وضع داكن
19-05-2024
Logo
محاضرات خارجية - مقتطفات من برنامج سواعد الإخاء - الموسم 7 لعام 2019- تركيا : من الحلقة (20) - الناس زمرتان وعلى رأسهم الأقوياء والأنبياء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم.
إخوتنا الكرام كما أنَّ الإنسان في أصل فطرته يُحبُّ التفاصيل التي ذُكرت، وأيضاً يُحبُّ الكُليات التي انطلقت منها التفاصيل، هذا الهرم البشري لثماني مليارات يقع على رأسه زُمرتان، الأقوياء والأنبياء، الأقوياء مَلكوا الرِقاب، والأنبياء مَلكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يُمدحون في حضرتهم، والأنبياء في غيبتهم، الأقوياء أخذوا ولم يُعطوا، والأنبياء أعطَّوا ولم يأخذوا، والناس جميعاً شِئنا أم أبينا أتباعٌ لقويٍّ أو نبي، فالبطولة أن نكون من أتباع الأنبياء.
سيدنا عثمان كان غنياً وجواداً وحييَّاً، لكن البشر على اختلاف مِلَلِهم ونِحَلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، لا يزيدون عند الله عن نموذجين، قال تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4)﴾

[ سورة الليل ]

الإنسان يتحرك، ما الذي يُحرِكه؟ جعله كائناً مُتحركاً يُحرِكه الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء وجوده كفرد، ثم يُحركه بعد البلوغ الحاجة إلى الطرف الآخر، حفاظاً دون أن يشعر على بقاء النوع، وما الذي يُحركه أيضاً؟ بعد أن أكل وشرب، وتزوج وأنجب، عنده حاجة ثالثة هي أخطر حاجة، الحاجة إلى بقاء الذكر، أي التفوّق، يتمنى أن يكون المهندس الأول، الطبيب الأول، الداعيّة الأول، هذه الأشياء الثلاثة مُحقّقة في الدين بأعلى درجة، هذا الدين دين الفطرة، عندك حاجة للبقاء كُل واشرب، التحريم واحد بالألف من المُحلَّلات، عندك حاجة إلى المرأة تزوج، لا أقول مثنى وثلاث ورُباع هذه تعمل مشكلة، عندك حاجة إلى أن تكون مُشار لك بالبنان تفوَّق، فكل واحد مؤمن عرف الله عز وجل، وكان عمله صالح، الثالثة مُحققّة حتماً، لأنه " إن الله اختارني واختار لي أصحابي" وما مِن صفةٍ خاصةٍ فيما يبدو للأنبياء:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾

[ سورة الشرح ]

إلا لكل مؤمن منها بقدر إخلاصه وطاعته نصيب، والمؤمن له مكانة فكل الخصائص الرائعة في الدنيا مُحقّقة، والدنيا والله جنَّة، لذلك: 

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

[ سورة الرحمن ]

لذلك دقق الآن (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) ثماني مليارات إنسان يتحركون لهدف، لشراء بيت، لعقد زواج، لارتكاب معصية، لارتكاب جريمة،(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) هل يُعقل أن سعي ثماني مليارات في القرآن يوضع في حقلين اثنين فقط؟! قال:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6)﴾

[ سورة الليل ]

الترتيب معكوس لحكمة بالغة،(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ) أي صدَّق بالجنَّة، فلمّا صدَّق بالجنَّة انتهى عن معصية الله، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ ) ، اتقى أن يعصي الله، من لوازم الإيمان بالجنة أن يتقي الإنسان أن يعصي الله، في سره وعلانيته، في الكبائر والصغائر له منهج، نحن نعلم دائماً أنَّ الإنسان أعقد آلة بالكون، ولهذه الآلة بالغة التعقيد صانعٌ عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك اللامُتناهي على سلامة وجودك، وعلى كمال وجودك، وعلى استمرار وجودك، أي إنسان من الثماني مليارات أهم شيء سلامة وجوده، من يُحبّ المرض؟! من يُحبّ الفقر؟! ولا واحد، من يُحبّ القهر؟! ولا واحد.
الآن كمال وجوده، من الذي لا يُحبُّ أن يكون غنياً بالمعنى المعقول يعني؟ أو مُستقراً، أو ذا صحةٍ؟ هذا كمال وجود، واستمرار الوجود بإيماني الدقيق بتربية أولاده.
كنت أقول في أمريكا، لو بلغت أعلى منصبٍ في الأرض، وجمّعت أكبر ثروةٍ فيها، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، فسلامة وجودك بالاستقامة، والاستقامة سلبيّة، لم تأكل مال حرام، لم تغش، لم تكذِّب، والعمل الصالح إيجابي أنفقت من مالي، ومن علمي، ومن خبرتي، والثالثة الاستمرار بتربية أولادي.
وأنا أقول كلمة دقيقة جداً قُلتها في بلادٍ كثيرة، ما لم يكن الابن كما تتمنى فأنت أشقى الناس، فالابن استمرار، فنحن إذا فهمنا الدين بكُليّاته الكُبرى، لذلك يقع على رأس الهرم البشري زُمرتان، الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ذكرتُ صفاتهم، والأنبياء كما نتكلم الآن عنهم، لكن الشيء الدقيق جداً أنَّ المؤمن يُؤمن أنّه إذا أطاع الله كَسِب الدنيا والآخرة، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه المجالس مجالس إيمان ودعوةٍ إلى الواحد الديّان والحمد لله رب العالمين. 
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا عِلماً، وأرِنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الملف مدقق

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور