وضع داكن
09-05-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - الأردن - عمان - جامعة عمان العربية - المحاضرة : 81 - خواطر إيمانية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :


المذيع :
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على طريقته ، واتبع هداه ، أما بعد ؛ بداية أرحّب بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي بيننا ، ضيفاً عزيزاً كريماً للمرة الثانية ، وهذا من فضل الله عز وجل أولاً علينا أن يكون بيننا أمثال فضيلة الشيخ من العلماء الربانيين ، التربويين ، الذين لهم إسهامات كثيرة في نفع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا شأن العلماء ، فالعلماء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم هم ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يُورّثوا ديناراً ، ولا درهماً ، إنما ورّثوا العلم ، والعلم هو الميدان الذي نتنافس فيه في مثل هذه الجامعة المباركة ، وكما قيل : العلم جوهر لطيف لا ينزل ولا يستقر إلا في الوعاء النظيف ، والوعاء هو القلب ، ونظافة القلب إذا خلت من الشهوات والشبهات تكون نظافة تامة بإذن الله ، وقضية الإيمان بالله عز وجل هي أعظم قضية يتكلم عنها المرء في حياته ، وأهم شيء يتدارسه الناس فيما بينهم ، والله عز وجل قد تكلم عن الإيمان ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم عن الإيمان بأشياء ، وآيات ، وأحداث كثيرة ، ونصوص دالة على أهمية الإيمان ، فالإيمان سرّ سعادة الإنسان ، بل هو أهم سبب لوجود الإنسان ، فالله عز وجل حصر ذلك بالإيمان فقال : 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

جاء في تفسير معنى (لِيَعْبُدُونِ) : أي ليوحدون ، والتوحيد هو أصل الإيمان ، وأنا لا أريد أن أطيل ، أترك المجال لفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي في هذه المحاضرة القيّمة التي هي بعنوان : " خواطر إيمانية " لنسمع منه كلاماً إن شاء الله ينفعنا في ديننا ، ودنيانا ، وآخرتنا ، فليتفضل مشكوراً ، مأجوراً .
 

الإنسان هو المخلوق الأول المُفضّل والمُكرّم عند الله عز وجل :


الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
بادئ ذي بدء ؛ كما قدّمني العالم الجليل في كلمة مقتضبة لكنها بليغة ، أنا أقول له : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، هذا أكبر عطاء إلهي أن يُستعمل الإنسان في الحق ، والدعاء : اللهم استعملنا ولا تستبدلنا ، فالإنسان من نوع زواجه ، من نوع عمله في نِعَم لا تعد ولا تحصى ، لكن الناس إذا فقدوها ينتبهون ، لكن البطولة أن تراها وهي موجودة فإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، محاضرتي في جامعة ، والجامعة كما أقول مؤنث لفظي ، والجامع مذكر لفظي ، والرجال قوامون على النساء في القرآن الكريم :

﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ ۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ ۚ وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34) ﴾

[ سورة النساء ]

بمعنى أن الجامعات في البلاد الإسلامية ينبغي أن تستقي مناهجها من وحي السماء لا من وحي الأرض ، أكثر نظرية مشهورة هي نظرية دارون ، أنا فاجأت طلابي بالجامعة أنني آمنت بها ، صُعقوا ، لكنها معكوسة ، كان إنساناً فصار قرداً ، لأن الله قال : إنه مسخهم قردة وخنازير بمعنى دقيق جداً ، الخنزير همّه الشهوة ، والقرد همّه الطعام ، فإذا اقتصر العالَم الآن على الطعام ، والشراب ، والجنس ، مُسخوا قردة وخنازير ، أما المؤمن فهو المخلوق الأول عند الله ، المُكرَّم ، المُكلَّف ، المُحاسَب ، المُعاقَب :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

في عالم الأزل لا في عالم الصور (فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ) فلما قَبِل هذا المخلوق حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول والمُفضّل والمُكرّم والمُكلّف والمُحاسَب والمُعاقَب (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) تُقرأ قراءتين : (إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)   ؟ استفهام إنكاري ، ما (كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) كان واعياً ، طموحاً ، لكن إذا نسي الأمانة في الدنيا ، وانغمس في الشهوات والملذّات (إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) .
(إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) نسي حمل الأمانة (إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ؟ استفهام إنكاري ، كان طموحاً ، وثّاباً .
 

الآيات هي القنوات الوحيدة والفريدة التي توصلنا إلى الله :


إخواننا الكرام ، أخواتنا الكريمات ، يوجد آية دقيقة جداً ، قال تعالى :

﴿ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾

[ سورة الجاثية ]

معنى ذلك أن الآيات ، مطلق الآيات هي القنوات الوحيدة ، والفريدة التي توصلنا إلى الله ، قرآن : (فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ) الآيات هي القنوات الوحيدة ، والفريدة التي توصلنا إلى الله . 
والآيات أنواع ؛ آيات كونية : خلقه ، آيات تكوينية : أفعاله ، آيات قرآنية : كلامه ، الكونية : تفكُّر ، والتكوينية : نظر ، والقرآنية : تدبُّر ، أنت مع ثلاث قنوات تسلك بك إلى الله .
ومضات سريعة : الأرض أكبر من الشمس بمليون وثلاثمائة ألف مرة ، وبين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، كلامي دقيق ، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة ، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، لكن للتقريب الأرض تدور حول الشمس بمسار بيضوي إهليلجي ، له قطران أطول وأقصر ، هي الآن في القطر الأطول انتقلت للقطر الأقصر ، الجاذبية قانونها المسافة والكتلة ، فالمسافة قلّت ، فلابدّ حسب القانون القطعي أن تنجذب إلى الشمس ، فإذا انجذبت تنتهي الحياة في وقت قصير ، ما الذي يحصل ؟ ترفع الأرض سرعتها لينشأ من رفع سرعتها قوة نابذة أكثر تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها :

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍۢ مِّنۢ بَعْدِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(41) ﴾

[ سورة فاطر ]

تابعت ، وصلت إلى القطر الأطول ، شكل بيضوي ، المسافة زادت ، الجاذبية ضعفت ، لا بد من أن تتفلّت الأرض من جاذبية الشمس ، فإذا تفلّتت الحرارة 260 تحت الصفر ، تنتهي الحياة إذا انجذبت ، وإذا تفلّتت ، تخفض الأرض سرعتها ، لينشأ من خفض سرعتها قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل فتبقى على مسارها ، والآية تقول : (إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ أَن تَزُولَ) إذا اختلف الوضع تنتهي الحياة ، هذه واحدة .
كنت مرة في أمريكا ، دخلت إلى متحف فضائي ، فيه قبة كبيرة جداً فيها تقريباً معظم النجوم ، لفت نظري برج العقرب ، وصلوا بخطوط بين النجوم كالعقرب تماماً ، ببرج العقرب يوجد نجم أحمر صغير متألق اسمه : قلب العقرب ، يتّسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يُعصى ؟ ألَا يُطلَب ودّه ؟ ألَا تُرجى جنته ؟ ألَا تُخشى ناره ؟ 

تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ         ذاك لعمري في المقال شنيع

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتــــــَهُ         إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيـعُ

***


التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله :


إخواننا الكرام ، أنتم مسلمون جميعاً ، تقرؤون القرآن ، آية الأمر تقتضي أن نأتمر ، آية النهي تقتضي أن ننتهي ، آية القصة تقتضي أن نتّعظ ، ماذا تفعل بألف وثلاثمائة آية تتحدث عن الكون والإنسان ؟

﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَءَايَٰتٍۢ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ(190) ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ(191) ﴾

[ سورة آل عمران ]

التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله ، وأقصر طريق إلى الله ، لأنه يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله ، دققوا ، هذا الذي استحق النار :

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ﴾

[ سورة الحاقة ]

المذيع :
نرجو وضع الهواتف على الصامت ، ومن كان عنده سؤال فليكتبه ورقياً ويرسله لنا إن شاء الله .
الدكتور راتب :
عندنا خطيب في الشام إذا خطب كان يقول : أطفئوا هواتفكم فإن إطفاء الهواتف من تمام الدرس .
المذيع : 
والأسئلة تكون مكتوبة ، من عنده سؤال فليكتبه ، ويصلني إن شاء الله ، نعتذر دكتور للمقاطعة .
الدكتور راتب :
لا توجد مشكلة ، إذاً عندنا آيات كونية : خلقه وتقتضي التفكر ، الآية دقيقة : (إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَءَايَٰتٍۢ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ) ، (ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ) ثلاث حالات : واقف ، جالس ، مضطجع ، دائماً .
 

الحق هو الشيء الثابت والهادف والباطل هو الشيء العابث والزائل :


 (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ) الحق غير الباطل ، الحق الشيء الثابت والهادف ، إنشاء الجامعة حق لتخريج أئمة ، ودعاة ، وعلماء للأمة ، أما السيرك فيقام مدة أسبوعين فقط ، عابث وزائل ، فلذلك الشيء الثابت والهادف هو الحق ، الله هو الحق ، والباطل الشيء العابث ، والزائل ، فلذلك الحق هو الله ، لذلك الحرب بين حقّين لا تكون ، مستحيل ، الحق واحد ، بين نقطتين يمر مستقيم واحد ، لو حاولت أن تمرّر مستقيماً آخر يكون فوقه تماماً ، لذلك الحق لا يتعدد ، والباطل لا ينتهي ، فقد يمر بين نقطتين مليون خط منحن ، وخط منكسر أما خط مستقيم واحد ، فلذلك :

﴿ إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ(92) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

فالحق لا يتعدد ، والباطل لا ينتهي من تعداده ، فلذلك الكونية : تفكُّر ، أول آية وثاني آية .
 

معرفة الله واجبة على كل إنسان :


التكوينية : أفعال ، الآية :

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ(69) ﴾

[ سورة النمل ]

(سِيرُواْ) : تحرّك ، فكّر ، تأمّلْ ، دقّقْ ، حقّقْ (قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ) .
(فَٱنظُرُواْ) : أتت الفاء للترتيب على التعقيب .
 الآية الثانية :

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ ٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ(11) ﴾

[ سورة الأنعام ]

الآية الأولى فاء ، والثانية : ثم ، الأولى : للترتيب على التعقيب ، والثانية للترتيب على التراخي .
والله قصة لا تُصدّق ، لي صديق قاضٍ في الشام ، يوجد قضية خطيرة في بيت في أرقى أحياء دمشق ، بعد وفاة صاحب البيت جاء شخص أبرز شراءه للبيت ، والعقد مُتقَن جداً ، يكاد يكون صحيحاً ، هناك ورثة وأولاد ، القاضي صديقي دعاهم إلى حلف اليمين ، وضع يده على المصحف وحلف اليمين الذي أعطاه إياها القاضي ورفع يده ولم يُنزلها ، غضب القاضي وقال له : أنزل يدك ، كان ميتاً ، وممسكاً للطاولة بيده الثانية ، فقد حياته فوراً ، حلف يميناً كاذباً .
الفاء تفيد الترتيب على التعقيب (قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ) وهناك آية (ثُمَّ ٱنظُرُواْ) أقسم لي إنسان في القلعة في دمشق يتم إعدام المجرم ، يُعدم ، فهذا وضع الحبل حول رقبته قال : أنا الآن سأُشنق لأنني متهم بقتل شخص أنا ما قتلته ، قتلت شخصاً آخر من ثلاثين سنة .
الفاء للترتيب على التعقيب ، وثم للترتيب على التراخي .
الآيات التكوينية : أفعاله ، مرّة هناك بلدة في أوروبا أصابها مشكلة كبيرة جداً ، فقالوا : لا تقلقوا علينا فنحن لسنا بمسلمين ، نحن خالفنا هذا الدين . 
يوجد منهج إلهي عندما أطبق تقطف ثماره قطعاً ، يقيناً ، 100% ، إذا بقيت في شكلياته لا يصير شيئاً ، ممكن للإنسان أن يضع في بيته صورة الكعبة ، لا مانع ، شيء جميل جداً ، وفي سيارته يضع مصحفاً ، وفي غرفة ثانية الحرم النبوي ، لكن هل الدخل حلال ؟ الإنفاق حلال ؟ السهرات حلال ؟ اللقاءات حلال ؟ السفر حلال ؟ النشاطات حلال ؟ هناك مواد مسرطنة تُوضع بالأغذية أحياناً بنسب عالية جداً تسبب السرطانات ، فالإسلام منهج تفصيلي فيه آلاف البنود ، نحن نفهم فهماً خاطئاً أن الإسلام صلاة ، وصوم ، وحج ، وزكاة ، وشهادة ، هذه عبادات شعائرية إذا ما رافقها عبادات تعاملية : كسبك ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، اختيار زوجتك ، تربية بناتك ، تربية أولادك ، علاقتك مع الأقوياء ، علاقتك مع الضعفاء ، أداء زكاة مالك ، بنود تفصيلية بالآلاف ، فالإسلام منهج كامل يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من العلاقات الأسرية ، وينتهي بالعلاقات الدولية .
إذاً : الكونية : خلقه ، تفكر(إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَءَايَٰتٍۢ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ) ، (ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ) .
ومضة واحدة ؛ الماء ، أمامي هذه القارورة ، هذا الماء فيه خاصة لولاها لما كان هذا اللقاء ، ولا كانت الجامعة ، ولا عمان ، ولا الأردن ، ولا الشرق الأوسط ، هذه الماء فقط ، هذا الماء سائل ، أي مادة صلبة كالطاولة ، أو سائلة كالماء ، أو غازية كالهواء ، بالحرارة  تتمدد ، بالبرودة تنكمش ، إلا الماء ، الماء حرارته 40 مثلاً ، كان على النار ، نزلت درجة حرارته للدرجة الخامسة والثلاثين ، للثلاثين ، للخامسة والعشرين ، للعشرين ، للخامسة عشرة ، للخامسة ، إلى أن نصل إلى زائد أربع درجات شيء لا يُصدّق يزداد حجمه ، فتقلّ كثافته ، فيطفو على سطح البحار ، لولا هذا الاستثناء من هذا القانون ، لَمَا كان هذا اللقاء ، ولَمَا كانت عمان ، ولا الأردن ، ولا الشرق الأوسط ، كله التغى ، لذلك التفكُّر في الآيات يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله عز وجل ، هناك آيات ، يوجد كتب بين أيديكم عن الآيات الكونية والتكوينية مجاناً ممكن أن تسحبها من الموقع دون مقابل ، بإمكانك أن تسحب مئة وخمسين كتاباً من الموقع دون مقابل ، كلهfree  بالحديث المعاصر .
فلذلك لا بد من أن تعرف الله ، صار هناك آيات كونية : تفكُّر ، أي أنت تأكل طعاماً معيناً ، تقتني حاجات معينة ، أمامك اللحم الحلال ، كل هذه موضوعات تفكُّر ، كل ما حولك ، أيّ شيء تتفكر به يدلّك على الله ، الشرط أن تتخذ قراراً أوّلياً بمعرفة الله ، إذا كنت متخذاً القرار يمكن أقل شيء تراه يوصلك إلى الله ، وإذا لم تتخذ القرار هناك علماء كبار شاهدوا مجرات بمركبات فضائية وما استقاموا على الله عز وجل ، لذلك إذا ما اتخذت قراراً ذاتياً مختاراً أن تعرف الله ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتّك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
صار عندنا آيات كونية : خلقه ، تفكّر .
تكوينية : أفعاله : (قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ) يوجد (فَٱنظُرُواْ) ويوجد (ثُمَّ ٱنظُرُواْ) .
قرآنية : كلامه :

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ(115) ﴾

[ سورة الأنعام ]

أي يا عبادي بيني وبينكم كلمتان ؛ منكم الصدق أي تتفاوتون عندي بصدقكم ، وأنا أعدل بينكم ، منكم الصدق ، ومني العدل ، أو هذا القرآن ستمئة صفحة لا يزيد عن خبر وإنشاء ، الخبر صادق والإنشاء مفيد ، هذا الملخص .
 

كليات الدين :


لذلك إخواننا الكرام أريد من هذا اللقاء الطيب : الدين كم كتاب ؟ والله هناك ملايين الكتب ، كم عالم ؟ مئات الألوف ، كم مؤسسة إسلامية ؟ والله آلاف على مستوى الأرض كلها والقارات الخمس .
هذا الدين ممكن أن أستنبط منه كليات ؟ أسساً كبيرة ؟ ممكن ، مرة كنا ببلد غربي ودخلت لمعمل سيارات لمدة سبع ساعات ، سمعت أن هذه المركبة فيها ثلاثمئة ألف قطعة ، أما أنا كراكب لها غلاف معدني ، ومقاعد ، ومحرك ، وعجلات ، وبنزين ، ومقود ، ومكبح ، سبع قطع فقط ، قلّوا من ثلاثمئة إلى سبع ، أريد من هذا اللقاء الطيب : هذا الدين العلماء فيه لا يُعدون ولا يُحسبون ، والكتب لا تنتهي والجامعات والمؤسسات ، ممكن أن أضغط هذا الدين بكليات ؟ ممكن .
أول كلية العقيدة : الفهم ، التصور ، الأيديولوجيا ، المنطلق النظري ، إن صحّت العقيدة صحّ العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، هناك آلاف الشواهد ، إن صحّت العقيدة صحّ العمل ، وإن فسدت فسد العمل .
 

طلب العلم فريضة على كل إنسان :


هذه العقيدة لا بد من طلب العلم ، أنتم في جامعة من أجل أن تطبع كرتاً صغيراً بعد التخرج ، تكتب د . وجنبه اسمك ، فقط د . أي ثلاث وعشرون سنة من الدراسة من أجل د. فقط ، هل تستطيع أن تضع كلمة دكتور وأنت لا تملك شهادة ؟ لا طبعاً ، يوجد عقوبة كبيرة ، من أجل د . ثلاث وعشرون سنة ، من أجل أن تستحق الجنة إلى أبد الآبدين ليس لديك وقت لحضور درس علم ، أو أن تقرأ تفسيراً ، أن تسمع خطبة الجمعة من بدايتها ، تقول : الحمد لله أدركت الركعة الثانية ، هذه خطبة الجمعة مادة تعليمية ، يظن أنه أخذ الأجر بإدراكه للركعة الثانية في صلاة يوم الجمعة ، لا بد من طلب العلم .
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
إذاً كليات . . . قبل أن أبدأ ، أمامي طاولة ، هذه جماد ؛ طول ، وعرض ، وارتفاع ، ووزن ، وحجم ، لكن النبات يزيد على الجماد بالنمو ، لكن الحيوان يزيد عليهما بالحركة ، الذرة تمشي .
جماد : وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، النبات : ينمو ، الحيوان : يتحرك ، الإنسان له من الجماد خصائص : وزن حجم طول عرض ارتفاع ، وله من النبات أنه ينمو ، كان طفلاً صار شاباً طوله حوالي مئة وثمانين سنتمتراً ، وله من الحيوان الحركة ، لكن الله أودع فيه عقلاً ، قوة إدراكية تميز بها ، بل انفرد بها ، وهذه القوة الإدراكية تُملأ بطلب العلم . 
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، الدليل :

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ(46) ﴾

[ سورة الرحمن ]

جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة ، جنة الدنيا جنة القرب ، وجنة الآخرة جنة الخلد. 
فالإنسان أخذ من الجماد صفات ، ومن النبات ، ومن بقية المخلوقات أخذ صفات ، ولكنه انفرد بقوة إدراكية هي طلب العلم .
 

صفات من أعرض عن معرفة الله :


لو الإنسان عَزَف عن طلب العلم كمعظم أهل الأرض ما الذي يحصل ؟ اسمعوا القرآن ، قرآن

الصفة الأولى :

﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾

[ سورة النحل ]

نبضه 80 مثالي ، ضغطه 8/12 مثالي أيضاً ، ولكن عند الله ميت ، مادام لم يعرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، وما آمن بالآخرة فهو ميت (أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ) .

الصفة الثانية :

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(4) ﴾

[ سورة المنافقون ]

خشبة ، قرآن ، كتاب خالق الأكوان .

الصفة الثالثة :

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(44) ﴾

[ سورة الفرقان ]

الصفة الرابعة :

أصعب وصف : 

﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(5) ﴾

[ سورة الجمعة ]

أي دابة كالحمار ، ضع عليها كتاب فيزياء نووية ، اسألها سؤالاً من الكتاب (كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا) لذلك لا بد من طلب العلم ، مرة ثانية : إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً . 

الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاثة :


إخواننا الكرام : أخطر شيء في الدين العقيدة ، إن صحّت صحّ العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، المنطلق النظري ، الأيديولوجيا ، هذه تحتاج إلى طلب علم ، وفي الحقيقة أن العقيدة أخطر شيء في الحياة ، إن صحّت صحّ العمل ، هناك حركة ، لماذا أتحرك ؟ أتحرك لآكل ، طبعاً طلب الطعام بحاجة للمال ، إذاً أتحرك لأعمل ، الأجر في العمل ثمن الطعام ، هذه حياة مادية بحتة ، لكن بعد خمس وعشرين سنة أخذ شهادة ، واستأجر بيتاً ، ووعده أبوه أن يُزوّجه على حسابه ، يريد أن يتزوج ، بحاجة إلى الزواج ، الأولى : لبقاء الفرد حياً يرزق ، أما الثانية دون أن يشعر فهي لبقاء النوع ، الزواج كما أن الشاب يبحث عن فتاة مؤمنة ، صادقة ، عفيفة ، محتشمة ، أيضاً الفتاة تنتظر شاباً يخطبها . 
فالحاجة الأولى الطعام والشراب لبقاء الفرد حياً ، أما الحاجة الثانية دون أن نشعر فهي لبقاء النوع ، الآن أكل وشرب ، وتزوّج وأنجب ، لديه حاجة ثالثة لبقاء الذكر ، يتفوق : الطبيب الأول ، المهندس الأول ، الداعية الأول .
الحاجات الثلاثة : الحاجة لبقاء الفرد ، الحاجة لبقاء النوع ، الحاجة لبقاء الذكر مُحققة في هذا الدين 100% ، فلذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم . 
 

الفرق بين اللذة والسعادة :


الآن :

﴿ فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِى وَلَا تَكْفُرُونِ(152) ﴾

[ سورة البقرة ]

إنك إن صليت ذكرت الله ، إن صليت ذكرت الله ، قرأت الفاتحة ، وسورة ، وركعت ، وسجدت ، ولكنك إذا صليت وذكرك الله ، الله يذكرك ، إذا ذكرك أعطاك السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
ذاق السكينة إبراهيم في النار ، وذاق السكينة سيدنا يونس في بطن الحوت ، وذاق السكينة نبينا الكريم في الغار ، في أي ظرف وفي أصعب ظرف أنت أسعد إنسان .
لذلك ومضة سريعة عن اللذة والسعادة ، اللذة حسية تحتاج إلى وقت ، ومال ، وصحة ، ولحكمة بالغة ، بالغة ، بالغة ، في البدايات يوجد صحة ووقت ، ولكن لا يوجد مال ، في الوسط هناك صحة ومال لكن لا يوجد وقت ، حدّثني أخ صاحب معمل قال لي : والله لمدة ست وثلاثين سنة أداوم في المعمل لم أتغيب إلا ليوم واحد لآخذ السيارة من اللاذقية ، فقط . كبر ، زوّج أولاده ، صار متقاعداً ، هناك مال ، وهناك وقت ، ولكن لا توجد صحة ، أسيد أوريك على فشل كلوي على على . . . إلخ .
ما سمح الله للدنيا أن تمدّك بالسعادة إطلاقاً ، تُمدّك بعطاء محدود ، فالبطولة أن تتعلق بالله .
 

السكينة أكبر ثمار الإيمان :


 لذلك ما ورد في القرآن من أركان الإسلام ، من ركنين خطيرين : الإيمان بالله واليوم الآخر :

(( أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ . . ))

[ صحيح البخاري عن أبي هريرة ]

جنة عرضها السماوات والأرض فيها (ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ) معقول إنسان كم سنة مشحونة بالمتاعب والقلق والخوف ، في معظم بلاد المسلمين يوجد مشاكل كثيرة ، ننسى الآخرة ؟ خُلقنا للآخرة ، لجنة عرضها السماوات والأرض فيها (ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ) لذلك مرة ثانية : إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً .
لذلك أكبر ثمار الإيمان السكينة ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، ذاقها النبي في الغار ، وإبراهيم في النار ، ويونس في بطن الحوت ، وزن الحوت مئة وخمسون طناً ، خمسون طناً دهناً ، خمسون طناً لحماَ ، خمسون طناً عظماً ، تسعون برميلاً من الزيت ، يقف في فم الحوت عشرة أشخاص ، ومع ذلك نجّاه الله ، احتمال نجاته صفر :

﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(87) فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

قانون ، فإذا كنت مع الله كان الله معك :

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا             الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

  ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا             خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا

  ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة             عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا

    ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة             لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــــا

     ولــو لاح مـِــن أنـوارنــا لك لائــحٌ             تـركــت جـمـيــع الـكـائـنـات لأجـلـنـــــــــا

فما حبنا سهل وكل من ادعــــــى             سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا

فأيسر ما في الحب للصب قتـلـه             وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا

***

لذلك هذا الدين فيه أركان ، فيه عقيدة تحتاج إلى طلب علم ، فيه حركة تحتاج إلى طاعة لله .
 

أنواع الطاعات :


الآن الطاعات نوعان : طاعة سلبية وطاعة إيجابية .
الطاعة السلبية : أنا ما أكلت مالاً حراماً ، ما ، أنا ما كذبت ، أنا ما غششت ، كلها ما ، هذه استقامة .
الطاعة الإيجابية : العمل الصالح ، علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح ، والدليل:

﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ(99) لَعَلِّىٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّآ ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً ، وصواباً ، خالصاً : ما ابتُغي به وجه الله ، وصواباً : ما وافق السنة .
لذلك إخواننا الكرام نحن في أمس الحاجة وأرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ومن يلوذ بكم ، وصحتكم ، ومالكم ، واستقرار بلادكم .
هناك نعم كثيرة جداً قد يغفل عنها الإنسان إذا ألفها ، هذا البلد مبارك ، التدين في هذا البلد ليس تهمة تُحاسب عليها كما في بعض البلاد ، وفي أطياف هذا البلد ، لا يوجد بين طيفين أحقاد تاريخية تقتضي القتل كما في بعض البلاد ، وفيه حكومة قوية تحاسب وتعاقب ، لا يوجد عنا قتل ، هذه نِعَم أُلِفت ، والدعاء النبوي : اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها ، والحمد لله رب العالمين .
المذيع : 
جزى الله الشيخ خيراً على ما قدّم وأفاد به ، حقيقة كما ذكر فضيلته : العلم نور يستضاء به ، وهذا العلم لا ينفع صاحبه إلا إذا كان له أثر في حياته العملية ، فكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه : هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ، فالعلم يرتحل عن صاحبه إن لم يعمل به .
نستأذن فضيلة الشيخ في بعض الأسئلة الواردة من الجمهور .
الدكتور راتب :
تفضل ، لكن لتكن أسئلة معقولة .
المذيع : 
هذا السائل يقول : كيف نوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله ؟
 

كيفية الموازنة بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله :


الدكتور راتب :
الجواب الدقيق الدقيق أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكّل على الله وكأنها ليست بشيء .
عندك سفر إلى مكان ، تراجع المحرك ، العجلات ، المكابح ، تراجع كل شيء ، بهذا أخذت بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تقول : يا رب أنت الحافظ ، أنت المسلِّم ، الغرب أخذ بالأسباب أخذاً مذهلاً ، واعتمد عليها ، وألّهها ، وقع في الشرك ، والشرق الأوسطيون لم يأخذوا بها أصلاً ، وقعوا في المعصية ، الموقع الآخر أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
الإسراء : أُلغيت الأسباب ، تعطلت القوانين كلها ، بثانية كان في القدس ، في ثانية أخرى في الملأ الأعلى ، أما الهجرة فقد أخذ بأربعين سبباً النبي الكريم ، أخذ بأربعين ، علمنا الأولى الله ألغى الأسباب لبيان قدرته المطلقة ، والثانية أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء .
المذيع : 
جزاك الله كل خير ، سائل آخر يقول : لا يخفى على فضيلتكم ما تعانيه الأمة من كُرب ، وويلات ، ومصائب ، هل من كلمة ونصيحة لأبنائك الطلبة حتى يكونوا إن شاء الله ممن ينفع هذه الأمة ؟
 

اتباع تعليمات الصانع ضمان لسلامتنا :


الدكتور راتب :
طبيب يوجد عنده مريضان - دققوا في هذا المثال - أحدهم معه التهاب معدي حاد ، فالطبيب أخضعه لحمية قاسية جداً جداً ، ستة أشهر على الحليب فقط ، شفاء مُحقق ، شفاء تام ، والثاني - والعياذ بالله- معه ورم خبيث منتشر ، قال له المريض الثاني : ماذا آكل ؟ قال له : كُلْ ما شئت ، أيهما أفضل ؟ أن تخضع لحمية قاسية جداً أم يقال لك : كُلْ ما شئت ؟ 

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44)﴾

[ سورة الأنعام ]

بلاد جميلة ، مواصلات سهلة ، طيران ثلاث سبعات ، فنادق درجة أولى ، دخل كبير ، سيطرة على العالم كله (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً) أيهما أفضل شفاء تام وجنة مع تقييد أم إطلاق اليد وافعل ما تشاء وتخسر الجنة ؟ هذه القصة كلها ، في الدنيا جنة القرب ، وفي الآخرة جنة الخلد ، لكن عندك حرام وحلال ، يجوز ولا يجوز ، شيء يرضي الله ولا يرضي الله ، تمشي على منهج ، أنت عندك مركبة حديثة وباهظة الثمن ، تألق ضوء أحمر بلوحة البيانات إذا فهمت هذا التألق تألقاً تزيينياً احترق المحرك وبحاجة لمئة ألف لتغييره ، وإذا فهمته ضوءاً تحذيرياً أوقفت المركبة وأضفت ليتراً واحداً من الزيت فسلم المحرك ، تعليمات الصانع ينبغي أن تتبع ، أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولك صانع عظيم هو الله ، فاتباع تعليمات الصانع فيها خير كبير ، استقيموا ولن تُحصوا الخيرات .
عفواً : إذا كنت تمشي بسيارتك ويوجد منعطف وكتب : حقل ألغام ممنوع المرور  ، هل هذه اللوحة وضعت حد لحريتك أم ضمان لسلامتك ؟ في اللحظة التي تفهم بها أن المُحرّمات ضمان لسلامتك أنت فقيه ورب الكعبة .
المذيع :  
الشيخ الفاضل هذا السؤال طويل ولكن لخصته : هل من إرادة الله عز وجل بإيقاع العقوبة بالناس أنه يريد أن يعذب الناس ؟
 

الهدف من العقوبة هو التوبة :


الدكتور راتب :
القرآن عكس ذلك :

﴿ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا(27) ﴾

[ سورة النساء ]

القرآن أجاب عن السؤال .
المذيع : 
يقول السائل : كيف نفرّق بين القسمة والنصيب وقدر الله سبحانه وتعالى ، وما يفعله الإنسان ويتحمل مسؤولية ما قام به أمام الله عز وجل ؟
 

العقل مفتاح الإنسان لتحمل المسؤولية :


الدكتور راتب :
أعطاك عقلاً ، أعطاك منهجاً ، أعطاك مراجع إسلامية :

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۚ فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43) ﴾

[ سورة النحل ]

لا تستطيع أن تدخل إلى طبيب ، ولا إلى محامٍ ، ولا إلى مهندس إلا ومعك مبلغ مالي ، إلا العالم يقدم علمه بلا مقابل ، كله مجاناً ، اسأل : (فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) لا يوجد مكان إلا ممكن أن تسأل به أي عالم بلا مقابل ( فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ ) عندك مركبة باهظة الثمن وفيها خطأ ، اسأل .
المذيع : 
 جزاك الله خيراً ، تقول السائلة : كما تعلم فضيلة الشيخ نحن في بيئة مختلطة يختلط فيه الطلاب والطالبات ، فما هو الضابط التي تنضبط به العلاقة بين الطالب والطالبة في مثل هذا المجتمع ؟
 

الضابط الذي تنضبط به العلاقة بين الطالب والطالبة في المجتمع :


الدكتور راتب :
آية واحدة ، ليست حديثاً ولا حديثاً ضعيفاً أو غير ثابت ، بآية قرآنية :

﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ(30) ﴾

[ سورة النور ]

أبداً ، غض البصر آية قرآنية ، منهج في الإسلام .
المذيع : 
جزاك الله خيراً شيخنا .
كيف يكون التوجيه التربوي للإيمان بالغيبيات مع الطلاب ؟
 

حاجة الإنسان إلى حاضنة إيمانية :


الدكتور راتب :
لا ، قبل والله ، لكن أنت بحاجة لحاضنة إيمانية ، أنت بحاجة لصديق مؤمن ، لسهرة مع مؤمنين ، الدليل :

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ(119) ﴾

[ سورة التوبة ]

﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا(28) ﴾

[ سورة الكهف ]

نحن بحاجة لحاضنة إيمانية ، طبعاً علاقات العمل لوحدها ، أما العلاقات الحميمة فتحتاج لصديق مؤمن ، صديقة مؤمنة ، أن يحضك على الصلاة ، لذلك اجلس بنا نؤمن ساعة .
المذيع : 
السؤال الذي ذكرناه : كيف يكون التوجيه التربوي للإيمان بالغيبيات مع الطلاب ؟
 

اتباع كلام الله لأنه أصل الكمال والجمال والنوال :


الدكتور راتب :
أنت تشتري آلة باهظة الثمن من شركة محترمة جداً فتعطيك تعليمات ، هل تناقش التعليمات ؟ لا تناقشها أبداً ، هذا كلام خالق الأكوان ، أصل الجمال والكمال والنوال ، خالق ، خلقنا ليرحمنا ، خلقنا ليسعدنا :

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) ﴾

[ سورة هود ]

خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، تعليمات الصانع الله ، ليس طرفاً آخر ، الله ليس ندّاً ، خالق الأكوان ، لذلك يجب أن تأخذ كلام الله وكأنه كلام الخبير ، العليم ، الرحيم ، الشفيق ، التواب ، الرحيم .
المذيع : 
ما هي علامات رضا الله عز وجل عنا ؟
 

علامات رضا الله عز وجل عنا :


الدكتور راتب :
ممكن أن يأتي الابن إلى البيت معه الجلاء آخر السنة بعلامات تامة ، وثناء على أخلاقه ، والأب لا يفعل شيئاً ؟! أم يعانقه ويشتري له دراجة هدية ؟ الله عز وجل رب العالمين إذا وجد منك بعض الإقبال عليه يسعدك سعادة لا توصف ، وإذا أنت لا تقول أيها المؤمن بأي سن ، وبأي دخل ، وبأي بيت ، وبأي وضع : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة ، أنت مع خالق الأكوان ، مع أصل الجمال والكمال والنوال ، مع رب العالمين ، بيده كل شيء ، الأقوياء بيده ، الضعفاء بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، المال بيده ، الفقر بيده ، كله بيده :

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلْأَمْرُ كُلُّهُۥ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾

[ سورة هود ]

المذيع : 
شيخنا الكريم ، ما توجيهكم لمن يستعمل السوشيال ميديا ويهون من أمر الديانة والعقيدة ؟
 

الابتعاد عن السوشيال ميديا لأنها منبر العالم في الحرب على الإسلام :


الدكتور راتب :
والله يا إخوان معي معلومات خطيرة جداً ، الآن يوجد حرب على الإسلام بالعالم كله عن طريق السوشيال ميديا ، مرة كنت في بلد بعيد فأَرُوني مقطعاً من فيلم ، شخص أنيق جداً عنده ثلاث سيارات ، يستقبل صديقات زوجته بثياب متفلتة جداً بغيابها ، ولديه بيت فخم عبارة عن أربعمئة وخمسين متراً ، وثلاث سيارات ، ويعرضون لك شيخ الجامع أُفُقُه ضيق جداً ، بيته صغير ، وزوجته عند الجيران ووزنها حوالي مئة وخمسين كيلو ، وأولاده في الشارع ، هم لم يفعلوا شيئاً ولكن أعطوك أبشع صورة للإسلام ، وأجمل صورة للكفران ، هذه المشكلة ، الإعلام ، كان هناك سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية قضائية ، أُلغيت ، يوجد إعلام ، يوجد تلميع إعلامي ، تضليل إعلامي ، ويوجد إعلام كاذب ، تضليل ، تلميع . .إلخ .
فنحن الآن يجب أن نعود للقرآن ، وليس للإعلام - ما دامت مصادر معلوماتك إسلامية - خطر كبير جداً ، يوجد مؤامرة عالمية ، الإسلام أقوى دين ، كيف نحطمه ؟ لا نستطيع أن نلغيه ، نقوم بأشياء تحل محله (بدائل) .
المذيع : 
كيف يمكن لإنسان أن يعود إلى الله بعد أن كان إيمانه قوياً وأصبح ضعيفاً ؟
 

كيفية العودة إلى الله عز وجل :


الدكتور راتب :
بحاجة لحاضنة إيمانية ، صديق مؤمن ، صديقة مؤمنة ، سهرة مع مؤمنين ، نزهة مع مؤمنين مادمت قاعداً مع الطرف الآخر يجرونك .
إخواننا الكرام نصيحة من الآخر لعبة شد الحبل ، جلست مع جماعة ، سهرة لقاء ، رحلة ، نزهة . . . إلخ ، إن استطاعوا أن يجروك إليهم لترك الصلاة (كفاك جنوناً ، من مات وشاهد الآخرة) مثلاً ، إن استطعت أن تُجرّ إليهم فانسحب بالإطلاق ، وإن استطعت أن تجرّهم إليك فابقَ معهم ، هذه الجماعة الصالحة ، لابد من جماعة مؤمنة ، ليس في العمل ، هذه في العلاقات العادية ، الحميمية ، في العمل لا علاقة لك بالمدير العام ، أنت تؤدي دوامك فقط أما في العلاقات الحميمية فلابد من مؤمن (وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا)
المذيع : 
تقول السائلة : ما هو حكم لبس الحجاب مع كشف جزء من الشعر واليدين والقدمين ؟ ما هو الحكم وما هي النصيحة ؟
 

حكم لبس الحجاب مع كشف جزء من الشعر واليدين والقدمين :


الدكتور راتب :
نريد حكم الحجاب في الإسلام ، أما هناك عدة أحكام ، أنا ليس مرغوباً بي كثيراً ، سأخلع الحجاب مثلاً ، هذا صار حكماً شخصياً ، أنا عندي مرجع ، عندما يكون لك مرجع ديني (فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) أما هناك مليار اجتهاد خاطئ .
المذيع : 
ما هي أسباب عدم استجابة الدعاء ؟
 

أسباب عدم استجابة الدعاء :


الدكتور راتب :
عندما تقدّم أسباب الإجابة يُجاب دعاؤك ، تقدم أسباب الإجابة ، ما قدّمتها إطلاقاً ، عفواً : النبي أمرك أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، فما أخذت بها أبداً ، سافرت سفرة طويلة بسيارة فيها عيوب خطيرة جداً ، صار حادث ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذه الأسباب ، أن نأخذ بالأسباب ، النبي في الإسراء والمعراج ألغى الله الأسباب ، بينما في الهجرة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين سبباً .
المذيع : 
هل الدعاء وكثرته يرد القضاء والقدر أو الموت ؟
 

الدعاء يرد القضاء  :


الدكتور راتب :
نعم إذا كان هناك طبيب وقد أعطى أمراً باستئصال الكلية ، هو طبيب ، يوم العملية وجد أن الكلية تعمل ، هل يستأصلها ؟ لا . الدعاء يرد القضاء .
المذيع : 
هل يصح أن نقول : الكل يذهب إلى ربه بعد حياته ، والسعيد من يذهب إلى ربه في حياته ؟
 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :


الدكتور راتب :
والله الكلمة لطيفة أن تحب الله في حياتك ، طبعاً هذه كلمة جميلة جداً ، أنت تملك الآن مليون خيار بالرفض ، هذا البيت لم يعجبك لا تشتريه ، مساحته صغيرة ، ثمنه مرتفع ، الفتاة المخطوبة لم تعجبك أخلاقها ، لا تتزوجها ، أنت تملك مليون خيار بالرفض إلا مع الإيمان تملك خيار الوقت ، لأن أكبر كافر في الأرض فرعون الذي قال :

﴿ فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ(24) ﴾

[ سورة النازعات ]

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ(38) ﴾

[ سورة القصص ]

﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(90) ﴾

[ سورة يونس ]

فالخيار مع الإيمان خيار وقت ، واضحة أليس كذلك ؟ لذلك :

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ(158)﴾

[ سورة الأنعام ]

أنتم بالجامعة ، شخص دخل للامتحان دون أن يكون دارساً إطلاقاً ، فأخذ الصفر بأحقيّة ، أخذ الصفر بجدارة ، رجع إلى البيت وفتح الكتاب ، وقرأ البحث وفهمه ، عاد إلى الامتحان أريد أن أقدم ، اخرج إلى الخارج (يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا) .
المذيع : 
لا نريد أن نطيل على الشيخ ، آخر سؤالين .
الدكتور راتب :
ممكن أن يرسلوهم إلى الموقع .
المذيع : 
هنا يقول : كيف أكون منصفاً بحق ديني ومجتمعي ونفسي ، وبالذات عندما أبحث في أمور ديني وأتفاجأ بالخلافات فيقع التخبط .
 

الاستعانة بأهل الذكر عند التخبط وعدم العلم :


الدكتور راتب :
لا يوجد في الأرض غير عالم واحد ؟ إذا سألته ولم يجبك يوجد غيره (فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
المذيع : 
الأسئلة كثيرة ونعتذر من الجميع .
الدكتور راتب :
يوجد موقع في الانترنيت إن أرسلتم إليه الأسئلة أجيبكم عنها إن شاء الله .
 

خاتمة وتوديع :


المذيع : 
أنا انتقيت أهم الأسئلة ، حسناً في ختام هذا اللقاء لا يسعنا سوى أن نتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الإضاءات ، وهذه الخواطر الإيمانية المهمة ، التي حقيقة نحتاج إليها في ظل انشغالاتنا المتنوعة ، فالإنسان قد يقع في الغفلة ، وقد يقع في النسيان ، وقد يقل في قلبه معرفة من يستحق التعظيم وهو الله سبحانه وتعالى في بعض الأحيان لأنه كما ذكر الشيخ : انظر إلى من أمرك تعرف قيمة الشيء الذي أُمِرت به . 
نسأل الله سبحانه وتعالى بمِنّه ، وكرمه ، وإحسانه أن يتقبل منه ، ونشكر مسعاه ، وخطواته إنه جواد ، كريم ، والشكر موصول لكم أيضاً لحسن الحضور ، والاستماع ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الدكتور راتب :
ولكن أقول في خاتمة هذا اللقاء الطيب : والله حين أُدعَى إلى جامعة لا أتردد ثانية في قبول الدعوة ، أجد نفسي في الجامعة ، أنا علّمت في الجامعة ثلاثاً وثلاثين سنة ، فهؤلاء الطلاب نخبة إن شاء الله ، وهؤلاء في المستقبل هم الأمة ، فنحن في خدمتكم إن شاء الله .
المذيع : 
بارك الله فيكم شيخنا ، طلبة جامعتنا شيخنا فيهم ميزة قد لا تكون بغيرهم ، يتسمون بالهدوء حقيقة .
الدكتور راتب :
لكن هناك بلاد متخلفة جداً ، الجامعة يدخلها الطالب جاهلاً متواضعاً ، يتخرج فيها جاهلاً متكبراً .
المذيع :
في ختام هذا اللقاء الطيب ، والاستماع المبارك من فضيلة الشيخ اسمح لنا دكتور أن نقدم تكريماً باسم الجامعة .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور