وضع داكن
30-05-2025
Logo
الأردن - عمان - الجامعة الأردنية - المحاضرة : 92 - الارتقاء من وحل الأرض إلى وحي السماء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أشكر لكم من أعماق أعماقي هذه الدعوة الكريمة التي إن دلّت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حُسن ظنكم، لكن إذا وجدتم في محاضرتي تلك ما كنتم تتوقعون فالفضل لله وحده، وإلا فحسبكم الله ونِعمَ الوكيل.

وحل الأرض، ووحي السماء


يوجد مصطلح: وحل الأرض، ووحي السماء، 
وحل الأرض: مصالح وشهوات.
وحي السماء: مبادئ وقربات. 
البطولة أن ننتقل من وحل الأرض إلى وحي السماء، وحل الأرض: مصالح، وقد نرتكب أشياء لا تُقبَل (مصالح) وشهوات، بالفكر مصالح، بالحركة شهوات، أمّا الأصل أن ننتقل إلى وحي السماء؛ مبادئ وقربات.

رمضان فرصة لتصطلح مع الله:


للتقريب: إنسان عليه ديون بأرقام كبيرة جداً، لا يستطيع سَدادها، فإذا قيل له افعل هذا العمل لثلاثين يوماً، وأنت مُعفَى من كل هذه الذِّمَم، هل يتردد ثانية بالاستجابة؟ لذلك:

(( مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. ))

[ صحيح البخاري ]

فرصة، شخص عليه ثمانية ملايين، وعليه سجن، وعليه أعمال خطيرة جداً، قيل له: افعل هذا ثلاثين مرة تنجو من كل هذه الضرائب، أو المكافآت، لذلك: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) فرصة أن تصطلح مع الله، أن تفتح صفحة جديدة مع الله، فرصة المغفرة، لذلك: 

(( مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. ))

[ صحيح البخاري ]

أول نص: مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ.
 (مَن قامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) لكن الحقيقة المرة أحياناً أفضل ألف مرة من الوهم المريح، من عاد بعد رمضان إلى ما كان عليه قبل رمضان فكأنه –والله لا أبالغ- ما صام رمضان.

العبادات في الإسلام تراكمية:


العبادات في الإسلام تراكمية، ليست عبادات موسمية، أن تطيع الله في كل الأشهر، أما رمضان فهو شهر استثنائي له ميزات كثيرة، (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) لكن يوجد نقطة دقيقة جداً، وأنت تركب السيارة، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، لماذا تقف؟ سؤال فكري، لأنك تعلم علم اليقين أن واضع قانون السير علمه يطولك، من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك بتسطير غرامة كبرى. إذاً أنت لماذا تطيع هذا الأمر؟ لأنك تعلم علم اليقين أن واضع هذا القانون علمه يطولك، وقدرته تطولك. 
لذلك: أضع يدي على قضية خطيرة جداً؛ إذا عرفنا الآمر وهو الله ثم الأمر، تفانينا في طاعة الآمر، أما إذا عرفنا الأمر، ولم نعرف الآمر تفنّنا في التفلت منه، كأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى؛ يوجد صلاة، ويوجد صيام، ويوجد حج، ويوجد زكاة، ويوجد لقاءات، ومحاضرات وجامعات، ولكن ياتُرى الإسلام مُطبَّق بتفاصيله؟ مطبق في كسبنا وإنفاق مالنا؟ في لقاءاتنا؟ في أمسياتنا؟ في رحلاتنا؟ شيء دقيق جداً، منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من العلاقات الأسرية وينتهي بالعلاقات الدولية، هذا الدين.

وعود الله تعالى للمؤمنين:


أما العبادات الشعائرية على عِظَمها إن لم ترافقها عبادة تعاملية لا تُقطَف ثمارها، ويوجد نصوص واضحة، وصارخة حول كل عبادة على حِدة، للصلاة، أو الصيام، أو الحج، أو الزكاة، هذه العبادات الشعائرية إن لم ترافقها معرفة بالله -عز وجل- تُفرَّغ من مضامينها، يعني نحن بالعالم ملياري مسلم، والوضع لا يرضي:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[  سورة النور ]

سؤال محرج: هل نحن مُستخلَفون؟ لا والله، والحقيقة المرة دائماً وأبداً أفضل ألف مرة من الوهم المريح. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ كقانون ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ﴾ هل هذا الدين مُمَكّن أم يواجه حرباً عالمية ثالثة مُعلَنة على السنة، هذه حقيقة مرة، أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ يوجد كلمة واحدة بالآية ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾ فإذا قصّرنا في العبادة فالله -عز وجل- في حِلٍّ من وعوده الثلاث .
نحن لدينا أشياء دقيقة جداً؛ نملك نصف ثروات الأرض بالتمام والكمال، نحتل الموقع الاستراتيجي الأول في العالم، ملتقى القارات الثلاث، نتحدّث ساعات وساعات عمّا نملك، وقد نتحدث ساعات وساعات عن الذي يُحاط بنا، مرة ثانية: أنا أرى الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.

إذا ألغيت الاختيار ألغيت الدين:


النقطة الدقيقة: لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرّمه أعظم تكريم، سخّر له الكون تسخير تعريف وترشيد، وهبه نعمة العقل، فَطرَه فطرةً تنزع إلى الكمال، أودع فيه الشهوات ليرقى بها صابراً، أو شاكراً إلى رب الأرض والسماوات، منحه حرية الاختيار –كلام دقيق-.

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾

[  سورة الكهف  ]

إذا ألغيت الاختيار ألغيت الدين، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، لو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً، ولم يُكلّف عسيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع كارهاً.
النقطة الدقيقة جداً أن العبادة الحقيقية تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان، وتنتهي بالعلاقات الدولية؛ كسب المال، إنفاق المال، اختيار الأصدقاء، التعامل مع الأقوياء، يوجد بنود لا تُعدّ ولا تُحصى، هذا الإسلام يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، هذا الإسلام.
منحه حرية الاختيار، لمجرد أن تتوهم أن الإنسان مُجبَر على ما كُتِب عليه سالفاً هذا خطـأ كبير، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة بطَلَ الثواب، لو أجبرهم على المعصية بطل العقاب، لو تركهم هَملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً، ولم يُكلّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع مُكرَهاً.
يعني ممكن للتقريب مثل لكن غير معقول: أول يوم في العام الدراسي جمع المدير الطلاب في الساحة، وتلا عليهم أسماء الناجحين في آخر العام، وأسماء الراسبين، انتهى الدين كله، حينما تلغي الاختيار ألغيت الدين، الاختيار: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ .

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3)﴾

[ سورة الإنسان ]

لذلك: خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، كرّمه أعظم تكريم، سخّر له الكون تسخير تعريف وترشيد، وهبه نعمة العقل، وفطرة تنزع إلى الكمال، أودع فيه الشهوات ليرقى بها صابراً أو شاكراً إلى رب الأرض والسماوات.
يعني للتقريب: مثل مطلوب؛ صفيحة البنزين؛ هذا سائل غالٍ جداً، أصل السيارات، هذا السائل إذا وُضع في المستودع المُحكَم، وسال في الأنابيب المُحكمَة، وانفجر في البستونات في المحرك نقلك في العيد إلى العقبة، لأنها انفجارات لكنها مدروسة ومُنضبطة، الصفيحة نفسها صُبّها على السيارة، أَعطِها شرارة تُحرِق المركبة ومَن فيها، لا يوجد حل وسط.
الدين سلام، الدين رقي، الدين كمال، الدين وفاء، الدين علم، الدين رحمة، الدين حكمة، لا تنتهي إيجابيات هذا الدين، أما إذا تركناه أصبح له معنى فلكلوري.
قُرئ القرآن في باريس على أنه فلكلور شرقي، والله لا أنساها، القرآن كتاب خالق الأكوان قُرِئ في عاصمة في أوروبا على أنه فلكلور شرقي.
إذاً: منحه حرية الاختيار ليُثمَّن عمله، أنزل كتاباً أحلّ فيه له الطيبات، وحرّم عليه الخبائث، ذلك ليعرف ربه فيعبده، ويستعد بعبادته وطاعته في الدنيا والآخرة فيسعد.

الفرق بين اللذة والسعادة:


أريد أن أقول كلمة دقيقة؛ عنا لذة وعنا سعادة، اللذة حسية، مادية، تحتاج إلى صحة، ومال، ووقت، لحكمة بالغة بالغة بالغة: 
في البداية: لا يوجد مال، ولكن يوجد صحة ووقت. 
في الوسط: يوجد مال وصحة، ولكن لا يوجد وقت. 
في النهاية: يوجد مال ووقت، ولكن لا يوجد صحة. 
ما سمح الله للّذّات أن تحل محل المبادئ والقربات.

الفرق بين الحق والباطل:


الآن الحق لابسَ خلق السماوات والأرض، والحق –دقق- هو الشيء الهادف والثابت؛ إنشاء جامعة، هذا شيء هادف لتخريج قادة للأمة، ومستمرة الجامعة، أما السيرك أسبوعان فقط، العابث والزائل، الحق: الشيء الثابت والهادف، والباطل: الشيء الزائل والعابث.

كليات الدين:


لكن للتقريب: يوجد دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط: 
1. خط النقل الصحيح: لأن هناك نقل غير صحيح، موضوع، 
2. خط الفطرة السليمة: يوجد فطرة مُنطمِسة، 
3. خط الواقع الموضوعي: يوجد واقع مزور، فالنقل الصحيح كلام الله -عز وجل وتعالى-، مع بيان كلام المعصوم وهو سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد. 
4. العقل الصريح: ميزان علمي أودعه الله في الإنسان ليتعرف من خلاله إلى الله الواحد الديّان، قال تعالى:

﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ(7)﴾

[ سورة الرحمن ]

العقل، والفطرة ميزان نفسي، دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط؛ خط النقل الصحيح، والعقل الصريح، والفطرة السليمة، والواقع الموضوعي، هذا الميزان مُدرَج في كيان الإنسان، ما الدليل؟

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

[ سورة الشمس ]

أيْ ألهمَ هذه النفس إن فجرت أنها فجرت، ألهمَ هذه النفس إن اتّقت أنها اتّقت.
الآن الواقع خلْقُ الله، تحكمه القوانين التي قنّنها الله -عز وجل-، والسنن التي سنها النبي المعصوم، ولما كانت هذه الفروع الأربعة من أصل واحد هي إذاً متطابقة تطابقاً تاماً.
العقل الصريح، والنص الصحيح، والفطرة السليمة، والواقع الموضوعي، هذه كليات الدين، أربع خطوط تتقاطع في دائرة.

مفتاح العلم القراءة:


إخواننا الكرام، أول كلمة في أول آية في أول سورة:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾

[ سورة العلق ]

لقد عبّر الله -جل وجلاله- عن العلم بمفتاح العلم، مفتاح العلم القراءة، وهو فعل "اقرأ"، وفي العربية إنّ الفعل إذا حُذِف مفعوله أُطلِق معناه، إذا ألغينا المفعول به أطلقنا الفعل.

مداخلة:


لذلك قال العلماء لتذهب به النفس كل مذهب.
الدكتور راتب:
نعم، بارك الله بك، إن الفعل إذا حُذِف مفعوله أُطلق معناه، فلنقرأ في كتاب الله، أو في كتاب الكون، الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قرآن يمشي، وما لم يرَ الناس اليوم إسلاماً يمشي أمامهم، إن حدّثهم فهو صادق، إنْ عاملهم فهو أمين، إن استُثيرَت شهوته فهو عفيف، الإسلام لا يتقدم إلا بالقدوة.

قواعد الدعوة إلى الله عز وجل:


القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والأصول قبل الفروع، والمضامين لا العناوين، والمبادئ لا الأشخاص، والتدرج لا الطُّفرة، هذه قواعد الدعوة إلى الله عز وجل.

أنواع القراءات:


لذلك مرة ثانية: أول كلمة، في أول آية، في أول سورة نزلت في القرآن الكريم، ولكنّ الأصل في هذه القراءة دقيقة، عنا الآن أربع قراءات: 

أولاً: قراءة البحث والإيمان:

قراءة إيمانية: القراءة الإيمانية تنتهي بك إلى الإيمان بالله خالقاً، واحداً، مُسيّراً، بيده كل شيء ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ هذه القراءة مقدورٌ عليها بدليل أنها تنطلق من أقرب شيء للإنسان، من نفسه التي بين جنبيه، "اقرأ" يعني تعلم.
هذه الطاولة لها طول، عرض، ارتفاع، وزن، حجم، النبات يزيد عليها بالنمو، والحيوان يزيد عليهما بالحركة، الهرة تمشي، والإنسان له من الجماد وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، له من النبات النمو، كان صغيراً صار طويلاً، له الحركة من الكائنات المتحركة فهو متحرك، إلا أن الله جل جلاله أكرمه بقوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية إنْ لم يستخدمها المشكلة كبيرة جداً: 

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[  سورة الفرقان ]

كلام الله. 

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)﴾

[  سورة النحل ]

أول آية، لمَن شَرد عن الله، ولم يُحكِم عقله، ولم يطلب العلم ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ .

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)﴾

[  سورة المنافقون  ]

﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ﴾ .

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)﴾

[  سورة الجمعة  ]

آيات كلها تصف من شرد عن الله، واعتمد على شهواته، واعتنى بشهواته، ولم يعتمد الشرع العظيم هنا المشكلة.

ثانياً: قراءة الشكر والعرفان:

الآية الثانية:

﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21)﴾

[ سورة الذاريات ]

الأصل الثاني لهذه القراءة قراءة البحث والإيمان، الثانية قراءة الشكر والعرفان، منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الهدى والرشاد:

﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا(1)﴾

[ سورة الإنسان ]

 يعني كل شخص إنْ كان قد وُلِد بسنٍّ معين فوجد كتاباً طُبِع قبل ولادته، أثناء طبْعِ الكتاب، ونشْرِ الكتاب أين هو؟ الآية تقول: ﴿هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾ .

الله تعالى خلقنا ليرحمنا: 


الآن يوجد مليون مقولة غير مقبولة في الإسلام، ماذا قال الله؟ 

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)﴾

[ سورة هود ]

خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض: 

(( فِيهَا ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. ))

[ صحيح مسلم. ]

هكذا خلقنا الله عز وجل، ﴿إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ الآية صارخة، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، خلقنا ليرحمنا.
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ إخواننا الكرام، الإنسان هو المخلوق الأول عند الله الأول تفضيلاً وإكراماً، والأول لأنه قبل حمل الأمانة، فلما قبِلَ حمل الأمانة في عالم الأزل:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾

[ سورة الأحزاب ]

فلما قبِلَ حمل الأمانة كان المخلوق الأول رُتبةً والمُكرَّم، والمُفضَّل، والمُكلَّف بالعبادة، والعبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

ثالثاً: قراءة وحي وإذعان:

الآن: القراءة الأولى قراءة بحث وإيمان، الثانية قراءة شكر وعرفان، ويوجد قراءة ثالثة، القراءة الثالثة: قراءة وحي وإذعان.

رابعاً: قراءة عدوان وطغيان: 

الرابعة: قراءة عدوان وطغيان. الأسلحة الفتاكة وراءها علماء كبار، القنبلة الذرية الذين وراءها ليسوا بجهلة.
لدينا قراءة البحث والإيمان، قراءة الشكر والعرفان، قراءة الوحي والإذعان، وقراءة الظلم والعدوان، فالبطولة كلمة "اقرأ" دقيقة جداً. 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾

[ سورة الإسراء ]

فأنت إنسان مُكرَّم، الحقيقة رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان. لا يوجد حل وسط، إما أنك فوق الملائكة، أو أنك دون أحقر مخلوق.

فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي         رأوه لمــا وليت عنا بغيــــــرنا

ولو سمعت أذناك حسن خـــــطابنا        خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا

ولو ذقت من طعم المحـــــــبة ذرة        عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنـا

ولو نســــمت من قربنا لك نســـمة        لمت غراما واشـــتياقا لقربنــــا

ولو لاح من أنـــــوارنا لك لائــــح        تـــركت جميع الكائنات وجئتنــا

فما حبنا ســـــهل وكل من ادعــى        ســـــهولته قلنـــا له قد جهلتنــــا

[ علي بن محمد بن وفا ]


فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد:


لذلك ممكن بسطر واحد في القرآن أن يلخّص فحوى دعوة الأنبياء جميعاً؟ أنا أقول كلمة لطيفة؛ معلم في صف لديه 50 طالباً، قال لكل واحد منكم هدية غداً، يوجد اثنان تغيّبا فليس لهما هدية، لكنه لو قال: ما من طالبٍ في هذا الصف إلا وله هدية، "من" إعراب "من" لاستغراق أفراد النوع، اسمعوا الآن الآية:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

حتى الذين لم يُذكروا في القرآن ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ﴾ فحوى دعوة الأنبياء جميعاً إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا التوحيد، التوحيد نهاية العلم، فَاعْبُدُونِ والعبادة نهاية العمل، لذلك: لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه.
أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حُسن الظن بي، أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، والأخيرة أهم واحدة واستقرار بلادكم، هذه نعمة لا تُعرَف إلا إذا فُقِدت فاشكروا الله عليها.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور