور، مرة إنفلونزا الخنازير، مرة الإيدز، والآن كورونا، شيء واضح كالشمس تماماً، كلها أمراض لم تكن معروفة من قبل، هذه أول علامة من علامات اقتراب الساعة.
إذاً: يوجد شيء خاص، يوجد قفزة نوعية بالمعاصي والآثام، الآن كلمة "عادي"، يعني المعصية الكبيرة "عادي"، كلمة وضعها إبليس، ما معنى "عادي"؟ يعني تفعلها؟ أنت معك منهج، معك تعليمات الصانع، خالق الأكوان منعك من الزنا، "عادي"! كلمة خبيثة جداً جداً جداً، يعني يرتكب أكبر معصية وهو مرتاح.
الدين يدخل بكل تفاصيل حياتك:
(ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ) هذه الكلمات تعني مطلق الغش، هناك غش بالمكيال، وهناك غش بالأوزان، وهناك غش بالأطوال، هناك غش بالمساحات، وهناك غش بالسعر، وهناك غش بتغيير الصفات، تشتري بضاعة من الصين، وتطلب منهم رسمياً أن يكتبوا "صنع في ألمانيا"، ويعطونك إياها مباشرة لتبيعها للناس ألمانية بخمسة أضعاف، وهي صنع الصين.
إخواننا الكرام، يظن الناس الدين بالمساجد، الدين بالعمل، بضاعة مسرطنة مسموح بالمواد المسرطنة ثلاثة بالألف، هناك معمل غذائي يضع ثلاثة بالمئة، السرطان متضاعف عشرة أضعاف، حتى يضمن بيع هذه البضاعة يرفع بنزوات الصوديوم، الله كبير، الدين ليس بالجامع، بمعملك، يعني هناك بضاعة انتهى مفعولها، يصنّعونها تصنيعاً فلم يعد بحاجة للنظر إلى تاريخ الانتهاء، أكثر البضائع المعلبة فيها تاريخ انتهاء، عنده كمية كبيرة لم تُبَع، فبدل أن يتلفها يحولها للصناعة، هذا الطفل معه عشر ليرات ثمن شطيرة فتعطيه مواد كلها مسرطنة! ابن الناس! الله كبير، الدين ليس بالصلاة فقط، الدين داخل بكل تفاصيل حياتك، داخل من أخص خصوصيات حياتك، من العلاقات الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية.
دخلك حلال، البيع حلال، السهرة حلال، النزهة حلال، الصيفية حلال، اختلاط، يعني خذ مثالاً لألف بيت لأي عاصمة عربية إسلامية، ألف بيت لا يوجد فيه زنا طبعاً، ولا يوجد خمر ولا يوجد قتل، ولكن هناك مليون معصية، الشاشة معصية، إذا لم تُضبَط لا يوجد توبة بالبيت، شيء الشاب يصل إليه بعد عشرين عاماً يراه بتفاصيله المقززة الآن، الشاشة خطيرة جداً الآن، نصيحة لوجه الله: ثلاث شاشات: شاشة الحائط، وشاشة الآيباد، وشاشة الهاتف، إذا لم تُضبَط هذه الشاشات الثلاث لا يوجد توبة في البيت، ليس من الصغار، من أعلى شخص إلى الأقل، هذه حقيقة مرة لكنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح، عندما تنضبط أمورك ينشأ لك مع الله خط ساخن، ممكن أن تصلي وتبكي بالصلاة، معناها الخط سالك، إن كان هناك معصية، يعني اضرب مثلاً: بائع أقمشة جاءته امرأة وضيئة، ملأ عينه من محاسنها، لم يفعل شيئاً، أذن الظهر ذهب ليصلي، هل معه مع الله خط ساخن أم ينقطع الخط؟ هذا أبسط شيء، إذا أبصر امرأة حسناء فملأ عينه من محاسنها، فلا تُعقَد له مع الله صلة، أو وأنت جالس ببيتك هناك بيت مقابلك وهناك شرفة خرجت إليها امرأة بثياب متبذلة، إذا أنت ملأت عينك من محاسنها لا يوجد قوة بالأرض تكشف ذلك، لكنك مؤمن، دققوا بالحديث:
(( خشيةُ اللهِ رأسُ كلِّ حكمةٍ، والوَرَعُ سَيِّدُ العملِ، ومَن لم يكن له وَرَعٌ يَحْجِزُهُ عن معصيةِ اللهِ عز وجل إذا خَلَا بها، لم يَعْبَإِ اللهُ بسائِرِ عملِهِ شيئًا ))
[ الألباني عن أنس بن مالك وهو ضعيف ]
(ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم) والله حديث بأدق التفاصيل (ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ) يعني تكون بضاعة غالية جداً ويكون لها غلاف، الوزن ثلثه غلاف، أنت بعت البضاعة صار الغلاف ثمنه بأغلى سعر، الغلاف مدروس وله وزن، يضعون مادة معينة ثقيلة بالغلاف، فأنت بعت شيئاً مرتفع الثمن جداً أما غلافه بِيعَ بنفس السعر، وتعتقد أنك ذكي، لا، لست ذكياً، مع الله لا يوجد ذكي يا إخوان، مع الله يوجد مستقيم فقط، ينفع مع الله أن تكون مستقيما فقط، أما ذكي!
(ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ) هذا اسمه الغش، كطرفة: أحياناً بائع القماش يبيع القماش بعد أن يشده حتى يكاد يتمزق، هذا عند البيع، وعندما يشتري القماش له قوس يعني طول المتر أكثر من متر، بالشراء يرخي القماش بينما بالبيع يشده، هذا البائع ليس موضوعياً، الموضوعية: قيمة أخلاقية وقيمة علمية.
(ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم) السلطان سلطان، إذا كان هناك استقامة السلطان مكبوح، إذا لم يكن هناك استقامة يقول له: افعل ما تريد مع الناس.
(ولم يَمْنعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ من السَّماءِ ولولا البهائمُ لم يُمْطَروا، ولم يَنْقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّطَ اللهُ عليهم عدُوًّا من غيرِهم، فأخَذَ بعضَ ما في أيديهم) ، والله يوجد كلمات مؤلمة جداً، في حروب سابقة انتقل إلى الغرب حجم مالي يفوق حد الخيال، من الشرق إلى الغرب.
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46( فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47)﴾
الآن (وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم) . الآن الخمسين سنة الماضية البأس بيننا، الغرب مرتاح، يتفرج علينا، دماء، قتلى بالملايين، (وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم) . هذا كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-،
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) ﴾
كلام النبي -عليه أتم الصلاة والسلام-، لكن أريد أن أقول كلمة دقيقة مشجعة، نحن لدينا إسلامان، كم واحد؟ اثنان، إسلام فردي، وإسلام جماعي، الفردي: ثلاث دوائر ذكرتها قبل قليل: أنت دائرة: تستطيع أن تصلي أو لا تصلي، تستطيع أن تغض بصرك، أو تطلق بصرك، تستطيع أن تتحرى الحلال أو تأكل حراماً، أنت حر، انظر: أنت حر افعل ما تشاء لكن لست حراً في تلقي النتائج، واضح تمام؟
أنت حر افعل ما تشاء، إن فعلت الشيء الذي لا يرضي الله لست حراً في قبول النتائج، يعني شخص قال لك: أنا لست بحاجة للمكبح فألغاه في السيارة، ليس بحاجة له، السيارة صنعت للمشي، نزل بنزلة قوية بعدها يوجد منعطف حاد، انتهى، مات.
شيء دقيق جداً، دائماً وأبداً هناك 8 مليارات إنسان في الأرض، هل يوجد أحد منهم يحب الفقر؟ اترك المسلمين، 8 مليارات إنسان في الأرض، يوجد إنسان يحب الفقر؟ القهر؟ المرض؟ أبداً، يوجد إنسان لا يحب أن يكون صحيح الجسم؟ بيته واسع؟ زوجته كما يتمنى؟ أولاده أبرار؟ كلنا، إيجابيات الحياة تحتاج إلى انضباط.
(( استَقيموا ولَن تُحصوا ، واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ، ولَن يحافظَ على الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ ))
[ المنذري عن ثوبان مولى رسول الله ]
هناك شخص -أصلحه الله- فهم الحديث بمعنى آخر، لن تحصوا الاستقامة، يعني صعبة عليك الاستقامة، أين قوله تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (258)﴾
تناقضت مع هذه، لكن هي: لن تحصوا خيرات الاستقامة، يا ترى راحة نفسية، توفيق بعملك، بيتك ناجح، بعملك ناجح، عندك تفاؤل، عندك مكانة، والله لا أبالغ (استَقيموا ولَن تُحصوا) ، المفعول به المحذوف يُقدَّر: نتائج الاستقامة الصالحة.
أيها الإخوة الكرام، أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار بلادكم، بارك الله بكم ونفع بكم.
الأسبوع القادم الدرس قائم إن شاء الله، وهذا الكلام والله أعدته كثيراً، هذا الدرس غالي عليّ كثيراً، بإذن الله لا يمكن أن أكون في عمان ولا يكون هناك درس يوم الجمعة، إلا إذا كان هناك شيء ليس بيدي، أنا أعتذر على الفيس بوك أحياناً، مرة نشأ سفر فجائي لم أعلن عنه فاعتذرت على الفيس بوك فافتحوه، وفقكم الله.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق