الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
واو القسم هي لفت نظر لما سيأتي بعدها :
أيها الأخوة الكرام ؛ أيها الأخوة الأحباب ؛ أيها الأخوة المؤمنون ؛ ربنا عز وجل في قرآنه العظيم يقول :
﴿ وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَى (١) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (٢) وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ (٣) إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ (٤) فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (٥) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (٦) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ (٧) وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ (٨) وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (٩) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ (١٠) وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ (١١) إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ (١٢) وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ (١٣) فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ (١٤) لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى (١٥) ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى (١٧) ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ (١٩) إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ (٢٠) وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ (٢١) ﴾
إلى آخر الآيات .
أخواننا الكرام ؛ هذه الواو واو القسم فتقول : والله العظيم ، ولكن الله أعظم العظماء ، أنا أقسم بالله فإذا أقسم الله قال العلماء باجتهاد منهم : الواو لفت نظر لما سيأتي بعدها : وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَى (١) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (٢) الأصل هو الليل ، النهار يأتي طارئاً على الليل فيكشف الصور والحقائق ، وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَى (١) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (٢) وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰٓ (٣) .
الرجل والمرأة متكاملان وليسا متساويين :
بالمناسبة : المرأة الأنثى مساوية بالتمام والكمال للرجل من حيث التكليف والتشريف والمسؤولية ، المرأة مساوية للرجل تماماً من حيث التكليف والتشريف والمسؤولية ، ولكن الله يقول أيضاً :
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) ﴾

قال العلماء : خصائص الرجل الجسمية ، والفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية ، كمال مطلق للمهمة التي أُنِيطت به ، وخصائص المرأة الجسمية ، والفكرية ، والنفسية ، والاجتماعية ، كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها ، هما متكاملان ، وليسا متساويين ، الحضارة الحديثة أرادت أن تلغي هذه الآية ، إلغاء الذكر والأنثى ، وجعلهما كائنين متساويين ، لذلك في مؤتمر السكان الذي عُقد ثلاث مرات : مرة في بكين ، ومرة في القاهرة قد حضرته مندوباً لسورية ، ومرة في جزيرة بالي في إندونيسيا ، هذا المؤتمر أراد إلغاء العلاقة الطبيعية بين المرأة والرجل ، أن تكون العلاقة مثلية لتخفيض سكان الأرض ، هو مشروع قديم جاء به كيسنجر ، لكن القرآن فيه ذكر وأنثى ، فيه امرأة صالحة وزوج صالح ، يوجد ذرية ، نظام الإسلام شيء لا يصدق بكماله ، بعظمته ، بمآله : لذلك وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَى (١) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (٢) وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ (٣) - دقق فيها- إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ ، يوجد الآن على الأرض ثمانية مليارات إنسان بالضبط حسب الإحصاء ، إن سعيكم أيها البشر لشتى ، هذا يذهب إلى بلد لينال الدكتوراه ، وهذا يذهب لجنوب آسيا ليرتكب المعاصي والآثام ، وهذا يخطط ليقتل ، وهذا يخطط يدعو إلى الله ، إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ ، أي ثمانية مليارات إنسان كل منهم يوجد بذهنه هدف يسعى إليه ، هذه الأهداف عددها بعدد بني البشر .
مكانة الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :
في دولنا يوجد عشر مراتب ؛ وكل مرتبة ثلاث درجات ، إن لم يكن الإنسان لديه أي شهادة يتعين في المرتبة العاشرة ، الدرجة الثالثة ، بعد سنتين يصبح في المرتبة العاشرة الدرجة الثانية ، وبعدها الأولى ، وهكذا ، الذي لديه ليسانس يتعين في المرتبة الخامسة الدرجة الثالثة ، ومن معه دبلوم في المرتبة الخامسة ، الدرجة الأولى ، فخمسة ملايين موظف يجب أن يصنّفوا بثلاثين درجة ، هذا نظام الأرض ، بينما الله ماذا قال :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) ﴾
يوجد ثمانية مليارات إنسان ، يوجد ثمانية مليارات درجة ، فكل التفاصيل والدوافع والأهداف والأسباب والظروف كلها يعلمها الله ، والدليل قوله تعالى :
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) ﴾
فأنت علاقتك مع الواحد الديّان ، علاقتك مع الخالق ، لا تحتاج أن تكذب له ولا عليه ، ولا أن تكبر ولا أن تصغر ، الحق يستغني عن كل ذلك ، الحق هو الله ، والحق هو الشيء الهادف والثابت ، أسسنا جامعة ، التأسيس بدأ ، أما الجامعة فمستمرة لتعليم الطلاب الحقائق والمهارات ليكونوا قادة للأمة ، فالجامعة أسست لتبقى ، أما السيرك فهو لأسبوعين من اللعب فقط ، قال رسول صلى الله عليه وسلم :
(( إنّ الله تَعَالَى يُحِبُّ مَعالِيَ الأُمُورِ وأشْرَافَها ويكره سفسافها ))
فأنت مكانتك عند الله بقدر عملك الصالح ، كلام دقيق : وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ، العمل الصالح بعد الإيمان بالله واليوم الآخر علة وجودنا ، والدليل : الإنسان قبل أن يغادر الدنيا يقول : ربي أرجعوني لأكمل الطابق الخامس لم أكمله ، معي ماجستير وأريد أن آخذ دكتوراه ، لا ، يقول :
﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) ﴾
إذاً علة وجودك في الدنيا العمل الصالح : رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا إيمانك ثبت بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، وزوجتك ثابتة ، أما المتبدل في حياتك فهو العمل الصالح :
(( كلُّ يومٍ لا أزدادُ فيه علمُا يُقرِّبُني إلى اللهِ فلا بُورِكَ لي في شمسِ ذلك اليومِ ))
بطولتك ، ذكاؤك ، حيويتك ، نجاحك في الحياة ، فلاحك ، أن تزداد كل يوم إيماناً وقرباً ،
(( كلُّ يومٍ لا أزدادُ فيه علمُا يُقرِّبُني إلى اللهِ فلا بُورِكَ لي في شمسِ ذلك اليومِ ))
هذه المهمة الأولى.
حجم الإنسان عند ربه بحجم أهدافه :
97% من البشر يتحركون بلا هدف ، لماذا تعيش أنت ؟ لتأكل كالبهائم ؟

أنا آكل لأعيش ، وأعيش لحقيقة وهدف كبير ، حجمك عند الله بحجم هدفك ، أكثر الناس تريد وظيفة من أجل الدّخل ، وزوجة ، وبيتاً ، فقط ، هذه كل أهدافه ، وأنت حجمك عند الله بحجم أهدافك ، هؤلاء الأكثريّة في العالم ، ثمانية مليارات إنسان ، أتكلّم عن الإنسان المستقيم المنضبط ، همّه أن يتزوّج ، وأن يسكن بيتاً ملكاً أو بالأجرة ، وأن يكون له عمل ، أمّا أهداف المؤمن فقد كان هناك عالم في الشام بلغ السابعة والتّسعين ، الشّيخ بدر الدين الحسنيّ ، كان إذا رأى شاباً يقول له : يا بني أنت تلميذي ، وكان أبوك تلميذي ، وكان جدّك تلميذي ، عاش ثمان وتسعين سنة ، علّم لمدة ثمانين سنة ، كان يتمتّع بصحّة مذهلة ، منتصب القامة ، حادّ البصر ، مُرهف السّمع ، أسنانه في فمه ، سُئل مرّة : ما سرّ هذه الصّحّة التي حَباكَ الله بها؟ قال : يا بني ، حفظناها في الصّغر ، فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً ، لي صديق حميم في الشام زرته في العيد ، ففتح لي والده ، قلت له : هل الأخ محمد هنا ؟ قال لي : لا يا بني ، قلت له : سلّم عليه ، قال لي : ممكن أن تدخل لخمس دقائق ؟ قلت له : نعم ، قال لي : أنا عمري 95 سنة ، وقمنا البارحة بتحليل بول ودم ، فكانت النتيجة أن كل شيء طبيعي ، فوالله الحرام لا أعرفه أبداً ، لا حرام المال ولا حرام النساء .
الشباب أمل الأمة ومستقبلها :
بالمناسبة : أمامي شباب كثر ، والشباب أمل الأمة ، والشباب مستقبل الأمة ، والشباب قوّة الأمة ، الشباب كالمحرّك في السيّارة ، هم قوّة اندفاعها ، والعلماء الربّانيّون المِقود ، والطّريق المعبّد شريعة الإسلام ، فالأمّة تتقدّم بقوة شبابها ، وتوجيه علمائها الربانيّين على منهج الله الصراط المستقيم .
بطولة الإنسان أن يتخلق بأخلاق الأنبياء :
إذاً قال الله تعالى :
﴿ وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَى (١) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (٢) وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ (٣) إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ (٤) ﴾
الآن ثمانية مليارات إنسان سوف يُصَنّفون إحدى تصنيفَين- كلام دقيق جداً- : فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (٥) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (٦) الحسنى هي الجنّة ، الدّليل :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
صدّق بالحسنى فاتقى أن يعصي الله ، لا يأكل الحرام ، ولا يكذب ، ولا يغش ، ولا يدلّس ، ولا ينافق ، صدّق بالجنة ، فاتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، الهرم البشري ثمانية مليارات إنسان ، تقع على رأسهم زمرتان : الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء عاش النّاس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء يُمدحون في حضرتهم ، الأنبياء يُمدحون في غيبتهم ، والنّاس جميعاً تبعاً لقوي أو نبي ، فكل بطولتك أن تكون من أتباع الأنبياء ، وإن شاء الله كل رُوَّاد المساجد من أتباع الأنبياء لا الأقوياء ، وإن كنت قويّاً في منصب رفيع فبطولتك أن تتخلّق بأخلاق الأنبياء .
أخواننا الكرام : الدنيا ساعة فاجعلها طاعة : وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَى ، وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ، وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ ، إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ ، هذا السعي لثمانية مليارات إنسان أُنزِل في حقلين اثنين : فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ، وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ صدّق أن هناك آخرة .

أخواننا الكرام : لا يمكن أن يصلح حالنا إلا بالإيمان بالآخرة ، أنت قوي وأخ أكبر ، وعندك أخوة صغار فأخذت المال كله وحرمت الصغار لأنك قوي ، أما المؤمن فينضبط بالشرع ، يعطي أصغر طفل حقه الكامل ، فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، لأنه آمن بالجنة : وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ، صدق بالحسنى فاتقى أن يعصي الله ، بنى حياته على العطاء ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم فقط ، والأنبياء في غيبتهم ، والناس جميعاً تبعاً لقوي أو نبي : وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَى ، وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ، وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ ، إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ ، فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ، وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ هؤلاء أهل الجنة ، صدّق بالجنّة ، فاتّقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، الطرف الآخر : وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ استغنى عن طاعة الله لأنه كفر بالحسنى ، عفواً العالم كله الآن الآخرة أبعد ما تكون عن تفكيره ، العالم كله بما فيه العالم الإسلامي ، نتكلم فقط عن التنمية والصناعة والازدهار المادي والاقتصادي ، أما أن هناك موتاً وأن هناك أبد الآبدين فلا ، ما الأبد يا أخوان ؟ مثلاً : واحد للأرض وأصفار للشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، كل ميليمتر صفر ، هذا الرقم إذا نسب للانهاية فهو صفر ، أنتم مخلوقون للأبد ، قال تعالى:
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) ﴾
والحياة ستون ، سبعون ، ثمانون ، تسعون ، مئة وثلاثون أقصى شيء ، هناك شيخ في الأزهر عاش مئة وثلاثين سنة ، ولكن الأبد ! كم هو خاسر الذي اكتفى بالدّنيا ، ما أدخلَ الآخرة في حسابه إطلاقاً ، ممكن أن يكون عنده معمل غذائي ، مسموح بمادة حافظة اسمها : بنزوات الصوديوم بكمية ثلاثة بالألف فيضع منها بنسبة ثلاثة بالمئة فترتفع نسبة السرطان بالبشر ، فهو لا يعبأ بالله ، تهمّه مصلحته ، وربحه فقط ، وهذا حال أهل الدنيا ، خسرنا كل شيء .
ضرورة العودة إلى الله والصلح معه :
نحن كمسلمين نملك نصف ثروات الأرض بالضّبط ، بالتّمام والكمال
نحتل أهم موقع استراتيجي في الأرض ، ملتقى القارات الثلاث ، لدينا ثلاثة ممرات مائية هي أصل التجارة الدّولية ، السّويس والمندب وهُرمز ، نتمتع بصفات وخصائص لا تتمتع بها أمة أخرى ، ومع ذلك نحن أضعف الأمم وأفقر الأمم ، لأننا تركنا منهج الله ، هذا المنهج العظيم الذي نصرنا به سابقاً ، يُحارَب الدين في العالم كله ، حتى في بعض الدول الإسلامية يُحارَب الدين ، هذا منهج الله عزّ وجل ، دفعنا ثمناً باهظاً ، والله لدينا مآس ، خمس عواصم محتلة من جهات منحرفة ، نملك نصف ثروات الأرض ونحن فقراء ، ونملك كل شيء ونحن ضعفاء ، لذلك لابد من صلح مع الله .
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55) ﴾
لسنا مُستَخلَفِين ، ولا مُمَكّنين ، ولا آمنين ، الجواب بكلمة واحدة : يَعْبُدُونَنِي ، فإذا قصّرنا في عبادتنا خسرنا كل هذه الخصائص ، لابدّ من عودة إلى الله ، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السّماوات والأرض أن هنّئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، والصلحة مع الله بلمحة .
الإسلام فردي وجماعي :
الآن أخطب برمضان ، سامحوني بهذه الكلمة ، ولكن رمضان في معظم بلاد المسلمين شهر الولائم والمسلسلات ، فُرِّغ من مضمونه كلياً ، أعظم شهر في حياتنا ، شهر العودة إلى الله ، الصُّلح مع الله ، إنفاق المال في سبيل الله ، أداء الزكاة ، وإقامة الصلوات والتراويح والفجر في المسجد ، كل هذه الخصائص فُرِّغَت من مضمونها ، أصبحت عبادة شكليّة لا تُقَدِّم ولا تُؤَخِّر ، لا نملك شيئاً من حياتنا .
أخواننا الكرام ؛ الأمر خطير ، والأمر مصيري ، ويوجد إسلام فردي ، وإسلام جماعي .
ماذا تملك أيها الفرد المسلم ؟ تملك نفسك ، بإمكانك أن تصلي أو لا تصلي ، تغض بصرك أو لا ، تضبط الشاشة أو لا تضبطها ، تتحرّى الحلال أو تأكل حراماً معهم ، فأنت بند ، وبيتك بند ، وعملك بند ، فأنت مُحاسَب عن دوائر ثلاثة ، أنت دائرة ، وبيتك دائرة ، وعملك دائرة ، هذه مسؤوليتك .
أنا أهتمّ بالعالم ، بفضل الله لي موقع هو الأول في العالم ، يدخله في اليوم مليونا زائر ، اكتب موسوعة النابلسي ، أوّل موقع في العالم الإسلامي ، وتجديده يومي ، بين أيديكم ، من أي هاتف ، أو آيباد ، أو كمبيوتر ، وتجديده يومياَ ، ترتيبه : الموقع الأول ، عشرون ألفاً من ستة مليارات موقع ، بما فيهم CNN ، وغوغل ، هذا بين أيديكم ، كل شيء ألقيته في أربعين سنة موجود ، من خطب ودروس ومؤتمرات ، كل شيء ألقيته بحياتي من أربعين سنة موجود في هذا الموقع ، على أي هاتف اكتب موسوعة النابلسي ، تأخذ منها ما تشاء دون أي مقابل .
أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، أنتم بنعمة لا تُعرَف إلا إن فُقِدَت ، واستقرار بلادكم ، هذه نعمة كبيرة جداً ، هناك بلاد فقدتها فأنتم حافظوا عليها بالشّكر ، يوجد بلاد في خوف دائم ، وقتل عشوائي ، فأنتم بنعم كبيرة جداً ، فحافظوا عليها ، والحمد لله ربّ العالمين .
الحمد لله رب العالمين ، اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولّنا فيمن تولّيت ، وبارك الّلهمّ لنا فيما أعطيت ، وقِنَا واصرف عنّا شرّ ما قضيت ، فإنّك تقضي ولا يُقضَى عليك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تُهِنّا ، آثرنا ولا تُؤثِر علينا ، أرضِنا وارضَ عنّا ، وصلّ الله على سيّدنا محمّد النّبي الأمّيّ وعلى آله وصحبه وسلّم ، الفاتحة.
الملف مدقق