وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة محمد - تفسيرالآيات 12-15 موازنة بين الحق والباطل
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثالث من سورة محمد صلى الله عليه وسلَّم.


انقسام البشر إلى فريقين: فريق إلى الجنة، و فريق إلى النار:


 مع الآية الثانية عشرة وهي قوله تعالى: 

﴿  إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ(12)﴾

 ففي النهاية ينقسم البشر جميعاً إلى فريقين؛ فريقٍ يدخل الجنَّة ففيها: 

((  ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمِعَت، ولا خطر على قلب بشر ))

[  متفق عليه عن أبي هريرة ]

 إلى أبد الآبدين، ولك أن تفهم الأبد كيفما شئت، على كلٍ أكبر رقم يمكن لعقلٍ بشري أن يتصوَّره إذا نُسِبَ إلى الأبد أصبح صفراً، لو أن هناك رقماً من الأرض إلى القمر أصفار، ثلاثمئة وستون ألف كيلو متر أصفار، أو رقماً من الأرض إلى الشمس؟ مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر أصفار، كل ميليمتر صفر، إلى الشمس، لو أن هناك رقم من الأرض إلى المجرَّة مليون سنة ضوئيَّة كله أصفار بعد الرقم (1) هذا الرقم إذا قيس إلى اللانهاية تجده صفرًا، فما هو الأبد؟ 


على الإنسان ألا يضيع آخرته بدنياه:


﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ لو أن إنساناً آثر الحياة الدنيا بِضْع سنوات، الإنسان متى يستقر نفسياً؟ بعد أن يُنْهي دراسته، وبعد أن يؤسِّس عملاً، وبعد أن يتزوَّج، وبعد أن يشتري بيتاً، يعني بعد الزواج وتأمين العمل وشراء المنزل، وقد توفّر له ثابت، وصار ذا مكانة، واستقرار عائلي، فمن الآن بدأت حياته، كم سنة؟ سنوات معدودة قد لا تزيد على عشر سنوات، قد لا تزيد على عشرين عاماً، من أجل هذه السنوات العشرين نُضَيّع الأبد؟ من أجل بضع شهواتٍ، من أجل أن نكسب مكسباً محدوداً نتركه عند الموت نضيع الأبد؟


إيمان الإنسان من دون عمل صالح لا قيمة له إطلاقاً:


 ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أيها الإخوة الأكارم، في الأعمِّ الأغلب إن كلمة الإيمان أُرْدِفَت في القرآن الكريم بالعمل الصالح، الإيمان بلا عمل لا قيمة له إطلاقاً ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ والعمل الصالح من معانيه الاستقامة على أمر الله، من معانيه البذل والعطاء، وأن تنفق مما أعطاك الله عزَّ وجل.  

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هذا الوعد من الله يُنسي المؤمن كل متاعب الحياة الدنيا، الإنسان إذا رأى مقامه في الجنَّة يقول: "لم أرَ شرَّاً قط" ، لو أن حياته كلها كانت مشحونةٌ بالمتاعب؛ فقر، مرض، ضيق، ضغط، شدَّة، مهما كانت حياة المؤمن كلها مشحونةٌ بالمتاعب فإذا جاء أجله ورأى مقامه في الجنَّة يقول: "لم أرَ شرَّاً قط".


من نجا من عذاب الآخرة لا قيمة لمتاعب الدنيا عنده:


 نحن أيها الإخوة، في دار تنقية، دار ابتلاء، دار امتحان، في دار عمل، كل متاعب الحياة الدنيا ليست بشيء أمام أن ترى نفسك قد نجوت من عذاب الآخرة:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 هذا المعنى، المؤمن يوطِّن نفسه على تحمُّل بعض المشاق، على تحمّل بعض المتاعب، على الصبر على معالجة الله له؛ لأن الله رب العالمين هو الذي يعالج عباده المؤمنين؛ يُنَقِّيهم، يطهِّرهم، يرقى بهم من حالٍ إلى حال، من مقامٍ إلى مقام، من منزلةٍ إلى منزلة، من مستوى إلى مستوى. 

أنا أعطيك الدليل: أليس لك صديقٌ في سِنِّك تماماً، يمشي في طريقٍ آخر غير طريق الدين؟ بعد حين التقِ به واستمعْ إليه تعرف نعمة الله عليك، قد ترى ضيق أفقه، قد ترى شركه، قد ترى دناءة نفسه، قد ترى تَعَلُّقه بالدنيا، قد ترى ضعف إيمانه بالله، قد ترى مُزاحاً له لا يُرضي، إذًا لا تعرف قيمة الإيمان، وقيمة الطُهر، وقيمة السمو إلا إذا رأيت إنساناً آخر يمشي في طريقٍ آخر. 


وعد الله عز وجل للإنسان بالجنة يلغي كل متاعب الحياة الدنيا عنده ويبددها:


 فيا أيها الإخوة الأكارم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ﴾ أيْ إنّ هذا الوعد يمتص كل متاعب الحياة الدنيا، ذكرت مرَّةً مثلاً يقرِّب هذا المعنى: إنسان دخله قليلٌ جداً، عنده ثمانية أولاد، ودخله لا يزيد على ألفٍ وخمسمئة ليرة في هذه الأيام، وبيته مستأجر، حياته ضيّقة جداً، طعامه خَشِن جداً، بيته صغير جداً، له عمٌ مثلاً يملك خمسمئة مليون، ليس له أولاد وتوفي فجأةً بحادث، ألم تنتقل كل هذه الثروة لهذا الفقير فجأةً؟ بقي عاماً إلى أن قبض المبلغ الأول، لماذا هو في هذا العام من أسعد الناس؟ مع أن حياته هي هي، وطعامه هو هو، وبيته هو هو، لم يتغيّر في حياته شيءٌ إطلاقاً، ومع ذلك تراه من أسعد الناس؛ لأنه دَخَلَ في الوعد الحقيقي، كل هذه الثروة آلت إليه، وبقي أشهراً حتى يقبض هذه المبالغ الطائلة، إذاً هذا الوعد بهذا الغنى الكبير في نظره طبعاً يُنسيه كل متاعب دنياه.

وكذلك حال المؤمن، فحينما يعده خالق الكون بجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض فهذا الوعد يلغي كل متاعب الحياة الدنيا، يقول المؤمن: والله أنا راضٍ يا رب، راضٍ عن كل شيء. 


المؤمن راض عن كل ما قدّره الله له:


 لذلك أحد الأشخاص كان يطوف حول الكعبة ويقول: "يا رب هل أنت راضٍ عني؟" كان وراءه الإمام الشافعي فقال: "يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟" فوقف وقال: "من أنت سبحان الله؟ من أنت يرحمك الله؟" قال: "أنا محمدٌ بن إدريس" قال: "ما هذا الكلام؟ كيف أرضى عن الله وأنا أتمنّى رضاه؟ ما فهمت هذا الكلام" ، فقال الإمام الشافعي: "إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله" . المؤمن يرضى بقضاء الله وقدره، يرضى بنصيبه من الله عزَّ وجل، المؤمن راضٍ عن الله عزَّ وجل.

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ هذا الفريق الأول.


الكافر من أنكر وجود الله عز وجل:


 وأما الفريق الثاني، قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ ما عرفوا ربَّهم، ما عرفوا منهجه، وأنكروا؛ إما أنكروا وجود ربهم، أو أنكروا أسماءه، أو أنكروا ألوهيته، آمنوا بأنه خلق لكنهم لم يؤمنوا بأنه فَعَّال، فهو معهم أينما كانوا، والأمر كله بيده، فمن آمن بالله خالقاً ولم يؤمن به مربياً ومسيّراً ما عبده، إنه يعبد الذي يراه فعَّالاً في حياته.

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ فالأنعام، حيوانات همّها الطعام والشراب، تأكل بلا قيد، وكلَّما سَمِنَت اقترب وقت ذبحها، تأكل لتُذبَح، الأغنام تُسَمَّن لا من أجلِها، لا من أجل صحَّتها، لا، بل تسمَّن من أجل أن تُذبَح. 


الكافر يتمتَّع بالدنيا والمؤمن يتزوَّد منها:


 هؤلاء الذين كفروا ﴿يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ فالكافر يعيش ليأكل، والأرقى من هذا قليلاً: الغافل الذي يأكل ليعيش، والأرقى من هذا وذاك الذي يعيش ليعرف الله عزَّ وجل، يعيش ليعرف الله، لذلك قالوا: "المؤمن يتزَّود، والمنافق يتزيَّن، والكافر يتمتَّع" المؤمن يتزوَّد؛ يتزوَّد من الدنيا بما يعينه على متابعة السير، يتزود من الدنيا بما يعينه على طاعة الله، يتزود من الدنيا ما يعينه على العمل الصالح، والمنافق يتزيَّن؛ قيمته متاعه، أما الكافر يتمتَّع؛ متعته في الحياة الدنيا هي كل حياته، ولا شيء عنده فوق ذلك، لهذا قال عليه الصلاة والسلام: 

((  تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ. ))

[   أخرجه البخاري ]

 أيْ عبد الثياب. 

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ أولاً: حياتهم كلها متع ليس فيها أعمال، وليس فيها مبادئ، وليس فيها قِيَم، إنما هي متعٌ فارغة تنقضي بانقضاء الحياة الدنيا، وبعدئذٍ يواجهون تبعات أعمالهم. 


ليس للإنسان من ماله إلا الذي أنفقه طاعات وصدقات و قربات:


 أيها الإخوة الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((  ليسَ لكَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ. ))

[  مسند أحمد ]

 تصوَّر: شخص عنده مئة مليون، ينفق على طعامه كم في السنة؟ وعلى لباسه كم؟ وبكم يتصدَّق؟ له من هذا المبلغ الطائل المبلغ الصغير الذي أكل منه، ولبسَ منه، وتصدَّق منه، هذا المبلغ الصغير ثلاثة أقسام؛ الذي أكله فني، والذي لبسه بلي، ما بقي من القسم الذي له إلا الثلث، إن كان تصدَّق بالثُلث، وما تبقى محاسَبٌ عنه حساباً دقيقاً، كيف اكتسبته؟ وكيف أنفقته؟ لذلك المال: ما انتفعت به، والكسب: الذي اكتسبته دون أن تنتفع به، اكتسبته وأنت محاسبٌ عليه..

 تصوَّر إنساناً استقرض قرضاً كبيراً، وبعد أن استقرض هذا القرض ضاع منه، لقد وقّع سندات، فعليه تبعة هذا القرض، وعليه أن يؤدِّي هذا القرض دون أن ينتفع به، بالضبط هذا معنى الكسب، أي أنك بذلت جهداً كبيراً، اكتسبت مالاً وفيراً، أودعته في جهةٍ ما، لم تنتفع به إطلاقاً لكنك مُحاسَبٌ عليه كيف كسبته؟ وكيف أنفقته؟ أما الذي لك، فالذي أكلته يفنى، والذي لبسته يبلى، ويبقي الذي أنفقته، يعني من كل ثروتك ليس لك إلا الذي أنفقته في سبيل الله، والباقي فني وبلي وضاع، لذلك قالوا: "أندم الناس غنيٌّ دخل ورثته بماله الجنَّة، ودخل هو بماله النار، وأندم الناس عالمٌ دخل الناس بعلمه الجنَّة ودخل هو بعلمه النار" .


الإنسان على الرغم من قوَّته الله عزَّ وجل قادرٌ على أن يحطِّمه في أية لحظة:


﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ المؤمن يأكل بمِعىً واحدة، والكافر يأكل بسبعة أمعاء، أيْ أنّ همّه الطعام والشراب.

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ(13)﴾

[ سورة محمد ]

 أيْ مع الله لا أحد قوي، ومع الله لا أحد غني، الإنسان على الرغم من قوَّته المزعومة أو من ذكائه الموهوم، فالله عزَّ وجل قادرٌ على أن يحطِّمه في أية لحظة.  


من عظمة الله عزَّ وجل إهلاك القرى الظالمة بانهيار ذاتي:


﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ أيْ وكم من قريةٍ، هذه كم تكثيريَّة: ﴿هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ وقد تقرأ في التاريخ الحديث عن دول عُظْمى أشد من معظم الدول الأخرى، ومع ذلك تملك أسلحة نوويّة تكفي لتدمير الأرض خمس مرَّات. 

﴿أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ ما أهلكناهم بتسليط عدوٍ خارجي عليهم، لا، بل أهلكناهم ذاتياً، أهلكناهم بانهيار ذاتي داخلي، وهذا من عظمة الله عزَّ وجل، وأحياناً إذا زال الشيء العظيم بشيءٍ عظيم نقول: القضيّة معقولة، أما أن يتلاشى الشيء العظيم بسببٍ تافه! قال بعضهم: "عرفت الله من نقض العزائم"


حياة المؤمن حياةٌ متميّزة بقيمها وأهدافها النبيلة:


 المؤمن يأكل أيها الإخوة ويشرب، وينام، ويتزَّوج، ويعمل، ويستمتع أحياناً بالمباح، بما أباحه الله له، لكنه مع استمتاعه يبقى هادفاً، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(104)﴾

[ سورة النساء ]

 لكن ﴿وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾ المؤمن إذا تزوَّج يرجو من الله ما لا يرجوه غير المؤمن، إذا أسَّس المؤمن عملاً فهو يرجو من عمله أن يكون داعيةً بعمله لا بلسانه، هذا المسلم؛ صدق، أمانة، إخلاص، خدمة، قناعة، رحمة، فالمؤمن إذا تزوَّج يرجو من الله ما لا يرجوه الكافر، والمؤمن إذا عمل عملاً، وأسَّس عملاً يرجو من عمله ما لا يرجوه الكافر، وحياة المؤمن حياةٌ متميّزة بقيمها، وبأهدافها النبيلة، وبانضباطها بقواعد الشرع، فحياته انضباط وقيم وأهداف. 


المتعة المشروعة ليست حراماً:


أيها الإخوة، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( إياك والتنعُّم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعّمين. ))

[ مسند الإمام أحمد بسند ضعيف ]

 الحديث متعلِّقٌ بهذه الآية، التنعُّم هنا أن تجعله هدفاً في حياتك، هذا يتنافى مع حقيقة الدنيا، يتنافى مع كون الدنيا دار عمل، دار إعداد، دار سعي، لكن الإنسان أحياناً يكرمه الله بمتعةٍ بريئةٍ، أي أن الإنسان عندما يتزوج، وينجب أولاداً، ويعمل عملاً شرعياً فيكسب مالاً، قد يأكل طعاماً طيِّباً، وقد يجلس مع أهله ساعةً لطيفةً، قد يُداعب أولاده مساءً هذه متعة ولكنها متعة بريئة، متعةٌ أتتك عرَضاً، قدَّرها الله لك من أجل أن تتابع مسيرة العمر، فالإنسان في السفر، والسفر طويل وشاق، من حين لآخر يستريح، هذه الراحة في أثناء السفر لصالح السفر، لصالح متابعة الطريق، لصالح تجديد النشاط، لذلك المتعة المشروعة ليست حراماً.

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(32)﴾

[ سورة الأعراف ]

 طبعاً هذه المتع التي سمح الله لنا بها كالطعام والشراب مثلاً، فالطعام له نكهات طيِّبة، فهل المؤمن لا يحس بطعم الطعام؟ لا إنه يحس بطعمه، سيدنا عمر مرَّة قال: "والله إني لأذْوَق منكم" ، المؤمن عنده إحساس مرهف، لكن المؤمن يتمتَّع عرَضاً دون أن تكون المتعة دَيْدَنَهُ، دون أن تكون زينة الحياة الدنيا هدفه، الله عزَّ وجل يُقَدِّم له متعةً بريئةً طيّبةً طاهرةً نظيفةً في أثناء هذا الطريق الشاق الطويل وهو في طريق معرفة الله عزَّ وجل والسعي للدار الآخرة، يتمتَّع، ولكنها متعةٌ تعينه على متابعة الطريق، أما أن تُتَّخذ المتعة دَيدَناً وهدفاً ومبدأً فهذا هو الذي لا يريده الله عزَّ وجل، وهذا هو المقصود من قول النبي الكريم: (إياك والتنعُّم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعّمين) 

﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ النبي عليه الصلاة والسلام حينما خرج من مكَّة قال:

((  أمَا واللهِ إني لأَخرجُ منكِ وإني لأعلمُ أنك أحبّ بلادِ اللهِ إلى اللهِ، وأكرمهُ على اللهِ؛ ولولا أهلكِ أخرجُوني منك ما خَرجتُ. ))

[ أخرجه الترمذي ]

 فالهجرة قضيّة عميقة جداً، الإنسان حينما يهاجر تُقَطَّع جذوره، أو تُقتَلع جذوره، الإنسان في بلده له مكانة، أما إذا خرج منها إلى بلدٍ لا يعرفه... ومع ذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام ضرب لأمَّته المثل الأعلى في التضحية، من أجل الدعوة نرضى بكل شيء، من أجل الفوز بالآخرة مهما بلغ الثمن ندفعه، ولو كان الثمن أن ندع الأرض التي وُلِدنا عليها. 

﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا(66)﴾

[ سورة النساء ]

 فالإنسان بفطرته يتعلَّق بموطنه، ومع ذلك إذا كان يُرْضي الله عزَّ وجل أن تغادر بلدك إلى بلدٍ آخر تُقام فيه شعائر الدين، وتنجو بدينك فهذا أمرٌ مشروع.


عدم استواء المؤمن مع الفاسق:


 ثم يقول الله عزَّ وجل: 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)﴾

[ سورة محمد ]

 دقق النظر في هذه الموازنة، فهناك آيات كثيرة تشبه هذه الآية.. 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ(18)﴾

[ سورة السجدة  ]

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)﴾

[ سورة القلم  ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾

[  سورة القصص  ]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾

[ سورة الجاثية  ]


من يتمتع بعقيدة صحيحة يضع يده على حقيقة الكون و الإنسان:


﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ إنسان يعتقد عقيدةً متينةً أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون، وأنه ربُّ العالمين، وأنه الفعَّال لما يريد، ويعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا إله إلا الله، وأنه كاملٌ في أسمائه الحسنى وصفاته الفُضلى، ويعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام سيّد الخلق وحبيب الحق، وأنه المثل الأعلى والقدوة لنا، وأنه معصومٌ في أقواله وأفعاله، وأنه الإنسان الكامل، وأن كل ما أمرنا به هو عين الحق، وكل ما نهانا عنه هو عين الباطل، ويعتقد أن لله ملائكةً يكتبون كل أعمالنا، ويعتقد أن هذا المنهج، هذا الكتاب هو من عند الله فيه خبرنا، وخبر مَن قبلنا، وخبر مَن بعدنا، فيه أمْرٌ ونَهْيٌّ، ووعدٌ ووعيد، وحرامٌ وحلال، فيه غيب الماضي، وغيب الحاضر، وغيب المستقبل، والذي يعتقد أن الله سبحانه وتعالى عادلٌ في كل أفعاله، حكيمٌ وقديرٌ، ولطيفٌ ورحيمٌ، هذا الذي يعتقد هذه العقيدة الصحيحة، المُطابقة للواقع، التي لا يمكن أن تُنقَض في يومٍ من الأيَّام، بينما أيُّ مذهبٍ وضعي من المحتمل جداً أن يأتي رأيٌّ آخر ينقضه، إذا اعتقدت بنظريّةٍ ليست في كتاب الله فمن البديهي جداً أن تأتي حقيقةٌ فتنقضها، فلذلك هذا الذي يتمتَّع بعقيدةٍ صحيحة، ويفهم فهماً عميقاً، وقد وضع يده على حقيقة الكون والحياة والإنسان، ثم هو يطيع الله عزَّ وجل.


أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ: آية لها معنيان:


﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ فمثلاً: شخص يمشي في طريق وله عينان مبصرتان، يرى بهما الأكَمَة والحفرة، والشيء النافع والشيء الضار، ومعالم الطريق، وخبايا الطريق، يمشي مطمئن النفس لأنه يرى، يرى حقيقة الأشياء، هذا الذي يمشي مطمئنَّاً لما يتمتَّع به من رؤيةٍ صحيحة ونظرٍ ثاقب، فهل هذا يشبه إنساناً أعمى يتخبَّط في مشيته، يتعثَّر في مشيته، تصدمه شجرة ويقع في حفرة، ويدوس على حشرةٍ مؤذيةٍ؟ قال: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾

1ـ الشيطان عن طريق الوسواس يزيّن للإنسان عمله:

 المفسِّرون في هذه الآية لهم رأيان:

 الرأي الأول: أن الشيطان عن طريق الوسواس يزيّن له عمله، أي توجد عندنا مصيبتان، المصيبة الأولى أن عمله سيئ، والمصيبة الأسوأ أنه يرى عمله حسَناً؛ ويزعم قائلاً: نحن مستنيرون، نحن تركنا هذا الشيء القديم، الغيبيَّات، نحن في عصر العلم، في عصر المساواة، فيغطّي كل معاصيه بكلماتٍ برَّاقة، فالمصيبة مصيبتان، الأولى أن عمله سيئ، والمصيبة الثانية أنه يتصوَّر أن هذا العمل السيئ هو عملٌ طيّب، قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ نعوذ بالله من أن نتوهَّم الأعمال السيئة أعمالاً طيّبة. 


من أخطأ و له عقيدة صحيحة سرعان ما يتوب إلى ربه:


 إخواننا الكرام، المشكلة إنَّ الإنسان إذا أخطأ وله عقيدة صحيحة فالقضيّة سهلة جداً، لماذا هي سهلة؟ لأنه سريعاً ما يتوب من خطئه، إنسان يعلم أن هذا الشيء يؤذيه لا يفعله، فإذا فعله مغلوباً ففي الأرجح فإنه في المرَّة القادمة لا يفعله، وإذا فعله ثانيةً في الأرجح فإنه في المرَّة الثالثة لا يفعله، لكنك إذا اعتقدت أن هذا الذي تفعله عين الحق، وعين الصواب، وهو الشيء الجيد فهذه هي المصيبة، المصيبة ألّا تدري وألاّ تدري أنك لا تدري، المصيبة أن يكون العمل سيئاً وأن تراه حسناً، لذلك سيّد الخلق وحبيب الحق حينما كان يدعو الله عزَّ وجل -وأدعية النبي علم- كان يقول: "اللهمَّ أرنا الحقَّ حقَّاً .. لأن هناك من يرى الحق باطلاً.. وارزقنا اتباعه" 


أعظم نعمة على الإطلاق ينالها الإنسان هي نعمة الهدى:


 ما قيمة الرؤية الصحيحة من دون عمل؟ "اللهمَّ أرنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه" معنى ذلك أن هناك من يرى الحقَّ باطلاً والباطل حقَّاً، ألم تلتقِ مع إنسانٍ يرى أن الدين كلَّه قضيّة قديمة ليست صالحة لهذا العصر؟ ألم تستمع إلى من يقول: الدين أفيون الشعوب؟ ألم تستمع إلى من يقول: هذه التفرقة بين الجنسين شيء قديم لا يليق بعصرنا هذا؟ ألا ترى من يقول: إن مظاهر العبوديّة لله عبارة عن ضعف بشري أمام قوى الطبيعة المخيفة؟

 نعمة الهدى؛ تفوق نعمة الصحَّة، وتفوق نعمة المال، وتفوق نعمة القوَّة، لأن الصحَّة تزول بالموت، والمال يزول عند الموت، والقوَّة تتلاشى عند الموت، أعظم نعمةٍ على الإطلاق هي نعمة الهدى، لذلك النِعَم التي دون الهدى لا تتم إلا بالهدى، الهدى واحد، والصحة صفر فصار الرقم عشرة، مهتدٍ وصحيح، ومعه مال يكفيه هذا صفر ثانٍ فصار رقمه مئة، مهتدٍ وصحَّته طيبة ومعه ما يكفيه، الهدى واحد والمال صفر والصحَّة صفر ثانٍ، وله مكانة اجتماعيّة، واللهُ آتاه طلاقة لسان، آتاه ذكاء، آتاه حسن تصرُّف، آتاه زوجة صالحة، آتاه أولاداً أبراراً، كل نعمة صفر، ولكن لا تنسى أن هذه النعمة الأولى التي هي واحد هي نعمة الهُدى، لو ألغيتها فما عندك إلا أصفار، لذلك قالوا: تمام النعمة الهدى.


من أصابه الهدى و الصحة و الكفاية ما فاته من الدنيا شيء:


 أحياناً تجد أخًا يقول لك: الله مفضِّل، فقد منّ عليه بمال، وهو ساكن في بيت، ويتوافر لديه من الطعام ما لذَّ وطاب، وعنده مركبتان أو ثلاث، وله أولاد في خدمته، لكنَّك لو جلست معه لوجدت في عقيدته خللاً، لا يؤدي العبادات أحياناً، له ظنٌّ بالله سيِّئ، إذا كنت مؤمناً حقاً ترى أن كل هذه النعم التي هو بها لا قيمة لها، نظير ضعف عقيدته، ونظير عدم عبادته لله عزَّ وجل، فلذلك تمام النعمة الهدى، بعد الهدى الصحَّة، بعد الصحَّة الكفاية، وانتهى الأمر، فمن أصاب الهُدى، وأصاب الصحَّة، وأصاب الكفاية ما فاته من الدنيا شيء، نال الدنيا بحذافيرها، بل بحذافير حذافيرها.


من عرف الله و عمل صالحاً فقد أنعم الله عليه:


﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ هذا يعرف حقيقة الحياة الدنيا، أنها ممر وليست مَقَراً، يعرف سرَّ وجوده بها، ويعرف أن له رباً عظيماً وهذا منهجه، وهذا نبيُّه عليه الصلاة والسلام، وهذه سنَّة نبيه، والفلاح أن تؤمن به، والفلاح أن تتبع أمره، والفلاح أن تنفق من مالك في سبيله، هذا الذي يعرف هذه الحقائق، يعرف أن الله موجود، وأن الله واحد، وأن الله كامل، وأن أسماءه كلها حسنى، وأن أنبياءه معصومون، وأن النبي الكريم سيّد الأنبياء، المثل الأعلى، وأن هذا القرآن كتاب الحق، كتابنا المقرَّر، طبعاً هذه المعرفة الدقيقة العميقة، المتنامية، الواضحة، الشمولية، التفصيلية هذه المعرفة إذا اقترن بها العمل الطيِّب فهذه هي النعمة الحقيقية.. 

﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ زُيِّنَ فعل مبني للمجهول، مَن الذي زَيَّن له سوء عمله؟ الشيطان، هذا وجه.

2ـ الإنسان الفاسق يفلسف عمله السيئ بأنه عمل طيب:

 والوجه الثاني هو نفسه فلسف عمله السيئ، فهو ذو عقل. 

العقل قوة إدراكية وضعه الله في الإنسان ليعرف الله به:

 الله عزَّ وجل أعطانا العقل كي نتعرَّف إلى الله به، مثلاً: واحد يوجد عنده آلة معقَّدة جداً فممكن أن يربح منها مئات الملايين، تصمم، فاستخدمها في تزوير العملة فدخل إلى السجن، الآلة نفسها، بدل أن تكون هذه الآلة سبباً في غناك جعلتها سبباً في دمارك، كذلك العقل، هذا العقل قوة إدراكيَّة أودعه الله فيك كي تعرف الله عزَّ وجل، لكنك إذا أردت الشهوة وانتبهت أن لديك جهازاً عظيماً، هذا الجهاز يمكن أن تُعمِله لغير ما خُلِق له، يمكن أن تُعمِلَه في فلسفة انحرافك، هذا هو العقل التبريري، أخطر شيء في الإنسان أن يكون عقله تبريرياً، إنه مصرٌّ على شهواته، مُصِرٌّ على باطله، على كفره، على انحرافه، على عدوانه، على بغيه، مُصِرٌّ على هذا الانحراف، لكن لو كان حيواناً ينحرف وكفى، أما الإنسان الذي لديه عقل ينحرف ويفلسف انحرافه، فهذه المبادئ الوضعيَّة الهدَّامة، فلسفة الشر، فلسفة الكفر، فلسفة الانحراف، فلسفة الإلحاد، لأن لديه عقلاً، فإن هذا العقل قوَّةٌ إدراكيَّة ما أودعها الله في الإنسان إلا من أجل أن يعرف الله بها.  


أخطر شيء استخدام العقل لتبرير الكفر و فلسفة الانحراف:


 الإنسان أحياناً يركب مركبة كل ما فيها مجهَّز لتنقلك إلى هدفك وأنت مرتاح، هذه المركبة هكذا صُمِّمت، حينما صُنعت في معملها صُمِّمت لتنقلك إلى هدفك وأنت مرتاح، يقول لك: هذه مكيِّفة في الصيف، مُدفَّأة في الشتاء، فيها أجهزة حمل مرنة جداً، مثلا القيادة سهلة، فيها صوت خفيف جداً، فيها إضاءة ذاتيَّة الحركة، شيء جميل، أما إذا الإنسان قاد هذه المركبة وهو سكران هوى بها إلى أعماق الوادي فتحطَّمت أضلاعه، المركبة هي هي، إما أن تنقلك إلى هدفك وأنت مرتاح، وإما أن تكون سبباً في هلاك الإنسان، وهكذا العقل فهو حيادي، إذا الإنسان استخدمه كأداة لمعرفة الله كان سبب سعادته. 

إذا الإنسان استعمل العقل لمَا خُلِق له يستحق عطاء الله الأبدي السرمدي، وإذا لم يستعمله، أو أساء استعماله كان سبب هلاكه،  فأخطر عقل هو العقل التبريري، الشهوة أولاً والعقل ليبرِّر، العدوان أولاً والعقل ليبرِّر، ولو استمعت إلى ما يقوله الكفَّار عن أعمالهم فكله يفلسفه عقل تبريري، يعتدون ويرفعون أفكارًا إنسانيَّة لا تَمُتّ إلى الواقع بِصِلَة، فالشيء الخطر جداً أن تستخدم العقل لتبرير الكفر، لفلسفة الانحراف، لتغطية الشهوة.


العقل المفلسف للشهوة وللمعصية أخطر عقل:


﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ فمن هو المزيِّن؟ الشيطان، والإنسان يزيِّن عمله في بعض الأحيان، يتفلسف، يفلسف انحرافه، ويفلسف حقده، ويفلسف انتقامه، ويفلسف شهوانيَّته، ويفلسف طمعه، ويفلسف بخله، لذلك: ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ المصيبة الكبيرة أن يكون الخطأ لا في المفردات بل في المنهج، لا في الجزئيات بل في طريقة التفكير، لذلك العقل المبرِّر، العقل المزيِّن، العقل المفلسف للشهوة وللمعصية وللانحراف هو أخطر عقل، كيف أن العقل سبب الرُقي فالعقل الآخر سبب الهلاك. 


الحقّ واحد لا يتعدد:


 أيها الإخوة، أحياناً نرى في آيةٍ واحدة كلمة هي مركز الثِقَل، لأننا نحن في عصر الباطلُ فيه مزيّن، والشهوة مفلسفة، والانحراف مغطَّى، والإنسان الجاهل أحياناً يصدِّق هذا الكلام، فمن أجل ألّا نقع في شرِّ فلسفتنا، ألّا نقع في شرِّ أعمالنا، ينبغي أن تعلم علم اليقين أن الحق لا يتعدَّد، الحق واحد، وأن الحق هو الله جلَّ جلاله، وأن الحق كلامه، وأن الحق شرعه، وأن الحق ما قال، والباطل ما لم يقل، فلذلك هذا القرآن فيه تفسير لنشأة الحياة، فيه تفسير لما نحن عليه بعد الممات، فيه تفسير لأثمن ما في الدنيا وهو العمل الصالح، فيه تفسير لمهمَّة الإنسان في الدنيا ورسالته التي أُنيطت به، للأمانة التي حملها، للتكليف الذي كُلِّف به، فهذا الكتاب هو خاتَم الكتب، أُنْزِلَ على خاتم الأنبياء وهو الحق.


العقل إذا ضلّ زيِّن للإنسان سوء عمله:


 أي نظريَّة، أي مبدأ وضعي، أي فلسفة مستورَدة، أي تفسير للكون غير التفسير القرآني، أي تفسير لبدء الخليقة غير التفسير الإلهي فذاك باطل، باطل أي خطأ ليس له وجود، لا يتطابق مع الحقيقة، وبقي علينا ألّا نصغي لهذا التزيّين للباطل. 

سنأتي بمثل قريب: الله عز وجل خلقنا وأنزل على عبده النبي الكريم منهجاً نتحرَّك به، فإذا نهانا عن شيء ما، فقد نهانا عن أن نختلط بالنساء مثلاً، فلو رأيت من يقول: الاختلاط يُهَذِّب المشاعر فهذه فلسفة، وهذا هو عمل العقل التبريري، هذا عمل العقل المُخادِع، وإذا رأيت المعصية قال بعضهم: "تعلَّموا السحر ولا تعملوا به" هذا الكلام لا هو آية ولا هو حديث، هذا معنى للتوريط، فالإنسان قد يلتقي مع أصدقاء، وقد يقرأ مقالة في مجلَّة، ويسمع محاضرة لإنسان غير مؤمن بالدين، ويسمع خبراً، ويقول بعضهم فيه: أنت مثلاً ضعيف لأنك أخلاقي، أعوذ بالله، الأخلاقي قوي جداً، وهذه كلمة من طغيان العقل، فالعقل إذا ضل يزيِّن للإنسان سوء عمله، يبرِّر له أخطاءه، يغطي له انحرافاته، فهذا مطبٌّ كبير ومزلَق خطير، أن يصغي الإنسان لهذه الأقوال، مقياسنا هو كلام الله عزَّ وجل، هذا هو الحق وخلافه باطل، أما خلافه فمزيَّن، والله عزَّ وجل قال:

﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112)﴾

[  سورة الأنعام ]


من زُيّن له سوء عمله وقع في مصيبتين مصيبة سوء عمله ومصيبة فلسفة سوء عمله:


 يقولون: الإنسان أحياناً في نفسه شر، فإذا شاهد مسرحيَّة فيها شر فالشر الذي في نفسه يتفرغ، ويصير طيّباً، يا ترى فهل المجتمعات الغربيّة عن طريق المسرحيات تحولوا إلى ملائكة أم أنهم ازدادوا وحشيَّة؟ هذه من فلسفة الباطل، إنهم يفلسفون الفنون، يفلسفون الانحرافات، يفلسفون الاختلاط، الرقص يفلسفونه على أنه رياضة، كل شيء فيه انحراف أو معصية يتغطَّى بفلسفة مفتعلة، هذا هو الذي ذكره الله عزَّ وجل في القرآن الكريم: ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ فالذي يُزَيَّن له سوء عمله يقع في مصيبتين: مصيبة العمل السيئ، ومصيبة أنه يتوهَّم أن هذا العمل السيئ هو عملٌ طيّب، الذي يستبيح الربا بدعوى تنمية الأموال وعدم تجميدها هذه من فلسفة العقل المنحرف، فكلَّما رأيت فكراً يفلسف الباطل، يغطّي الباطل، يثني على الباطل، يبيّن النواحي الإيجابيّة في الباطل، يبيّن النواحي التي تعود على الإنسان بالمتعة في الباطل، فاعلم أن هذا الإنسان مصاب بمصيبتين: بمصيبة سوء عمله، ومصيبة فلسفة سوء عمله الفلسفة التي قد تروق لبعض الناس، فالحلال ما أحلَّه الله، والحرام ما حرَّمه الله، والحق ما جاء في كتاب الله.


مجموع القضايا التي عالجها القرآن الكريم تام:


﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38)﴾

[  سورة الأنعام ]

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(3)﴾

[ سورة المائدة ]

 الإتمام عددي، والإكمال نوعي، يعني مجموع القضايا التي عالجها القرآن الكريم تام، طريقة المعالجة كاملة وانتهى الأمر. 

((  كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار. ))

[  مسلم  ]


تسويغ المعصية ما هو إلا تغطية لسوء الفعل:


 لذلك يجب أن نحذر جميعاً من أن يُزيَّن لنا سوء عملنا، الشرع سمح أن يرى الإنسان مخطوبته مرَّة واحدة أو مرَّتين لا مانع، لا شهرين أو ثلاثة، زيارات وسهرات ونزهات، ولم يعقد عقد قِران بعد ولا شيء يُثبِت هذه العلاقة شرعاً، وفجأةً اختفى الخطيب وبطن الفتاة المخطوبة قد كبر، هذا زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً، وهذا هو الشيطان، يلغي العقد يقول لك: خطبة لكي نمتحنها، لنعرفها مثلاً، يسمح بالاختلاط فينشأ عنه طلاق أحياناً، خراب بيوت، خيانات زوجيَّة، يسمح بالربا فيتجمَّع المال بأيدي فئة قليلة وتُحرَم منها الكثرة الكثيرة، فلا ترى معصية إلا إذا استمعت إلى من يقترفها، وهو ذكي، يقدِّم لك تبريراً، أو عَقْلَنَةً لهذه المعصية، أو تسويغاً لها، أو تغطيةً لها، هذا معنى: ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾  


الله عز وجل وضّح للإنسان كافة الأمور مع الأهداف و الوسائل:


 الذي يُزّيَّن له سوء عمله واقعٌ في مصيبتين: مصيبة سوء العمل ومصيبة الوهم أن هذا العمل صحيح، هذه الآية جميلة جداً: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ الأمور واضحة جداً، جليَّة جداً، والنبي الكريم قال:  

((  تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك. ))

[ ابن ماجه  ]

 الأمور واضحة، كل شيء مع الدليل العقلي، والنقلي، والفطري، والواقعي، الأهداف واضحة، الوسائل واضحة ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ اتبع هواه أولاً واستنجد بعقله من بعدُ ليبرِّر له هذا العمل السيئ، وذاك الانحراف، وهذا العدوان، وأكل المال الحرام.


الجنة ثمن طاعة الإنسان لله عز وجل:


 الآية الأخيرة في درسنا: 

﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ(15)﴾

[ سورة محمد ]

 هذه الجنَّة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمِعَت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الجنَّة ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ الماء الراكد في الدنيا يتغيَّر طعمه ولونه وريحه، فالماء في الجنَّة غير آسن. 

﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ اللبن في الدنيا إذا طالت مدَّته تغيّر طعمه فأصبح حامضيَّاً. 


اصطلاح الإنسان مع ربه من أعظم النعم على الإطلاق:


﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ معنى ذلك أن خمرة الدنيا ليس فيها لذَّةٌ أثناء شربها، يبدو أنها تُشْرَبُ كي تُخَدِّر صاحبها أما في أثناء شربها ليست لذيذةً. 

﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ وفوق كل هذا ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أنت بعدما تبت إلى الله فالماضي كلَّه مُسِح،

(( الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ. ))

[ صحيح مسلم ]

(( الإسلامُ يَجُبُّ ما كان قبلَهُ. ))

[ صحيح الجامع ]

الصُلحة بلمحة، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنّؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله. 

﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ هذه الحالة الرائعة، جنَّةٌ إلى أبد الآبدين، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، تُوازى مع: 


النار عاقبة الكافر يوم القيامة:


﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ وفي هذه الآية إعجازٌ علمي، ليس في الأمعاء أعصاب حس أبداً، لو فتحت بطن الإنسان وفتحت أمعاءه، وسكبت ماءً يغلي فإنه لا يشعر بألم أو سخونة أبداً، ذكر لي طبيب عن دماغ الإنسان: إنه فتح دماغ إنسان وبدأ يقطِّع منه، فالدماغ هذا العضو الحسَّاس الذي تُنقَل إليه كل مشاعر الحس لا يحس بشيء إطلاقاً، يمكن أن تُجرى عمليَّة في الدماغ من دون تخدير إطلاقاً، كذلك في الأمعاء لا توجد أعصاب حس، وعليه فالإنسان إذا شرِب ماءً يغلي لا يشعر بشيء إطلاقاً، الآية جاءت: ﴿فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ لكن هذا الماء الذي يغلي مزَّق أمعاءهم، قطَّعها ولم يشعروا بألم الحر، من كان يعرف هذه الحقيقة؟ ليس في الأمعاء أعصاب حس، لكن هناك أعصاب ضغط، آلام عقد الأمعاء لا تُحتمل، آلام ضغط وليست آلام إحساس.  


موازنة بين الحق و الباطل:


 ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ أيضاً موازنة، من كان في الجنَّة وهذه حاله كمن كان في النار وهذه حاله؟

﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ هذه حاله ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ هذه حاله، هل يستويان؟ فكأن الدرس اليوم عبارة عن عقد موازنة بين الحق والباطل.

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور