وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الجمعة - تفسير الآيات 9- 11
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والأخير من سورة الجمعة، ومع الآية التاسعة، وهي قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْع

 1 ـ صلاة وخطبة الجمعة فرضٌ وواجب عيني:

 هناك بلادٍ أيها الإخوة ابتعدت عن الدين سنواتٍ طويلة تزيد على سبعة عقود، هذه البلاد فيها من التجهيل ما لا يوصَف، ذكر لي أحد الخطباء ذهب إلى هناك ليلقي خطبة، واجتمع آلافٌ مؤلَّفة، وأكثر هؤلاء المصلِّين يشربون الخمر ضمن المسجد، وهم يستمعون إلى الخطبة، السبب هو أن صلاة الجمعة التي هي العبادة التعليمية كانت مفقودةً لسنواتٍ طويلة، ولعقودٍ طويلة.
 ذكرت هذه القصَّة بادئ ذي بدء لألفت النظر إلى خطورة صلاة الجمعة، فصلاة الجمعة أهمُّ ما فيها خطبة الجمعة، لأنها عبادةٌ تعليمية.

 2 ـ صلاة الجمعة عبادة تعليمية:

 إن المسلم فُرِض عليه أن يصلي الجمعة، وأن يستمع إلى خطبةٍ ما، فأي خطبةٍ لابدَّ لها من آيةٍ تُشرَح، وحديثٍ شريفٍ يُشرَح، فمع تتالي الأسابيع والأشهر والسنوات يتعلَّم المسلم شيئاً من دينه كثيراً، فربنا سبحانه وتعالى شرع صلاة الجمعة لتكون العبادة التعليمية الأسبوعية، لتكون الشِحنَة الروحية، لتكون المدد النَوْبِيِّ لهذا الإنسان، فالخطاب موجَّهٌ إلى الذين آمنوا..
 إن القصة التي ذكرتها قبل قليل أخبرني بها الخطيب بنفسه فقال لي: والله آلاف مؤلَّفة أمامي يستمعون إلى الخطبة، ويبكون، ويشربون من الخمر ما يشاءون، وهم في المسجد..
 بماذا نفسِّر هذه الظاهرة ؟ إنهم لا يعلمون، مُنِعوا من صلاة الجمعة سبعين عاماً، فصلاة الجمعة حينما شَرَّعها الله عزَّ وجل شرَّعها لتكون عبادةً تعليمية، فأيّ خطيبٍ مهما قلَّ شأنه لابدَّ من شرح آية، شرح حديث، حكمٍ فقهي، شيءٍ من سيرة رسول الله، ولا نعرف قيمة صلاة الجمعة لأننا نصليها والحمد لله، وبلادنا بلادٌ خَيّرة، وبلادنا تُقام فيها شعائر الله عزَّ وجل، ونحن مرتاحون جداً، هذه نعمةٌ لا يعرفها إلا مَن فقدها، ومن البديهيات أن الخمر محرَّمة، والزنا محرَّم، والقتل محرَّم، هذه بديهيات عرفناها من صلاة الجمعة..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 الخطاب موجَّه إلى الذين آمنوا.

﴿ إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 اليهود ادَّعوا أنهم أحباب الله، أبناء الله وأحبابه، فردَّ عليهم الله عزَّ وجل:

﴿ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾

( سورة الجمعة )

 أسقط هذه الدعوى، وافتخروا بأنَّ عندهم التوراة، فردَّ الله عليهم بقوله:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾

( سورة الجمعة )

 وافتخروا بيوم السبت، فجاءت سورة الجمعة لتجعل من هذا اليوم يوم عيدا للمسلمين، وهناك أحاديث كثيرة جداً تؤكِّد أن خطبة الجمعة هي المقصودة من ذكر الله.

﴿ فَاسْعَوْا ﴾

 3 ـ معنى فَاسْعَوْا: الإسراع وقصدُ وجه الله:

 معنى فاسعوا أي اقصدوا، والسعي هو القصد، والسعي هو العمل.. هذا المعنى الثاني.. أي اقصد وجه الله بمجيئك إلى المسجد، واسع إلى هذه الصلاة، وهيئ نفسك بالاغتسال، والتطيُّب، ولبس الجديد يوم الجمعة، معنى السعي القصد والعمل، ثم تعال إلى المسجد مُسْرِعاً.
 من معاني السعي الإسراع، واقصد وجه الله بصلاة الجمعة، وهيئ نفسك لهذه الصلاة الأسبوعية ذات الطابع التعليمي، ثم اسع إلى المسجد بِشَدَّة قدميك معبِّراً عن اهتمامك لهذه العبادة، هذا معنى:

﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 4 ـ ذِكْر اللَّهِ هو خطبة الجمعة:

 العلماء رَجَّحوا أن ذكر الله المعني به الخطبة، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))

[ متفق عليه ]

﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 فالمقصود أن تأتي إلى المسجد مُبَكِّراً، وأن تهيِّئ نفسك، وهناك أُناسٌ كثيرون يحمدون الله على أنه لحِِق صلاة الجمعة، لحق بالركعة الأخيرة، مع أنه فاته الخير الكثير، فاتته خطبة الجمعة التي هي معقد الرجاء فيها، إذاً هنا:

 

(( فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))

 قال تعالى:

 

﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 في أكثر التفاسير رَجَّح المفسرون أن ذكر الله هي الخطبة، وحينما تستمع إلى ذكر الله تذكر الله، والخطيب يُذَكِّرك بالله، يذكِّرك بأمره ونهيه، يذكِّرك بحلاله وحرامه، يذكِّرك بما يرضيه وما لا يرضيه، يذكرك بالآخرة، يذكرك بحقيقة الحياة الدنيا، يذكرك بهويتك، بحقيقة الإنسان، الإنسان هو المخلوق المكلَّف المكرَّم، ويوَضِّح لك حقيقة الحياة الدنيا التي جعلها الله:

(( دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عُقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عِوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ))

[ كنز العمال، وقال: رواه الديلمي عن ابن عمر ]

 5 ـ يوم الجمعة عيد المسلمين:

 وحينما افتخر اليهود بأنَّ عيدهم يوم السبت جعل الله عزَّ وجل هذا اليوم يوم عيد، فقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ))

[ ابن ماجه، مالك ]

 أي ابتعدوا في هذا اليوم عن كل شيءٍ يفوح منه رائحةٌ كريهة، هذا يوم عيد، يوم اغتسال، يوم تطيُّب، يوم لبس الجديد، يوم استماع الخطبة، يوم التقائك مع إخوتك المؤمنين، فبقدر إيمانك وتعظيمك لله عزَّ وجل تعظِّم شعائره، ويوم الجمعة من شعائر الله.
لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ))

 

[ أحمد ]

 النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن صيام الجمعة لأنه يوم عيد، يومٌ تلتقي فيه الأسرة، وتلتئم، تجتمع على ذكر الله، وأنا أعرف أسراً كثيرة كلُّ أمور البيت تُجْعَلُ قبل يوم الجمعة ؛ التنظيف والترتيب، لا ينبغي أن يكون هذا اليوم يوم ترتيب وتنظيف وغسيل، هذا يوم عيد، ينبغي أن يكون يوم عيدٍ لكل ما في هذه الكلمة من معنى، لأن النبي هكذا قال.

 6 ـ يوم الجمعة فيه ساعة إجابة:

 يا أيها الإخوة، النبي عليه الصلاة والسلام وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى يقول كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ:

(( فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ))

[ متفق عليه ]

 هذه ساعةٌ مباركة، في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم يكون قائماً يصلِّي يدعو الله عزَّ وجل بأيّ دعاء إلا استجاب الله له، فمن كانت له عند الله حاجة فليكثر من صلاة النافلة يوم الجمعة، لأنك إذا وافقت هذه الساعة غفر الله لك، واستجاب دعوتك.

 7 ـ الجمعة إلى الجمعة كفَّارةٌ لما بينهما إذا اجتُنِبت الكبائر:

 شيءٌ آخر رائعٌ جداً يثلِجُ القلب، هو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

 جئت إلى المسجد، وصلَّيت الجمعة، إذا اجتنبت الكبائر فإن الصغائر تُغفَر لك فيما بين الجُمعتين، هذا من فضل الله وكرمه

(( الصَّلَاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ ))

 لذلك ما قول الذين يصلون الجمعة فقط ؟ كيف نجيبهم ؟ نقول لهم: ترك الصلاة من أكبر الكبائر، ترك الصلوات الخمس من أكبر الكبائر، وصلاة يوم الجمعة وحدها لا تُكَفِّر الكبائر، يكفِّر الله بهنّ كل شيء ما لم تُجتنب الكبائر، إذا اجتنبَت الكبائر فهي تكفِّر، أما ترك الصلوات الخمس فمن أكبر الكبائر، بل إن من الكفر ترك الصلاة، دققوا في شدَّة حِرْص النبي على أداء هذه الصلاة، فعن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال لقومٍ يتخلَّفون عن الجمعة:

 

(( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ ))

 

[ مسلم ]

 أي أنَّ النبي همَّ أن يحرق بيت الذي يتخلَّف عن صلاة الجمعة، فمعنى ذلك أنه ترك أمراً عظيماً جداً، وارتكب كبيرةً كبيرة.

 

 عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ، أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ))

[ البخاري ]

 أي إذا جاء الإنسان إلى المسجد، وصلَّى صلاة الجمعة مغتسلاً عليه السكينة والوقار، مُصْغِياً إلى الإمام وصلَّى بخشوع، فإن هذه الصلاة تمحو له ما بين الجمعتين ما اجتَنَب المسلمُ الكبائر، فإذا اجتُنِبت الكبائر فهي كفَّارةٌ من الجمعة إلى الجمعة.
 وقال رجل من اليهود لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين لو نزلت علينا هذه الآية:

 

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾

 

( سورة المائدة: الآية 3 )

 لاتَّخذناه عيداً، فقال له عمر رضي الله عنه: << إني أعلمُ أيَّ يومٍ أُنزِلت هذه الآية، أنزِلت يوم عرفة في يوم الجمعة >>.

 

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾

 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا ))

 

[ أبو داود ]

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو، وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا ))

 

[ أبو داود ]

 تواعدوا يوم الجمعة أن يتقابلوا في الجامع، عندهم لقاء محاسبة، عقد صفقة، أين ؟ في الجامع يوم الجمعة، فهو إلى جانبه يتكلَّم ويلغو، ويتحدَّث في أمر الدنيا.. فقال:

 

(( يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو، وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا ))

 معنى ذلك ليس القصد أن تلغو في أمر الدنيا، ولا القصد أن تدعو الله والخطيب يخطب، قصده أن تُنْصِت إليه، أن تعي ما يقول، أن تعقل ما يقول، أن تستفيد مما يقول، أن تُطبِّق ما يقول كي تكون هذه العبادة تعليميةً كما أرادها الله عزَّ وجل.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

 

(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ الْغُسْلَ، ثُمَّ لَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ مَسَّ مِنْ دُهْنِ بَيْتِهِ مَا كُتِبَ أَوْ مِنْ طِيبِهِ، ثُمَّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْه مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ ))

 

 8 ـ الوعيد الشديد لتارك الجمعة:

 

 عن ابْن عَبَّاسٍ وَابْن عُمَرَ يُحَدِّثَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ:

(( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ ـ أي عن تركهم الجمعات ـ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ))

 من ترك الجمعة ثلاث مرَّاتٍ من غير عذرٍ نكتت نكتةٌ سوداء في قلبه ثم يكون الرَّان وتلى قوله تعالى:

 

﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

 

( سورة المطففين )

 عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ، وَكَانَ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ ))

 

[ الترمذي، ابن ماجه ]

 أصبح قلبه غافلاً لا يعي على خير.

 9 ـ التحذير من اللغو يوم الجمعة:

 أيها الإخوة الكرام، ما من عبادةٍ أَلَحَّ عليها النبي كصلاة الجمعة، ورَكَّز عليها كهذه الصلاة، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ ))

 قلت له: أنصت فإن هذه الكلمة تُعدُّ لغواً يوم الجمعة.

 10 ـ استحباب لبس أحسن الثياب يوم الجمعة:

 أيها الإخوة، فهذا شيءٍ قَلَّ جدا، فكان الإنسان يأتي إلى الجمعة بثياب البيت، بثياب النوم أحياناً، وهذا الشيء أُلغِي والحمد لله، كنت أرى أناساً كثيرين بثياب التبذُّل يدخلون إلى المسجد، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ ))

[ أبو داود، ابن ماجه ]

 ثياب العمل دعها، ثياب النوم دعها، وتعال بثيابٍ حسنة إلى المسجد فهو بيت الله، والجمعة يوم عيد، وإنك تلتقي بإخوانك.

 11 ـ النهي عن تخطي الرقاب يوم الجمعة:

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ ))

[ أبو داود ]

 كان عليه الصلاة والسلام يجلس حيث ينتهي به المجلس.
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

 

(( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا، وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا ))

 

[ أبو داود ]

 يبدو أن لصلاة الجمعة أجرًا عند الله كبيرا.

 12 ـ النهي عن كل ما يجلب النوم في أثناء الخطبة:

 عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ:

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحِبْوَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ))

[ الترمذي ]

 الإنسان يطوِّق ركبتيه بيديه فيرتاح، ولكن من الممكن أن ينام، ويقاس عليها الاستناد إلى الحائط طبعاً من دون عذر، فلو كان بعذر فهذا موضوع ثانٍ، أما بلا عذر فإنها جلسة مريحة، فإذا نام ضيّع عليه خيراً كثيراً، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الحُبْوَةِ يوم الجمعة.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ))

 

[ الترمذي ]

 إذا كانت جلسة مريحة وكدت أن تنام انتقل إلى مجلسٍ آخر

 13 ـ النهي عن جلوس المسلم مكان غيره يوم الجمعة:

 عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:

(( لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ لْيُخَالِفْ إِلَى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا ))

[ مسلم ]

 من آداب صلاة الجمعة أن لا تجلس في مكان أخيك..
 عن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ، وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا ))

 

[ أبو داود ]

 أيها الإخوة، في الصِحاح التسعة أكثر من مئة وتسعين حديثاً عن صلاة الجمعة، معنى هذا أنها عبادة عند الله عظيمة جداً، إنها العبادة التعليمية الوحيدة، والإنسان يُشْحَن في هذه الصلاة شِحنةً روحيةً لعلَّها تُمدُّه بنورٍ وطاقةٍ واندفاعٍ في أيام الأسبوع القادم..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

 ذكر الله.. الخطبة..

﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

 14 ـ وجوب ترك البيع وتوابعه ساعة الجمعة:

 

 لا يوجد نشاط محبَّب للإنسان كالبيع والربح، هناك آلاف الأنشطة ؛ زيارات، علاقات، حل مشكلات، شراء حاجات، أما البيع ففيه ربح، وأعلى نشاط يُدخِل على قلب الإنسان الفرح هو البيع بربح عال، وهذا يجب أن تدعه:

﴿ إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾

 طبعاً القرآن فيه إيجاز، البيع معه شراء، أنت تبيع، وآخر يشتري، فإذا قال الله:

﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

 أي ذروا معه الشراء، أي أن علاقات التجارة ينبغي أن تتوقَّف في أثناء صلاة الجمعة..

﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

 ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

 أي خيرٌ لكم من كسب المال الوفير، خيرٌ لكم من عقد صفقةٍ رابحة، خيرٌ لكم من بيعٍ مُرْبِح، إنك تعرف الله، تعرف حدوده، تعرف أمره ونهيه، تتقرَّب إليه، لعلَّ الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على قلبك في بيته وأنت في صلاة الجمعة، فلذلك المؤمن الصادق يحرص على صلاة الجمعة حرصاً لا حدود له، لأن النبي عليه الصلاة والسلام ألحَّ على هذه الصلاة، وعلى حضور الخطبة، بل إنك إن أتيت إلى المسجد، وقد صعد الخطيب المنبر قعدت الملائكة يستمعون الخطبة، وكفَّوا عن كتابة الأجر، فيجب أن تأتي في الساعة الأولى كأنك قرَّبت بدنة، في الساعة الثانية بقرة، في الساعة الثالثة شاة، في الساعة الرابعة دجاجة، في الساعة الخامسة بيضة، فإذا صعد الخطيب المنبر، فما قولك بالذي يأتي مع الصلاة ؟ أو يأتي في الركعة الثانية، ويقول: الحمد لله لقد صلّيت الجمعة، أدركت الركعة الأخيرة، الجمعة شُرِعَت من أجل أن تعرف الله عزَّ وجل من خلال الخطبة، قال:

﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾

( سورة الجمعة: الآية 10 )

 فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ

 1 ـ إباحة الانصراف إلى أمور الدنيا بعد صلاة الجمعة:

 هذا أمر إباحة، والإنسان إذا دخل بيت الله يقول كما علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام:
 فعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ))

[ مسلم ]

 العلماء وقفوا وقفةً متأنِّية عند هذه الآية..

﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ ﴾

 2 ـ هل هناك صلاةٌ بعد صلاة الجمعة ؟

 أي لا صلاة ظهرٍ بعد الجمعة، هذه قضية إشكالية تحتاج إلى شرح طويل، لأن صلاة الجمعة تُجزِئ عن صلاة الظهر، أما لو فرضنا في قرية فيها ثلاثة مساجد، أحد هذه المساجد يتَّسع لكل سُكَّان القرية، ينبغي أن تُعقَد الجمعة في جامعٍ واحد من أجل وحدة الكلمة، ووحدة الصَف، أما إذا عُقِدت ثلاث صلوات فتقول: الجمعة لمن سبق، هذا حين يكون هناك جامعٌ يتَّسِعُ لكل سكَّان البلدة، أما دمشق فيها خمسة ملايين ونصف، وكل مساجدها لا تتسع لأكثر من خمسمائة ألف، إذاً: كل الصلوات في المدن الآن صحيحةٌ ومقبولة، ولا داعي أن يُصَلَّى الظهر بعد صلاة الجمعة، لقوله تعالى:

﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ ﴾

 ليس هناك صلاة ثانية.

 

﴿ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾

 أي تفسَّحوا، اخرجوا من المسجد، قال:

 

﴿ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾

 وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ

 معنى: فضل الله:

 بعضهم قال: من فضل الله أن تعمل، أن تكسِب قوت يومك.. بعضهم قال: من فضل الله أن تعمل عملاً صالحاً.. فأغلب الظن زيارة الأقارب، صلة الأرحام، عيادة المريض، تهنئة الجار، كل هذه النشاطات الاجتماعية التي شرعها النبي عليه الصلاة والسلام يمكن أن تكون عَقِبَ صلاة الجمعة، أو يوم الجمعة بعد الصلاة..

﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ ﴾

 فلك أن تفهم:

﴿ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾

 الفضل المادي: لك أن تعمل، ولك أن تكسب رزقك، ولك أن تعمل الأعمال الصالحة التي هي أيضاً من فضل الله عزَّ وجل، فالإنسان يضع برنامجا لزيارة أقاربه، صلة الرحِم، عيادة المريض، تهنئة المتزوِّج، تعزية المتوفَّى، هناك أعمال النبي حضَّ عليها، ورغَّب فيها، منها تلبية دعوة، تلبية وليمة، هذا كلُّه يكون يوم الجمعة..

 

﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾

 

 وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا

 قال العلماء: الذكر الكثير هنا يعني أن تذكر الله في كل أحوالك، كل شيءٍ يصلك بالله عزَّ وجل فهو من ذكر الله..

﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(10)وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ﴾

( سورة الجمعة )

 وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا

 سبب نزول هذه الآية:

 ورد في السيرة أن بعضاً ممن حضر صلاة الجمعة مع رسول الله سمع قافلةً محمَّلةً بأصناف البضائع، فخرج ليشتري، وترك النبي قائماً، فالله سبحانه وتعالى عاتب هؤلاء على هذا السلوك فقال:

﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾

 هناك صلاة الجمعة، واستماع الخطبة، واتصال بالله، ومعرفة أحكامه وحدوده.

 

 خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

( سورة الجمعة )

 قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

 هو الذي يرزق، فإذا خرجت كي تبيع أو تشتري، خرجت لقضاء حاجةٍ لك فهو الرزَّاق، وهو الموفِّق، وهو الناصر، وهو المؤيِّد، وهو الذي يعطيك كل شيء..

﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا ﴾

 قدِّمت التجارة على اللهو، لأن التجارة أصلٌ في اللهو، أما الذي يدعُ صلاة الجمعة من أجل اللهو فإن إثمه كبيرٌ جداً مما لو تركها من أجل عملٍ يقتات منه، على كلٍ قُدِّمت التجارة على اللهو، ثم قدِّم اللهو على التجارة..

 

﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور