وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 04 - سورة النحل - تفسير الآيات 10 – 18 ، عن التفكر في نعم الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس الرابع من سورة النحل، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿  وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ(9)  ﴾

[ سورة النحل ]

 ثم جاءت الآيات الكونية بعد هذه الآية تترى؛ أي تتابع، فقال تعالى:

﴿  هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ(10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(11) وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ(13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ(19) ﴾

[  سورة النحل ]


علاقة هذه الآيات بالآية قبلها :


 سؤال: الآن هل من علاقة بين قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وبين هذه الآيات الكونية المتتابعة، قال تعالى يصف كتابه الكريم:

﴿  الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ(1)  ﴾

[  سورة هود ]

 معنى أُحكِمت؛ أي ترابطت، فالذي يتأمل في آيات القرآن الكريم لا شك أنه يؤمن أنّ بين الآيات التي تبدو منقطعةً عن بعضها، لا بد أن يكون بين هذه الآيات ارتباط بنوع أو بآخر، فما هي العلاقة بين هذه الآيات وبين قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ؟

الآيات الكونية طريق موصِل إلى الله :


 أغلب الظن أن الله -سبحانه وتعالى- حينما قال: عليّ يا عبادي أن أبيّن لكم الطريق إليّ، عليّ دائماً وأبداً، في كل مكان، وفي كل زمان، وفي كل وقت، وفي كل عصر، وفي كل مصر، وفي كل حين، لا بد من أن يكون الطريق سالكاً إليّ، لا بد من أن يكون الطريق مستقيماً، وموصلاً إليّ، لا بد من طريقٍ إلى الله واضح المعالم، مستقيم الوجهة، واضح الهدف، يفضي إلى الله -سبحانه وتعالى-.

﴿  إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلً ا(19)  ﴾

[  سورة المزمل ]

من معالم هذه الطريق كما بينت لكم في الدرس الماضي، من معالم الطريق إنزال الكتب، من معالم الطريق إرسال الأنبياء، من معالم الطريق نصب هذه الآيات الكونية الدالة على عظمته، من معالم الطريق الشدائد التي يسوقها الله -سبحانه وتعالى- للناس في بعض الأحيان، من معالم الطريق هذه الآيات الدالة على عظمته.
 إذاً: حينما قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ هذه هي معالم الطريق، معالم الطريق أن تتأمل في هذه الآيات التي ما خلقها الله -سبحانه وتعالى- إلا لتكون دليلاً عليه، ما خلق ذلك إلا بالحق، وقد تكلمنا في درس سابق كيف أن كلمة الحق تعني أن هناك هدفًا مستقرًّا، هناك هدف مستقر وراء خلق السماوات والأرض.
﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ إنك إذا أردت أن تفكر في آيات الله، خذ هذه الآيات التي ذكرها الله في كتابه، أولاً هو ما ذكر التفصيلات.
 ربنا -سبحانه وتعالى- قال: ﴿اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ ترك لك أن تفكر في الليل والنهار، قال: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ ترك لك أن تفكر في الشمس والقمر، هذه عنوانات لآيات يطول البحث فيها، يطول الحديث عنها، هذه تُركت لك أيها الأخ الكريم.
 فربنا -عز وجل- قال: ﴿هُوَ﴾ .

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً


 لا أدري ما إذا كان هناك من يتذوق كلمة ﴿هُوَ﴾ قد تقرأ أن منخفضاً جوياً يتجه نحو البلاد، هل ترى أنه ﴿هُوَ﴾ الذي ساقه إلينا؟ قد تقرأ أن نسب الأمطار في الأربع والعشرين ساعة الماضية بلغت سبعين ميليمتراً في المكان الفلاني، هل تشعر أنه ﴿هُوَ﴾ خالق الكون الذي ساق هذا المنخفَض، وجعله ينزل في هذا المكان بالذات؟
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً﴾ في آيات أخرى يقول الله -سبحانه وتعالى-:

﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)﴾

[  سورة الأنبياء ]


الماء حياة الإنسان :


 حياة البشر، وحياة النبات، وحياة الحيوان بهذا الماء الذي أنزله الله علينا من السماء.
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ﴾ ولا بد من أن تتذوق أيضاً كلمة ﴿لَكُمْ﴾ لم تستفد منه عرَضاً، لم ينزل لغيرك فاستفدت منه، صُمِّم الماء خصِّيصى لك أيها الإنسان .
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ﴾ هذه اللام في اللغة العربية للاختصاص، تقول: هذا الكتاب لي، أي لي وحدي، فربنا -عز وجل- قال: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ﴾ في معرض تبيان فوائد المياه قال: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ﴾ .

في النهاية الماء للإنسان ولو استهلكه الحيوان والنبات :


 لماذا لم يقل: أنزل من السماء ماء منه شراب لكم؟ الماء كله لكم، ولو سقى النبات فهو لكم، ولو شرب منه الحيوان فهو لكم، لأنك ستأكل الحيوان الذي يأكل النبات، فالماء الذي ينبت النبات، والنبات الذي يأكله الحيوان، هو في النهاية لك، إذاً: الماء كله، ولو سقى الأرض، ولو نبت به الزرع، لو نبت به الكلأ، لو شربه الحيوان، في المحصلة والنهاية الماء لكم.
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ﴾ قلت لكم في درس سابق إن هذا الماء العذْب الفرات، من هيّأه لنا لنشربه؟ البحار كلها ماء ملح أجاج، وكم من قصة قرأناها أو سمعناها عن أناس غرقت سفينتهم فاستخدموا قارباً للنجاة، وماتوا عطشاً، وهم على سطح البحر، لو أن الماء كان ملحاً أجاجاً، كيف نشربه؟ كيف قطّر الله لنا هذا الماء بلا مقابل؟ 

لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ


هذا الماء: ﴿لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ﴾ أغلب العلماء في هذه الآية على أنها تعني مطلق النبات، أو الكلأ، أو النبات الذي تأكله الأنعام ﴿لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ .
معنى : تُسِيمُون :
 تسيمون أي ترعَون، إنكم ترعَون أنعامكم بالكلأ الذي ينبت بسبب الماء، علاقة مركبة، من أجل أن تأكل الأنعام لا بدّ من أن تأكل الأنعام كلأً، ومن أجل أن ينبت الكلأ لا بد من أن تُسقَى الأرض بماء المطر، إذاً ماء المطر الذي أنبت الكلأ الذي أكله الحيوان، الذي أكلته أنت، هذه النِّعم كلها لك.
 شيء آخر: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ﴾ .

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ


الزرع للأنعام :

بدأ ربنا -عز وجل- بالأنعام التي تأكل الكلأ، وهذه في رأس قائمة الغذاء، الفقهاء حينما تحدثوا عن الأغذية الأساسية التي ينبغي أن تكون متوافرة تحدثوا عن اللحم، فالله -سبحانه وتعالى- بدأ بالأنعام التي هي قِوام غذائنا.

الزرع محاصيل غذاء الإنسان :

 ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ﴾ الزرع؛ كالمحاصيل، كالقمح، كالشعير، كالحمص، كالعدس، كالبازلاء، كالفاصولياء، كالفول، هذه كلها محاصيل تعد غذاءً أساسياً، وقد يستطيع الإنسان تحصيل نصيبه من البروتين عن طريق هذه المحاصيل.
﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ﴾ المقصود بالزرع المحاصيل .
الزيتون :
 ﴿وَالزَّيْتُونَ﴾ هو الإدام، لأن الزيت أيضاً قِوام الغذاء.
 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((  كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ  ))

[ أخرجه الترمذي  ]

النخيل :

 ﴿وَالنَّخِيلَ﴾ ثم ينتقل الله -سبحانه وتعالى- إلى ما يؤكل كحلوى، النخيل يعد غذاءً أساسياً، ويعد حلوى، إذا أكلته بعد الغذاء فهو حلوى، إذا اكتفيت به فهو غذاء.

الأعناب :

 ﴿وَالْأَعْنَابَ﴾ حلوى فقط، زرعٌ: المحاصيل والإدام، ثم شجرٌ تؤكل ثمارُه غذاء، وتؤكل كحلوى، ثم الأشجار التي يتفكّه الإنسان بثمارها كالأعناب، ثم يطلق الله -سبحانه وتعالى- الأمر على أوسع أبوابه فيقول: ﴿وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ .

وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ :


 كلما وقعت عينك على ثمرة، اشتريتها، أو أكلتها، أو قُدِّمت لك، أو نظرت إليها وهي عند البائع، اعرف معرفة يقينية أن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي تفضّل وأنبتها.
لماذا كلُّ هذه الآيات الكونية ؟

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون


﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ قد يسألني سائل: إذا كانت هذه الآيات معالم الطريق إلى الله -سبحانه وتعالى-، كيف نفكر بها؟ هكذا قد يسألني سائل: كأنك تقول فكروا في هذه الآيات، تأملوا بها، كيف نفكر فيها؟ كيف نتأمل بها؟

من منهج التفكر النظر في الشيء  وعدمه :


 بعضهم قال: من منهج التفكير في هذه الآيات أن تفكر في الشيء وعدمه، لو لم يكن موجوداً، وأن تفكّر في الشيء وأصله، وأن تفكر في الشيء وخلاف ما هو عليه، إذا اتخذت هذا المنهج يبدو لك التفكير أمراً يسيراً، فهذا الماء أصله من أين؟ هذا الماء الذي نشربه الذي أنزله الله من السماء، أصله من البحار، البحار مالحة، كيف تمت تصفيته؟ كيف سلّط الله أشعة الشمس على البحر؟ كيف أعطي الماء إمكانية التبخر بدرجات اعتيادية؟ كيف أمكن للهواء أن يحمل ذرات بخار الماء؟ كيف سُلِّطت الشمس على البحار؟ كيف تبخر الماء بدرجات دنيا؟ كيف أمكن للهواء أن يحمل ذرات الماء؟ كيف أمكن لبخار الماء أن يتصاعد نحو السماء؟ كيف تشكل سُحُباً؟ كيف تحركت هذه السُّحب؟ كيف شُحنت بعض السحب شحنات سلبية، وبعضها شحنات إيجابية؟ كيف حصل الاحتكاك؟ ثم كيف عُصرت هذه السحب؟ قال تعالى:

﴿  وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا(14)  ﴾

[  سورة النبأ  ]

 إذا فكرت في أصل الماء، وإذا فكرت في حياتنا من دون ماء، وإذا فكرت في صفاتٍ للماء غير الصفات التي هي عليه، لو أن للماء طعماً، لو أن له رائحة، لو أن له لُزوجة، لو أن سريانه في المسام ضعيف، لو أنه تبخر بدرجة مئة، لا بالدرجة أربع عشرة، لو أن الماء لا يتمدد إذا تبرّد، من منا يصدق أن حياة البشر، وحياة الحيوان، وحياة النبات متوقفة على خاصة واحدة للماء؟ إذا كان الماء يغلي، ثم برّدته فإنه ينكمش، وينكمش، وينكمش، إلى الدرجة زائد أربعة، عندها يزداد حجمه، وتقل كثافته، لولا هذه الصفة لمَا كنا نحن في هذا المسجد، لولا أن الماء إذا برّدته زاد حجمه، وقلَّت كثافته ما كنا في هذا المسجد، لماذا؟ لأن طبقات البحار العليا إذا تجمدت، لو أنها انكمشت وزادت كثافتها لغرقت في الماء، فكلما غرقت طبقة متجمدة تجمدت طبقة أعلى منها، إلى أن تصبح البحار كلها متجمدة، عندئذ ينعدم التبخر، وبانعدام التبخر تنعدم الأمطار، وبانعدام الأمطار ينعدم النبات، وبانعدام النبات ينعدم الحيوان وبانعدام الحيوان يموت الإنسان، فإذا فكرت في الماء فكِّرْ في أصله، وفكِّر في حياةٍ من دون ماء، وفكِّر في خلاف ما هو عليه الماء.

موضوعات كثيرة يجب التفكر فيها :


 أتمنى عليكم أن تأخذوا بعض الموضوعات الكبرى للتفكُّر، الماء موضوع كبير، الهواء موضوع كبير، مبدأ النبات، أن تنبت الأرض نباتاً، هذه البذرة تأتيها رطوبة، يُشَقّ غلافها، ينمو رُشَيمها، ينمو لها سويق، وينمو لها وريقة، وتتغذى على ما في البذرة من مواد إلى أن تنضب البذرة، عندئذ يأخذ هذا النبات حظه من الغذاء عن طريق التربة، النبات ظاهرة تُلفِت النظر، أي أنواع النبات، الحشائش، والمراعي، والمزروعات، والمحاصيل، والبساتين، والأشجار المثمرة، والخضراوات، والغابات الكبيرة، والأشجار العملاقة، وأشجار الزينة والورود، والرياحين، والحشائش الطبية، كل أنواع النباتات آية كبرى على عظمته، تصور حياة بلا نبات، ماذا نأكل؟ تصور نباتًا لا ينتج بذوراً، كيف نعيد زراعته؟ تصور الحياة من دون هذا الشيء، تصور الشيء على خلاف ما هو عليه، تصور أصل الشيء، من منكم أكل تيناً؟ كم بذرة في هذه الثمرة، شعورك أنه يوجد طعم خشن، هذه كلها بذور، لا يعلم إلا الله كم في ثمرة التين من بذور، كل بذرة من هذه البذور يمكن أن تكون شجرة للتين.
 إذاً: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ إذا أردت التفكر في آيات الله فهذه هي الموضوعات، وهذا هو المنهج، اتبِع المنهج وتفكر في هذه الموضوعات، موضوع الماء، موضوع النبات، موضوع المراعي.

﴿  سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى(4)﴾

[  سورة الأعلى  ]


ارتفاع الأسعار بسبب المعاصي وانخفاضها بسبب الطاعة :


 يقول قائل: لقد رخص الجبن، ما السبب؟ السبب أن الموسم طيِّب في البادية، ارتباط، توالَدَ الغنم وكثر، وكثر بالتالي الحليب، من الذي جعل الأسعار تنخفض؟ طبعاً هناك حديث شريف يقول عن التسعير، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

((  غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ الْبَاسِطُ، الرَّزَّاقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ.))

[  الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد  ]

 بمعنى أن الله -سبحانه وتعالى- إذا تفضل علينا بسنة خصيبة، ومرعىً خصيب، تزداد الأغنام، ويزداد نتاجها، وتنخفض الأسعار، إذاً ربنا -سبحانه وتعالى- أرادنا أن نفكر في هذه الآيات: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ويتابع الله -سبحانه وتعالى- بقية الآيات:

﴿  وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(12)﴾

[  سورة النحل ]


وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ


علاقة النبات بالليل والنهار والشمس والقمر :

 هناك علاقة بين إنبات النبات وبين الليل والنهار، هذه العلاقة لا يتسع هذا الدرس لبسطها، وهناك علاقة بين إنبات النبات والشمس والقمر. 
قد يسأل سائل: كيف جاءت آية الليل والنهار والشمس والقمر بين آيات الزرع، والزيتون، والنخيل، والأعناب ومن كل الثمرات، وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً، نحن في الأرض، لماذا انتقلنا إلى السماء، نحن في الأرض: ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ .

نظام الليل والنهار :

 نظام الليل والنهار أن تكون الأرض كرة، وأن تكون بالحجم المناسب، وأن تدور حول نفسها، وأن يكون محورها مائلاً، من ميل المحور تنشأ الفصول، ومن دورانها على محورٍ شبه متعامد مع مستوي دورانها حول الشمس ينشأ الليل والنهار المتعاقبان.

﴿  وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(37)﴾

[  سورة فصلت ]

 لو أن محورها متوازٍ مع مستوي دورانها لكان هناك ليل ونهار، ولكنهما ثابتان، ليل إلى الأبد، ونهار إلى الأبد.

﴿  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ(71)﴾

[  سورة القصص  ]

 لو أن الأرض وقفت، ولم تَدُرْ حول نفسها لكان هناك ليل ونهار، ولكن ليل سرمدي، ونهار سرمدي، أو أن الإنسان اضطر أن يهاجر في كل عام مرتين، من نصف الكرة إلى نصف الكرة، وفي هذا مشقة كبيرة، لو أن الأرض وقفت، لو أنها دارت على محور متوازٍ مع مستوي دورانها حول الشمس، دارت هكذا، والشمس من هنا، لكان هناك ليل ونهار، ولكن هذا الليل سرمدي والنهار سرمدي.

﴿  إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ(6)﴾

[  سورة يونس ]


تعاقب الليل والنهار آية عظيمة :


 الآية في الليل والنهار وفي اختلافهما، ومعنى اختلاف الليل والنهار أي: إن النهار يعقب الليل، والليل يعقب النهار، وهذه آية كبرى، وأنت في بلدك يأتيك النهار، ثم يأتيك الليل، في الليل تستريح، وفي النهار تعمل، لو أن دورة الأرض حول نفسها كانت سريعة جداً لكان الليل ساعة والنهار ساعة، ما تفعل بهذه الساعة؟ تستيقظ لتأكل طعام الصباح، وتنتقل إلى العمل، جاء الليل، ماذا تفعل؟ 
تعود إلى البيت من أجل أن تأخذ قسطاً من الراحة، يأتي الصباح! لكن سرعة دوران الأرض حول نفسها سرعة معقولة جداً، اثنتا عشرة ساعة، تأكل، وتنتقل إلى عملك، وتبذل جهداً يستنفذ طاقتك، وتعود بعدها إلى البيت، عندئذ تغيب الشمس، إذاً: الليل والنهار آية، دورة الأرض حول نفسها، دورتها حول محور شبه عمودي مع مستوي الدوران، دورتها حول محور مائل، لو لم يكن هذا المحور مائلاً لكانت هذه المنطقة صيفاً سرمدياً، وهذه المنطقة شتاء سرمدياً، وهذه المنطقة ربيعاً سرمدياً، لكن ميل المحور حينما تدور الأرض حول الشمس، بمحور مائل تنتقل عامودية الشمس من منطقة إلى أخرى، فتختلف أوضاع الأرض بالنسبة للشمس، عندئذ يكون الصيف والشتاء.
﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ فمن أجل أن تستطيع التأمل والتفكر في هذه الآيات تصور حياتنا من دون ليل أبداً، نهار سرمدي، أو تخيل أن حياتنا على وجه الأرض ليل سرمدي، ماذا تفعل؟ الآن تصور الشيء وعدمَه، تصور الشيء وخلافَ ما هو عليه، النهار ساعة، الليل ساعة، النهار ستة أشهر، كما هي الحال في القطب، ستة أشهر، إذا طال على إنسان الليل لا يأتي الصباح إلا بشق الأنفس، فإذا كان الليل ستة أشهر ماذا نفعل؟

الشمس ، المصباح المنير :


 ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ لولا الشمس، هذا المصباح المنير لكل الأرض، هذه المدفأة المثالية لكل الأرض، هذا الدواء الناجع لكل الأرض، هذه الساعة اليومية لكل الأرض، مصباح، ومدفأة، ودواء، وساعة لكل الأرض، تخيل الحياة من دون الشمس، لانقلبت الأرض إلى قبر جليدي، تهبط فيه الحرارة إلى ثلاثمئة وخمسين درجة تحت الصفر.
﴿ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾ مَن جعل الشمس مناراً؟ من نصبها ديناراً؟ من علقها بالجو ساعة؟ يدب عقرباها إلى قيام الساعة، من؟

النجوم ، التقويم اليومي :


 ﴿وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ﴾ عندنا تقويم يومي، القمر تقويم شهري، والشمس ساعة يومية، والبروج تقويم سنوي، في كل شهر تمر الأرض على برج في السماء، في شهر كانون الثاني البرج الفلاني، شباط البرج الفلاني، قال تعالى:

﴿  وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ(1)  ﴾

[ سورة البروج  ]

 إنه تقويم يكلِّف آلاف المجرات، مجرات كلها من أجل أن تكون لك تقويم، الشمس ساعة يومية، والقمر تقويم شهري.
 مسار الأرض حول الشمس تقويم سنوي، تعرف في كل وقت أين أنت من السنة ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ ﴿وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ﴾ والإنسان في الليل كيف يهتدي إلى طريقه؟ عن طريق النجم، مَن جعل هذا النجم نجم القطب في مكان ثابت؟ دائماً نحو الشمال، حيثما رأيته، واتجهت إلى سَمْته فأنت باتجاه الشمال، نجم القطب والدب الأكبر، والدب الأصغر، وما إلى ذلك.
﴿وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ بقي السؤال: لماذا في القسم الأول: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وفي القسم الثاني: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ .

مرتبة الفكر ومرتبة العقل :


 المرتبة الأولى: مرتبة التفكر ، مرتبة التفكر محصلتها قناعة أن هذا الكون لا بد له من خالق.
 المرتبة الثانية: مرتبة العقل ، هذه المرتبة تعني أنك إذا تابعت التفكير، وأطلت أمده، وتعمقت فيه تنقلب هذه الحقائق من مستوى الفكر إلى مستوى القلب، قال تعالى:

﴿  وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ(179)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 فالقلب مكان المشاهدة، الرؤية القلبية، بعد الرؤية لا كفر ولا زيغ، ولا انحراف، ولا نكسة، فلذلك مرتبة العقل أعلى من مرتبة الفكر، تفكر فتعقل.

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ


 ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ سبحان الله! هذه الآية قَلّماَ يعرف أحدٌ قدْرها: ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ .

نعمة اللون :

 نعمة اللون لا يعرفها الناس إلا إذا فقدوها، لو أن لون الثمرة بلون الورقة، لو أن التفاح مثلاً لونه كلون أوراقه تماماً، تقطف نصف الثمر، ويبقى نصف الثمر الآخر على أمه، ولا تراه، ولكن اختلاف اللون، أصفر فاقع، والورق أخضر داكن، تهتدي إلى التفاح من لونه، وهذه تفاحة ذات طعم معين، لأن لونها أصفر، وهذه ذات طعم آخر، لأن لها لوناً أحمر، فقال العلماء: اختلاف الألوان دليلٌ على اختلاف الأنواع، الحديد له لون، النحاس له لون، القصدير له لون، الرصاص له لون، الكبريت له لون، اختلاف الألوان تهتدي به إلى اختلاف الأنواع، حتى الحديد له ألوان عديدة، له ألوان بعدد أنواعه، وبعدد مصادره، الحديد ليس نظامياً، ما هو الدليل؟ مِن لونه، الذي تبيعه المؤسسة له لون خاص، من مصدر، من دولة، وهذا له لون خاص، إذاً باللون تعرف كل شيء، تعرف صحة الإنسان من لونه أحياناً، تعرف نضج الفاكهة من لونها، تعرف أن هذه الثمرة يانعة من لونها، اللون علامة النضج.

﴿  وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(141) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

 متى يثمر؟ متى ينضج؟ من تغيَّر لونه.
 إذاً: ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ﴾ معنى ما ذرأ لكم؛ أي ما خلق لكم.
﴿فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ الأزهار كم لون؟ هذا النوع من الزهر منه أبيض، ومنه أحمر داكن، ومنه زهر، ومنه أصفر، كل إنسان يميل إلى شيء، الوردة الواحدة ألوان، اللون الواحد أنواع، النوع الواحد درجات، العين الإنسانية تفرق بين 800 ألف لون أخضر، فإذا أمكن أن ندرّج اللون الأخضر 800 ألف درجة فالعين البشرية السليمة، الصحيحة، المدربة، تستطيع أن تفرق بين لونين من هذه الألوان 800 ألف!
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ ونحن لو التُقطت لنا صورة لَبدوْنَاْ في الصورة جميعاً بلون واحد، لأن آلة التصوير عاجزة عن إعطاء الفروق الدقيقة بين الألوان، ولكن العين المجردة إذا نظرت إلى طلاب في صف، أو إلى أناس مجتمعين في مكان، لوجدت أن هناك ألواناً تعلو جباههم بعددهم، كل إنسان له لون، وهذا من فضل الله على الإنسان، الإنسان فرد لا يتعدد.
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ الخشب ألوان، لون خشب المشمش لون جميل، يشبه لون اللحم، لو وضعت اللحم على خشب جوز لما كان هناك قابلية لتناوله، لون خشب المشمش له لون جميل، خشب التوت له لون، خشب الزان له لون، خشب الشوح له لون، السنديان له لون، كل شجرة لخشبها لون.
 كل فاكهة لها لون، الفاكهة الواحدة ألوان، العنب كم لون؟ عنب أسود، وعنب بلدي أصفر، وعنب أخضر، وعنب متطاول، ألوان وأشكال، وطعوم، ونكهات، فصار اللون دليل اختلاف الأنواع، واختلاف الدرجات، واختلاف النضج ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ .

مرتبة التذكُّر :


 هذا الذي فكر، ثم عقل، كلما وقعت عينه على شيء تذكّر بالمعرفة التي حصّلها، دائماً هو ذاكر.

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)  ﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 التذكر درجة عالية، باعتبار فكّر سابقاً وعَقلَ، كلما وقعت عينه على شيء تذكَّرَ فضل الله، تذكّر رحمة الله، تذكّر حكمة الله، تذكّر لطف الله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ .
 الآن أكثر التحاليل الطبية عن طريق اللون، يعطي مادة لهذا المُفرَز مثلاً، يتغير لونها، إذاً يوجد معه سكر.
 حتى علم الفلك مبني على اللون، أبعاد النجوم كلها عن طريق التحليل الضوئي، الطّيف، طيف الشمس، نعرف من طيف الشمس مكوناتها، ومعادنها، وبعدها عنا، وحركتها، وسرعتها، علم قائم بذاته عن طريق اللون، فكلما تعمقت في اللون وجدت أن اللون نعمة من نعم الله الكبرى، لذلك الصورة الملونة أجمل بكثير من الصورة غير الملونة، ولا يعرف هذا إلا من يعمل في المطابع، يقول لك: فرز الألوان عملية معقدة جداً، ثم تحليل الصورة، ثم صنع لوائح لكل لون، فإذا انزلق اللون قليلاً شُوِّهت الصورة، شيء دقيق جداً.

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا


البحر أربعة أخماس اليابسة :

 ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ هذا البحر أربعة أخماس اليابسة، عمقه في خليج مريانة في المحيط الهادي اثنا عشر ألف متراً، بعض العلماء قال: لو أن كرة قطرها متر، وأردنا أن نمثل عليها أعلى ارتفاع على سطح الأرض، وأعلى انخفاض في البحر، لمَا أمكننا أن يكون هذا التمثيل بأكثر من سنتمتر واحد، أعلى منطقة بالأرض تشكّل نصف سنتيمتر، وأعمق نقطة بالبحر تشكل نصف سنتيمتر آخر، إذا أخذنا كرة قطرها متر لنمثّل عليها أعلى نقطة، وأقل نقطة.
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾ لكن البحر مُسخَّر لنا، لو أنه هاج وماج لقضى علينا.
 لو أن الكتل الثلجية في القطبيين ذابت، لو أن انفجاراً حصل في الشمس أذاب الكتل الجليدية في القطب الشمالي والجنوبي، لارتفع البحر تسعين متراً، فغمر معظم المدن الساحلية، وكثيراً من المدن الجبلية! تصور إذا ارتفع البحر تسعين متراً، إلى أين يصل؟ يأكل مجموعة كبيرة من القرى والمدن على ساحل البحر، فربنا -عز وجل- سخّره لنا، إلا إذا كان الذين يركبونه في ضلال مبين، عندئذ يريهم الله آياته عن طريق موج البحر، موج كالجبال.

الفائدة من طراوة لحم السمك :


 ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ هنا العلماء استنبطوا أن لحم السمك طري، إذاً: يجب أن يُؤكَل فوراً، لذلك هناك فرق كبير بين سعر السمك المثلج، والسمك الطازج، وقد يسأل سائل: لِمَ هذا الفرق الكبير؟ سبحان الله! إذا أكلُ السمك بعد أمد طويل من صيده لا طعم له، أما إذا أُكِل طازجاً فإن له طعماً عجيباً، من هنا أشارت هذه الآية إلى ذلك، لأنه طري، يجب أن يؤكل لتوّه، أما كيف يؤكل طرياً؟ هذا موضوع آخر.
﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾

وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا


 ما هو اللؤلؤ؟ هذا المحار يوجد في داخله حيوان، إذا دخل إلى المحار جسم غريب كيف يدافع المحار عن نفسه؟ يفرز مادة كلسية فسفورية، إلى أن تصبح هذه المادة على شكل كرة، هذه الكرة هي حبة اللؤلؤ، لكن هذا التفسير يبعدنا عن روح القرآن الكريم، الحيوان لم يفرز هذه المادة ليدافع بها عن نفسه، بل فرزها مُسخّراً من قبل الله -عز وجل- كي تكون لؤلؤة نتزين بها، فهذا الحيوان مُسخَّر، لذلك صيادو اللؤلؤ يغوصون في أعماق البحار، ويستخرجون هذه المحارات، ويفتحونها، من كل مئة محارة يجدون لؤلؤة واحدة، لهذا السبب اللؤلؤ غالي الثمن.
هذا الحبل مثلاً ثمنه ثلاثون ألفاً، بعض المختصين باستخراج اللؤلؤ خطر لهم خاطر، أن يأخذوا المحارات ويفتحوها، ويضعون فيها حبة من الرمل صغيرة جداً، ثم يعيدونها إلى البحار عن طريق صناديق لها فتحات كبيرة، وهذه الصناديق مربوطة بحبال إلى السفن، تحركها من مكان إلى مكان، وبعد حين من الزمن، يستخرجون هذه الصناديق، فيفتحون المحارات فإذا بها لؤلؤة، لكن هذه اللؤلؤة سموها: "لؤلؤاً مزروعاً "، اللؤلؤ المصنوع غير المزروع، غير الطبيعي، الطبيعي إذا أخذوا محاراً من قاع البحر، وعثروا فيه على لؤلؤة، فهذا أغلى أنواع اللؤلؤ، أما إذا وضعوا بالمحارة حبة رمل، هذا اللؤلؤ أقل ثمناً بكثير من الطبيعي، لأن فيه سواداً، لأن اللؤلؤ شفاف تقريباً، لونه صدفي فسفوري شفاف، أما المزروع ففيه نقطة سوداء، هذه التي تخفّض من ثمنه، أما اللؤلؤ المطبوخ طبخاً فهذا ثمن الحبة رخيص جداً (بليرتين).

مَن يلبس الحليّ ؟


 ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ هناك سؤال: من يلبس الحلي؟ النساء أم الرجال؟ في الآية الرجال، هل رأيتم إنساناً وضع حبلَ لؤلؤ؟ ذهب إلى عمله وهو واضع حبل لؤلؤ في صدره؟ ليس هذا وارداً، فلمَ لمْ يقل الله -عز وجل-: وتستخرجوا منه حلية تُلبسها نساؤكم، أو تستخرجوا حلية لنسائكم تلبسنها؟ قال تعالى: ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ أكثر المفسرين في هذه الآية على أن هذا الحلي الذي يُستخرَج من البحار، وتتزين بها النساء من أجل الرجال، فالفائدة في النهاية تعود للرجال.
 بعضهم قال: لشدة المخالطة بين الرجال والنساء، فأقرب إنسان للرجل زوجته، لشدة المخالطة، وكأنه هو يرتدي هذا الحلي، أو كأن الفائدة تعود إليه بهذه الزينة.
 وهناك رأي آخر، لأن الله -عز وجل- أمر النساء بالحجاب، فلا ينبغي أن يُذكَر النساء في القرآن الكريم وهن مُتحلّيات باللؤلؤ، هذا يتنافى مع منطوق كتاب الله، فأخفى موضوع النساء، وقال: ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ وهناك شيء آخر: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ .

وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ


أين نظرية أرخميدس من نص القرآن ؟

 هذه دافعة أرخميدس، إياكم أن تظنوا أن أرخميدس له الفضل فيها، الفضل لله -عز وجل-، كشفها أرخميدس أن في الماء قوة نحو الأعلى، جربها؛ املأْ دلواً من الماء، إذا كان عندك بحرة بالبيت، ثم اغمس هذا الدلو المملوء ماء في هذه البحرة، تحس أنه ذهب نصف وزنه، أين ذهب وزنه ؟ في الماء قوة نحو الأعلى، لولا هذه القوة لما أمكن أن يكون البحر طريقاً دولياً بين القارات، أن تكون على البحر سفينة من خشب، أو من حديد، الآن أحدث باخرة مليون طن! ألف أَلف! كنت أسمع ثلاثمئة ألف طن، أربعمئة ألف طن، بالسبعينيات سبعمئة ألف طن، بالثمانينيات مليون طن، مليون طن من البترول تمخر عباب البحر! لو أردنا أن نعمل طريقاً بين أمريكا وبين اليابان كم يكلف الطريق؟  
سمعت عن جسر، طريق بري بين دولتين عربيتين، إحداهما في البحر، البحرين والسعودية، سمعت أنه كلف ثلاثة آلاف مليون ريال أو دولار! مبلغ ضخم.
 هذه الطرق الممهدة في البحار، كل المحيطات طرق بين الدول.
﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ وترى الفلك مواخر فيه يعني أن يكون البحر مسخَّراً، أن يُستخدَم طريقاً بين القارات، وبين الدول، وبين الشعوب، لذلك يعد الشحن البحري أرخص أنواع النقل والشحن، أما الطرق البرية فتكلِّف كثيراً، يكلف شقّها، وتعبيدها، وصيانتها، ربنا عز وجل جعل البحر أداة اتصال بين القارات لا تكلف شيئاً، وجعل المراكب تتسع لأعلى نسب في الحمولات.
﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي في التجارة، في نقل البضائع، وبيعها وشرائها، واستيرادها وتصديرها ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أنت تشرب الشاي رغم أننا لا نزرعه، هذا مستورد، نُقِلَ عن طريق البحر، وأكثر المواد الأساسية، الحديد، الخشب، المواد الغذائية، الصناعية، المواد الأولية، كلها تصلنا عن طريق البحر، إذاً: البحر من فضل الله -سبحانه وتعالى-.

وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ


 ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ الآن بعد أن تحدث الله -سبحانه وتعالى- عن نعمة الماء، ونعمة النبات، ونعمة الحيوان، البر والبحر، وعرض في أثناء الحديث عن هذه النعم بالليل والنهار، والشمس والقمر، والنجوم، تحدث عن الجبال فقال: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ .

الجبال تثبيتٌ للأرض حتى لا تضطرب :

 الأرض في أثناء الدوران لابد من مراكز ثِقَل عليها من أجل ألا تضطرب أثناء الدوران، وهذا يعرفه جيداً من عنده عجلة، العجلات أثناء الدوران السريع تضطرب، لابد من وزنها، وضبطها بقطع من الرصاص صغيرة من أجل أن تبقى مستقرة في دورانها، فربنا -عز وجل- جعل الجبال رواسي للأرض: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ أي لئلا تميد بكم، لئلا تضطرب بكم، السكون كامل الدليل، أن هذا البناء إلى سنوات طويلة، لو أنه مضى على بنائه مئات السنين فهو هو؛ لو كان في الأرض اضطراب لما بقي على حاله، إذاً: الأرض تدور بسرعة هائلة، ومع ذلك فهي مستقرة بسبب هذه الجبال الرواسي.
وَسُبُلًا
 ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا﴾ أما حكمة كون الأنهار جاءت بعد الجبال، فلأن الجبال فضلاً عن أنها رواسي للأرض، فهي مستودعات لمياه الأنهار، فبعض الأنهار مثل الأمازون كثافته ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية، من أين تأتي هذه الأمطار؟ أين مستودعاته؟

أهمية الانتفاع من الفراغ :


 ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا﴾ الطرق: هناك طرق بين القارات، بين البلاد، تجد سلسلة جبلية حادة في بعض الأمكنة مُصدّعة بطريق، فهذه الطرق من صنع الله -سبحانه وتعالى-.

وَعَلَامَاتٍ


كلّ شيء في الكون له علامة :

 ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ﴾ كل شيء له علامة، الكمأة هذا الطعام النفيس الذي يوجد تحت الأرض، كيف يُهتدى إليه؟ من يعمل في هذا الحقل يخبرك عن ارتفاع في التراب أقل من سنتمتر، تحت هذا الارتفاع الصغير تجد ثمرة الكمأة، لا يوجد شيء في الأرض إلا وله علامة؛ أنواع الخضراوات، أنواع المحاصيل، هذا القمح نوعه الفلاني له علامة، فربنا -عز وجل- جعل لكل شيء علامة، وهذا من فضل الله تعالى، لا تشترِ العنب حتى يسودَّ، والحبّ حتى يشتد، له علامة، العسل الصافي له علامة، المخلوط بالقطر له علامة، الزيت الصافي له علامة، المخلوط بالنباتي له علامة، كل شيء له علامة، لولا العلامات لضاعت الأمور، طبعاً التحليل أيضاً عن طريق العلامات.

َفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ


لا يستوي المخلوق مع الخالق أبدا :

  ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ* أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ هل يمكن أن يتوازى خالق مع مخلوق؟‍ كيف تطيع هذا المخلوق وتعصي الخالق؟! كيف ترضي هذا المخلوق، وتغضب الخالق؟! كيف تخاف من هذا المخلوق، ولا تخاف من الخالق؟!
﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ أيمكن أن يستوي خالق ومخلوق؟ خالق الأكوان، خالق الحيوان، خالق الإنسان، خالق النبات، خالق السماوات والأرض، خالق المجرات، خالق الشمس والقمر، خالق الليل والنهار، أيستوي هذا الخالق العظيم مع مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً أو ضراً؟ فضلاً عن أن يملك لغيره؟ أتعبده من دون الله؟ إنسان يطيع مخلوقاً، ويعصي خالقاً؟ كم هو أحمق؟! كم هو جاهل؟! كم هو خاسر؟! كم هو غبي؟!

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ


الفائدة من النكرة المضافة : نِعْمَةَ اللَّهِ

 ﴿َأَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ* وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أجمل ما في هذه الآية أن الله تعالى لم يقل: وإن تعدوا نِعَم الله، لا، وإن تعدوا نعمة؛ لو أنك ذهبت لتعدّ فوائد نعمة واحدة لم تحصِها، الهواء جزء في نعمة واحدة، الماء نعمة واحدة، عدم تقلص الماء، أو عدم ازدياد حجم الماء، لو أن هذه النعمة فُقِدَتْ، لا تحصي الخيرات التي تنعدم، من انعدام جزء النعمة، إذا ذهبت لتعدّد فوائد نعمة واحدة، نعمة البصر ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ ما قولك؟ 

لن نحصي نعم الله فكيف نشكرها ؟

 هذه: ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ لها معنى دقيق، لم يقل الله -عز وجل: لا تشكرونها، بل قال: ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ إذا جاءت أحدَنا هدايا بمناسبة زواجه، ولم يتمكن أن يحصيها، أيهما أهون؟ أن يحصيها أو أن يرد عليها؟ إذا كان صعباً أن تحصيها فكم يكلفك الرد عليها؟ أن تكافئ بمثلها؟ فربنا عز وجل لم يقل: لا تشكروها، بل قال: ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ لم يقل : نعم الله، بل نعمة واحدة.
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ نعمة البصر، لو أنك أمضيت الحياة كلها في تعداد نعمة البصر فلا تحصي فوائدها، فضلاً عن أداء شكرها، فإن كنت لا تحصي فوائدها فمن باب أولى أنك لا تتمكن من أداء شكرها، لذلك: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ هذه الآيات اقرؤوها، أعيدوا قراءتها، احفظوها، اقرؤوها في الصلاة، اجعلوها منهجاً للتفكير، على مدار شهر، كل يوم فكّر بواحدة منها، وفق المنهج، فكّر بالنعمة وعدمها، وفكّر بالنعمة وخلاف ما هو عليه، وفكّر بالنعمة وأصلها، بالنعمة وعدمها، والنعمة وخلاف ما هي عليه، والنعمة وأصلها، إذا أمضيت كل أسبوع في آية واحدة في التفكر الصباحي بعد صلاة الفجر، فإنك لا شك تكون قد حققت الهدف من ذكر هذه الآيات في كتاب الله -سبحانه وتعالى-.

والحمد لله رب العالمين.


دعاء:


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم يا أكرم الأكرمين ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب عمل صالح يقربنا إلى حبك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور