وضع داكن
31-05-2025
Logo
الأردن - عمان - جامعة اليرموك - المحاضرة : 89 - الإيمان هو الخلق
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغرِّ الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين. 
 بادئ ذي بدء أشكر لكم في أعماق قلبي دعوتكم الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم، ولكن إن وجدتم في كلمتي تلك ما كنتم تتوقعون فالفضل لله وحده، وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل.

البطولة أن ننتقل من وحل الأرض إلى وحي السماء من خلال الجامعات:


 كلمتان الجامع والجامعة، الجامع مذكر لفظي، والجامعة مؤنث لفظي، وفي القرآن الكريم:

﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34) ﴾

[ سورة النساء ]

بمعنى أن الجامعات في البلاد الإسلامية ينبغي أن تستقي مناهجها من وحي السماء لا من وحل الأرض، بالأرض يوجد وحل، فكره مصالح، حركته شهوات، في السماء مبادئ وقُربات، فالبطولة أن ننتقل من وحل الأرض إلى وحي السماء من خلال الجامعات، يوجد عندنا تعريفات لاذعة، الجامعات في البلاد المتخلفة جداً يدخلها الطالب جاهلاً متواضعاً، يخرج منها جاهلاً متكبراً، أنا -والله لا أمدح-أصف، هذا البلد الطيب له خصائص، اعتنى بخدمتين كبيرتين الصحة والتعليم، أنا أثق بهذا الكلام وليس مدحاً. 

تعريفات دقيقة للأخلاق:


أيها الإخوة المؤمنون، الطلاب النجباء؛ السيدة عائشة سُئلت عن خُلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فقالت: 

(( كان خُلُقُه القُرآنَ، أمَا تَقرَأُ القُرآنَ، قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)) سورة القلم ))

[ أخرجه أحمد عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ ]

للتوضيح، والتوضيح طريف: عندك خمسة أولاد، وجاء خمسة ضيوف، وعندك خمس تفاحات، دخلت في حوار مع نفسك: أولادي أولى، الضيف هذا جاء من مكان بعيد، فغلبت نفسك وقدمت هذه الفواكه للضيف؛ أنت ذو خلق عظيم، أما إن لم تتردد إطلاقاً؛ إنك لعلى خلق عظيم، هناك فرق كبير بينهما، هناك تردد وهناك قطع، فالسيدة عائشة سُئلت عن أخلاق النبي، قالت: (كان خُلُقُه القُرآنَ) وسئلت مرة ثانية فقالت: (أمَا تَقرَأُ القُرآنَ) قيل لها: بلى، قال، ومرة ثالثة قال: (كان خُلُقُه القُرآنَ) ، اقرأ سورة المؤمنون: 

﴿ قَدأَفْلَحَ ٱلْمُؤمِنُونَ (1) ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِم خَٰشِعُون (2) وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ (4) وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰٓ أَزوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُوْمِينَ (6) ﴾


أيضاً تعريفات دقيقة جداً للأخلاق: 


﴿ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمًا (63) وَٱلَّذِينَ يَبِيْتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَٰمًا (64) وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَآءَت مُسْتَقَرّا وَمُقَامًا (66) وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنْفَقُواْ لَم يُسرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67) وَٱلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفعَلْ ذَٰلِكَ يَلقَ أَثَامًا (68) ﴾

[  سورة الفرقان ]

إلى آخر الآيات؛ هذه أخلاق المؤمنين، أجمل كلمة قالها ابن القيّم العالم الكبير: الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان، ولي في هذا الموضوع مئتا حلقة: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق، زاد عليك في الإيمان. 

علاقة الأخلاق الكريمة بالدين:


الأخلاق الكريمة ما علاقتها بالدين؟ ترفعك في حيز الدين إلى المستوى الذي أراده الله للمتدين، نسبة الأخلاق إلى الدين كنسبة محرك الطائرة إلى الطائرة، قد نعتني بمقاعدها، قد نعتني بنوافذها، قد نعتني بمرافقها، قد نعتني بجوها المكيف، فإذا أهملنا محركها تبقى على الأرض، لم تكن طيّارة، وقّافة، جاثمة لا تطير، لذلك:

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ(10) ﴾

[ سورة فاطر ]


نرتقي إلى أعلى المستويات عندما نتحلى بأخلاق القرآن، وبأخلاق النبي الكريم:


الإيمان معلومات دقيقة: إيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والرسل، الخ...، كمعلومات موجودة بأي مكان بالعالم، أما حينما نتحلى بأخلاق القرآن، بأخلاق النبي العدنان ارتقينا إلى مستوى عالٍ جداً، والدليل: (وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُ)
طيارة مقاعد فخمة جداً، تكييف كل شيء فيها لكن لا تطير لا قيمة لها، هذه الأمة الإيمان -ابن القيّم من كبار العلماء-: الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان.  

(( بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ. ))

[ أخرجه البخاري، ومسلم عن عبد الله بن عمر  ]

مرة ثانية ابن القيّم قال: الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان.

  الإسلام كعبادة شعائرية وكعبادة تعاملية:


هذه دعائم الإسلام-دققوا الآن-وليست هي الإسلام، أقول: البناء مئة طابق بُني على أسس، فالأسس وحدها ليست بناءً، هناك منهج تفصيلي، هناك حركة يومية، في كسب مالك، إنفاق مالك، اختيار زوجتك، تربية بناتك، اختيار حرفتك، التعامل مع الآخرين بحرفتك، علاقتك مع الأقوياء، العبادة الشعائرية خمسة: 
صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، وشهادة، أما التعاملية تبدأ من أخص خصوصيات الإنسان؛ من علاقته الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية، الإسلام كعبادة شعائرية: نطق بالشهادة، وصوم، وصلاة، وحج، وزكاة، أما كعبادة تعاملية –والله لا أبالغ ألف بند-اختيار زوجتك، تربية بناتك، تربية أولادك، اختيار حرفتك، اختيار التعامل مع الآخرين، الخيارات التعاملية تصل إلى ألف بند، فالإسلام منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان؛ من العلاقات الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية. 

ما قيمة دعائم الإسلام إذ لم يقم فوقها البناء؟!


 مرة ثانية، كأن الإسلام بناء شامخ، دعائمه الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادتان، فإذا أُقيمت هذه الدعائم ولم يُقم فوقها البناء ما قيمة هذه الدعائم؟!
والحقيقة بالعالم الإسلامي كله كعبادات شعائرية مؤَمَّنة، أذان، إقامة، صلاة، مساجد، دروس علم، أما في البيت يا تُرى الإسلام مطبق بالبيت؟! هناك سهرات مختلطة لا تُرضي الله؟ هناك شاشة غير منضبطة تسهم في إفساد المجتمع، هناك آيباد له إشكال، هناك هاتف؟ هناك الآن أشياء كبيرة جداً، إن لم تُضبط لن نقطف ثمار هذا الدين، مرة ثانية؛ شاشة الحائط وشاشة الآيباد والهاتف إن لم تُضبط لا يمكن نقطف ثمار هذا الدين، الغرب قهرنا سابقاً بقواته، أما الآن قهرنا بالصورة؛ لأن الكلمة لم تنجح معنا أما نجحت الصورة، لذلك:

﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا(21) ﴾

[ سورة الأحزاب ]


ماهي السنة النبوية الشريفة؟


السنة دعوة النبي الصوتية، أفعاله اليومية، سكوته، سكوته سنة أيضاً إقرار يعني، وصفاته سنة، السنة النبوية: أقواله يعني بالكتاب والسنة، أفعاله: السنة العملية، إقراره: صمته.
يعني أذكر لقطة مرة واحدة، النبي الكريم من عادته أنه إذا توفي أحد أصحابه زار أهله في البيت قبل دفنه، سمع امرأة تقول: "هنيئاً لك أبا السائب، لقد أكرمك الله"، النبي وحده لو سكت لكان كلامها صحيحاً، قال لها: 

(( وما يُدْرِيكِ أنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلتُ: لا أَدْرِي بأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه  وسلَّمَ: أَمَّا عُثْمَانُ فقَدْ جَاءَهُ -واللَّهِ-اليَقِينُ، وإنِّي لَأَرْجُو له الخَيْرَ، واللَّهِ ما أَدْرِي وأَنَا رَسولُ اللَّهِ ما يُفْعَلُ به ))

[ أخرجه البخاري عن خارجَة بن زيْد الْأَنْصاري ]

فقط عوض "أكرمك" فعل ماضٍ قطعي الحدوث: (وإنِّي لَأَرْجُو له الخَيْرَ) قال لها :(واللَّهِ ما أَدْرِي وأَنَا رَسولُ اللَّهِ ما يُفْعَلُ به) فأقواله سنة، أفعاله سنة، إقراره يعني صمته سنة، صفاته سنة، فالنبي كان أحسن الناس أخلاقاً، مرة ثانية:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾

[ سورة القلم ]

للتقريب إذا طفل في هذه البلاد الكريمة أعطاه والده بالعيد خمسين ديناراً، وأعطاه عمه خمسين ديناراً، صاروا مئة، وعمه الثاني، وخاله الثاني خمسين بخمسين، ماذا يقول: "معي مبلغ عظيم"، طفل ثماني سنوات معه مئتا دينار مبلغ عظيم! لكن الله ماذا قال؟ إذا كانت دولة عظمى قالت: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً مئتي مليار، كنا بمئتي دينار صرنا بمئتي مليار، فإذا قال الله -عزَّ وجلَّ-دققوا-:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضَه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطكَ شيئاً. 
ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
أخلاق النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-:
من أخلاق النبي الكريم، كان –عليه الصلاة والسلام-أشد الناس لطفاً، ما سأله سائل إلا أصغى له، فلم ينصرف حتى يكون السائل هو الذي ينصرف، وما تناول أحد بيده إلا ناوَلَه إيَاها، فَلَم ينزِعْ رسول الله حتى يكونَ صاحبه هو الذي ينزِع، من أخلاقه العالية (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، شيء آخر لم يكن أحد يصافحه إلا أقبل عليه بوجهه ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامه.

(( ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه، وما انْتَقَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِنَفْسِهِ في شيءٍ قَطُّ، إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بهَا لِلَّهِ. ))

[ أخرجه البخاري، ومسلم عن عائشة أم المؤمنين   ]

الصحابة الكرام قمم البشر، حينما تعرفوا إلى الله -عزَّ وجلَّ-سمت نفوسهم فصاروا كالكواكب الدُّرية، أو 
 صاروا كالنجوم اهتدى الناس بهم؛ لأنهم فهموا الدين فهماً كريماً، وفهماً عادلاً، وإنصافاً، ورحمة، وحلماً،
وعفواً، وكرماً، وسخاءً، وورعاً، وعفافاً.

مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحبَّ الله عبداً منحهُ خُلُقاً حَسَناً: 


 مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحبَّ الله عبداً منحهُ خُلُقاً حَسَناً، إخواننا الكرام؛ الشيء المعلوم لديكم أن النجاشي سأل سيدنا جعفر عن هذا الإسلام، قال:

(( "أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا –دققوا الآن-نعرف نسبه وصدقه وعفافه وأمانته، -أربع كلمات: إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، وفوق كل هذه الخصائص الثلاث تاج على رأسه نسبه-، فدعانا إلى الله  لنوحده ونعبده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا-دققوا- بصدق الحديث،  وأداء الأمانة، وصلة الرحم، و حسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والصيام والزكاة". ))

فعدد عليه أمور الإسلام، قيم أخلاقية قيم تسمو بنا من مستوى الحيوانية إلى مستوى الإنسانية، من وحل الأرض إلى وحي السماء.

الجاهلية الأولى والجاهلية الثانية:


إخواننا الكرام؛ الحقيقة هناك بعض الإشارات أن الإنسان يوجد عندنا جاهلية أولى وجاهلية ثانية، في بعض الآيات جاءت الجاهلية الأولى، الأولى تعني أن هناك جاهلية ثانية، مع التقدم العلمي التكنولوجي، 
الشاشات فتحنا أمام كم كبير جداً من الأشياء لم تكن من قبل، ولكن هذه الأشياء ينبغي أن تؤسلم، أن 
نستخدمها أداة فعالة لنشر هذا الدين.

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(33) ﴾

[ سورة فصلت ]

ولكن النبي الكريم من باب التفاؤل قال:

(( ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين ))

[ أخرجه أحمد، والطبراني، والحاكم في المستدرك عن تميم الداري ]

كنت بملبورن آخر مدينة بالأرض، يوجد فيها إسلام، ويوجد جامع، ويوجد دعوة (ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار) هذا من علم الغيب.

أقوال النبي الكريم عن الغيب هي من إعلام الله تعالى له:


 الكلمات الدقيقة المحدودة التي قالها النبي عن علم الغيب ليست من عنده.

﴿ قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ(50) ﴾

[ سورة الأنعام ]

بل من إعلام الله له، الله أخبره، الأشياء السلبية: 

(( لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج من عترتي، أو من أهل بيتي، من يملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وعدواناً ))

[ أخرجه أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري ]

(( أَتَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ ))

[ أخرجه البخاري عن عوف بن مالك الأشجعي  ]

(( والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا تَذْهَبُ الدُّنْيا حتَّى يَأْتِيَ علَى النَّاسِ يَوْمٌ لا يَدْرِي القاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، ولا المَقْتُولُ فِيمَ قُتِل.  ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة    ]

هذا شيء يجري الآن، فلذلك أنت مع الواحد الدَّيان، مع خالق الأرض والسماء، مع صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، أرجو الله -عزَّ وجلَّ-أن يكون هذا البلد الطيب بمن فيه من الطيبين منارة للإسلام، والحقيقة أنا معلوماتي المتواضعة، اعتنى هذا البلد الطيب بخدمتين كبيرتين الصحة والعلم، هناك ثلاث وثلاثون جامعة فيما أعلم.
 أيضاً مرة ثانية عندما سيدنا جعفر خاطب النجاشي قال له:

(( "كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والصيام والزكاة". ))

فعدد علينا أمور الإسلام، إخواننا الكرام؛ هذه جاهلية سابقة قبل مجيء النبي الكريم، مرة فيما أذكر أنه سيدنا عمر رأى موقفاً لا يرضيه، قال له:" إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ" فالجاهلية قبل الإسلام، وقد تكون جاهلية بعد الإسلام، لكن إن شاء الله ينجينا منها جميعاً.
أيها الإخوة الكرام؛ أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة مرة ثانية، وأتمنى لكم جميعاً ذكوراً وإناثاً التفوق، الآن الوضع المتوسط عليه مزاحمة كبيرة جداً، نحتاج إلى تفوق حتى في الجامعات كما قلت قبل قليل، الجامعة هي فيها النخبة، فيها مدرسون من نخبة البلد، فيها طلاب يطلبون العلم، وإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم. والعلم لا يعطيك بعضَه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطكَ شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل.
 ملاحظة أخيرة: من المسلّمات الكون جماد، أمامي طاولة لها وزن وحجم وطول وعرض وارتفاع، بماذا يزيد عليها النبات؟ بالنمو، بماذا يزيد عليهما الكائنات المتحركة؟ بالحركة، بماذا يزيد الإنسان على كل أولئك؟ بأداة فكرية، بعقل، بقوة إدراكية هذه القوة الإدراكية تُلبّى بطلب العلم، فإذا الإنسان عزف عن العلم، 
استمعوا لا إلى كلامي إلى كلام خالق الأكوان:

﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾

[ سورة النحل ]

كيف ميت ؟! نبضه ثمانون، الضغط 8/12 مثالي، عند الله ميت، إن لم تطلب العلم الذي تتعرف به إلى علة وجودك.

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّهُۥ  كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

فلما قبل الإنسان في عالم الأزل-نحن في عالم الصور-حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول والمُفضّل والمُكرم والمُحاسب والمُعاقب؛ لأنك في عالم الأزل قبِلت حمل الأمانة فكنت عند الله المخلوق الأول، فلذلك الإنسان-دققوا-: عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب الذي يسمو بك، وغذاء الجسم الطعام والشراب، فإذا غذّى الإنسان عقله بالعلم، وقلبه بالحب، وجسمه بطعام وشراب اشتُري بمال حلال تفوق، فإن اكتفى بواحدة تطرف.

أنواع التطرف:


 أما التطرف نوعان: تطرف تفلتي: إباحية، تشددي: التكفير والتفجير ، فلا بد من أن نقف من هذا الدين موقفاً يريده الله، يرضى الله عنه، يعني أكبر وسام لمؤمن أن يرضى الله عنه.
 ابن آدم، اطلبني تجدني، فإنْ وجدتني وجدتَ كل شيء، وإن فُتُّك فاتك كل شيء، وأنا أحبُّ إليك من كل شيء.

فلو شاهدت عيناك من حسننا                الذي رأوه لمــــــا وليت عنا لغيرنا

ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا             خلـعـت عنك ثيـاب العجب وجئتنـا

ولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة             عذرت الــذي أضحى قتيـلاً بحبنـا

ولـــو نسمت من قربنا لك نسمة            لــــمت غريباً واشتياقاً لقربنا

ولـــــو لاح من أنوارنا لك لائح            تركت جمـــيع الكائنات لأجلنـا

فما حبنا سهـلٌ وكل مـن ادَّعـى            ســهـولته قلنـا لـه قـد جهـلتنـا

فأيسر ما في الحب للصب قتله             وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

[ علي بن محمّد بن وفا  ]

     أشكر لكم حضوركم، وأدعو لكم أن يحفظ بلادكم، وأن يديم نعمة الأمن عليكم ونعمة الحرية وهذه نعم الآن تفتقد في بعض البلاد، والحمد لله رب العالمين.

الملف مدقق

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور