وضع داكن
03-05-2024
Logo
ندوات تلفزيونية : قناة تي ري تي العربي- برنامج محيا رمضان - الحلقة 25 - الصيام امتحان لعبودية الإنسان لله عز وجل.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
المذيع:
ما أجملها من أيامٍ مُباركات عاشها المسلم في هذا الشهر الفضيل، فجُلّنا كان يَتحيَنُها طيلة العام ليظفر بعطاء الله من فضله، وإجزاله لمثوبته، فإذا انقضت فَتُرت في النفوس عزائم الإتيان بالعبادات والطاعات، فكيف لنا أن نستنهض الهِمم بعد رمضان؟ هو ما سيفيض به علينا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، حيَّاكم الله، رمضان مبارك.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
بارك الله بكم، سيدي يعني بدايةً نحن نودع رمضان، ما هي المشاعر التي يجب على المسلم أن تتملَّكه؟ 
الدكتور محمد راتب النابلسي:
لا بُدَّ من مقدمة قبل الإجابة عن هذا السؤال، أيُّها الإخوة الكرام، بدايةً لا بُدَّ من رسالة تقديرٍ وعرفان للمُرابطين على أرض غزَّة العِزّة الكرِام، الذين خُذلوا ولم نتمكن من نُصرتهم، ونسأل الله تعالى أن يُثبّت أقدامهم، ويُزلزل الأرض من تحت أعدائهم، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
الحقيقة لقد اقتربنا من نهاية شهر رمضان، فوداعاً يا شهر رمضان، وداعاً يا شهر التوبة والغفران، وداعاً يا شهر الذكر والقرآن، وداعاً يا شهر الصيام والقيام، وداعاً يا شهر الجود والإحسان، وداعاً يا شهر الرَحمات والقُربات، وداعاً يا شهر الاعتكاف والخلوات، وداعاً يا شهر الانتصارات في الغزوات، وداعاً يا شهر التوبة والصُلح مع الله، وداعاً يا شهر العِتق من النار، وداعاً حيث مضت أيامه ولياليه، فربح الرابحون، وخسر الخاسرون، فهنيئاً لمَن صامه وقامه إيماناً واحتساباً،ويا خيبة من ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش،وليس له من قيامه إلا السهر والتعب، هنيئاً للمقبولين، وجَبَر الله كسر المحرومين، وخفف مُصاب المغبونين. 
المذيع:
آمين، يعني حريٌّ بكل مسلم يريد أن يُحافظ على ديمومة العبادة في هذا الشهر الكريم، أولاً أن يفهم ما الحكمة من فرض الصيام؟

الحكمة من فرض الصيام، ولماذا سُمّي بعبادة الإخلاص؟ 


الدكتور محمد راتب النابلسي: 
نعم الحقيقة شُرِّع الصيام لتقوية إرادة الإنسان على طاعة ربِّه الواحد الديان، ولتنمية الإخلاص في قلبه، وفي حُسن تأدية فرائضه في جوارحه، ولتتم الصِلة بخالقه، ومُربّيه، ومُسيّره، ولترسيخ معاني العبودية في قلبه ونفسه، وهي في العُمق عبادةٌ تربوية تحمل الإنسان على ترك المُباحات في نهار رمضان، وهذا بحدِّ ذاته امتحان إرادةٍ عظيم، ولذا سُمّيت هذه العبادة بعبادة الإخلاص.
 لو أنه مثلاً الحر لا يُحتمل في وقتٍ مُعيَّن، والإنسان ببيته وحده، والثلاجة مُمتلئة بالماء البارد والعصير، لا يستطيع أن يضع قطرة ماءٍ في فمه، ولا أحد يراه إلا الله، هذا الشهر شهر الإخلاص لله، شهر الخضوع لمنهج الله عزَّ وجل.
المذيع:
ما هي ثمرات تأدية العبادات على تمامها من صيامٍ وقيام في هذا الشهر؟ 

ثمرات تأدية العبادات في شهر رمضان:


الدكتور محمد راتب النابلسي:
أخي الكريم سؤال دقيق، لو أُديَّت العبادات على النحو الذي أراده الله، لجعلت المؤمن ذا أُفقٍ واسع، ونظرٍ حديد، ومُحاكمةٍ سليمة، وذا سعادةٍ لا تقوى مُتَع الأرض الحسيَّة، أن تصرفه عنها، عن هذه السعادة، ولجعلته ذا أخلاق أصيلة، لا تستطيع سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلّادين اللاذعة أن تقوضها.
لتقوية الإرادة، الإرادة القرار، الإنسان اتخذ قرار أن يُطيع الله، هذه إرادة.

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾

[ سورة الإنسان ]

فالإنسان مُخيَّر(فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) أمَّا إذا اختار طاعة الله.
" ابن آدم اطلبنى تجدني، فإنْ وجدتني وجدتَ كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبُّ إليك من كل شيء"
الله عزَّ وجل الذات الكاملة، أصل الجمال والكمال والنوال، الاقتراب منه سعادة ما بعدها سعادة. 
المذيع:
نعم يعني الإنسان يتجرَّد مهما علا شأنه أو انخفض، كان فقيراً أو غنياً يجب عليه الالتزام بحرفية العبادة وهي الامتناع عن الملذات بعمومها.

المؤمن له مكانة كبيرة عند الله فهو غالٍ على ربه: 


الدكتور محمد راتب النابلسي:
الدنيا ساعة اجعلها طاعة، الإيمان بالقرآن وَرَد مع اليوم الآخر، في هذا اليوم تُسوّى فيها الحسابات،فكل شيءٍ تركه الإنسان طاعةً لله، أو خوفاً منه ارتقى به، فالمؤمن له مكانة عند الله كبيرة، يعني لا يوجد كلمة أرقّ من كلمة:

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾

[ سورة الطور ]

كلمة رومانسية، وهذه الكلمة لكل مؤمن غالٍ علينا كثيراً، فالمؤمن اتصل بالله بأصل الجمال والكمال والنوال،بالذات الكاملة، اشتقَّ منه الرَحمة، اللطف، المودة، العطاء، التواضع، مكارم الأخلاق، مخزونةٌ عند الله تعالى، فإذا أحبَّ الله عبداً منحه خُلُقاً حَسَناً.
 النبي الكريم:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

[ سورة القلم ]

فالإنسان بالأخلاق يرقى عند الله.
المذيع:
سبحان الله! دكتور طبعاً من طبيعة الإنسان أنه يعصي، وقد يطمع في كرم الله ورحمته، كيف لهذه المدرسة الرمضانية أن تُعلِّم المسلم كيفية التوبة والاستغفار؟

رمضان فرصة لتفتح صفحة جديدة مع الله:


الدكتور محمد راتب النابلسي:
النبي عليه أتمُّ الصلاة والتسليم قال:

(( ارتقَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المنبرِ درجةً ، فقال : آمين ، ثمَّ ارتقَى درجةً ، فقال : آمين، ثمَّ ارتقَى الثَّالثةَ، فقال: آمين . ثمَّ استوَى ، فجلس ، فقال أصحابُه : أيْ نبيَّ اللهِ ! على ما أمَّنْتَ ؟ قال: أتاني جبريلُ فقال: رغِم أنفُ رجلٍ أدرك أبوَيْه أو أحدَهما فلم يدخُلِ الجنَّةَ، فقلتُ: آمين. قال: ورغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له قلتُ: آمين. قال: ورغِم أنفُ من ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قلتُ: آمين ))

[ أخرجه البزار والسخاوي ]

موسم استثنائي.

(( مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. ))

[ صحيح البخاري  ]

((  مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ. ))

[ صحيح البخاري  ]

لذلك فرصة ذهبية، أن يُفتَح مع الله صفحةٌ جديدة، المغفرة والقُرب من الله:

فلو شاهدت عيناك من حســـننا        الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـا

ولو سمعت أذناك حُسن خطابنا       خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا

ولو ذقت من طعم المحــبَّة ذرةً        عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا

ولو نسمت من قربنا لك نسـمةٌ        لمـُت غريبـاً واشـتياقاً لـقربـنـــا

ولو لاح مـن أنوارنا لـك لائـحٌ        تركــت جـميع الكـائنات لأجــلنا

فما حبنا سهلٌ وكل مـن ادّعـى        ســُهولته قلـنا له قـد جهـلتنــــــا

[ علي بن محمد بن وفا ]

أنت مع أصل الجمال والكمال والنوال، مع الذات الكاملة، الإنسان إذا اتصل بالله عزَّ وجل شعر بسعادة لا توصف، اللَّذة غير السعادة، اللَّذة مادية حسيَّة تحتاج إلى شروط ثلاثة دائماً ينقصنا واحد، في البداية يوجد صحة ويوجد وقت ولكن لا يوجد مال، في الوسط لا يوجد وقت، وبالآخِر لا يوجد صحة، أمّا الصِلة بالله تتصل بأصلالجمال والكمال والنوال، إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني هناك مشكلة في الإيمان، أنت اتصلت مع خالق السماوات والأرض، مئات ألوف المجرّات، ودرب التبانة مجرة متوسطة، والمجموعة الشمسية نقطة، خالق هذا الكون العظيم يقول لك إن أردت أن أُحدِّثك فاقرأ القرآن، إن أردتني وأنا أُريد أن أستمع منك الدعاء، منّا الدعاء ومن الله أن نسعد بقربه.
المذيع:
نعم ما بين قد يُفرِّط الإنسان ويؤدي به هذا التفريط إلى القنوط من رحمة الله، ما هي الرسالة التي يجب أن نوجهها لهذا الشخص؟

لو يعلم المؤمن سعة رحمة الله لما تردد في التوبة إلى الله:


الدكتور محمد راتب النابلسي:
القنوط والتشاؤم والسوداوية واليأس تقترب من الكُفر، الله عزَّ وجل ذاتٌ كاملة، بيده كل شيء، "لو يعلم المعرضون انتظاري لهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمُعرضين فكيف بالمقبلين" ؟!  رحمة الله وسعت كل شيء

﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32)﴾

[ سورة الزخرف ]

أيام التُجّار يتجاوزون الدخل، الجمع، (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)  أنت اتصلت مع أصل الجمال والكمال والنوال، مع الذات الكاملة، هو ينتظرنا.
المذيع:
يعني إذا تحقّق الإيمان يجب أن يَقِر في النفس أيضاًموضوع الغفران
الدكتور محمد راتب النابلسي:
والله لا أُبالغ إذا كان الإنسان استطاع أن يصِل إلى الله عزَّ وجل، من خلال الاستقامة والعمل الصالح، نَشَأ له خط ساخن مع الله، فالإنسان إذا اتصل بالله بأصل الجمال والكمال والنوال، (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) هذه كلمة فيها موَّدة بالغة جداً، هي للنبي الكريم، لكن لكل مؤمن منها نصيب.
" ابن آدم اطلبنى تجدني، فإذا وجدتني وجدتَ كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبُّ إليك من كل شيء"
المذيع:
كما قلت إذاً في هذا الشهر يجب علينا أن لا نقنط من رحمة الله.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
تفتَح مع الله صفحة جديدة، الله غفّار الذنوب، لو يعلم المؤمن سعة رحمة الهت، لما تردّد ثانية في التوبة إلى الله عزَّ وجل.
المذيع:
دكتور طبعاً ينقضي شهر رمضان،نحن على أبواب انتهائه والنفس عادةً ما تبدأ بالفتور، تبدأ بالتفكير بالملذات، العودة يعني بين قوسين قد يكون إلى المعاصي، كيف يجب على المسلم أن يتصرَّف؟

رمضان نقلة نوعية للمسلم ليتدرج في سُلّم الارتقاء إلى رحمة الله: 


الدكتور محمد راتب النابلسي:
أولاً رمضان دَورةٌ مُكثفة، دَورةٌ استثنائيّة، من أجل نقلةٍ نوعيّة تُحقَّق في رمضان وتستمر إلى ما بعد رمضان، إجابة عن سؤالك، شُرِّع الصيام ليكون هذا الشهر نقلةً نوعيّة تستمر، ويأتي رمضان ثانٍ ومعه نقلة نوعيّة ثانية وتستمر، ورمضان ثالث نقلة نوعيّة وتستمر، وهكذا يتدرج المؤمن في سُلّم الارتقاءليكون صالحاً في نفسه، مُصلِحاً لمجتمعه، التوبة تتطلب إزالة العقبات السلوكية كافة في حياة التائب، كل معصية هي عقَبةٌ كؤود على هذا الطريق السالك إلى الله، إلى رحمة الله.

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود ]

هذه الآية تُلغي مقولات لا تنتهي عكس هذه الآية، خلقنا ليرحمنا.
إذاً كل معصيةٍ هي عقَبةٌ كؤود على هذا الطريق السالك إلى رحمة الله، والآية الصريحة الواضحة،(إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) .
فالبُعد عن أكل المال الحرام عقبة، البُعد عن الرِبا، نبتعد بها عن الله عزَّ وجل، عن مُقدمات الزِنا، إطلاق البصر، سماع الأغاني، إلى أخره...، البُعد عن الغشّ والنميمة والاختلاط والشتيمة، فالذي يرغب بالتوبة، عليه أن يُزيل هذه العقبات، واحدةً واحدة، وإلا فهذه العقبات تبقى كأداةٍ تَحول بينه وبين التوبة إلى الله، وقطف ثمار الصيام اليانعة.
 يعني  الحقيقة رمضان هو فتح صفحة جديدة مع الله، الله غفور رحيم، يعني إذا واحد عليه ملايين مُملينة من الديون وقيل له افعل هذا العمل ثلاثين يوم تُعفى من كل هذه الديون(مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)  ومن قام رمضان.
المذيع:
يعني بالنسبة لهذا، يعني تشبيه جداً جميل، يعني بأن رمضان الأول فالثاني فالثالث، بعد أن يُفرَض على المسلم، وكأنها هي محركات تدفع المسلم إلى التوبة والغفران، حتى يصِل رمضان الآخَر، فتأتي دفعة ثانية، فثالثة، هكذا يقضي عمره في العبادة.  
الدكتور محمد راتب النابلسي:
أحياناً الحقيقة المُرّة، أفضل ألف مرّة من الوهم المريح، أعتقد والله إذا عاد الإنسان بعد رمضان، إلى ما كان عليه قبل رمضان، صَدِّق ولا أُبالغ، كأنه ما صام رمضان، رمضان نقلة نوعيَّة، وكل سنة في نقلة ثانية، فأنت في صعود مستمر، أمَّا عاد العيد، عُدنا إلى ما كُنَّا عليه. 
المذيع:
وكأنه دخل إلى هذه المدرسة، ولم يستفد منها شيئاً، ولم تُربيه على شيء، فعاد إلى الحياة الدنيا مُسرفاً.

العِلم أصل العلاقة مع الله:


الدكتور محمد راتب النابلسي:
لذلك مَثل هؤلاء الناس كالناقة، عَقلها أهلها ثم أطلقوها، فلا تدري لا لِما عُقِلت، ولا لِما أُطلِقت، لا يدري لِما صام، ولِما أفطر، العِلم أصل العلاقة مع الله، إذا أردت الدنيا فعليك بالعِلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعِلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعِلم، والعِلم لا يُعطيك بعضه، إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يُعطِك شيئاً، والإنسان يظل عالماً ما طلب العِلم، فإذا ظنَّ أنه قد عَلِم فإنه قد جَهِل ، طالب العِلم يؤثِر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثِر الدنيا على الآخرة، الأول الآخرة على الدنيا، الثاني الدنيا على الآخرة، يخسرهما معاً، فلا بُدَّ أن تعرف أن الإنسان هو المخلوق الأول والمُكلَّف والمُكرَّم والمفضَّل، والمُكلَّف بعبادة الله.
العبادة طاعةٌ طوعيَّة، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، أساسها معرفةٌ يقينية، تُفضي إلى سعادةٍ أبدية. 
المذيع:
سبحان الله، إذاً المسلم الذي يعود إلى المعاصي، بشكل بين قوسين شَرِه إن صح التعبير، يخشى على نفسه بأنه لم يأتِ العبادة على وجهٍ سليم في رمضان، هي مدرسة.

الذي يعود للمعاصي بعد رمضان كأنه ما صام رمضان ولم يُحقق حكمة الصيام:


الدكتور محمد راتب النابلسي:
هذا التعبير كأنه ما صام رمضان، رمضان تكامل، دَرَج، أما ارتقى وعاد إلى ما كان عليه، أصبح عادة من عاداتنا.
المذيع:
كما يقال أنه من عُبَّاد رمضان، يعني يعبُد هذا الشهر ولا يعبُد ...
الدكتور محمد راتب النابلسي:
الحقيقة المُرَّة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، يعني إذا عاد الإنسان بعد رمضان كما كان قبل رمضان، ما حقَّق حكمة هذه العبادة الرائعة.
المذيع:
سبحان الله، أيضاً نريد أن نسمع شيئاً من الإنشاد، دكتور طبعاً الإنشاد يُحرِّك في النفوس، تلك المشاعر الجيَّاشة التي تدفع أيضاً إلى العبادة وحُبِّ الله، أليس كذلك؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
الإنشاد يُحرِّك الحُب بين العبد وربّه، الحقيقة أنَّ الإنشاد مصباحٌ كمصباح علاء الدين، يكشف لك عن كنوزك أنت المخبوءة في أعماق نفسك، ولكنه ليس بالكيس المملوء الذي يُفرَغ في الخزائن الخاوية، الذي له مع الله تجربة، فيحرك فيه شيء.

ما الذي يفعله من فاته القرب من الله في رمضان؟ 


المذيع:
في النهاية دكتور مَن فاته خيرات القُرب في هذا الشهر الفضيل ومرَّ عليه رمضان دونما أثر إيجابي في نفسه، ما الذي يجب أن يفعله، وما الذي يجب أن يخشاه أيضاً؟
الدكتور محمد راتب النابلسي:
قال تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾

[ سورة الزمر ]

في رمضان وبعد رمضان، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
بالأثر القدسي وَرَد : "لو يعلم المُعرضون انتظاري لهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمُعرضين فكيف بالمقبلين" ؟!  الله عزَّ وجل يدعو المسرفين إلى التوبة فكيف بالمُقصرين؟ من باب أولى، فقبولهم من باب أولى.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)﴾

[ سورة التحريم ]

توبوا في رمضان، وفي شوال، وفي كل أشهُر العام، أسوق هذا الكلام لمَن لم يكن مُرتاحاً في صيامه في رمضان، أسوق هذا الكلام لمَن شَعَر بالإحباط في أثناء الصيام، هذا كلامٌ أسوقه لإنسان لم يُفلِح في رمضان، مع أنه شهر الصوم والإيمان، وشهر القُربات والغُفران، ومع ذلك فاته الكثير من الخير والقُرب، أقول له أبواب التوبةِ مُفتَّحةٌ على مصارعها، في كل أشهُر العام، مرّة ثانية، ليست التوبة مقصورة على رمضان، وليست محصورة فيه، بل أبواب التوبة مُفتَّحة على مصارعها في كل أشهُر العام، هذه الكلمة لِمن قَصّر في رمضان، وفي الحديث القدسي:

(( قال اللهُ : يا ابنَ آدمَ ! إنك ما دعوْتَنِي ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أُبالي ، يا ابنَ آدمَ ! لو بلغت ذنوبُك عنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي ، يا ابنَ آدمَ ! إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتَني لا تُشركُ بى شيئًا ؛ لأتيتُك بقُرابِها مغفرةً . ))

[ أخرجه الترمذي وأحمد ]

فالتوبة هي الباب المفتوح على مصراعيه.

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)﴾

[ سورة النساء ]

هو خلقنا ليُسعدنا، والإنسان له مكانة كبيرة عند الله، لكن حينما يلجأ إلى الله تائباً، التوبة تَجبُّ ما قبلها.

على المسلم أن يتيقن أن الله سيغفر له بعد رمضان:


المذيع:
نعم، وكأن بهذا الكلام يجب على المسلم أن يظن بربه أنه سيتقبّل عبادته في رمضان، سيتقبّل توبته أيضاً في رمضان وخارج رمضان.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
وبعد رمضان:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[ سورة البقرة ]

المُطلق على إطلاقه، في كل شهور العام (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ، في رمضان وبعد رمضان، وفي كل أشهُر العام.
المذيع:
نعم، يعني ما بعد رمضان أيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم، أوصى بصيام الستة من شوال، وهي حتى يُتِم ما قد فاته من العبادة في هذا الشهر.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
هو ينتظرنا، لو يعلم المُعرضون انتظاري لهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمُعرضين فكيف بالمقبلين؟
المذيع:
إذاً هو اليقين، يعني أول درس يجب أن يتعلمه المسلم، هو اليقين بأنَّ الله عزَّ وجل سيغفر له، بعد عبادته هذا الشهر، ولكن هل من خطوات عمليَّة للرحمة؟

خطوات تُحفّز المسلم على الاستمرار بالعبادة بعد رمضان:


الدكتور محمد راتب النابلسي:
هو خلقنا ليرحمنا، (إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ)
المذيع:
هل من خطوات عمليَّة تُحفّز الإنسان أكثر على الديمومة في العبادة؟ يعني الإنسان قد تشغله الدنيا.
الدكتور محمد راتب النابلسي:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)﴾

[ سورة الحشر ]

بحاجة إلى صُحبة، بحاجة إلى مَن يسهر معه مؤمناً، بحاجة إلى مَن يتنزّه معه مؤمناً، (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) .

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾

[ سورة الكهف ]

لذلك لا بُدَّ من صُحبة، لا بُدَّ من حاضنة إيمانية، لا بُدَّ من مجتمع إيماني.

(( يدُ اللَّهِ مع الجماعَةِ ومن شذَّ شذَّ إلى النَّارِ ))

[ رواه الشوكاني ]

المذيع:
يعني لا يذهب إلى أماكن الفسوق، ويقول لقد زلَّت قدميّ، يعني يجب عليه أن يحرص كما ذكرت، أن يذهب إلى الجامع، يتخيَّر الصُحبة الصالحة  التي تُذكِّره بالله عز وجل.

العمل الصالح علّة وجودنا ويجب أن يكون خالصاً وصواباً:


الدكتور محمد راتب النابلسي:
الله ستّار، ينبغي أن يُبقي ذنبه بينه وبين الله، لأنه ستّار 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْإِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[ سورة الكهف ]

سُمّيَ العمل صالحاً، لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتُغيّ به وجه الله، وصواباً ما وافق السُنَّة، لذلك

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[ سورة المؤمنون ]

هذه الركن المتحرك، لذلك العمل الصالح علّة وجودنا، سُمّيَ صالحاً، لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلُح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتُغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السُنَّة.
المذيع:
نعم، والرسول عليه الصلاة والسلام كما قلنا في المقدمة.

(( أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها و إن قَلَّ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

يعني يحرص المؤمن إذا أتى بعبادة في شهر رمضان، أن يحرص عليها وإن كانت بسيطة وقليلة، وهذا يُحفزّه على ديمومته.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
إيجابيات رمضان والله لا أُبالغ، ينبغي أن تستمر طوال العام، الإيجابيات، من غض بصر، من ضبط شاشة، من ضبط العلاقات، من ضبط الأصدقاء، فلا بُدَّ من حاضنةٍ إيمانية، (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ)، (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
المذيع:
شكراً جزيلاً لكم أفدتمونا في نهاية هذا الشهر كيف على المسلم أن يداوم على العبادة في هذا الشهر أشكركم جزيل الشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي.
الدكتور محمد راتب النابلسي:
أقل واجب.

الملف مدقق

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور