وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الجاثية - تفسير الآيات 14 – 19 أيام الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

أيام الله:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الرابع من سورة الجاثية، ومع الآية الرابعة عشرة، وهي قوله تعالى:

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)﴾

[ سورة الجاثية ]

هؤلاء الذين لا يرجون أيام الله هم الكافرون، المؤمن يرجو أيام الله، أي يرجو نصره وتأييده في الدنيا، ويرجو عطاءه في الآخرة، فالأيام التي يتحقق فيها وعد الله ووعيده هي أيام الله، فالمؤمن يرجوها، يرجوها عطاءً، ويخافها ابتلاءً، يرجوها عطاءً ويخافها عقاباً، أي إذا أردت صفةً بارزةً في المؤمن أنه يرجو أيام الله، آماله كلها معقودةٌ على عطاء الله، رغائبه كلها موجَّهَةٌ إلى ما عند الله، كل آماله أن يرضى الله عنه، وأن ينجيه من عذاب النار، وأن يدخله الجنة، فأيام الله هذا معناها، أي الأيام التي يتحقق فيها وعده أو وعيده.

المؤمن يدخل في حساباته اليومية هذه الأيام، الذي يأكل أموال الناس بالباطل لا يرجو أيام الله، لا يخاف يوماً يمحَق الله ماله، والذي يعتدي على أعراض الناس لا يرجو أيام الله، أي لا يخاف يوماً يُعتدى على عرضه، والذي يظلم لا يرجو أيام الله، أي لا يخاف يوماً يُكال له الصاع صاعين، فأيام الله المستقبل، المستقبل فيه أيام، فيه وعد وفيه وعيد، الكافر يرثى له، لماذا يقول الله عزَّ وجل للمؤمنين كي يغفروا للذين لا يرجون أيام الله؟ هؤلاء مساكين، هؤلاء في عمى، هؤلاء كانت أعينهم في غطاءٍ عن ذكري، هؤلاء عُمِّيَت عليهم رحمة الله، إذاً يرثى لحالهم، إذاً وضع المؤمن مع أهل الدنيا، مع الضائعين، مع الشاردين، مع التائهين، مع الضالين، مع الكفار، لا وضع ند لند، وضع طبيب مع مريض، حقيقة المؤمن إذا رأى إنسانًا شاردًا يرتكب المعاصي، يتباهى بالموبقات، هذا إنسان يرثى لحاله، يُشفق عليه، جاهل، جاهل وسوف يدفع الثمن باهظاً، جاهل وسوف يشقى في الدنيا والآخرة، فأنت فضلاً عن أنه سيشقى في الدنيا والآخرة اغفر له، عالجه، ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ .

 

شعور المؤمن أن الله راضٍ عنه وأنه موعودٌ بالجنة يمتص كل متاعب الحياة عنده:


الحقيقة أن المؤمن سعيد، وقد يسأل سائل: كيف هو سعيد وهو يعيش بين الناس يصيبه ما يصيبهم؟ الجواب أن المؤمن لأن الله وعده بالجنة، ولأن الله راضٍ عنه، شعوره أن الله راضٍ عنه، وأنه موعودٌ بالجنة، هذا الشعور يمتص كل متاعب الحياة.

أحياناً طالب بفرع في الجامعة راق جداً، وعنده آمال كبيرة جداً، دخلٌ كبير، ويحقق كل أهدافه، في أثناء الدراسة على الرغم من الدوام الطويل، والكتب الصعبة، والفحوص الشديدة، والإجراءات الدقيقة ترى هذا الطالب مسرورًا، لا بيومه، ولكن بغده، فالمؤمن ربما تحمل من شَظَفِ العيش، ربما تحمل بعض المضايقات، ربما واجه بعض الاعتراضات، ربما كاد له الكفار، ربما ضَيَّقوا عليه الخِناق، ربما كان دخله أقلّ مما ينبغي، ربما كانت مكانته في الدنيا متوسِّطة، متواضعة، لم يكن من أهل الحول والطول، كل وضعه المتواضع القليل الصغير ما الذي يغطي كل ذلك؟ أن الله وعده بجنةٍ عرضها السماوات والأرض..

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾

[ سورة السجدة  ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

[  سورة القصص ]

لذلك أيها الإخوة الكرام هذا توجيه إلهي لطيف، ربنا رب العالمين معنى التوجيه أن هذا الكافر، هذا المشرك، هذا العاصي، هذا الفاجر، هذا لا يرجو ما عند الله، لا يخاف وعيده، ولا يرجو وعده، لأنه في عمى، لأنه جاهل، فأنت أيها المؤمن أكبر منه، وأوسع أُفُقاً منه وأشد بصيرةً منه، قلبك مستنير، أنت رأيت الحق، رأيت مصائر الناس، كيف أن المؤمن سيصير إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض، وكيف أن الكافر سينتهي في الدنيا إلى عذاب وفي الآخرة إلى عذاب، فهذا يستحق الشفقة، لا يستحق أن تحقد عليه، ولا أن تنتقم منه، ولا أن تشعر أنك في مستواه، أنت أكبر منه بكثير، إذاً: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .

 

صبر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف وإيذائهم:


الحقيقة ما الذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقول لأبناء الطائف حينما بالغوا في الإساءة إليه، وحينما كذَّبوه وسخروا منه، وحينما دفعوا صبيانهم ليضربوه، لماذا حينما عرض عليه جبريل عليه السلام أن يُطْبق عليهم الأخشبين، لماذا وقف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف؟ وقال:

(( عن عائشة رضي الله عنها ... هل أتَى عليكَ يومٌ كانَ أشدَّ مِن يومِ أحدٍ؟ فقالَ: لقد لقيتُ مِن قومِكِ، وَكانَ أشدَّ ما لقيتُ منهُم يومَ العقبةِ إذ عرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ ياليلَ بنِ عبدِ كلالٍ، فلَم يجبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأَنا مَهْمومٌ علَى وجهي، فلَم أستفِقْ إلَّا وأَنا بقرنِ الثَّعالبِ، فرفعتُ رأسي، فإذا بسحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ عليهِ السَّلامُ، فَناداني فقالَ : يا محمَّدُ، إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ، قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وما ردُّوا عليكَ، وقد بعثَ اللَّهُ ملَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شئتَ فيهِم قالَ: فَناداني ملَكُ الجبالِ: فسلَّمَ عليَّ، ثمَّ قالَ: يا محمَّدُ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وأَنا ملَكُ الجبال، وقد بعثَني ربُّكَ إليكَ لتأمرَني أمرَكَ، وبما شئتَ، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ فعلتُ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا. ))

[ التوحيد لابن خزيمة : خلاصة حكم المحدث :  أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح ]

الحقيقة هذا موقف الطبيب من المريض، النبي صلى الله عليه وسلم ما رآهم أنداداً له، رآهم في جهلٍ عميق، وفي ضلالةٍ ضالة، وفي غِطاء، وفي ضياع، لذلك رثى لحالهم فقال: ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)) ما تخلَّى عنهم، واعتذر عنهم، ودعا لهم، وتوسم في أولادهم الخير، إذاً أنت دائمًا ممكن تمتحن نفسك من هذا الموقف، إذا أساء كافر إليك، أو اعتدى ضال عليك، هل تراه نداً لك أم ترى نفسك أكبر منه بكثير؟ أنت المؤمن، أنت صاحب الأفق الواسع، أنت صاحب القلب المستنير، أنت الذي أكرمك الله بمعرفته، أنت الذي أكرمك الله بالاستقامة على أمره، أنت الذي عرَّفك الله بحقيقة الدنيا وحقيقة ذاتك، وماذا بعد الموت، وماذا قبل الموت، فهذا الذي يناهضك، ويعتدي، ويتطاول جاهل ضائع، كأن الله عزَّ وجل يريد من المؤمن أن يكون أكبر من أخطاء الآخرين، أن يتسع صدره لأخطائهم، ولتطاولهم، ولبغيهم، ولعدوانهم، فهو أكبر منهم عند الله بكثير.

 

أساس المغفرة العلم والكمال:


﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا﴾ أي المغفرة لا تكون تصنّعاً، لكن أساسها العلم، وأساسها الكمال، فكما أن الطبيب حينما يأتيه مريض مصاب بمرض جلدي مزعج هل يحقد عليه؟ لا، بالعكس يرثي لحاله، يرجو له الشفاء، ينصحه، فكلما رأيت نفسك فوق الحقد، وفوق الانتقام، وفوق الشعور أن هذا ندّ لك، كلما كنت بهذه الحالة فأنت أعلى عند الله، وأنت أكرم عند الله، وكلما رأيت الكافر نداً لك، وأردت أن تنتقم منه فأنت في مستواه، لذلك الأنبياء جاؤوا بهذه الدعوة العظيمة، والنبي عليه الصلاة والسلام على رأسهم جاء بهذه الدعوة، لو أنه يرى المعارضين والكفار والمشركين يراهم نداً له لما كان نبياً عليهم، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان كالأب الرحيم، كالأم الرؤوم، يرى أخطاء الناس يمتصها، يتجاوزها، وكل إنسان أراد هداية الخلق ينبغي أن يتجاوز عن أخطائهم، كما قال أحد الخلفاء: "يا بنيَّ، من عفا ساد، ومن حَلُم عَظُم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب" ، على كل في أيام الله ﴿لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ إنسان عنده صندوق حديد، أي شيء يضعه في هذا الصندوق له، لو وضع قطعًا ذهبية له، لو وضع قطعًا معدنية له، لو وضع موادَّ سامة له، كله له، ﴿لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي إذا آمن الإنسان باليوم الآخر، آمن بالجزاء، آمن بعدالة الله عزَّ وجل، لا يمكن أن يتجاوز الحدود، لأنه يعلم علم اليقين أن كل شيءٍ له عند الله حسابٌ دقيق، إن لكل حسنةٍ ثواباً، وإن لكل سيئةٍ عقاباً.

 

عظمة الإيمان أن يرى الإنسان المؤمن أن الله عزَّ وجل يراقبه:


أيها الإخوة الكرام؛ يقول الله عزَّ وجل بعد هذه الآية:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)﴾

[ سورة الجاثية ]

 أجمل ما في الآية اللام وعلى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ هذه اللام لام المُلك، أي هذا يعود عليه بالخير، هذا له، هذا سينفعه يوم القيامة، هذا سينير له الطريق، سيكون في قبره مصباحاً وضاءً، ﴿وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ كأن  الله عزَّ وجل شَبَّهَ الإساءة بصخرة كبيرة تسحقه عليها، هو تحت وطأة إساءته، وشبَّه العمل الصالح بشيء ثمين، قطعة ماس ثمنها ملايين، سبائك ذهبية، أوراق نقدية عالية، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ وفي هذه الآية يُشَمُّ منها أن الإنسان مخيَّر تخييرًا كاملاً، إن عملت كذا فالنتيجة كذا، إن عملت كذا فالنتيجة كذا، لولا أنه مخير فلا معنى لهذه الآية، لولا أن الإنسان مخير، والاختيار الذي منحه الله للإنسان هو الذي يثمِّن عمله لما كان لهذه الآية من معنى إطلاقاً، أي أيها الإنسان أنت مخير، فإن عملت صالحاً، وربنا عزَّ وجل كلامه موجز، وقد قالوا: البلاغة في الإيجاز، عمل صالحاً، أي عمل هذا؟ يا ترى عمله في بيته؟ في بيته، عمله في حرفته؟ في حرفته، كل واحد من إخواننا الكرام له حرفة، له صنعة، له مصلحة، هذا مدرس، هذا مهندس، هذا طبيب، هذا بائع، هذا من أصحاب الحِرَف اليدوية، وكل إنسان يعلم علم اليقين متى ينفع، ومتى يضر، متى يحسن، ومتى يسيء، متى يغش، ومتى ينصح، متى يتقن، ومتى يهمل، أبداً، لا يوجد إنسان صاحب مصلحة، أو صاحب حرفة، أو في وظيفة إلا ويعلم بالفطرة، بالبديهة متى يحسن ومتى يسيء.

أنت موظف، جاءك مواطن له عندك معاملة، لو أوهمته أنها تحتاج إلى يومين آخرين، وبإمكانك أن تخرجها من الدرج، وأن توقّعها، وينتهي الأمر، تعلم أنك أسأت، أطلت عليه الأمد، يأتيك المشتري وأنت بائع فقل له ما شئت، لكنك تعلم بالفطرة إن صدقته أو كذبته، إن نصحته أو غششته، إن أوهمته أو كنت صادقاً معه، هذه قضايا الفطرة مخيفة، لا تحتاج إلى تعليم، لا تحتاج إلى تذكير، فطرتك تكشف خطأك، وربنا عزَّ وجل قال:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾

[  سورة القيامة  ]

أحياناً أنت أقوى من زوجتك، أقوى بكثير، أمْرها بكلمة تلفظها من فمك، لكنك إذا أسأت، وأقمت عليها الحُجَّة تعلم أنك ظالم، وأنك تبالغ، وأنك لا تستقيم لك حجة عند الله، فالإنسان بصير على أعماله، وهنا المسؤولية، هنا المحاسبة الدقيقة، في زواجك، مع أولادك، إن عدلت أو لم تعدل، مع زوجتك، إن أحسنت أو لم تحسن، مع زبائنك، إن نصحت أو غششت، مع صنعتك، إن أتقنت أو أهملت، يمكن أن توهم الناس بشيء لأمد طويل، ولا سيما أصحاب الاختصاص العالي، من يكشفهم إلا أندادهم، تحتاج إلى ثمانية تحاليل، ثمانية تحاليل، سبعة، سبعة، ستة، ستة، من دون تحليل، من دون تحليل، تحتاح إلى تصوير، تصوير، تخطيط، تخطيط، من الذي يعلم أن هذا المريض لا يحتاج إلى تخطيط؟ لكنك كلفته بالتخطيط لتزيد الربح، ما أحد يعلم إلا الله، المهندس، المدرس، ابنك يحتاج إلى دروس خاصة، من يعلم؟ الأب مستسلم، أنت العلامات بيدك، تضع علامات قليلة يظهر أنه ضعيف بالرياضيات، يحتاج إلى عدد من الدروس، كل درس بخمسمئة ليرة، من يعلم إلا الله عز وجل؟! عظمة الإيمان أن يرى الإنسان المؤمن أن الله عزَّ وجل يراقبه، إذا دخلت في حالة المراقبة انتهيت، وصلت إلى الجنة، وإذا دخلت في حالة المراقبة علمتَ أنّ الله يراقبك، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾ .

 

الاستقامة عين الكرامة:


الدين أيها الإخوة إياكم أن تظنوا أنه صلاةٌ فقط، وصيامٌ فقط، وحجٌ فقط، الدين يدخل في كل حركاتك وكل سكناتك، في عملك، كل كلمة تقولها لمن أمامك، أنت موظف، هذا مُراجع، أنت طبيب، هذا مريض، أنت مهندس، هذا له عندك مشروع، أنت محامٍ، هذا موكِّل، أنت تصلِّح الأجهزة، هذا أمامك زبون، كل كلمة تقولها لمن أمامك الله يعلم ما إذا كنت صادقاً أو كاذباً، يعلم ما إذا كنت ناصحاً أو غاشاً، يعلم ما إذا كنت متجنياً أو منصفاً، الله يعلم، فلا يسعد الإنسان عند الله عزَ وجل إلا إذا رأى أن الله يراقبه، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا﴾ الكلام البليغ موجز: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾ ضمن الحرفة، ضمن البيت، ضمن العمل، ضمن النزُهات، يمكن أن تعتدي على أعراض الناس، والناس لا يعرفون ذلك، لذلك الله عزَّ وجل قال: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ .

كأني أريد أن أقول لكم في هذا الدرس: إذا وصل المؤمن إلى حال المراقبة مع الله، إذا شعر أن الله بالمرصاد، أن الله مُطَّلِعٌ عليه، يعلم سرائره، يعلم نواياه، يعلم مقاصده، يعلم طموحاته، يعلم إلى ما يرمي بهذه الكلمة، الله يعلم، أكثر كلام الناس الكلام قد يكون غير حق، فيه إيهام، جاءك زبون مريض، تستطيع أن تكبر مرضه كثيراً حتى ينهار، وتستطيع أن تكون منصفاً، أنت محام جاءك موكل، تستطيع أن توهمه أن القضية سهلة جداً، وكلني وانظر، وتعلم أنت علم اليقين أن هذه الدعوى خاسرة، من يعلم ذلك؟ المؤمن يرى أن الله يعلم، لذلك كلما ازداد علمك أن الله يعلم استقمت على أمره، ومن أدق الآيات القرآنية:

﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)﴾

[  سورة المائدة ]

إخواننا الكرام؛ إذا وصلت إلى هذه الحقيقة، وهي أن الله يعلم فقد نجوت، لأنه إذا علمت أن الله يعلم، وسيجازي، لا يمكن أن تعصيه أبداً، مستحيل، إذا أيقنت أنه يعلم وسوف يحاسب، ولن يفلت إنسان من قبضته، فإذا فهم الإنسان كتاب الله فهماً عميقاً، وكُشِفت له الحقائق، واستنار قلبه بنور الله عزَّ وجل، تراه منضبطاً إلى أبعد الحدود، انطلاقاً من حبِّه لذاته، انطلاقاً من حبه لسلامته، انطلاقاً من حبه لوجوده، ولسلامة وجوده، ولكمال وجوده، ولاستمرار وجوده، لذلك الاستقامة عين الكرامة، كل كرامتك في الدنيا أساسها الاستقامة، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ .

 

الإنسان مخير:


أحياناً لكن ربنا عز وجل الشيء الدقيق قد يبدو لك -وهذا من الامتحان- أن دخلك يزداد إذا خرجت عن منهج الله، وهذا ما يقع به معظم الناس، أي إذا كذبت عليهم، وتحكمت فيهم، وأنت تعلم وهم لا يعلمون، ممكن تجني أرباحًا طائلة، وهذه الأرباح تيسر لك الحياة؛ تقتني البيت الفاخر، والمركبة الفاخرة، وتؤمِّن لأولادك مستقبلهم، وتحل كل مشاكلك، وأنت مضطر لهذا الشيء، لكن لا يمكن لإنسان أن يسلك طريق الانحراف وتنجح الخطة التي رسمها إلى ما لا نهاية، لابدَّ من أن يفاجأ بأن الخطة التي رسمها لم تنجح، وأن الله عاقبه، لكن متى؟ بعد أن يأخذ مجراها، بعد أن  يأخذ أبعاده، الله عزَّ وجل لو عاقب الإنسان فور معصيته، لم يعد هناك  اختيار، التغى الاختيار، لو كافأه بعد الطاعة مباشرةً لا يوجد اختيار.

لكن إخواننا الكرام دققوا في هذا الكلام: ممكن تطيعه فترة طويلة، ولا تجد أي ميزة لك، دخلٌ قليل، بيت صغير، حياة فيها متاعب، وممكن ترتكب أكبر المعاصي وإلى حين، سنة سنتان، ولا يحدث لك شيء، أين الله؟ هنا الاختيار، الله عزَّ وجل سمح لك أن تأخذ أبعادك، تحقق اختيارك، تحقق شهواتك، تحقق كمالاتك دون عقاب، دون ثواب، لكن بعد حين يشد الحبل، إلى أن تظن لم يعد هناك شيء، أمّنت مستقبلك، ركزت وضعك، الأمور كلها جيدة، فتفاجأ بمفاجآت لم تكن في الحسبان، هذا: ﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ﴾ هذا: ﴿وَجَاءَ رَبُّك﴾ الله لا يأتي، لكن جاء أمر ربك، إلى أن تأخذ أبعادك كلها، إلى أن تحقق اختيارك، إلى أن تمضي فيما تريد، إلى أن تصل إلى كل غاياتك، يقول لك: هل انتهيت؟ الآن جاء الحساب، وحتى المؤمن يستقيم، يبالغ في الاستقامة، يبالغ في تحرِّي الدخل الحلال، وقد يكون وضعه عادياً جداً وأقل من عادي، إلى أن يثبت لنفسه وللناس أنه يريد وجه الله عزَّ وجل، الآن تأتيك الدنيا وهي راغمة، لأنك نجحت في الامتحان، ليس هناك امتحان خلال دقيقة أو دقيقتين، لا، الله عز وجل يرخي الحبل إلا أن تأخذ أبعادك الحقيقية، إلى أن تحقق رغبتك الكاملة، الشهوات ، المراد، بعدئذٍ يأتي الحساب، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ لك ﴿وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ .

 

العمل السيئ يسحق الإنسان:


العمل الصالح كالجوهرة الثمينة تتملَّكُها، والعمل السيئ كالصخرة الساحقة تسحق الإنسان، من كلمة (لها) ومن كلمة (عليها) ، الله عزَّ وجل لم يقل: من عمل صالحاً فعلى نفسه، لم يقل: فمن أساء فلها، لا، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ العمل السيئ يسحق.

 

من يصل إلى مرتبة المراقبة يصل إلى الله:


﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أردت من هذه الآية التي هي محور الدرس العمل الصالح في بيتك، في عملك، في نزهتك، في أفراحك، في أتراحك، في صنعتك، في وظيفتك، في تجارتك، في بيعك، في شرائك، تعلم بالفطرة من دون تعليم، ممكن تضع قطعة أثاث خشب من أسوأ الأنواع، بعد حين تتحطم القطعة، ممكن، وممكن لا يعرف الشاري ماذا بداخل هذه الغرفة، من الخارج جميلة جداً، من يعلم؟ الله وحده يعلم، فالذي يصل إلى مرتبة المراقبة وصل إلى الله، الذي يصل إلى مرتبة المراقبة وصل إلى سلامة الدنيا وسعادة الآخرة، الذي يشعر أن الله معه دائماً، كل كلمة سوف تُحاسب عليها، لماذا قلت كذا؟ يقول لك أحدهم يريد أن يشتري حاجة من عندك، يقول لك: أنت اختر لي اللون، على ذوقك، بإمكانك أن تختار له أسوأ لون، لا يباع معك، تقول له: هذا هو الموضة، هذا أفضل شيء، من يعلم ذلك؟ الله يعلم، ممكن لما خَيَّرَكَ  تختر له أجمل لون، ممكن، على هذا المستوى، فكل كلمة تقولها الله يحاسبك عنها، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ لك أن تقول ما شئت، ولك أن تفعل ما شئت، لكن كله بحساب، كله بدقة بالغة، وكلما ظننت أن الله عزَّ وجل لا يدقق تكون أنت لا تعلم، وما دام الله عزَّ وجل قال:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

انتهى الأمر ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ هذه الذرة في أيام الشتاء تكون أشعة شمس الغرفة يكنسون تظهر ذرات عالقة في الهواء، لولا  الأشعة لا ترى، ليس لها وزن إطلاقاً، يحملها الهواء، لو عملت عملاً صالحاً بمستوى هذه الذرة مسجلة ومحفوظة عند الله، ولو عملت عملاً سيئاً بمستوى هذه الذرة محفوظة عند الله عزَّ وجل، هذا الدين، لذلك عندما يعرف الإنسان الله، ويراقبه دائماً لا يستطيع إلا أن يقول حقاً، إلا أن يقول صدقاً، لا يستطيع إلا أن يكون صادقاً، مخلصاً، نصوحاً، أميناً، المؤمن شخصية فذَّة كبيرة جداً، أمين، صادق، عفيف، منصف، محسن، رحيم، الكمال البشري كله في المؤمن، كلمة مؤمن، يقول لك: فلان دكتور مثلاً، أي معه دكتوراه، آخذ ابتدائي وإعدادي وثانوي وإجازة ودكتوراه، يضعون له دالاً، هذه الدال تعني ثلاثًا وثلاثين سنة دراسة، إذا قلت: مؤمن، كلمة، لكن بالمعنى الذي أراده الله، بالمرتبة الصحيحة كلمة مؤمن أي منصف، كلمة مؤمن لا يظلم، لا يكذب أبداً، لا يخون أبداً، مستقيم على أمر الله، وفق المنهج، يؤتمن على الملايين، مؤمن، والله الذي لا إله إلا هو لا يسمح له إيمانه أن يأكل درهماً واحداً حراماً.

ذكر لي أخ قصة أعدّها نموذجية، أخ من إخواننا بعدما سلك في الطريق إلى الله شوطًا لا بأس به، هو يعمل في لف المحركات قال لي: قبل أن أتعرف إلى الله عزَّ وجل يأتيني محرك محروق، الشرط خمسة أو ستة آلاف ليرة لألفه، يذهب الشخص، أفتحه فلا أجده مـحروقاً، أجد سلكًا مقطوعًا، ألحمه بالكاوي خلال دقيقة، فلا يبقى في المحرك أي شيء، في زمن الجاهلية عندما يأتي صاحب السيارة في اليوم الثاني أقيم تمثيلية أمامه، شغل، يشغله، آخذ خمسة آلاف، قال لي: بعدما عرفت الله عزَّ وجل أقول له: خمسة وعشرون ليرة، الشرط خمسة آلاف، أقول له: لا يوجد به شيء، آخذ خمسة وعشرين أو خمسين أو مئة لكن ليس خمسة آلاف، لأنه يعلم أن الله يعلم، وقاف عند حدود الله عز وجل، وعلى هذا فقس، كل المهن، الطب، التدريس، الهندسة، المحاماة، التجارة، صناعة غذائية، الآن الذي عنده صناعات غذائية من يعلم ماذا يضع في هذا البسكويت، فيه مواد غذائية سيئة جداً، منها مواد مسرطنة، من يعلم؟ كشفوا في بعض المعامل أنها تضع صباغ البلاط في السكاكر، من يعلم؟ الله يعلم، عظمة الإيمان أنك ترى أن الله يعلم، وهؤلاء عباده، فإذا أحسنت لهم أكرمني الله.

والله حدثني أخ، أنا لا أنسى هذه الكلمة، له معمل في الصناعات الغذائية، قال لي: والله أنتقي المواد من أعلى درجة لكي يرضى الله عني، هؤلاء لأنهم أبناء المسلمين، الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، فعندما تعمل صناعة غذائية كثيراً من المعامل يضعون مواد سامة، مواد للدهان يضعونها في الطحينة، لتبييض لونها، فتباع بثمن أغلى، لا يعرفون الله أبداً، ولو أنهم صلوا في المساجد، لا يعرفون الله أبداً، أما الدين فيدخل في الصناعة، ويدخل بالزراعة.

في الزراعة هناك مواد هرمونية، هذه المواد مسرطنة، تعمل عقد ثمار كبير، ألوان زاهية، تبيع بضاعتك بالضعف تقريباً، لكن هذه الهرمونات ممنوعة دولياً، بالزراعة يمكن أن تستقيم على أمر الله، خذ نصف الدخل أو ثلثيه بالحلال، أما ترش هرمونات تنمّي هذه الخضار تنمية غير طبيعية هذه المواد كلها تتراكم بالجسم، كثير من الصناعات الغذائية فيها انحرافات خطيرة تودي بحياة الناس، أو تؤذي أطفالهم، من يعلم؟

 

لا تستقيم الحياة من دون إيمانٍ بالله:


أقول لكم كلمة: والله لا يمكن أن تستقيم الحياة من دون إيمانٍ بالله، من يعلم ماذا تفعل أنت في المعمل؟ ربما يكون الزيت نجسًا، سقطت فيه فأرة، من يعلم أن هذا الزيت لم يرمَ وضع، يمكن أن تستعمله في صنع الصابون، أما تبيعه كزيت، وهو نجس، من يعلم؟ الله وحده يعلم، فإذا علمت أن الله يعلم انتهيت إلى الجنة، الإنسان المستقيم لا يخسر، الإنسان المستقيم لا يضيعه الله، واسمعوا مني هذه الكلمة: والله زوال الكون أهون على الله من أن يضيِّعَ مؤمناً مستقيماً، لكن قد يبدو له ربحه في الغش، هذه رؤية شيطانية، قد يبدو له أن أرباحه الطائلة تحتاج إلى كذب، أو إلى غش، أو إلى بضاعة محرمة، أو إلى أعمال لا ترضي الله عزَّ وجل، ما الذي يحصل؟ يعطيك في بادئ الأمر أرباحًا طائلة، ثم يأتي القصم، مرض خبيث أتلف الحياة كلها.

أعرف رجلاً يعيش على إفساد أخلاق الشباب، عنده دار سينما، ابن أخته كان تلميذا عندي، جمع ثروة جيدة جداً لكي يمضي حياته في الدعة والبحبوحة، أصيب بمرض خبيث في وقت التمتع بالحياة، بعد أن استقرت هذه الثروة بين يديه، فصار يبكي على أن كل هذا التعب لكي يرتاح بضع سنين، الله لم يسمح له أن يتنعم بها، لأن هذا المال أساسه مبني على إفساد أخلاق الشباب، كلما كان الفيلم فيه مناظر مؤذية أكثر كان الإقبال عليه أشد، لكن الله كبير، كلمة: (الله كبير) يجب أن تعرفها، كبير أيْ:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

[  سورة البروج  ]

تبني مجدك على أنقاض الناس، تبني ثروتك على متاعب الناس، الله يريد أن ينتقم إن عاجلاً أو آجلاً، اسمعوا هذه الآية، الآية الأولى:

﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)﴾

[ سورة النحل ]

الآية الثانية:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[ سورة الأنعام ]

إذا وجدت إنسانًا انحرف، وبعد الانحراف جاءته البطشة الكبرى، هذه على (الفاء)، وإذا انحرف الإنسان وأمد له الله فهذه على (ثم)، الفاء للترتيب على التعقيب، وثم للترتيب على التراخي، فعلى كل لابدَّ من الفاء أو من ثم، لابد من احدهما الفاء أو ثم، إما أن يأتي العقاب عاجلاً لحكمةٍ أرادها الله، أو أن يأتي العقاب آجلاً، أما أنه لابدَّ من العقاب، إن لكل حسنةٍ ثواباً ولكل سيئةٍ عقاباً، والآية الأوضح من ذلك: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)﴾ أبداً، هذا هو الدين، افعل ما تشاء، في آية قرآنية:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)﴾

[ سورة فصلت ]

كلٌّ بحسابه، الآية دقيقة جداً، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ ترجعون لتقبضوا ثمن الطاعة، وتدفعوا ثمن المعصية، لتسعدوا بطاعتكم، وليشقى الإنسان بمعصيته.

 

الاختلاف أنواعه وأسبابه:


﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)﴾

[ سورة الجاثية ]

 ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿وَالْحُكْمَ﴾ فَهْمَهُ ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ من فضل الله على بني إسرائيل أنه جعل فيهم النبوة إلى أمدٍ طويل، ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ في زمانهم، لئلا يُفْهَم أنها مطلقة، ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ في زمانهم ﴿وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾ الأمر هو الدين ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ دلائل واضحة، حجج، براهين قوية ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ وهذه الآية دقيقة جداً، الاختلاف له أسباب كثيرة، من أبرز أسبابه قلة المعلومات، أوضح مثل: سمعنا صوت مدفع عصر يوم الوقفة، ماذا نقول؟ لعله مدفع العيد، لسنا متأكدين، يقول قائل: لا، هناك تفجيرات في الجبل لشق طريق، يا ترى هذا الذي سمعناه مدفع العيد أم تفجيرات؟ لماذا اختلفنا؟ لنقص المعلومات، هذا اختلاف طبيعي جداً، مقبول، لكن الخلاف الخطير، الخلاف القذر، ليس خلاف نقص معلومات، خلاف بغي وحسد، ممكن أن تعزي الخلافات بين المسلمين لا إلى نقص المعلومات، الكتاب واحد، السنة واحدة، علم الحديث واضح، هناك حديث متواتر، هناك صحيح، هناك حسن، هناك ضعيف، هناك موضوع، الكتاب قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، وظني الدلالة، الحديث ظني الثبوت، وظني الدلالة وقطعي، الكتاب واحد، الحديث واحد، الإله واحد، الكعبة واحدة، المنهج واحد، ومع ذلك هناك خلافات لا يعلمها إلا الله، يا تُرى هذه الخلافات بين المسلمين بسبب نقص المعلومات؟ لا، المعلومات وافرة، بسبب الحسد والبغي والهوى، وربنا عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها أحياناً يتحدث عن بني إسرائيل، ونحن المعنيون، لأن الأمراض التي أصيبوا بها نحن معرَّضون إلى أن نصاب بها مثلهم، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿وَالْحُكْمَ﴾ فهمه ﴿وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ في زمانهم ﴿وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾ أي كل شيء أمرناهم به، أو نهيناهم عنه بحجةٍ قويةٍ دامغة وبرهانٍ ساطع، ﴿وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ العلم القطعي الواضح ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ أي عدواناً على بعضهم بعضاً، حسداً لبعضهم بعضاً.

 

الخلاف بين الفرق والجماعات ليس خلافاً أساسه الجهل وإنما المصالح والمكاسب:


﴿إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ وهذه الآية يمكن أن تنسحب على المسلمين تماماً، أي الخلاف بين فرقهم وجماعاتهم هذا خلاف ليس أساسه الجهل، لا، أساسه هو الهوى، أساسه المصالح، أساسه المكاسب، أساسه حبّ الرئاسة، أساسه حبّ السيطرة، أساسه الحسد، أساسه البغي، لمَ الخلاف وكتابنا واحد؟ لِمَ الخلاف والسنة واحدة والنبي صلى الله عليه وسلم واحد والأمور واضحة والقرآن بلسانٍ عربيٍ مبين فلِمَ الخلاف؟ لمَ التشرذم؟ لمَ التقوقع؟ لمَ تراشق التهَم؟ لمَ الطعن؟ لمَ الإنكار؟ لمَ البغضاء؟ لِمَ العداوة؟ لمَ التحزُّبات؟ لم هذه التقوقعات؟ قال: ما اختلفوا لجهلٍ، بل اختلفوا وهمْ في أعلى درجات العلم، كتابٌ واضحٌ كالشمس، معظم آياته محكمة لا تحتاج إلى تفسير، الآيات المتشابهة قليلة، آيات العقيدة محكمة، آيات العبادات محكمة، آيات التشريع محكمة، لا إشكال أبداً، والأحاديث واضحة، بَيِّنَة، لماذا اختلفوا؟ اختلفوا طمعاً في المكاسب، كل يدّعي وصلاً بليلى، كل جماعة تدّعي أنها على حق، وما سواها على باطل، هذا حسد، هذا بغي، هذا حب رئاسة، هذا هوى، هذا عدوان، هذه هي المشكلة.

﴿وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ هنيئاً لمن كان على حق، وكان مستقيم السريرة، وكان مخلصاً في دعوته، وكان وَفْقَ الكتاب والسنة، وكان متعاوناً مع الآخرين.

 

تكفل الله تعالى بهداية الخلق:


﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)﴾

[ سورة الجاثية ]

يا محمد ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا﴾ جعلناك على منهجٍ قويم، على دستورٍ عظيم، على كتابٍ معجز، على محجَّةٍ بيضاء كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ : قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ. ))

[ صحيح الجامع الصغير ]

﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾ قال تعالى:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)﴾

[ سورة الليل  ]

الهدى على الله عزَّ وجل، هو تكفل بهداية الخلق، ما علينا إلا أن نتبع الأمر، هو تكفَّل بإظهار الحق، هو تكفل بإظهار الحق وإبطال الباطل..

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾

[ سورة الإسراء ]

 

الإنسان إما أن يتبع الحق أو يتبع الهوى:


﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ –يا محمد- عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا﴾ البديل؟ إذا لم يتبع الإنسان الحق فماذا سيتبع؟ قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أنت بين أحد خيارين، إما أن تتبع منهج الله، والبديل الهوى؛ النزوات، الشهوات، المصالح، المكاسب، كل شيء مادي دنيوي، فأنت بين خيارين صعبين، إما أن تتبع الحق، وإما أن تتبع الهوى، لذلك:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

[  سورة القصص ]

اجعل دائماً وأبداً هذه المعادلة: إما أن أتبع الهوى، وإما أن أتبع الحق في كل علاقاتك، في كل مواقفك، في كل نشاطاتك، إما أن تتبع الحق، وإما أن تتبع الهوى.

 

الله ولي المؤمنين:


﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)﴾

[ سورة الجاثية ]

هؤلاء الذين لا يعلمون، هؤلاء الذين يضغطون، هؤلاء الذين يغرونك، أو يضغطون عليك من أجل أن تتبع أهواءهم، يتساءلون مثلاً: لماذا هذا الحجاب؟ لماذا أنت خائف من الربا؟ ماذا حدث؟ الدنيا كلها تتعامل بالربا، هذه أهواء، الناس الضالون المضلون دائماً يحبون أن يوسعوا الباطل، فإذا كان الإنسان مستقيمًا لا يريحونه، دائماً عليه يكثرون الضغط، والإغراء، لا يعطونك ميزات إلا إذا كنت على هواهم.

﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)﴾

[  سورة البقرة ]

إذا عندهم ميزات لا يعطونك إياها حتى تمشي مثلما يريدون، هذا الضغط وهذا الإغراء هي أهواء ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً﴾ إذا ضُغط على الإنسان كي يتبع أهواء الذين ضلوا، أو أُغري بعطاء كبير كي يتبع أهواء الذين ضلوا، لا هؤلاء ولا هؤلاء، لا بالضغط، ولا بالإكراه، ولا بالإغراء، في النهاية تستفيد، لأنك لا تنجو من عذاب الله.

والي البصرة جاءه من يزيد الخليفة الأموي توجيه معين، يبدو أن التوجيه مخالف للكتاب والسنة، فكان عنده الحسن البصري، وقع في حيرة كبيرة، إن نفَّذ توجيه الخليفة أغضب الله، وإذا لم ينفذه أغضب الخليفة، وقد يعزله من منصبه، فسأل الحسن البصري قال له: ماذا أفعل؟ فأجابه بكلامٍ جامعٍ مانعٍ شافٍ، قال له: "إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله" .

كلام في منتهى البلاغة، فإذا سمعت كلام فلان وأرضيته، مهما كان فلان عظيمًا فلا يمنعك من الله، أما إذا أرضيت الله عزَّ وجل، وكان الشخص شريرًا، وأراد أن يوقع بك الله يمنعك منه، انتهى الأمر، "إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله"، هذه الكلمة تكتب بماء الذهب، اجعلها شعارًا لك، كلما جاءك ضغط أو إغراء من أجل أن تتبع الهوى لا أن تتبع الحق، الحق هنا، أحياناً الأب يضغط كثيراً لا يزوج ابنه إلا كما يريد، إذا أحبّ أحدهم أن يسيّر أهل بيته وفق الشرع عاداه كل أهله، قد يحرمونه من الميراث، ضغط أو إغراء من أجل أن تتبع الهوى، يريدون الاختلاط، يريدون كسب الأموال بالباطل، يريدون أفعالاً لا ترضي الله عزَّ وجل، لذلك: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ المشكلة أن الظالمين يتعاونون على الحق، يستخدمون قوتهم وذكاءهم وكل شيء يملكونه في سبيل الضغط على المؤمنين، هذه التولية بالباطل، يتعاون الكفار على المسلمين وعلى المؤمنين، يضعفونهم، يمنعون عنهم الأشياء الأساسية في حياتهم، ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ لكن هذه الولاية لا تنجح بسبب: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ .

ما أدق هذه الآية! لو فرضنا أهل الأرض اجتمعوا، دول العالم كلها اجتمعت على أن توقع الأذى بالمؤمنين، دول كبرى عظمى معها أسلحة فتَّاكة تسيطر على العالم كله، لو أنها اجتمعت على أن توقع الأذى بالمؤمنين لا يستطيعون لسببٍ بسيط هو أن الله مع المؤمنين، لأن الله بيده كل شيء، تصور جهازين أمامك يعملان بقوة كهربائية، عندك المفتاح، فأنت بضغط على زر توقف واحدة، وتشغل الثانية، انتهى الأمر كله، توجد ببعض المعامل رافعات ترفع خمسة أطنان من الحديد، معامل الخردة، الونش لو كان له كلاليب القضية معقدة جداً، ونش مغناطيسي عبارة عن مسطح مربع كبير حوله وشيعة كهربائية، فإذا سرت الكهرباء صار مغناطيساً، ينزل فوق الحديد ويحمل خمسة أطنان، لا يوجد قوة تسحب منه قطعة، الشد كبير، أما العامل على الرافعة فيكبس الزر ميليمتراً واحداً فيقطع الكهرباء، فيسقط الحديد، فعلى الله القضية سهلة جداً..

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا غُلامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَلْتَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ . ))

[ صحيح الترمذي ]

 

الأمر كله بيد الله عزَّ وجل:


﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

[ سورة فاطر ]

شيء دقيق جداً، الأمر بيد الله عزَّ وجل، لو أن الناس اجتمعوا، يقول لك: العالم كله ضد الإسلام، أنت كن مؤمنًا صادقًا، ولا تخف لأن ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ كن مؤمنًا صادقًا، أقم الإسلام في بيتك، أقمه في عملك، حرر دخلك من الشبهات، اضبط حواسك، اضبط بيتك، انتهى.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)﴾

[ سورة التوبة ]

لو تآمروا عليك، لو أن أقوى الأقوياء أراد أن يوقع بك الأذى لا يستطيع، لأن الله مع المتقين، أحياناً يكون هناك قوى كبيرة جداً، وهناك صغار، هؤلاء الصغار إذا تخاصموا القوى الكبيرة مع هذا انتهى الأمر، حسمت النزاع، فربنا لا يوجد غيره الله عزَّ وجل، إذا كان مع المؤمنين انتهى الأمر، فإذا بدا لك أن الله تخلى عن المؤمنين هو لم يتخلَّ، بل لأنهم ليسوا بمؤمنين، لو أنهم مؤمنون لما تخلَّى عنهم، وإسلامهم انتماء شكلي، انتماء تاريخي، يقول لك: أخي هذا مسلم، أحياناً تجد ببعض البلاد جيراننا على البحر، المسلم وغير المسلم يشربون الخمر، ويسبحون عراة أمام بعضهم بعضاً، هذا مسلم، ما عاد مسلمًا، أين المسلم؟ لا تجد فرقًا على الإطلاق، لا في كسب المال، ولا في إنفاقه، ولا في البيت، ولا في العمل، النظام ربوي، على شهوات، على اختلاط، على تفلت، أخي هذا مسلم وهذا غير مسلم، هذه عصبية، هذه هذه أصبحت جهالة، أما المؤمن فهو متميِّز بأخلاقه، متميز ببيته، متميز بعمله، نمط فذ، نمط غريب، المسلم ليس نمطاً شائعاً، كن مؤمنًا وانظر، الله لا يتخلى عنك:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾

[  سورة النور ]

انظر إلى الآية ما أعظمها، ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ لكن: ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾ هم لا يعبدونه، البيوت ليست إسلامية، العمل ليس إسلامياً، فيه غش، فيه كذب، فيه خداع، فيه اختلاط، قد ترى امرأةً تمشي في الطريق، هل هذه مسلمة؟ هذا أبوها مسلم؟ مستحيل، كل مفاتنها في الطريق، أين أبوها؟ أين إخوتها؟ كيف سمحوا لها أن تمشي بهذا الشكل؟ كلما كما يقولون: رخص لحم النساء غلا لحم الضأن، وكلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء.

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)﴾

[ سورة الجن ]

﴿  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾

[ سورة فصلت ]

مشكلتنا ليست مشكلة أن الله لم يتخلَّ عنا، نحن مقصِّرون، وعده حق، والله لزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعده للمؤمنين لكن لا يوجد مؤمنون، عدد كبير، كان الصحابة واحدًا منهم كألف، الآن ألف كأف، لا دين، كذب، تجد القصر العدلي به ستة آلاف دعوى، كلها باطلة، مسلمون بين بعضهم، الأخ على أخيه، لا يوجد رحمة، ولا إنصاف، دائماً يوجد قنص، يوجد أكل أموال الناس بالباطل، هؤلاء يستحقون أن يرحمهم الله عزَّ وجل؟ فالإنسان عليه أن يستقيم على أمر الله، الآية هنا: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ – لا تخافون- وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تصور جنديين تشاجرا، وكان قائد الجيش مع واحد منهم، من خصمه؟ مهما كان خصمه الثاني، عشرة أشخاص، القائد كله مع الأول انتهى الأمر، عندما يكون ربنا مع مؤمن فلا تجد كافرًا، انتهى، ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ وفي درسٍ آخر إن شاء الله نتابع تفسير هذه الآيات.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور