وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة محمد - تفسيرالآيات 7-11، المؤمن في عين الله مادام ملتزماً أوامره
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.


من علامات الإيمان أنك إذا سمعت آيةً مُصَدَّرَةً بـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تشعر أنك مَعْنِيٌ بها:


 مع الآية السابعة وهي قوله تعالى:

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(8)﴾

[ سورة محمد ]

 أولاً أيها الإخوة الكرام، من علامات الإيمان أنك إذا سمعت آيةً مُصَدَّرَةً بقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ تشعر أنك مَعْنِيٌ بها، وأنها موجَّهةٌ لك، ألست مؤمناً؟ الله جلَّ جلاله يخاطب المؤمنين، وقد قال بعض العلماء: "الله سبحانه وتعالى يخاطب عامة الناس بأصول الدين ويخاطب المؤمنين بفروع الدين". 

﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)﴾

[  سورة النور ]

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ(20)﴾

[ سورة الأنفال  ]


نصر دين الله عز وجل تطبيق لأوامره:


 كلمة: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ إذا شعرت أنك مخاطبٌ بها، وأنك معنِيٌ بها فهذه إحدى علامات الإيمان، الشيء الثاني أن الله جلَّ جلاله مُنَزَّهٌ عن أن تنصره، هو القوي العزيز، يحتاجه كل مخلوق، كل شيءٍ يحتاجه في كل شيء، فكيف يقول الله عزَّ وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ لعل بعض المفسرين يقول: إن تنصروا دين الله، وما معنى: أن تنصر دين الله؟ أن تطبق الأوامر، ولْأَضرِبْ على ذلك مثلاً بسيطاً، لو أن مئة رجلٍ في نزهةٍ، ودخل وقت العصر، فإذا قاموا جميعاً ليصلوا نصروا دين الله عزَّ وجل، وصار الذي لم يصلِّ شاذاً منحرفاً مقصراً، يُشار إليه، أما إذا لم يقم أحد للصلاة فقد خذلوا دين الله عزَّ وجل، فصار إذا قام أحدهم ليصلي صار هو الشاذ، وإذا حَجَّبَ المؤمنون نساءهم وواحدٌ قصّر في تحجيب زوجته صار شاذاً، أما إذا سَيَّبَ جميع الرجال هذا الحكم الشرعي وأراد أحدٌ من الناس المؤمنين أن يقيم أمر الله عزَّ وجل صار وحده شاذاً، فنصرُ دينِ الله أي أن تطبق الأوامر. 


من طبق أمر الله عز وجل وسع دائرة الحق و حاصر دائرة الباطل:


 طبعاً الأوامر كثيرة جداً؛ العبادات؛ الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، إذا أدَّى الجميع زكاة أموالهم، صار الذي لم يؤدِّ الزكاة شاذاً، أما إذا تخَلَّف الناس عن تأدية الزكاة ضعف هذا الأمر الإلهي، طبعاً لأن معظم الناس يتحرَّكون بالتقليد، الذين يتحركون وفق قناعاتهم ولا يعبؤون بالمجموع هؤلاء قِلَّة، أما الخط العريض في المجتمع أن يتحرَّك وفق التقليد، فحينما تقيم أمر الله عزَّ وجل، حينما تجعل بيتك بيتاً إسلامياً، حينما تجعل عملك عملاً إسلامياً، حينما تتعامل مع الآخرين تعاملاً إسلامياً، أنت ماذا فعلت؟ نصرت دين الله، فأوّلاً نصر دين الله عزَّ وجل في التوجُّه إليه، في الإقبال عليه، في إفراده بالعبودية، في إفراده بالإخلاص، فإذا توجَّهت إليه، وأقبلت عليه، وأخلصت له، ووحدته في أفعاله فلن تقبل أنّ أحداً مع الله عزَّ وجل له فعل وإرادة، هذا هو التوحيد، ثم أقمت العبادات، أقمت الصلاة والصيام والحج والزكاة، ثم تعاملت مع الآخرين وفق منهج الله عزَّ وجل، بأسلوبٍ رفيع، قالوا: إذا فعلت هذا فقد نصرت الله، وهو غني عن أن تنصره، لكنك طبّقت دينه، وفي تطبيق دينه وسَّعت دائرة المؤمنين وحاصرت دائرة المنحرفين فقوي الضعيف بهذا.


الله عز وجل غني عن العالمين:


 أول معنى: الله جلَّ جلاله غنيٌّ عن أن تنصره؛ لأنه العزيز الحكيم.

((  لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. ))

[  صحيح مسلم ]

 كما قال الله عزَّ وجل:

﴿ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(7)﴾

[  سورة الزمر ]

 معنى ذلك كلمة: إن تنصروا الله لا تعني أبداً ولا يُعقَل أن تعني، والله منزَّهٌ عن أن تعني أنك تنصر الله عزَّ وجل، لكن هذا أسلوب من أساليب البلاغة، إنك إن طبَّقت أمر الله وسَّعْتَ دائرة الحق، وحاصرت دائرة الباطل، دائماً الأغلبية لهم قيمة.


المؤمن الصادق المطبِّق أحكام الدين في عصر الفساد ينبغي أن يشعر بغربة:


 إذا أراد الإنسان أن يعصي أمر الله عزَّ وجل والأكثرون يطيعونه صار هذا الإنسان شاذاً، أما إذا كان الأكثرون يعصونه وأراد أن يطيعه صار المطيع هو الشاذ ويتحمَّل مصاعب كثيرة، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( السلام عليكم دار قوم مؤمنين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، فقالوا: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، ألا هلم، ألا هلم. فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا. ))

[ صحيح مسلم ]

(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ ))

[ رواه الترمذي ]

 لذلك ورد في الحديث الشريف: 

(( إنَّ الإسلامَ بدأَ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأَ فطوبى للغرباءِ. ))

[ صحيح الترمذي ]

 فالمؤمن الصادق، المخلص، الملتزم، المطبِّق أحكام الدين في عصر الفساد والفتن والانحراف ينبغي أن يشعر بغربة، فإن لم يشعر بغربةٍ فهناك استفهامٌ كبير على إيمانه.


من أراد نصر الله فلينتصر لدينه:


 إذاً: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ فينصركم على ماذا؟ أين مفعول ينصركم؟ علماء البلاغة يقولون: إذا حُذِف المفعول أُطلِق الفعل، صار مطلقاً؛ ينصركم على عدوكم، على أنفسكم، أي شيءٍ تريدونه يصبح مُذلَّلاً وهذا من كرامة الله للمؤمن، ربنا عزَّ وجل قال:

﴿ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(13)﴾

[  سورة الصف ]

 أخبار النصر تملأ القلب سعادةً، وأخبار التراجع والهزيمة تملأ القلب ضيقاً، وحرجاً، وحزناً، فهذه الآية أصلٌ في تعاملنا مع الله عزَّ وجل في شأن النصر، إن أردت نصر الله فانتصر لدينه، إن أردت نصر الله فانتصر على نفسك، إن أردت نصر الله فأقم الإسلام في بيتك، وأقمه في عملك، إن أردت نصر الله عزَّ وجل فكن له كما يريد ليكون لك كما تريد.

 عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.

 وهذه الآية تصلح على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي، أي كأمة إن لم نُقِم أمر الله فينا فلن نُنصَر، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)﴾

[ سورة الأنفال ]


من أراد ألا يعذب عليه بطاعة الله عز وجل:


 بعض المفسرين وقعوا في حَيرة: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ أنت بين ظهرانيهم، لكن بعضهم وسَّع المعنى قال: ما دامت سنتك فيهم مُطبَّقةً في حياتهم، ما دام بيعهم وشراؤهم وفق شرع الله عزَّ وجل، ما دام زواجهم وفق سنة رسول الله، ما دامت أفراحهم وأتراحهم وفق المنهج الإلهي، ما دامت سنة النبي صلى الله عليه وسلم قائمةً في حياتهم فهم في بحبوحةٍ من أن يُعذَّبوا، فهذه ضمانة، أي إذا أردنا ألا نُعذَّب فعلينا بطاعة الله عزَّ وجل.

 مرة ثانية، هذه الآية الكريمة يمكن أن تُفهَم على مستويين؛ مستوى جماعي كأمة، ومستوى فردي، العرب حينما دخلوا الأندلس انتصروا وأنشؤوا حضارةً، وأنشؤوا دولةً عريقةً، أما حينما التفتوا إلى اللهو وإلى الموشَّحات، وإلى المُجون والقِيَان وما إلى ذلك خُذِلوا، وتفرقوا ثم دُحِروا وأُخرجوا من الأندلس، هذا قانون الله في الأرض. 

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ وهو كلام خالق الكون، فعلاقتنا كمسلمين مع النصر تتم وفق هذا القانون. 


المسلم الحقيقي يخشى من ذنبه أضعاف ما يخشى من عدوه:


 لذلك المسلم يخشى من ذنبه أضعاف ما يخشى من عدوه، وقد ورد في الأثر أن: "لا يخافَنَّ العبد إلا ذنبه، ولا يرجُوَنّ إلا ربه"

 فالذنب خطير، لأن الأمر كله بيد الله، هكذا، الله يقوّي الكافر ويقوّي المؤمن، الأمر بيده، القوة بيده، حسْم المعركة بيده، إذا تحارب الحق مع الباطل فالمعركة قصيرة جداً، لأن الله مع الحق، وإذا اصطدم باطلان فالمعركة طويلة جداً، لأن القِوى تتغير فتتكافأ تارةً ولا تتكافأ تارةً أخرى، فهذه الآية أصلٌ في النصر على المستوى الجماعي.

 أما على المستوى الفردي؛ أنت في عملك، في بيتك، إذا أقمتَ دين الله أعطاك الله هَيبةً، ألم يقل الإمام الشعراني: "إني أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي"، حتى على مستوى البيت إذا كنت غيوراً، إذا كنت تأتمر بأمر الله، تنتهي عما نهى عنه، وتقيم شرع الله في بيتك فلكَ هيبةٌ كبيرة، الكل ينصاعون، فإذا أردت المعنى الفردي بحيث تكون كلمتك هي العُليا في البيت، فانصر دين الله في البيت، تساهلْ في الأمور التي لا علاقة لها بالدين، وكن في أمور الدين وقَّافاً عند كتاب الله، في عملك، مع أقرانك، مع مَن هم أقوى منك، مع مَن هم أضعف منك، حتى على المستوى الفردي ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾


 من اعتصم بأمر الله و طبق أمره نصره على أقوى أعدائه:


 هذا القرآن مُعجِز، كلامٌ جامعٌ مانع، إن أخذت هذه الآية على مستوى الأمة؛ لن نستطيع أن ننتصر على عدونا إلا إذا تمسَّكنا بإسلامنا، ولن نستطيع أن نقف أمام القوى الغاشمة إلا إذا اعتصمنا بالله وأطعناه وطبقنا أمره، أما على المستوى الفردي؛ فحتى في عملك لن تستطيع أن تنتصر على خصومك أو على منافسيك إلا إذا كنت مع الله عزَّ وجل طائعاً، مستسلماً، مؤتمراً بما أمر، منتهياً عما عنه نهى وزجر.

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ والنصر مطلق، أي مشكلة النصر فيها محبب، فالإنسان أحياناً ينتصر على مرضه، ينتصر على من يشاكسه، ينتصر على أقرب الناس إليه، ينتصر على أبعد الناس عنه، ينتصر في عمله، ينتصر في علاقته مع خصومه، مع الأقوياء، مع الضعفاء ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾


بطولة الإنسان لا أن ينتصر أن يحافظ على هذا النصر:


 لكن: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ هذه لها لفتةٌ لطيفةٌ جداً، يا ترى ثبّت الله أقدامنا فانتصرنا؟ أم انتصرنا فثبت أقدامنا؟ لبعض المفسرين رأيٌ رائع في هذه الآية في حكمة تأخير: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ كيف؟ فالحقيقة أن الإنسان حينما ينتصر أمامه مُنزلاقاتٌ خطيرة، فالبطولة لا أن تنتصر، البطولة لا أن تصل إلى قِمّة الجبل، فهذه بعض البطولة، ولكن البطولة أن تبقى في القمة، ما الذي يجعلك في الحضيض بعد أن بلغت القِمة؟ الكِبْر، الزُهوّ، التقصير في طاعة الله عزَّ وجل، فقبلَ يوم حنينٍ طبعاً كان المسلمون قد انتصروا وفتحوا مكة، فتح مكة كان فتحاً مبيناً، هذه المدينة التي ناصبت العِداء للنبي عليه الصلاة والسلام ولأصحابه عشرين عاماً، وكان عليه الصلاة والسلام بإمكانه أن يلغي وجود أهلها لكنه قال: 

((  اذهبوا فأنتم الطلقاء  ))

[ السيرة النبوية  ]

فهذه مكة التي ناصبت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه العداء عشرين عاماً فُتِحت وانتصر النبي وأصحابه نصراً حاسماً مُؤزَّراً عزيزاً، فماذا قال أصحاب النبي، وهم أصحاب النبي؟ وهم على ما هم عليه من حبٍ لله ورسوله، ومن وَرع، ومن تضحيةٍ وإيثار، قالوا: 

(( لن نُغلبَ اليومَ من قلةٍ. ))

[ مجمع الزوائد بسند ضعيف ]

شعروا بالزُّهوّ وهم أصحاب النبي، والنبي معهم قال:

﴿  وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾

[  سورة التوبة  ]


من انتصر عليه أن يعزو هذا النصر إلى الله عز وجل:


 إذاً البطولة لا أن تنتصر، بل أن تحافظ على هذا النصر بالتواضع، دخل عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً وقد كادت ذُؤابة عِمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عزَّ وجل، فالمنتصر أمامه منزلاقات خطيرة، فتصوّر من باب التمثيل؛ جبل له طرق صعبة جداً للوصول لقمته، طرق وعرة، ملتوية، فيها أكَمَات، فيها حُفَر، فيها صخور، فما إنْ وصلت إلى قمة الجبل حتى تنفَّست الصُعَدَاء، لكنك وأنت على قمة الجبل تجد طريقًا زَلِقاً مبلَّطًا ببلاط ثقيل مع آثار الصابون فرضاً، فأنت حين تصل إلى قمة الجبل تبذل جهداً لا حدود له، لكن الزهو وحده وأنت في قمة الجبل يجعلك في الحضيض، والكِبر يلقيك في الحضيض، الآن إذا انتصرت ورأيت أن المشكلة قد حُلَّت، وأنّ العدو قد خضع فربما تساهلت في تطبيق أمر الله عزَّ وجل، فللحضيض تنحدر، لذلك البطولة لا أنْ تصل إلى القمة، البطولة أنْ تبقى في القمة، لا أنْ تنتصر بل أنْ تحافظ على النصر، لذلك بعض العلماء يقول: ومعنى قوله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ بعد النصر، يثبّت أقدامكم على نتائج النصر، على مكتسَبات النصر، وأنت إذا انتصرت ينبغي أن تعزو هذا إلى الله عزَّ وجل، ينبغي أن تتواضع له، ينبغي أن تزداد تطبيقاً لأمر الله، فإذا فعلت هذا بعد النصر بقيت في القمة..


الغرور يودي بالمنتصر إلى الحضيض:


﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ القدم هي التي تَزِلّ، فالأصل أن يقال: ويثبّتكم لكن لأن القدم أداة الثبات وأداة الانزلاق جاءت كلمة القدم لتعبِّر عن الكِيان كله، وهذا في المجاز العقلي الاستخدام الجزئي ليعبّر عن الكل. 

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ تثبيت القدم الحفاظ على نتائج النصر بعد النصر، فهذه نقطةٌ دقيقة جداً، فآلاف الأشخاص، آلاف المؤسسات تبدأ بجهدٍ واضح، فإذا بلغت قمة النجاح تساهلت في مستوى البضاعة فانهارت وأصابها الكساد، ثم اختلف الشركاء وتفرقوا، وأُغلِقت هذه المؤسسة لماذا؟ لأنهم لم يحافظوا على النصر، فهؤلاء الذين يتحركون نحو العُلا، نحو القِمم، عليهم أن ينتبهوا إلى أن أخطاراً كبيرةً تنتظر من يصل إلى قمة النجاح، الغرور يودي بالمنتصر إلى الحضيض، الغرور، الزهوّ، الكِبر، المعصية. 


ما من إنسان إلا وتغمره سعادةٌ لا توصف حينما ينتصر:


 المؤمن لا يخشى من عدوه بل يخشى من ذنبه، لأن الأمر بيد الله، لكنه إذا أذنب ينبغي أن يدفع الثمن باهظاً، هذا معنى أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ أيْ يثبت أقدامكم بعد النصر، وبعضهم قال: عطفُ السببِ على المُسَبَّب، يثبت أقدامكم عطفَ الله السبب على المسبَّب، أي ينصركم لتثبيت أقدامكم، والمعنى الآخر جيد، لكن هذه الآية أصلٌ، فليس من إنسان إلا وتغمره سعادةٌ لا توصف حينما ينتصر، حتى ولو دخل امتحاناً وفاز فيه، لو نجح في امتحان، فالنجاح مُحبّب للنفوس والدليل: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ .


الله عز وجل لا يمنح النصر إلا بالعدل:


 إنك إن قرأت في التاريخ عن معركةٍ وقعت بين المسلمين وغير المسلمين وانتهت المعركة بانتصار المسلمين تشعر بالراحة، والغِبْطَة والسرور، وهي معركةٌ وقعت قبل ألف عام وقُطفت ثمار نتائجها، فكيف إذا كانت معركة معاصرة؟ أنت إذا سمعت أن هؤلاء الكفار اجتاحوا بلداً مسلماً تتألم أشد الألم وقد لا تحتمل هذه الأخبار، قال تعالى: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لكن النبي صلى الله عليه وسلم لشدة أدبه مع الله عزَّ وجل كان يدعو ويقول: 

((  اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك))

[ الحاكم في المستدرك  ]

 الموجبات، لأنك عادل يا رب فأنت لا تمنح النصر إلا بالعدل، لذلك لما وقف النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر يناجي ربه ويقول: 

(( اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا، قال: فما زال يَستَغيثُ ربَّهُ عزَّ وجلَّ ويَدْعوه حتى سَقَطَ رِداؤُهُ، فأتاهُ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فأخذ رِداءَهُ فرَدَّاهُ، ثم الْتَزَمَهُ مِن وَرائِهِ، ثم قال: يا نَبيَّ اللهِ، كَفاكَ مُناشَدَتُكَ ربَّكَ؛ فإنَّهُ سيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ. ))

[ أخرجه مسلم ]

 ليس معنى هذا أن ثقة الصديق بالنصر أشد من ثقة رسول الله، لكن المعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخشى أن يكون هناك تقصيرٌ في الإعداد؛ لأن الله لا يعطي إلا بالعدل، أن يكون هناك تقصير.


من أقام أمر الله عز وجل نصره الله و ذلل له كل الصعاب:


 فلذلك: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ ولو قرأتَ التاريخ الإسلامي من ألفه إلى يائه لوجدتَ هذا التاريخ كله تجسيداً لهذه الآية: كانوا يقيمون أمر الله عزَّ وجل فينتصرون، بمدينة فينا (عاصمة النمسا) لوحة في المتحف شهيرة، هذه اللوحة تصوِّر وصول محمد الفاتح إليها فاتحاً، الجُند الأتراك حينما كانوا متمسِّكين بإسلامهم فكانوا يشترون العنب من فتيات فيينا دون أن ينظروا إلى أولئك الفتيات، هكذا لوحة زيتية، كيف أن الجندي المسلم يشتري العنب من الفتاة دون أن ينظر إليها تطبيقاً لأمر الله عزَّ وجل، كادت فتوحات المسلمين من الشرق والغرب أن تفتح أوروبا بأكملها، لكن إن لم ننصره بتطبيق دينه فلن ينصرنا، وهذه حقيقةٌ ربانية.


من انتصر على نفسه نصره الله على عدوه:


 لهذا إذا دعوت في الخطبة فإني أقول: اللهم انصرنا على أنفسنا، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، لنبدأ بأنفسنا، لنقيم الإسلام في بيوتنا، اعمل مراجعة؛ فالزوجة هل ترضي الله عزَّ وجل حال كونها في البيت؟ هل يرضي اللهَ وضعُها خارج البيت؟ بناتك في البيت، هل تأمرهن بالصلاة؟ وأنت هل تتصرف في البيت كما أمر الله عزَّ وجل؟ فأنت حينما تقيم الإسلام في البيت وهذه مملكتك، وحينما تقيمه في عملك وهذا العمل مملكتك أيضاً، عندئذٍ يتولى الله عنك أمر كل ما لا تستطيع أن تصل إليه، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ(11)﴾

[ سورة الرعد ]

 فإذا كنت في بحبوحةٍ وأنت مستقيم، ولا تغير من استقامتك فلا يغير الله من بحبوحتك، وإن كنت في ضيقٍ غَيِّر من سلوكك وتصرفاتك إلى الأحسن حتى يغيِّر الله، هذا ملخص الملخص، إذا كنت في بحبوحةٍ لا تغير فلا يُغيُّر، وإن كنت في ضيقٍ غَيِّر حتى يُغَيِّر.


من أقام أمر الله عز وجل دافع الله عنه في عليائه:


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ مرة ثانية: هذه الآية تفهم على مستويين؛ على مستوى فردي وعلى مستوى جماعي، وحدك، بعملك، ببيتك، الله يقوِّيك، يُسبِغ عليك هيبةً، من هاب الله هابه كل شيء، ومن لم يهب الله أهابه الله من كل شيء، يروي أن الحسن البصري من كبار التابعين نفّذ أمر الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا التنفيذ لأمر الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أغضب الحجاج، فقال لأصحابه: "والله لأسقينَّكم من دمه، ائتوني به لأقطع رأسه، وجاء بالسيَّاف، ومُدّ النِّطْعُ، وطُلِبَ ليأتي لقطع رأسه، فلما دخل على الحجاج حرَّك شفتيه بكلامٍ لم يفهمه أحد، فما كان من الحجّاج إلا أن وقف وقال: أهلاً بأبي سعيد، واستقبله وما زال يقرّبه حتى أجلسه على سريره، وسأله عن صحته، واستفتاه في بعض القضايا، وتقول رواية: وعطّره، ثم ودّعه، وقال له مُودِّعاً: أنت يا أبا سعيد سيِّد العلماء، وشيَّعه إلى باب القصر".

 السيّاف الذي جِيء به ليقطع رأسه والحاجب صُعِقَا، فتبعه الحاجب عند خروجه وقال له: يا أبا سعيد لقد جِيء بك لغير ما فُعِل بك، فماذا قلت وأنت داخلٌ على الحجاج؟ قال قلت: "يا ملاذي عند كُربتي، يا مُؤنسي في وحشتي، اجعل نِقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم" . ما الذي بُدِّلَ في قلب الحجاج؟ جاء به ليقطع رأسه فأكرمَه، واستفتاه وأثنى عليه، ودعا له وشَيَّعه إلى باب قصره، أنت إذا أقمتَ أمر الله عزَّ وجل فالله في عليائه يدافع عنك، أنت مع من؟

﴿ قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45) قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)﴾

[  سورة طه  ]


من شعر أن الله معه عليه أن يطيعه و يقيم أمره:


 أين أنا؟ ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ إذا شعرت أن الله معك دائماً وأنه ناصرك دائماً، فما عليك إلا أن تطيعه فقط، ما عليك إلا أن تقيم أمره، ما عليك إلا أن تستلم له وعلى الله الباقي، لهذا جاءت الآيات:

﴿ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ(66)﴾

[ سورة الزمر  ]

 ما عليك إلا أن تعبده وانتهى الأمر، وانتهى كل شيء.


الشقاء والتعاسة عاقبة البعد عن الله والإقبال والتفاؤل عاقبة المؤمن:


﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(8)﴾

[ سورة محمد ]

 أما: ﴿تعساً لهم﴾ أوردَ القرطبي عشرة وجوهٍ في تفسيرها، فاتني أن آتي بها لكن أذكر بعضها: ﴿تعساً لهم﴾ أي شقاءً لهم، ﴿تعساً لهم﴾ أي خزياً لهم، ﴿تعساً لهم﴾ أي بعداً لهم، ﴿تعساً لهم﴾ أي تحقيراً لهم، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ﴾، أي الشقاء والتعاسة، والخِزي والعار، والبُعْد واللعن، والقلق والحيرة، والقهر، والحرمان، والوحشة، والضيق، كل هذا في البُعد عن الله عزَّ وجل؛ والأمن والطمأنينة، والثقة، والرضا، والإقبال، والتفاؤل في الإيمان بالله وطاعته.

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ كلنا قد حُكِمَ علينا بالموت، أبداً: "كل مخلوقٍ يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت".

واللّيــلُ مهمــــا طـــــــالَ   فلا بدّ من طُلـــوعِ الفجْــــرِ

والعُمــرُ مهمـــا طـَـــــالَ   فلا بدّ مـــن نُـــزولِ القَبـــرِ

****

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ   يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

[ كعب بن زهير ]

فـإذا حملتَ إلى القبـــــورِ جنــازةً    فـاعلمْ بأنّك بعدَهـــــــا محمـولُ

****


الذين كفروا أضل الله أعمالهم لكن المؤمن أعماله تنمو و ترقى به:


 ما الذي يبقى بعد الموت؟ العمل.

 الذين كفروا أضل أعمالهم، لكن المؤمن أعماله تنمو.

﴿ ضَرَبَ الَّلهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)﴾

[  سورة إبراهيم  ]

 النبي جاء بمفرده، بعثه الله لهذه الأمة، الآن بالعالم مليار ومئتا مليون مسلم، الخير يتوسَّع، فالمؤمن إذا آمن بالله واستقام على أمره له عمل مشرّف، له عمل ينمو، عمل يتوسَّع، فإذا الإنسان دعا إلى هدى فكل من استفاد من هذا الهدى في صحيفته، أما الكافر:

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا(23)﴾

[  سورة الفرقان  ]

 تجد طاقاته الفكرية، عمله، أمواله، حركته هذا كله يتبدد، لا وجود له، هذا معنى ﴿فأحبط أعمالهم﴾ ، إن كانت فيما يبدو طيبة لا أجر لهم بها، أرادوا بها الدنيا، وإن كانت سيئة بحكم طبيعة البشر ينبذونها، و كل شيء سيِّئ منبوذ، الناس ينفِرون منه.


شعور الكافر بالتعاسة في كل أحواله:


﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ ألا تكفي هذه الآية؛ أن الكافر يشعر بالتعاسة، وقد يؤكد هذا المعنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: 

((  تعس عبد الدرهم والدينار، تعس عبد الفرج، تعس عبد البطن، تعس عبد الخميصة  ))

[  البخاري  ]

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ(9)﴾

[ سورة محمد ]

 أيْ هذه السعادة في النصر وهذا الشقاء في الخذلان.


الجاهل يرى أن حدود الشرع حدودٌ تقيِّد حريته:


﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ أيْ الكفار ﴿كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ الصحابة الكرام أخبر الله عنهم بأنهم يفرحون بما نُزِّلَ عليهم، كلما جاء الوحي يشرِّع لهم أمراً أو يحذرهم من أمر، يأمرهم بأمر، ينهاهم عن أمر يفرحون به، أي سمت نفوسهم حتى اقتربت من مستوى الشرع، لكن الكافر تتوق نفسه للشهوة ويسلك فيها طرقاً غير مشروعة، لذلك يشعر بأن الشرع يقيِّدُهُ، يكره أحكام الشرع، وقد يتضح من هذا أن المؤمن يرى أحكام الشرع ضماناً لسلامته، كما لو أن إنسانًا مشى في طريق فإذا بلوحةٍ: ممنوع المرور؛ حقل ألغام، هل يشعر هذا الإنسان المواطن بحقد على من وضع هذه اللوحة؟ لا أبداً بالعكس، يمتن لأن هذه اللوحة تضمن له سلامته، فإذا رأيت أن هذه اللوحة التي فيها منع، ورأيت أن فيها قيداً لحريتك فأنت لا تعرف الحقيقة، الجاهل يرى أن حدود الشرع حدودٌ تقيِّد حريته، يحب أن يتفلَّت، مع أن الحقيقة الدقيقة أنه على نور.


حياة المؤمن حياة مقيَّدة بالمنهج و الأمر والنهي:


 الله عزَّ وجل قال:

﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5)﴾

[ سورة البقرة ]

 ﴿عَلَى﴾ تفيد العلو، الهُدى كله قيود؛ عليك بغض البصر، عليك بصدق الحديث، أداء الأمانة، صلة الرحم، عليك أن تؤدي الصلوات، هذه حرام، هذه حلال، هذا ممنوع، هذا مكروه، هذه فيها شُبهة، حياة المؤمن بحسب الظن كلها قيود، وكلها مناهج، وكلها مبادئ ومع ذلك فهذا الهدى على ما فيه من قيود فإنها تطلقه إلى العلو.

﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى﴾ على ما في الهدى من قيود، ومن أوامر ونواهٍ، افعل ولا تفعل، واجب، فرض، مندوب، مستحب، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام، كل شؤون الدنيا تتعاورها هذه الأحكام الخمسة، فحياة المؤمن حياة مقيَّدة بالمنهج، مقيدة بالأمر والنهي، ومع ذلك هذه القيود تجعله طليقاً.


الانطلاق في الحرية تنتهي بالمتفلت إلى القيد والفتك:


﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38) إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39)﴾

[ سورة المدثر  ]

 طلقاء، فالقيود تنتهي بك إلى الانطلاق والعلو، والضلال يبدو للناظر أن الضال إنسان حر؛ يفعل ما يشاء، يأكل ما يشاء، يذهب إلى أي مكانٍ يشاء، يلتقي مع من يشاء، يمارس المتعة كيفما يشاء، ومع ذلك فهذه الحرية، وهذه الانطلاقة في المعصية تنتهي به إلى القيد.

﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (22)﴾

[ سورة الزمر  ]

 فالمعنى المستفاد من كلمة ﴿على﴾ ومن كلمة ﴿في﴾ أنّ الهدى على قيوده يرفعك، والضلال على طلاقته يقِّيدك، إما في كآبة، أو في مرض نفسي، أو في سجن، أو في قهر، أو في مرض، أو في مصير أسود.


ما من معصية في الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله عز وجل:


 لذلك: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ أيْ خرجوا عن منهج الله، والشيء الثابت أنه ما من مشكلةٍ على الإطلاق في الأرض إلا وراءها معصية، خروج عن منهج الله، من يعمل في الأمن الجنائي عندهم قاعدة، إذا بُلِّغوا عن جريمة، يقولون لك: فتش عن المرأة، هذه القاعدة عدَّلتُها فقلت: إذا رأيت مشكلة في الأرض فتِّش عن المعصية، هذه المشكلة وراءها معصية، وراءها خروج عن منهج الله عزَّ وجل، فتش عن المعصية تُحَل المشكلة، هذه القضية سببها تلك المعصية ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ 


من كفر بالله عز وجل حبط عمله في الدنيا و الآخرة:


 طبعاً عندنا دليل عملي:

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا(10)﴾

[ سورة محمد ]

 أخبرنا الله أن الذي يكفر بالله ويكفر بأمره ونهيه يُحْبِطُ عمله، ويصبح عمله منحطّاً، دنيئاً، خسيساً، مُحتقَراً، أو يحبط عمله ولو كان صالحاً؛ لأن نيته الدنيا وقد أصابها وانتهى الأمر، تعلَّمت العلم ليقال عنك عالم وقد قيل خذوه إلى النار ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ .


من يتعدى بذاته يدمره الله عز وجل:


 إذًا هناك دليل عملي: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7)﴾

[ سورة الفجر  ]

 الفراعنة أين هم؟ قوم عادٍ وثمود أين هم؟ هذه الأقوام التي آتاها الله قوةً وأشادت الأبنية، لا يزال بناء الأهرام سرّاً حتى الآن، كيف وصلوا إلى هذا البناء الشامخ، كيف نُقِلَتْ الأحجار؟ كيف صُمِّمت هذه الخطوط؟


الدمار ينتظر كل إنسان خرج عن منهج الله وكفر به:


 لذلك: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ طبعاً دمَّر فعلٌ متعدٍ، يتعدى بذاته تقول: دمّره الله، أما هنا: دمر عليهم، قال علماء التفسير: "دمّر عليهم" بمعنى أنه دمَّرهم، ودمر ممتلكاتهم، ودمر أموالهم، ودمر بيوتهم، ودمر آثارهم، أحياناً يأتي زلزال لا يبقي ولا يذر، أحياناً إعصار لا يبقي حجراً فوق حجر.

﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ الشيء الدقيق في الآية أن هذه المواعظ وهذا التاريخ الذي يريده القرآن الكريم وكيف أهلك الأمم مهما كانت قويةً، هذا المصير ينتظر كل إنسان خرج عن منهج الله وكفر بما عند الله ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ .


المؤمنُ في عين الله عزَّ وجل مادام مقيماً لأمره ملتزماً بطاعته:


﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ(11)﴾

[ سورة محمد ]

 تصوّر؛ أب في أعلى مستويات العلم والقدرات المالية، والذكاء، والفهم، وله ابن يربِّيه أعلى تربية؛ يتابع نموه الجسدي، يتابع أسنانه فإذا تراكبت يذهب به رأساً إلى مقوِّم الأسنان، يتابع أجهزته، يتابع دراسته، يتابع ألفاظه، حركاته، عاداته، ترى هذا الابن تسلَّطت عليه عناية فائقة، لأن له ولياً، له ولي عظيم، وعاقل، ومربٍ، وغني، ومقتدر، فكل طاقات الأب وخبراته في الحياة كلها تُصَب للعناية بابنه هذا، وتصور: طفل ليس له أب وليس له أهل، وفي الأزقة لا أخلاق ولا علم ولا عادات، منحرف، ذاك ابن له من يربيه، وهذا ليس له من يربيه، هذا المعنى القريب، أيضاً المؤمنُ في عين الله عزَّ وجل، ولقد قال ربنا عزَّ وجل: 

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48)﴾

[ سورة الطور ]

 طبعاً هذه الآية للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكنها في الوقت نفسه لكل مؤمنٍ بحسب إيمانه وإخلاصه وطاعته، أنت بعناية الله عزَّ وجل، أنت تحت ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، أنت بتوفيق الله، وبتأييد الله، وبنصر الله.


الله مع المؤمن في التوفيق والتأييد والنصر والعَوْن:


 حتى الآيات الكريمة:

﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾

[  سورة الأنفال  ]

﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)﴾

[  سورة التوبة  ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾

[  سورة البقرة  ]

 هذه معية خاصة أيها الإخوة، ومعنى المعية الخاصة أي أن الله مع المؤمن في التوفيق والتأييد والنصر والعَوْن، أما إذا قال الله:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)﴾

[ سورة الحديد ]

 هذه مع أيَّ مخلوق بالعلم، معهم بعلمه، لكن مع المؤمنين بتوفيقه وتأييده ونصره وإنجاحه..


الله عز وجل وليّ الذين آمنوا:


﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا(10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ(11)﴾

[ سورة محمد ]

 الآية الكريمة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾

[  سورة فصلت  ]

 الآن دقق:

﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31) نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)﴾

[  سورة فصلت ]

 ماذا تشعر إذا قال الله: يا عبدي أنا وليُّك؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ لا يوجد معك أحد، يجب أن يشعر المؤمن إذا تلا هذه الآية بقشعريرة.


من استقام على أمر الله نقله من حال إلى حال:


﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ عليك أن تؤمن وأن تستقيم، والله وليُّك، فلا تخف، ولا تحزن، ولا تخشَ أحداً، ولا تخشَ إلا ذنبك. 

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ينقلك من حالٍ إلى حال، من منزلةٍ إلى منزلة، من مقامٍ إلى مقام، من توفيق إلى توفيق، من نصر إلى نصر، الله وليك، اجعل هذه الكلمة هدفاً: إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ يا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟  

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ(12)﴾

[ سورة محمد  ]


حياة الكافر حياة متعة ليس لها أثر مستقبلي إطلاقاً:


 حياة الكافر حياة متعة، والمتعة الشيء الطارئ، لذة طارئة ليس لها أثر مستقبلي إطلاقاً، لذةٌ عابرة ليس لها مردود.

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ دابةٌ في النهار جيفةٌ في الليل، في النهار دواب، في الليل جِيَفْ، هؤلاء الذين كفروا؛ لا صلاة، ولا ذكر، ولا تلاوة؛ ولا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، ولا مجلس علم، ولا فهم لكتاب الله، ولا فهم لسنة رسوله، كالبهائم، وأساساً فالإنسان من دون علم كالبهيمة، بهيمة فلتانة غير منضبطة، وهناك بهائم ملجومة، كما أن هناك بهائم برية شاردة هائمة.

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ هذه الآية إن شاء الله تعالى نعود إليها بالتفصيل في درسٍ قادم.

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور