لن يُترَك الإنسان دون حساب.
﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾
الحقيقة أن الخلق الأول دليل عظمته، والخلق الثاني دليل عدالته.
لأن في الخلق الأول عظمةً ما بعدها عَظمة، هناك الفقير والغني، هناك القوي والضعيف، هناك الظالم والمظلوم، هناك الصحيح والمريض، فهذا المريض لو أنّ هذه الدنيا هي كل شيء أليس له على الله عَتَبٌ شديد؟ يا رب أنت الذي خلقتني، هذا الفقير الذي لا يجد قُوت يومه وكانت الدنيا هي كل شيء وانتهى الأمر، أليس له عند الله عتبٌ شديد؟ في الدنيا فقير، في الدنيا غني، في الدنيا ضعيف، في الدنيا قوي، في الدنيا ظالم، في الدنيا مظلوم، في الدنيا صحيح، في الدنيا مريض.
الخلق الأول لحكمةٍ بالغة، والخلق الثاني لتحقيق العدالة المُطلَقة.
فالغني سيُحاسَب على غناه، والفقير سيُسأل عن صبره، والقوي سيُحاسَب عن قوَّته كيف استخدمها، أتعسَّف بها، والضعيف سيُسأل عن توحيده، والمريض سيُسأل عن صبره، والصحيح سيسأل عن قوَّته كيف استعملها.
(( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ ))
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾
( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ) جامعة، قاعات محاضرات، مكتبة ضخمة، حدائق، جهاز تدريسي من أرقى مستوى، مخابر كلَّفت ألوف الملايين، ليس هناك امتحان؟ هكذا ادخل إلى الجامعة، واخرج منها من دون امتحان؟ من دون مسؤوليَّة؟ مستحيل، لا يفعلها إنسان ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ) تعالى أن يخلق الناس عبثاً..
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ( 16) ﴾
﴿ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36) ﴾
نحن في الدنيا في ظل الأنظمة الوضعيَّة، أيضرب إنسان إنساناً، أيقتله ويذهب إلى بيته هكذا؟ ليس هناك شرطة، ليس هناك دوائر مباحث جنائيَّة؟ هكذا ( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) عند مخلوق لا تنجو، عند مخلوق محدود العلم لا تنجو، عند الخالق ؟! تأكل مال فلان، تنتهك عِرض فلان، تُخادع فلاناً، تغشُّ فلاناً، تحتكر هذه السلعة، تؤذي المسلمين، تأخذ أموالهم بغير حق وتُتْرَك سدى؟ هكذا ببساطة، بلا حساب، بلا مسؤوليَّة، بلا عذاب ؟
ليست العبرة أن ينجح جميع الطلاَّب في الجامعة، ولكن الشيء الرائع أن تتطابق النتائج مع المقدِّمات، هذا هو الشيء الرائع أن يكون هناك حسابٌ دقيق ( فوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ﴾
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) ﴾
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه(8) ﴾
إيمانك الصحيح أنك لو أنقذت نملة، أنك لو ابتسمت ابتسامةً بمقدار ثانية واحدة سخريةً من إنسان لحُوسِبْتَ عليها.