وضع داكن
02-05-2024
Logo
محاضرات خارجية - ندوات مختلفة - تركيا - لقاء مع اتحاد خريجي العلوم الشرعية - زوم : 17 - نفحات رمضانية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا  وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 

العبادة سبب وغاية وجودنا :


هناك مصطلح حديث ، علة وجودك في هذا المكان ، أي سبب وجودك في هذا المكان ، غاية وجودك في هذا المكان ، إنسان أرسل ابنه إلى بلد أوروبي متقدم جداً ، لينال الدكتوراه في اختصاص نادر جداً ، هذا الشاب في هذه المدينة الكبيرة علة وجوده الدراسة ، هذا لا يمنع أن يدخل لمطعم ويأكل ، أن يدخل لمكتبة ويقتني كتاباً ، أن يجلس في حديقة يتنزه ، أما علة وجوده ، سبب وجوده ، غاية وجوده فهي الدراسة ، أنتقل من هذا المثل إلى واقع الدين ، الله عز وجل في كتابه العزيز قال : 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) ﴾

[ سورة الذاريات ]

العبادة في بعض تعاريفها طاعة طوعية ، الله خلقنا ، حياتنا بيده ، الموت بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، ومع كل  ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، فقال :

﴿  لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256) ﴾

[ سورة البقرة ]

أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب :

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ(54) ﴾

[ سورة المائدة ]

العبادة طاعة طوعية ، ليست قسرية .
طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية ، فما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، كاذب ، وما عبد الله من أطاعه ولم يحبه ، كاذب . 
طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، نحن مصداقية النص ؛ الوهم : 30% ، الشك : 50% ، الظن :70% ، غلبة الظن : 90% ، القطع : 100% ، حقائق الدين قطع كلها 100% ، من عند المطلق ، من عند خالق السماوات والأرض ، قاض قد يحكم أربعين عاماً ، أصدر سبعمئة حكم ، والأحكام كلها عادلة إلا حكماً أو حكمَين نقصته بعض المعلومات ، فجاء حكمه بخلاف ما ينبغي ، هذا يُسمّى في الأرض : القاضي العادل ، أما خالق الأكوان فحكمه مطلق . 
 

تعلق الإرادة الإلهية بالحكمة المطلقة :


كل شيء وقع في القارات الخمس ، هذا البعد المكاني ، الزماني : من آدم إلى يوم القيامة ، البعد الزماني ، كل شيء وقع أراده الله ، أراده لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه رضيه ، بل تعني أنه سمح به .
أب ميسور ، وثقافته عالية جداً معه دكتوراه ، تزوج امرأة يحبها ، مضى عشر سنوات ما أنجب ، وكان حريصاً على ألّا يأتيها بضُرّة ، لكن تفاجأ أنه أنجب مولوداً آية في الجمال ، تعلق به تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الطبيب الأب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة ، يسمح بتخديره ، وفتح بطنه ، واستئصال الزائدة ، فكل شيء وقع أراده الله ، معكوسة : وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة . 
معنى الحكمة المطلقة أي الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، ومعنى الحكمة المطلقة الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، شر مطلق لا يوجد في الأرض ، لأنه يتناقض مع ألوهية الله ، كل شيء وقع أراده الله ، الذي وقع بإرادة إلهية ، وكل شيء أراده الله وقع معكوسة ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، معنى الحكمة المطلقة أي الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والذي وقع قطعاً خير مطلق ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، شر مطلق ، شر للشر لا يوجد ، لأنه يتناقض مع وجود الله ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، الذي وقع يتعلق بحكمة الله ، له حكمة مطلقة ، فالذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والذي وقع يهدف إلى الخير المطلق ، لا يوجد شر مطلق ، هذا الإيمان ، هذه من مُسلّمات الإيمان .
 

رمضان شهر التوبة والقرب من الله :


لذلك قال الله عز وجل : (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والعبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية .
هذه عبادة ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً وربع ، لكن جعل الله لنا مواسم استئنائية ، موسم عبادات ، فرمضان شهر التوبة ، رمضان شهر القرب ، رمضان شهر الصُّلح مع الله ، رمضان شهر الطاعات ، رمضان شهر القُربات ، لذلك لم تكن استعدادات السلف الصالح رحمهم الله باستقبال رمضان المبارك في شهر شعبان فحسب ، بل كانوا يستعدون لشهر رمضان في شهر رجب ، وكان بعضهم يقول : رجب شهر الغرس ، وشعبان شهر السقي ، ورمضان شهر جني الثمار ، فإذا أردت جني الثمار في رمضان ، فلابد من الغرس في رجب ، والسقي في شعبان ، وقد شبّه السّقَطي رحمه الله العام بالشجرة ، والشهور بالفروع ، والأيام بالأغصان ، والساعات بالأوراق ، وأنفاس العباد بالثمار ، وبيّن أن شهر رجب أيام توريقها ، وشعبان أيام تفريعها ، ورمضان أيام قطفها ، ولذلك ينبغي الاستعداد لغرس الأعمال الصالحة في رجب ، والمواظبة عليها في شعبان ، لقطف الثمار والشعور بلذة العبادة في رمضان . 
 

الفرق بين اللذة والسعادة :


ذكرت كلمة لذة ، لي وقفة عندها متأنية ؛ اللذة حقيقتها حسية ، ومشكلتها أنها تحتاج إلى شروط ثلاث : الصحة ، والمال ، والوقت ، ولحكمة بالغة في البداية يوجد صحة ، ويوجد وقت ، ولا يوجد مال . في المنتصف يوجد مال ، ويوجد صحة ، ولا يوجد وقت . في النهاية يوجد وقت ، ويوجد مال ، ولكن لا يوجد صحة . 
ما سمح الله للدنيا رحمة بنا أن تُمدّنا بلذائذ مستمرة بل متدنيّة ، هذه اللذائذ ، أما السعادة بمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة ، ولا تقول " ليس على وجه الأرض أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني :

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا             الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا             خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة             عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة             لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــــا

ولــو لاح مـِــن أنـوارنــا لك لائــحٌ             تـركــت جـمـيــع الـكـائـنـات لأجـلـنـــــــــا

***

صغرت عندك كل ما سوى ذلك .
 

استقبال رمضان بالتوبة إلى الله الرؤوف الرحيم :


لذلك نستقبل هذا الشهر العظيم بالتوبة إلى الله الرؤوف الرحيم ، والتواب الكريم ، وثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال  :

(( للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ ، فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا "  ، ثُمَّ قَالَ  : " مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَح "  . ))

[ رواه مسلم عن أنس بن مالك ]

(( للَّهُ أفرَحُ بتوبةِ التَّائبِ مِنَ الظَّمآنِ الواردِ ومنَ العقيمِ الوالِدِ ، ومنَ الضَّالِّ الواجدِ ، فمَن تابَ إلى اللَّهِ توبةً نصوحًا أنسى اللَّهُ حافِظيهِ وجوارحَهُ وبقاعَ الأرضِ كُلِّها خطاياهُ وذنوبَهُ . ))

[ الألباني عن عبد الرحمن بن سليمان أبو الجون ]

لذلك استشعار الفضل العظيم ، والأجر الكبير المترتب على الصيام بأن فيه تجديد النية أمر مهم جداً ، بعض الناس تعودوا على الصيام ، أي انقلبت عباداتهم إلى عادات ، سهرات إلى منتصف الليل ، أو إلى قبيل السحور على المسلسلات ، والأفلام ، والحديث ، والغيبة ، والنميمة ، وهم صائمون ، هذا الصيام لا يُقدِّم ولا يؤخر . 
 

الإسلام مجموعة مبادئ وقيم ما لم نطبقها لا نقطف ثمارها إطلاقاً :


الإسلام مجموعة من المبادئ والقيم ، ما لم تطبقها لا تقطف ثمارها إطلاقاً ، تصوّر بيتاً فيه جميع الأجهزة الكهربائية بأعلى مستوى ، ولكن لا يوجد كهرباء فما قيمتها ؟ كتل بلاستيكية ، أما قطْع التيار يوجد قطع ميلي ، الأجهزة كلها توقفت ، ويوجد قطع متر . 
أنا أتصور في العالم الإسلامي خذ مثالاً ألف بيت لا يوجد خمر تقريباً كمسلمين ، ولا يوجد زنا ، ولا يوجد قتل ، فنحن مشكلتنا ليست في الكبائر ، في الصغائر ، الصغيرة إذا ثبتنا عليها انقلبت كبيرة ، طريق عرضه حوالي ستين متراً ، أوتوستراد دولي ، على اليمين يوجد واد سحيق ، وعلى اليسار يوجد واد سحيق ، قد يبنى كما في الصين ، يُبنى بناء ، الآن لو حرفت المقود سنتيمتراً واحداً وثبّت هذا الانحراف على الوادي ، على الموت ، فلا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ، أي الصغيرة إذا ثبت عليها ، خذ مثالاً مئة بيت بدمشق ، بعمان ، باسطنبول ، بالقاهرة ، ببغداد ، مئة بيت لا يوجد خمر كمسلمين ، ولا يوجد قتل ، ولا يوجد زنا ، ولكن يوجد شاشة مفتوحة ، الذي سيراه الإنسان بعد عشرين عاماً وهو شاب يراه الآن ، ماذا يفعل بنفسه ؟ أصبح هناك انحراف ، هذه الشاشة والله الكلام لعله يُقبل مني ، عندنا ثلاث شاشات ؛ شاشة الحائط الكبيرة ، وشاشة الآيباد الأصغر ، وشاشة الهاتف الأصغر والأصغر ، إن لم تُضبَط لا توبة في هذا البيت ، بدءاً من رأس البيت ، وانتهاء بالأولاد والأحفاد .
الغرب يئس أن يقهرنا بالكلمة ، فقهرنا بالصورة ، فيلم ؛ بيت فخم جداً ، أربعمئة وخمسون متراً ، الثريات من أغلى الأنواع ، السجاد إيراني مثلاً ، الأثاث إيطالي ، البلاط من أعلى مستوى ، والزوجة رشيقة ، ومتفلّتة ، وتستقبل أصدقاء زوجها ، ويوجد باب للبيت ، أعطوك أجمل صورة للكفر ، والانحراف ، والمعصية ، في الفيلم نفسه شيخ القرية أُفُقه ضيق جداً ، ببيته له أخلاق ، ومع الناس له أخلاق أخرى ، فهذا ازدواج الشخصية شيء خطير جداً ، وأولاده في الطريق ، والشوارع ، وزوجته عند الجيران ، فأعطوك أسوأ صورة عن الإسلام ، هذا الإعلام الآن ، كان هناك سلطة تشريعية ، وكان هناك فيما أذكر سلطة تنفيذية ، وكان هناك سلطة قضائية ، الآن يوجد إعلام ، ويوجد تلميع إعلامي ، وتضليل إعلامي ، وتعتيم إعلامي ، أي تجد أشياء غير معقولة إطلاقاً الإعلام كتمها ، وجريمة صغيرة قامت الدنيا ولم تقعد ، فلذلك الإعلام شيء خطير جداً ، فالمؤمن كمن قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :

(( لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ، ثم يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً . ))

[ عن أبي سعيد الخدري  ]

(( والذي نَفْسِي بيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ لا يَدْرِي القاتِلُ في أيِّ شيءٍ قَتَلَ ، ولا يَدْرِي المَقْتُولُ علَى أيِّ شيءٍ قُتِلَ . . ))

[ صحيح مسلم عن أبي هريرة ]

مرة كنت في أمريكا ، أخ كريم عرض عليّ أن أزور معرض سيارات ، أشهر معرض جنرال موتورز ، بقينا فيه حوالي سبع ساعات ، لفت نظري المترجم مع الدليل قال لي : هذه السيارة فيها ثلاثمئة ألف قطعة ، لكن أنا كراكب ثلاثمائة ألف ! لها غلاف معدني ، شاسيه ، محرّك ، عجلات ، بنزين ، مكبح ، مقود ، عددهم سبعة ، كيف أصبحوا ثلاثمئة ألف!
 

كليات الدين :


الدين كم عالم فيه من عهد النبي حتى الآن ؟ كم كتاب إسلامي مؤلف ؟ كم ؟ كم؟ حدّث ولا حرج ، هل يمكن لهذا الدين العظيم أن يُضغط في كليات ؟ الجواب : نعم ، أول كلية : العقيدة ، الفهم ، التصور ، الإيديولوجيا ، المنطلق النظري ، أسماء لمُسمّى واحد ، هذا يحتاج لطلب علم .
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً .
الكلية الأولى أي حتى الشخص يجرؤ ويضع أمام اسمه د . يحتاج إلى ثلاث وعشرين سنة دراسة .

﴿ وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133) ﴾

[ سورة أل عمران ]

(( قالَ اللَّهُ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ . . ))

[ صحيح البخاري عن أبي هريرة ]

ليس لديك وقت لتحضر خطبة الجمعة من أولها ؟! تعتقد أنك ذكي جداً بقدومك في الركعة الثانية من الصلاة ، ولحقت هذه الخطبة ، الخطبة مشروعية تشريعها لأجل الخطبة نفسها ، درس ديني أسبوعي ، عبادة تعليمية ، هذه واحدة .

(( مَن تَرَكَ الجُمعةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن غيرِ ضَرورةٍ طُبِعَ على قَلبِه . ))

[ المسند عن أبي قتادة الحارث بن ربعي ]

إذاً : نحن عباداتنا أصبحت شكلية ، كما قلت قبل قليل : العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تُفضي إلى سعادة أبدية .
فالكليات : العقيدة ، الحركة ، عندنا الحركة ، طبعاً لماذا أتحرك ؟ لأنني مضطر أن آكل ، عندما وصف الله الأنبياء على أنهم بشر قال :

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍۢ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا(20) ﴾

[ سورة الفرقان ]

أي مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام ، ومفتقرون إلى ثمن الطعام (وَيَمْشُونَ فِى ٱلْأَسْوَاقِ) فالإنسان عبد ضعيف ، لكن في عالم الأزل قبِل حمل الأمانة :

﴿  إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

فلما قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول ، والمُفضّل ، والمُكرّم ، والمُحاسَب ، والمُعاتَب ، والمعاقب ، الإنسان هو المخلوق الأول .
كليات هذا الدين : العقيدة والحركة ، أُودعت فيه شهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، صفيحة بنزين سائل مرتفع الثمن جداً الآن ، هذا السائل إذا وُضع في المستودع المُحكم وسال في الأنابيب المُحكَمة ، وانفجر في المحرك في البستونات ، ولّد حركة نافعة ، نحن في الأردن قد تُقلّنا هذه المركبة إلى العقبة ، مكان جميل ، نعم ، أما الصفيحة نفسها إذا صُبّت على المركبة ، وجاءتها شرارة أحرقت المركبة ومن فيها ، فالشهوات ما أُودعت فينا إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، أما إذا تحركنا بدافعها بلا منهج أصبحت محرقة لنا ، مدمرة لنا ، فلذلك : 

(( خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى المسجِدِ وَهوَ يقولُ بيدِهِ هَكَذا - فأومأَ أبو عَبدِ الرَّحمنِ بيدِهِ إلى الأرضِ -  : مَن أنظرَ مُعسِرًا  ، أو وُضِعَ لَهُ  ، وقاهُ اللَّهُ مِن فَيحِ جَهَنَّمَ  ، ألا إنَّ عَملَ الجنَّةِ حزنٌ بِرَبوةٍ - ثلاثًا -  ، ألا إنَّ عَملَ النَّارِ سَهْلٌ بشَهْوةٍ والسَّعيدُ من وُقِيَ الفِتنَ  ، وما من جَرعةٍ أحبُّ إليَّ من جَرعةِ غيظٍ يَكْظمُها عبدٌ  ، ما كَظمَها عبدٌ للَّهِ إلَّا ملأَ اللَّهُ جوفَهُ إيمانًا . ))

[  المسند لشاكر عن عبد الله بن عباس ]

إنسان طريق هابط ، مُعبّد ، فيه أزهار ، ورياحين ، وأشجار ، وظلال ، إلا أنه ينتهي بحفرة ما لها من قرار ، فيها وحوش كاسرة ، وجائعة ، ويوجد طريق صاعد ، الحقيقة فيه غبار ، وفيه أكمات ، وفيه حفر ، والحر شديد لا يُحتمل ، إلا أنه ينتهي بقصر منيف لمن وصل إليه ، وبأول الطريق الهابط يوجد لوحة مكتوب المصير ، وبأول الطريق الصاعد       (ألا إنَّ عَملَ الجنَّةِ حزنٌ بِرَبوةٍ - ثلاثًا -  ، ألا إنَّ عَملَ النَّارِ سَهْلٌ بشَهْوةٍ) .
 

الإسلام منهج تفصيلي :


في الإسلام يوجد ضبط دخل ، ضبط إنفاق ، اختيار الزوجة ، تربية الأولاد ، حجاب البنات ، اختيار حرفة صالحة ، نافعة ، التعامل معها وفق الشرع ، علاقته مع الجيران ، ومع الأقوياء ، لا ينافق ، ولا يدلّس . . .إلخ ، الحقيقة المنهج الإسلامي يتوهم الناس الإسلام على أنه صلاة ، وصوم ، وحج ، وزكاة ، هذه عبادات شعائرية ، الإنسان يأتي إلى المسجد ليتلقى تعليمات الصانع في الخطبة ، ويأتي إليه ثانية ليصلي ، مجرد صلاة طبعاً ليتلقى مكافأة الصانع ، الإسلام فيه بيتك ، فيه دخلك ، فيه إنفاقك ، فيه اختيار حرفتك ، فيه السهرة ، سهرة مختلطة ، هناك نساء لا ينبغي أن نلتقي بهن ، فيه سهرة مختلطة ، فيه غيبة ، فيه نميمة ، وسهر مشترك . . .إلخ ، فهناك منهج تفصيلي إن لم يُطبق هذا المنهج لا تُقطف ثماره .
 

العبادة أصل الدين :


﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(55) ﴾

[ سورة النور ]

أي الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، هل نحن مستخلفون في الأرض؟ لا والله .
عدة عواصم عربية يحكمها أناس منحرفون عن العقيدة الصحيحة ، نحن لا نملك الأمر . 
(وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) لأنه قانون ، (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ) هل هذا الدين الإسلامي مُمكّن ؟ لا والله ، يواجه حرب عالمية ثالثة ، كانت من قبل من تحت الطاولة ، اليوم فوق الطاولة جهاراً ونهاراً . 
(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) هل نحن آمنون ؟ لا والله ، قلقون دائماً ، فلذلك هذا الإنسان ، هذا المنهج عظيم ، آخر كلمة : 
(وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى) المفتاح بكلمة واحدة (يَعْبُدُونَنِى) لذلك العبادة أصل هذا الدين (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
مرة ثانية ؛ العبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
 

سنن الشرع :


لذلك كما أن في العلم قانوناً ، في الشرع يوجد سُنن ، الهدى البياني ؛ سمعت درساً أو مناظرة بين عالمين ربانيين ، خطبة جمعة ، قرأت تفسيراً ، التّلقي تلقي العلم ، هذا التلقي يحتاج إلى تطبيق ، التطبيق هو أن تُطبق ما سمعت . 
الهدى البياني يحتاج إلى قبول وتطبيق ، ما طبقت وما استجاب ، ما استجاب لنداء القرآن ، لنداء الخالق الرحمن ما استجاب ، الله رحيم كالأب الرحيم يخضعه لمعالجة استثنائية ، التأديب التربوي ، بالإكرام ، بالهدى البياني ليس لديه ولا مشكلة ، بيته ، وأهله ، وأولاده ، وصحته ، وماله ، ومكانته ، كله كامل ، فقط استجب ، الهدى البياني ينبغي أن تستجيب :

﴿  يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24) ﴾

[ سورة الأنفال ]

 

أوصاف قرآنية لمن شرد عن الله : 


غير المؤمن بالقرآن ميت ، وبالقرآن :

﴿ إِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ(4) ﴾

[ سورة المنافقون ]

وبالقرآن :

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(44) ﴾

[ سورة الفرقان ]

﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًۢا ۚ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(5) ﴾

[ سورة الجمعة ]

وبالقرآن :

﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾

[ سورة النحل ]

خمسة أوصاف قرآنية لمن شرد عن الله .
 

أزمة أهل النار أزمة علم فقط :


الله سرّب لنا ما يقوله الكفار يوم القيامة :

﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ(10) ﴾

[ سورة الملك ]

أزمة علم فقط ، لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطِك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
ملخص الملخص : لا يخافنّ العبد إلا ذنبه ، ولا يرجُونّ إلا ربه .
أدعو للإخوة المستمعين والمشاهدين أن يحفظ الله إيمانهم ، وأهلهم ، وأولادهم ، وصحتهم ، ومالهم ، واستقرار البلاد التي هم فيها ، وأن يعطيهم سؤلهم ، إنه قادر على ذلك ، وأهل لهذا .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور