وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الطور - تفسير الآيات 17-28 - عطاء الله للإنسان في الجنة لا يقدر بثمن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

التوازن أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله:


أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني من سورة الطور، ومع الآية السابعة عشرة، وهي قوله تعالى: 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)﴾

[ سورة الطور ]

ومن حكمة الله جلّ جلاله في كتابه الكريم أنه إذا تحدث عن أهل النار تحدث عن أهل الجنة، من أجل ماذا؟ من أجل التوازن، أي أنذر وبشر، خوِّف واحمل المدعو على التفاؤل،  يسر ولا تعسر، رغِّب ولا تُرهِّب، سدد وقارب، هذا أسلوب في الدعوة إلى الله، التوازن، إن وصفت أهل النار فصِف أهل الجنة، من أجل أن يندفع الإنسان إلى السعي للجنة كما يندفع في البعد عن النار، فالله سبحانه وتعالى يقول: 

﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(16)﴾

[ سورة الطور ]

صورة مخيفة من حال أهل النار. 

 

المتقي من حرص على مرضاة الله ودخول الجنة:


﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ المتقين، هؤلاء الذين اتقوا أن يعصوا ربهم، هذا النموذج، تقول: لا أفعل هذا، هذا حرام، لا يجوز، معاذ الله، أي لو قطعتني إرباً إرباً لا أعصي الله، هذا المتقي، الذي يتقي أن يعصي الله، الذي يتقي أن يُغضب الله، الذي يتقي أن يسخط عليه الله، الذي يتقي أن يبتعد عن رحمة الله، الذي يتقي أن يخرج من عناية الله، فالمنافق كما قال بعضهم يبقى في حالة واحدة أربعين عاماً، والمؤمن يتقلّب في اليوم الواحد في أربعين حالاً، بين الخوف، والرجاء، والرحمة، بين الاستعطاف، بين طلب الرحمة، بين الاستغفار، التسبيح، التحميد، التكبير، التهليل، بين خائف، بين راجٍ، بين وَجَلٍ، بين مطمئن، أي شدة خوفه من الله، وحرصه على مرضاة الله، وطلبه للجنة، يجعله في هذا الحال الذي يجمعه الخوف من الله. 

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ إنسانان، إنسان يقول لك: لا تدقق، كما يقول العامة، "من هنا ليوم الله يفرجها الله"، وإنسان آخر يقول: لا أفعل هذا أبداً، هذا حرام، هذا لا يجوز، هذا الذي يسأل عن الحكم الشرعي دائماً، هل هذا حلال؟ حرام؟ مباح؟ مكروه؟ مندوب؟ فرض؟ سنة؟ واجب؟ يسأل، هذا الذي لا يسأل، ولا يعبأ، ولا يفكر في الحلال والحرام، ولا في الخير والشر، ولا فيما يرضي الله، وما لا يرضي الله، هذا الإنسان ليس معنياً بهذه الآية، أما المعنيون بهذه الآية فأولئك المتقون.

 

الإنسان الذي يحرص على اتصاله بالله يحرص على طاعته:


﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ انظر أين أنت من هذه الآية؟ هل يوجد عندك تساهل؟ عندك تسيب قليلاً؟ لا تعبأ بالمعاصي؟ لا تعبأ بالدخل الحرام؟ لا تعبأ إنْ صليت أمْ لم تصلِّ؟ لا تعبأ بما فرضه الله عليك من أوراد، ومن أذكار، ومن أدعية؟ لا تعبأ بهذه الصلة مع الله عز وجل؟ لا تحرص عليها؟ الذي يحرص على اتصاله بالله يحرص على طاعته، إذا أردت أن تعرف مالك عند الله فانظر ما لله عندك، حريص على طاعة الله؟ إذاً أنت ممن تعنيهم هذه الآية، حريص على أن يكون دخلك حلالاً؟ أنت ممن تعنيهم هذه الآية، حريص على هذه الجوارح ألا تقترف معصية؟ أنت ممن تنطبق عليه هذه الآية: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ أي يتقي، (اتّقى) فعل خماسي مزيد، من (وقى) والوقاية من الخطر، أكبر خطر أن تعصي الله عز وجل، لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه.

 

أكبر خطر أن ينتقل الإنسان من الدنيا إلى الآخرة وهو لا يعرف الله:


أكبر خطر أن تخسر نفسك يوم القيامة، أكبر خطر أن يأتيك الموت وأنت صفر اليدين من العمل الصالح، أكبر خطر أن تنتقل من الدنيا إلى الآخرة وأنت لا تعرف الله، أكبر خطر أن تصل إلى الحياة الأبدية وليس معك ثمنها. 

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

[ سورة النحل ]

فإنّ المتقي الذي يتقي أن يعصي الله، الذي يتقي أن يسخط الله، الذي يتقي غضب الله، الذي يتقي البعد عن الله، الذي يتقي النار التي توعّد الله بها العصاة المذنبين، كلمة جامعة مانعة، إما أن تكون حريصاً على طاعة الله فأنت من المتقين، أو لا تعبأ لا بطاعته ولا بمعصيته هناك نماذج، شاردة عن الله، ليست حريصة على مرضاة الله، لا ترجو الله واليوم الآخر، ترجو الدنيا، ترجو مالها، ترجو شهواتها. 

 

أكبر شيء في الجنة رضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم:


﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ والجنة هنا جنات، جمع، أي يوجد جنة فيها الطعام والشراب، جنة فيها الحور العين، جنةُ الأنهار التي وصفها الله تعالى في كتابه الكريم، أنهار من عسل مصفى، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، أنهار من خمر لذة للشاربين، فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، فواكه وهم مكرمون، ولدان مخلدون، حور عين، وفيها نظر إلى وجه الله الكريم، فيها رضوان من الله، أكبر شيء في الجنة رضوان الله، والنظر إلى وجهه الكريم.

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾

[ سورة يونس ]

فهذه جنات، جنات منوعة، أي كلما استغرقت في جنة رأيت جنة أخرى أجمل منها، كلما تأملت في جنة واستمتعت بها رأيت نعيماً آخر. 

 

قضية الدين قضية مصيرية إما إلى جنة أو إلى نار:


إخواننا الكرام؛ من أيقن يقيناً قطعياً بما أعد الله للعصاة من عذاب مقيم، لم يعصِه أحد، ولو أيقن الناس ما أعد الله للطائعين لأقبل الناس جميعاً على طاعة الله عز وجل، قضية يقين، أنت حينما تعلم علم اليقين أنك إذا تفوهت بكلمة تحاسب عليها، سوف تلقى عذابًا لا يحتمل، لذلك تتقيه تضبط لسانك، أحد أسباب ضبط اللسان اليقين أن هذه الكلمة لها حساب عسير، إذا أيقنت أن إرسال هذا المال إلى بلد آخر يوجب عقوبة مؤلمة ضاغطة قد تدوم عشرين عامًا يقلع الناس عن مخالفة القوانين، لأنهم أيقنواَ أن هناك عقاباً أليماً لمن يعصي هذه القوانين، أنت مع مخلوق تتقي أن تعصيه، فكيف مع خالق الكون؟ وعقاب الإنسان يكون أو لا يكون، وإذا كان ففي وقت محدود، لكن عقاب الله عز وجل جهنم إلى أبد الآبدين، فقضية الدين قضية مصيرية:  

﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)﴾

[ سورة النجم ]

قضية الدين أكبر بكثير من أننا سمعنا الدرس والله، لطيف، دقيق، واضح، عميق، القضية أكبر من هذا بكثير، قضية مصيرك الأبدي إما في جنة يدوم نعيمها، أو في نار لا ينفذ عذابها. 

 

العاقل من تقيد بمنهج الله ونفذ أوامره:


﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ أنت راقب نفسك كتطبيق عملي لهذه الآية، أي أنت حركتك اليومية، طعامك، شرابك، خروجك من البيت، رؤيتك للنساء الغاديات الرائحات في الطريق، ما الموقف منهن؟ غض البصر أو إطلاق البصر؟ لك لقاءات مختلطة، لك أوقات تمضيها وراء جهاز لا يرضي الله عز وجل، لك ألعاب تقتل فيها الوقت بلا طائل، ولا ترضي الله فيها، أين أنت من هذه الآية؟ يا ترى دخلك كيف؟ إنفاقك كيف؟ جوارحك الخمس كيف؟ بيتك كيف؟ زوجتك، بناتك، أولادك؛ هل ربَّيت أولادك التربية الإسلامية؟ أقمت الفرائض؟ أديت ما عليك من زكاة؟ ضبطت مَن حولك؟ أطعت ربك؟ تقربت إليه؟ هل اتقيت أن تعصيه؟ هل اتقيت أن تسخطه؟ هل اتقيت أن تغضبه؟ هل اتقيت ناره؟ هل اتقيت البعد عنه أم رجوت طاعته ورجوت القرب منه؟  ورجوت مودته؟ ورجوت محبته؟ ورجوت الإقبال عليه؟

 

الوَرِع هو الإنسان الذي يقف عند الشبهات:


﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ هذا المتقي، هناك أناس شاردون، تائهون، عصاة، يسخرون من الذين آمنوا، لِمَ أنت خائف كل هذا الخوف؟ ضعها في رقبتي، لم يعد هناك مكان، كلام لا معنى له، الكافر أحياناً يُظهر بطولته في التفلت من منهج الله، لا، كلما تقيدت بمنهج الله فأنت أعقل، أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، كلما تقيدت، كلما وقفت عند الصغائر، كلما تورعت عن قرش حرام،  لو رأيتم حال الورعين لصغرت أنفسكم أمامكم، الورع هو الذي يقف عند الشبهات، يدع الشبهات استبراءً لدينه وعرضه، هذا هو الورع، ورع في دخله، في إنفاقه، ورع في المباحات، يأخذ منها القدر الذي سمح الله به، حتى تكون في جنات ونعيم: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ .

 

الإنسان في الجنة مسرور من الداخل والخارج:


وصف ربنا عز وجل دقيق: ﴿في جنات﴾ هذه الجنات جاءت جمعاً لأنّ فيها مناظر جميلة، فيها أنهار، فيها أشجار، فيها رياحين، فيها أطيار، فيها ولدان مخلدون، فيها حور عين، فيها فواكه وهم مكرمون، والله عز وجل وصف أوصافًا مختصرةً، وهناك جنة القرب من الله، وهناك جنة مشاهدة وجهِ الله الكريم، هذه جنات جاءت جمعاً: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ﴾ لكن: ﴿وَنَعِيمٍ﴾ نعيم نفسي.

أحيانًا لو وضعت الإنسان في مكان جميل، ومعه خبرٌ سيئ، لا ينسى، لا يبتسم أبداً، ضعه في أجمل مكان، في أجمل إطلالة على منظر جميل، أطعمه أطيب الطعام، إذا كان ابنه مريضًا، تسمعه يقول: لستُ مبسوطاً، فربنا عز وجل وصف الوصف الكامل: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ حالته الداخلية نعيم، والحالة الخارجية في جنات، أي مسرور من الداخل والخارج.  

 

الكمال أن تكون من الداخل مسروراً ومن الخارج محاط بالجنات:


قد يكون الإنسان ساكنًا في بيت صغير، طعامه خشن، لكنه مسرور بالله عز وجل، وقد يكون الإنسان ساكنًا في بيت ثمنه أربعون مليونًا، لكنّ البيت قطعة من الجحيم، أما أن يجمع بينهما فيكون في أجمل بيت، وفي أجمل حالة نفسية، هذا حال أهل الجنة: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ نعيم داخلي، طمأنينة، سرور، استقرار، رضاء، وهناك طعام وشراب، وفواكه مما يشتهون، وحور عين، وغلمان، وكل شيء أجمله: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ﴾ .

 

في الجنة غلمان مخلدون وحور عين:


أحياناً طفل صغير في البيت يملأ البيت فرحة، يملؤه أنساً، تتخاطفه الأيدي، لأنّ الطفل بريء، واللهُ عز وجل يُصبغ عليه من اسمه الجميل فتجده لطيفًا، وديعًا، ذكياً، ليس عنده خبث، وليس لديه احتيال، سريع الرضا، سريع الغضب، فالطفل من متع الحياة الدنيا: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ يوجد غلمان مخلدون، يوجد حور عين، قال لها: اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلَّت إحداهن على أهل الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فّلأَن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك.

أي إذا كان شخص مثلاً زواجه وسط، عنده متاعب، هذه القضية مؤقتة، إذا كان مؤمنًا إيمانًا كاملاً، ومستقيمًا استقامة كاملة، ويسعى لمرضاة الله، له عند الله المرأة التي وعده بها، الإنسان الذي تزوج زوجة وقد أحسن اختيارها، يقول لك: كبرت،  لكن الحور العين لا تكبر في الجنة: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ﴾ الكمال أن تكون من الداخل مسروراً، وأن تكون محاطاً بأجمل الأشياء، فجمال من الداخل وهو النعيم، ومن الخارج وهي الجنات.


  فاكهين لها عدة معان منها:

 

1 ـ هم الذين يأكلون الفاكهة ويتفكهون بها:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)﴾

[ سورة الطور ]

جاء في التفاسير:﴿فاكهين﴾ هم الذين يأكلون الفاكهة، ويتفكهون بها.  

2 ـ فرحون وسعداء:

بعضهم قالوا والمعنى أقرب: ﴿فاكهين﴾ بمعنى فرحين، أي سعداء، فلان فكه أي مرح، أحياناً تجلس مع إنسان ذي دعابة، طيب النفس، مبتسم الوجه، عذب اللسان، يملأ المجلس أُنساً بمرحه، ودعابته، ولطفه، وتواضعه، وإيناسه، وبشاشة وجهه، الإنسان متى يُؤنس ومتى يُسعد؟ ومتى تنطلق سريرته وتكون كعلانيته؟ متى تشعر بالقرب منه؟ إذا هو بالأساس سعيد، هؤلاء قال: ﴿فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ تلاحظ إنسانًا تلقى نبأَ نجاحه بالشهادة، تجده خلال يومين أو ثلاثة متألقًا، عيناه زئبقيتان، ابتسامته لا تذهب من ثغره، يصبح ذا دعابة، يلقي الطُّرف، يبتسم، يضحك، يبادر إلى خدمة من حوله، هذا الوضع فيه إيناس، فيه خدمة، فيه لطف، فيه مرح، هذا بسبب تلقيه نبأ النجاح، والنجاح محبب في كل مجال، نجاح في الدراسة، نجاح في التجارة، نجاح في الصناعة، نجاح في الزراعة، نجاح في ارتقاء المناصب، نجاح في إنجاز الكتب وتأليفها، أيُّ عمل ذو قيمة يدخل على صاحبه السرور، والشعور بالإنجاز، هذا نجاح محدود.  


  أكبر نجاح يحققه الإنسان أن يصل إلى الجنة:


تصور أنّ إنسانًا نجا من عذاب النار، واستحق جنة ربه، هذا أكبر نجاح على الإطلاق، أكبر نجاح يحققه إنسان أن يصل إلى الجنة:  

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾

[ سورة آل عمران ]

قد يقول لك: أنا اشتريت هذا البيت بثلاثين ألفاً والآن ثمنه ثمانية ملايين، يعطيها نغمة خاصة، فرح، هذه الأرض تضاعفت مئة ضعف، أنا وكيل حصري للشركة الفلانية، باب البيع على مصراعيه، يوجد نجاح في الدنيا، نجاح في التجارة، في الصناعة، في الزراعة، في ارتقاء المناصب، في نيل الشاهدات، نجاح في الصحة، ذو شكل، وقوة، وبنية، نجاح في الزواج أحياناً، نجاح في اختيار بيت مناسب، له إطلالة جميلة واسع، مرتب، كل هذه النجاحات سوف تفقدها عند الموت، أليس كذلك؟ هل هناك نجاح يدوم إلا أن تعرف الله؟ إلا أن تكون طائعاً له؟ إلى أن تكون مستقيماً على أمره؟ لا تبتعد كثيراً، كم نعوة في دمشق يومياً؟ أكثر من خمسين نعوة، تقريباً، هؤلاء الذين أصبحوا في القبور، أين كانوا البارحة؟ في البيوت، أليس لهم أسرّة نظيفة؟ غرف استقبال، غرف طعام، غرف لاستقبال الضيوف، أليس لهم مركبات؟ ألم يذهبوا إلى الأماكن الجميلة؟ ألم يأكلوا أطيب الطعام؟ ألم يسهروا؟ ألم يسافروا؟ أين هذا كله؟ هم الآن تحت أطباق الثرى، فلذلك لا يمكن أن يسمى عطاء الدنيا عطاءً لأنه لا يدوم، أبداً. 

(( عن سهل بن سعد أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس. ))

[ رواه الطبراني رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وحسنه الهيثمي في مجمع  الزوائد   ]

 

حظوظ الدنيا ليست عطاءً إنما هي ابتلاء:


من الغباء، والسخف، وضيق الأفق أن تظن أن الدنيا عطاء، لذلك الله عز وجل كما يقول علماء اللغة ردَعَ هذا الذي يقول:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾

[ سورة الفجر ]

لا، قال له ربه: كلا، ليس هذا إكراماً، إنه ابتلاء، فإن أنفقت هذا المال في طاعة الله كان نعمة، أما إذا أنفقته في المعاصي والآثام فهو نقمة، وهذا المال الذي ظننته عطاءً، وإكراماً هو ابتلاء وسبب الشقاء الأبدي، حظوظ الدنيا ليست عطاءً، إنما هي ابتلاء، كيف توظفها؟ إذا كان المرءُ ذكيًا هذا الذكاء كيف وظَّفه؟ في نشر الحق أم في ترويج الباطل؟ ممكن، هذه القوة التي منحك الله إياها كيف تستغلها؟ في نصرة الضعيف أم في تثبيت مركزك ولو على حساب أنقاض الآخرين؟ القوة ابتلاء، الوسامة ابتلاء، المال ابتلاء، الغنى ابتلاء. 

 

عطاء الله للإنسان حيادي:


﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ ليس هذا هو الإكرام، الإكرام أن توظف هذه الحظوظ في طاعة الله، الآن الله أكرمك، أكرمك بمال أنفقته في طاعته، أكرمك بعلم بذلته في سبيله، أكرمك بقوة نصرتَ بها الضعيف، أكرمك بلسان طلق وضّحت به الحق، أكرمك بأهل دللتهم على الله، هذا إكرام فعلاً، أما مطلق المال ليس إكراماً، مطلق الأهل ليس إكراماً، مطلق العلم ليس إكراماً: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ(16) كَلَّا﴾ أداة ردع ونفي، كلا ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، إنما عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، إذا الإنسان كانت بين يديه الدنيا فليحذر هذه ليست نعمة، نعمة إذا وظفتها في الحق، نعمة إذا وظفت طلاقة لسانك في نشر الحق، نعمة إذا وظفت قوتك في نصرة الضعيف، هذه هي النعمة، لذلك العطاء حيادي، كيف تستغله؟ كيف تمارسه؟ كيف توظفه؟ من طريقة توظيفك إياه يتحدد ما إذا كان العطاء نعمة أو نقمة، قال: 

﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)﴾

[ سورة الدخان ]

نعمة، أي نقمة ما سماها نعمة.

 

الفوز العظيم أن تفوز بمرضاة الله:


﴿  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)﴾

[ سورة الطور ]

 أي هم سعداء بهذا العطاء الأبدي السرمدي، هذا هو العطاء، لذلك:

﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)﴾

[ سورة الصافات ]

﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾

[ سورة المطففين ]

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾

[  سورة يونس ]

بهذا افرح، افرح بطاعة، افرح بعلم حصّلته، افرح بقرب من الله، افرح إذا أويت إلى فراشك وخالقُ السماوات والأرض راضٍ عنك، لهذا افرح، هذا هو الكسب الحقيقي، هذا هُوَ الإنجاز العظيم، هذا هو الفوز العظيم، قل لي ما الذي يفرحك أقلْ لك من أنت، قل لي ما الذي تعده فوزاً أقلْ لك من أنت، الفوز العظيم أن تفوز بمرضاة الله رب العالمين. 

 

فرح الإنسان في الجنة لا يزول:


﴿فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ أي إذا الإنسان صحته طيبة في الدنيا، ودخله كبير، وأهله يحبهم ويحبونه، وأولاده أبرار، ومنزله واسع، مركبته أمام بيته، هذا كله شيء خيالي لا يتحقق لأحد، تجده مرِحًا، مِن أين جاءه المرح والفرح والإشراق والتألق والدعابة والإيناس والكلام العذب؟ من هذه النجاحات التي معه، هذه النجاحات كونت هذا النموذج الفرح، المرح، طبعاً في الدنيا غير محققة، أما في الجنة قال: ﴿فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ أي أهل الجنة سعداء جداً.

 

السعادة سعادتان؛ إيجابية وسلبية:


﴿بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ إذا سمع الإنسان قصة انهيار إنسان، أو إنسان فقد ملكاته العقلية، المستمع بأعلى درجات الفهم، ألا يفرح فرحاً حقيقياً؟ إنسانٌ سلَّم الله له جسمه من العاهات، من الأمراض، سلّم له أهله من المشكلات، سلم له دخله من الحرام، يوجد طمأنينة، فلذلك عندك سعادة إيجابية، وسعادة سلبية، نجاتك من عذابات الدنيا، وعذابات الآخرة، هذه سعادة، لكنها سعادة سلبية، فأنت عندك سعادتان، سعادة النجاة من عذاب النار، وعذاب الجحيم، والخزي يوم الدين، وسعادة الفوز بمرضاة الله رب العالمين، والفوز بالجنة، والآية الكريمة: 

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾

[ سورة آل عمران ]

إخواننا الكرام؛ يجب أن تكون الآخرة أمام أعينكم ماثلةً، يجب أن نعمل لها، أعيد هذه القصة كثيراً، سألوا طالبًا أحرز الدرجة الأولى في امتحان الشهادة الثانوية، بمَ نلت هذا المجموع العالي؟ قال هذا الطالب كلمة دقيقة جداً، قال: لأنّ لحظة الامتحان لم تغادر مخيلتي إطلاقاً، ونحن إن شاء الله لا نفوز إلا إذا بقيت الآخرة أمام أعيننا، قبل أن تعطي، قبل أن تأخذ، قبل أن تنظر، قبل أن تملأ عينك من محاسن هذه المرأة، قبل أن تأكل مالاً لا يحق لك أن تأكله، قبل أن تتلفظ بكلمة لا يحق لك أن تقولها، دقق كيف سيكون موقفك من الله يوم القيامة، عندئذٍ تكون من المتقين.

 

هَنِيئًا: كلمة لها عدة معان منها:

 

1 ـ عدم وجود الحزن والقلق في الجنة:

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)﴾

[  سورة الطور ]

معنى: ﴿هنيئاً﴾ أي في الجنة لا نغص، ولا كدر، ولا حزن ولا قلق، من المؤكّد أنّ الإنسان في الدنيا في أعماقه قلق، هذا القلق سببه أن الدنيا سوف تنتهي، إذا كان الإنسان في بحبوحة عنده قلق عميق، لعل هذا الدخل لا يستمر، لعلّ هذا الجسم لا يسلم، فلذلك يوجد قلق، قلق زوال النعمة، قلق زوال الصحة، قلق زوال المركز، قلق تنكُّر الناس له، هناك قلق مستمر، لذلك أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، لكن بالآخرة لا يوجد شيء من هذا، ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً﴾ قال: هذا الطعام والشراب وهذه الجنة لا نغص فيها، ولا كدر، ولا حزن، ولا قلق، هذا معنى.  

2 ـ حلالاً طيباً:

المعنى الثاني: ﴿هنيئا﴾ أي حلالاً طيباً، إذا الإنسان استمتع بشيء حرام في أعماقه نغص، وقلق.  

3 ـ عدم تحول أو زوال الإنسان والأشياء التي حوله في الجنة: 

المعنى الثالث هو أقوى المعاني: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً﴾ الإنسان إذا كان في نعمة، ويخاف أن تزول، أو كان بصحة ويخاف أن تزول، لم يعُدْ كلُّ شيء هنيئاً في حياته، الجنة مبرأة من هذا الشعور، الإنسان بعد الخمسين أو الخامسة والخمسين احتمال بروستات، احتمال ماء زرقاء، هناك عدة أمراض كثيرة الاحتمالات، أليس كذلك؟ أي عنده بعد الخمسين قلق، يا ترى هل أفاجأ بمرض؟ هل أفاجأ بخلل في أحد أعضائي؟ هذا الشعور تلاحظ الإنسان بعد الخمسين، أو بعد الستين، عنده قلق مستمر على صحته، عنده قلق على دخله، عنده قلق على مصير أولاده من بعده، في الجنة هذه المشاعر كلها غير موجودة: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً﴾ أي لا أنتم تزولون، ولا الأشياء التي حولكم تزول.

 

عيشة الإنسان في الجنة راضية لا يفارقها ولا تفارقه:


اللهُ قال: 

﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)﴾

[ سورة الحاقة ]

بحسب اللغة ينبغي كما نتوهم أن تكون العيشة مرضية، الإنسان راض عنها، في القرآن بالعكس، قال: 

﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)﴾

[ سورة الحاقة ]

معنى راضية أيْ أنّ الإنسان إذا كان في بحبوحة، أو في صحة طيبة، أو مع أهله على ما يرام، أولاده أبرار، هذه عيشة مرضيٌّ عنها، لكنها حينما تزول، هذا المعنى أنها لم ترضَ عنك فتركتْكَ، زوالها يعني أنها ليست راضية عنك لذلك تركتْكَ، فإذا الإنسان ضمن عيشة مرضية عنها ربما يقلق لأنها سوف تزول عنه، أما هذه العيشة راضية عنك بمعنى أنها لا تفارقك، فربنا عبر عن نعيم أهل الجنة: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ أي أنت راضٍ عنها فلا تتركها، وهي راضية عنك فلا تغيب عنك، هذا المعنى. 

 

حساب الله للإنسان في الآخرة حساب دقيق جداً:


﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هذه باء السببية، أي الله عز وجل حسابه دقيق.

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

[  سورة النحل ]

هي بالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، بإنفاق المال، بالأمر بالمعروف، بالنهي عن المنكر، بتربية الأولاد، أن تأخذ بيد أهلك إلى الله ورسوله، أن تدعو إلى الله، أن تصبر على بلاء الله، أن تصبر عن الشهوات، أن تصبر على قضاء الله وقدره، أن ترجو الله والدار الآخرة: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ .

﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ(20)﴾

[  سورة الطور ]

الدنيا أساسها العمل، والجنة أساسها الإكرام. 

 

أساس الدنيا العمل وأساس الآخرة الإكرام:


قد تكون عند الإنسان أعمال كثيرة، عنده متجر، عنده مكتب، عنده تجارة، عنده وظيفة، عنده دراسة، تجده منهمكاً، يقرأ، يدرس، يبحث، يذهب، ينطلق، أساس الحياة هو الكسب، والتعب، والكدح، والكد، أراد أن يقوم بنزهة مدة أسبوع، الأصل في النزهة الراحة، لا يعمل شيئاً، ينام، ويأكل، ويستمتع بالمناظر، ويسبح، و يلعب، الأصل في الاستجمام الاستمتاع بالدنيا، والأصل في الأعمال بذل الجهد، الآن بشكل مكبر الآخرة كلها الأصل فيها الإكرام، لذلك لهم ما يشاؤون، أي شيء خطر في بالك تجده أمامك.  

﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)﴾

[ سورة ق ]

فأنت الآن في دنيا أساسها العمل، أساسها الكدح، أساسها بذل الجهد، أساسها الصبر، أساسها التحمل، أساسها بذل جهد كبير لنيل مكسب صغير، الآخرة بالعكس، الحياة الآخرة كلها أساسها النعيم المقيم، أساسها الإكرام، أساسها أن كل متاعب الدنيا منزهةٌ عنها  الآخرة.

أحياناً الإنسان يكبر بالسن، يقول لك كبرت، قال لي شخص: سبحان الله! أنا قبل خمسين سنة كنتُ أنشط من الآن، قلت له: طبعاً، تضعف قوته، يضعف بصره، يضعف سمعه أحياناً، يشعر بوهن بجسمه، همته تضعف، إذاً يوجد قلق التقدم بالسن، يوجد قلق انهيار الدخل، يوجد قلق تفرُّق الأهل، يوجد قلق المرض، في الآخرة لا يوجَد شيء من هذا، كل أنواع القلق مبرأ منها الإنسان في الآخرة. 

 

الجمال في الآخرة جمال مطلق:


﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ تحار في جمالهن الأعين، عيناء؛ واسعة العينين، بيضاء اللون: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ طبعاً هذا وصف موجز لكن ربنا عز وجل في هذا الإيجاز يعبر عن كل شيء، أي جمال مطلق، في الدنيا لا يوجد جمال مطلق، يوجد تفوق من جهة، وتخلف من جهة، ورحمة بنا، أما الجمال في الآخرة فمطلق: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ .

 

أكبر كسب للإنسان أعمال ذريته الصالحة إلى يوم القيامة:


أما هذه الآية، الآية الحادية والعشرين. 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾

[ سورة الطور ]

هذه الآية إخواننا الكرام: أكبر كسب على الإطلاق تناله في الدنيا أن تنشئ أولادك تنشئة إيمانية، إنك إن ربيت أولادك على طاعة الله ومحبته، وعلى طاعة رسول الله ومحبته، وعلى حبّ آل بيت رسول الله، وعلى قراءة القرآن، وعلى ضبط الجوارح، والأعضاء، وعلى أكل المال الحلال، وعلى العمل الصالح، إن هؤلاء الذرية الذين ربيتهم هذه التربية كل أعمالهم إلى يوم القيامة في صحيفتك: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ﴾ أي أنت آمنت، وربيت أولادك حتى اتبعوك في إيمانك، ربيتهم إلى أن اتبعوك، ربيتهم إلى أن أحبوك، ربيتهم إلى أن قدسوا اتجاهك، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ أعمال ذريتهم بمجملها، بأكملها، كل الذرية، أي أولادهم، وأولاد أولادهم، وأولاد أولاد أولادهم، وأحفادهم، وأحفاد أحفادهم، إلى يوم القيامة، قد يموت الإنسان بعد أنْ يخلف خمسة أولاد، حتى يوم القيامة قد يكون عددهم خمسمئة مليون، هذا جائز، كل هؤلاء في صحيفته.

 

ما من عمل على وجه الأرض أربح من أن تُخلّف ذرية صالحة:


أنا أقول لكم كلاماً دقيقاً، والله أيها الأخوة: ما من عمل على وجه الأرض أخطر، وأربح، وأنجح، وأثمن، من أن تخلف ذرية صالحة شباباً وشابات، لأن هذه الذرية أعمالها كلها في صحيفتك إلى يوم القيامة، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ﴾ لماذا اتبعتهم؟ لأن الأب كان كاملاً، كان أخلاقيًا، كان قدوة حسنة، بتوجيهه، بسلوكه، بحياته الخاصة، بحياته العامة، بكسبه للمال، الأب لما كان مثاليًا اتبعه أولاده، أما إذا لم يكن الأب مثاليًا فقد تجد الابن يحترمه احترامًا ظاهريًا، ومع أصدقائه يقول: أبي بخيل، أبي يده ماسكة، إذا الابن كشف خطأ والده يتكلم لا يتبعه، أما علامة أن الأب كان كاملاً، كامل في علمه، كامل في أخلاقه، كامل في عطائه، كامل في عطفه، نتائج الكمال في الأب أن يتبعه ابنه، هذه  إشارة لطيفة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ﴾ طبعاً عن إيمان لا عن خوف، أي آمنوا كما آمن، عرفوا الله كما عرف، أحبوا اللهَ كما أحبّ الأب، بتوجيهه، وتعليمه، وإكرامه، صبره.  


  الإنسان رهين عمله:


﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾

[ سورة الطور ]

﴿ألتناهم﴾ أي أنقصناهم، أي عمل الأبناء ألم يجعل كله في صحيفة الآباء؟ نعم، من دون أن ينقص من أجر الأبناء، هذا من عطاء الله الكريم، فأنت إذا قلت لشخص مثلاً: ضع مالك في هذا المعمل؟ وضع خمسة ملايين، معقول هذا المكان يعطونك خمسة ملايين لك نظير أنك دللتهم عليه؟ ليس معقولاً، صاروا ثمانية ثمانية، عشرة عشرة، هذا شيء خيالي، عند الله واقعي، أي كل أعمالَ أولادك، وأولاد أولادك، وأولاد أولاد أولادك، إلى يوم القيامة، الحجم نفسه لك: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ مرهون بعمله، أي الآن حتى في الدنيا هذا مودع في السجن على ذمة القضية الفلانية، فقد حريته لأنه ارتكب عملاً ما، فكل إنسان رهين عمله، لو تصورنا إنسانًا مستقيماً طليقًا، يذهب، يسافر، يخرج من بلده، ثم يرجع، ليس عنده مشكلة إطلاقاً، أما إذا ارتكب إنسان معصية، أو مخالفة للقوانين يقول لك: ليس بمقدوري أن أسافر، أو كان مرتكباً ما هو أكبر من ذلك لا يستطيع أن يدخل القطر مثلاً، فهذا الإنسان مرهون بقضيته، وهذا مثل بسيط، الإنسان رهن عمله.

قال له: يا قييس إن لك قريناً تدفن معه وهو حي، ويدفن معك وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، و إن كان لئيماً أسلمك، ألا وهو عملك، أنت رهين عملك.

 

الحجاب بين المرء وربه لا يهتك إلا بالعمل الصالح والتوبة:


مرة كنت عند صديق وهو قاضي تحقيق، كان يحقق مع شخص يُتاجر بالمخدرات، كان هذا الإنسان وهو يجيب عن أسئلة القاضي نظره في الأرض، دخل شاب طليق الوجه، مبتسم، قلت: هذا الذي دخل ليس متهماً، طلاقته تدلُ عليه، فإذا هو قريب للقاضي، فإذا دخل أحدهم طليقًا ليس مذنباً تجده جريئًا، مرحاً، وجهه متألق، أما إذا كان مذنبًا تجده:

﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)﴾

[ سورة عبس ]

الوجه صفحة النفس، إذاً: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ أنت حجمك عند الله بحجم عملك، بعدك عن الله لا سمح الله بقدر إساءتك، هناك حجاب كثيف، هناك حجاب رقيق، كل معصية تشكِّل حجابًا فإذا كانتا معصيتين شكلتا حجابين، فالحجاب بين المرء وبين الله يهتكه سريعاً بالتوبة، يهتكه بالعمل الصالح، لذلك: وأتبع السيئة الحسنة تمحُها وخالق الناس بخلق حسن.  


  نعيم الجنة باق لا ينفد:


﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)﴾

[ سورة الطور ]

أحيانًا الطعام لا يكفي، أما في الجنة فكُلْ ما شئت، مائدة مفتوحة بالتعبير المعاصر، كلْ ما شئت. 

﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)﴾

[ سورة الطور ]

خمرةُ الدنيا إذا شربها الإنسان يفقد عقله، يتكلم كلمات غير معقول أن يتكلمها وهو في صحوه، الإنسان إذا شرب الخمرة يصبح أحمقَ في كلامه، ينشر فضائح، يتكلم من عقله الباطن، إنسان له مكانة رفيعة في المجتمع، يعمل موجهاً لمادة معينة، فلما شرب الخمر تكلم بكلمات لا يعقل أن تصدر منه، فهذا هو اللغو، والتأثيم عندما يشرب الإنسان الخمر قد يقع في المحرمات وقد يقع على من يلوذ به، ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ خمرة الآخرة من نوع آخر: 

﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)﴾

[ سورة الطور ]

من جمالهم.  

 

حال أهل الجنة وهم في الجنة يتنعمون:


﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25)﴾

[ سورة الطور ]

أهل الجنة يتحدثون، يتحدثون عن الدنيا، كيف تعبوا في معرفة الله، كيف جاهدوا أنفسهم وأهواءهم، كيف التقوا مع من يحبون، كيف اهتدوا إلى الله: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ أحياناً تجد الإنسان لما ينجح في الحياة، يجلس في مجلس، يتصدر المجلس، أنا قدمت امتحانًا في اليوم الفلاني، وكان ضمن الأسئلة سؤالاً صعباً، تعجيزياً وأنا تذكرت، وكتبت، وأجبت، كلما واجه عقبة يتحدث كيف أنه انتصر عليها، وكيف تجاوزها، وكيف نجح، وكيف تفوق، بعد النجاح الحديث عن المتاعب حديثًا ممتعًا جداً، إذا نجح الإنسان في عمله التجاري، في عمله العلمي، في عمله المنوع، وصل لقمة المجد في عمله، فإذا تحدث تحدَّث عن متاعبه السابقة، وكيف انتصر عليها، وكيف تحداها، وكيف تجاوزها، وكيف سخر منها، كذلك حال أهل الجنة، وهم في الجنة يتنعمون، وقد وصلوا إلى أعظم الغايات.


  حديث المؤمن عن خوفه من عذاب ربه:


قال تعالى: 

﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)﴾

[ سورة الطور ]

نحن كنا خائفين، هناك قلق، مثلاً لو أنّ طالبًا شكا همه لصديق، قال له: أنا عندي وظائف، الأساتذة قساة، الواجبات كبيرة جداً، عليّ أنْ أكتب موضوعًا، وأؤلف أطروحة، وأقدم فحوصاً شفهية، وأدرس الدروس وأحضِّرها، هذا شيء لا يحتمل، فيقول له صديقه: أنا ليس لديّ مشكلة، أنا أنام إلى الظهر، هذا خارج الجامعة، هذا خارج الاهتمام، لما شكا الأول الصعوبات التي يلاقيها في حياته الدراسية، الثاني من أولاد الأزقة، قال له: أنا لا أحس بأيّ تعب من هذا، أنا أنام حتى أشبع النوم، آكل ما أشتهي، أذهب إلى أي مكان أشتهيه، بينما أنت تحرم نفسك، لا! هذا خارج الجامعة، هذا ليس له مكان في المجتمع، أما هذا يُعد ليكون إنسانًا متألقًا بالحياة، قال:

﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28)﴾

[  سورة الطور ]

 

جزاء المتقين يوم القيامة:


الله عز وجل حدثنا عن المتقين: ﴿ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)﴾ وعن تربية أولادهم، وعن أنهم وصلوا إلى كل شيء عند الله عز وجل، وعن أنَّ أعمال أولادهم كانت في صحائفهم:

﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)﴾

[ سورة الطور ]

يوجد دعاء، يوجد التجاء، يوجد طلب من الله، يوجد مناجاة، يوجد استرحام، يوجد  استغفار، يوجد تسبيح، يوجد تحميد، يوجد تكبير، يوجد ليال، تجد برمضان ساعة ونصف  التراويح، وبعدها يوجد درس، وهناك صلاة الفجر وبعدها يوجد درس، وفي النهار صائم، يغض بصره، يصلي، ويذكر الله، ويحمده، هذا المؤمن، من عمل إلى عمل، من مسجد إلى مسجد، من خدمة إلى خدمة، من فهم إلى تطبيق، من إنفاق إلى إنفاق.

﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ(29)﴾

[ سورة الطور ]

هذه الآية والتي بعدها نرجئها إلى الدرس القادم إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور