وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 02 - سورة فصلت - تفسير الآيات 3-8 القرآن الكريم يحقِّق للبشريَّة سعادة الدارين في الدنيا والآخرة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

القرآن الكريم يحقِّق للبشريَّة سعادة الدارين في الدنيا والآخرة:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني من سورة فصِّلت، ومع الآية الثالثة.

بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)﴾

[ سورة فصلت ]

ذكرت في الدرس الماضي أن هذا القرآن الكريم يحقِّق للبشريَّة سعادة الدارين في الدنيا والآخرة، بل يحقِّق ذلك للمخلوقات جميعاً، لأن المؤمن حينما يُؤمَر أن يُحسن لكل المخلوقات، كانت رحمة المخلوقات بشكلٍ غير مباشر قد وصلت إلى كل الخلائق، وقد قال أحد العلماء: "الشريعة رحمةٌ كلُّها، عدل كلها، مصالح كلها" ، فالأصل في الشريعة أنها لرحمة العالمين، فربنا عزَّ وجل بيَّن أن هذا القرآن الكريم نزل من الرحمن الرحيم إذاً هو عطاء، وخير عطاءٍ أن يكون لك منهجٌ تسير عليه، هذا المنهج يُفْضي بك إلى الجنة، إلى سعادةٍ أبديَّة، فالعطاء الحقيقي هو كل شيءٍ يوصلك إلى الله، وإلى الدار الآخرة، وإلى سعادةٍ أبديَّة، هذا هو العطاء، أما الدنيا فليست عطاءً، لأن كل ما فيها ينتهي عند الموت، فالكريم لا يعطي عطاءً محدوداً، الدنيا عطاؤها محدود، ما دام الموت يُنهي كل شيء إذًا هي ليست بعطاء. إذاً هذا القرآن بأمره ونهيه، بوعده ووعيده، بقصصه، بأحكامه، بأوامره هو رحمةٌ للعالمين، لا للمؤمنين فحسب، بل للبشر قاطبةً، بل للمخلوقات قاطبةً، إما هذه الرحمة ينالُها المؤمن المتبِّع لهذا القرآن بشكلٍ مباشر، أو ينالها غير المؤمن، أو المخلوق غير الآدمي بشكلٍ غير مباشر، على كلّ هذا القرآن الكريم هو عطاءٌ من الله عزَّ وجل. 

ورد في القرآن الشفاء في آيتين؛ العسل شفاءٌ للأبدان، والقرآن الكريم شفاءٌ للأرواح..

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)﴾

[ سورة الإسراء  ]

أي أنت متى تُرحَم؟ إذا اتبعت منهج الله عزَّ وجل، وهذا منهج الله عزَّ وجل لن تضل بعده أبداً، تعليمات الصانع، أمرٌ ونهي من قِبَل الخبير خالق الأكوان.

 

كل الأحوال التي يحتاجها الإنسان مفصَّلةٌ في كتاب الله:


﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)﴾

[ سورة فصلت ]

هذا القرآن الكريم الذي هو تنزيلٌ من الرحمن الرحيم هو﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ ، قال: فصِّلت مع الأغراض والمقاصد التي يسعى إليها الإنسان، فصِّلت مع الطبائع والعقول التي يحملها الإنسان، فصِّلت مع البيئات والظروف التي يعيشها الإنسان، فصِّلت مع حاجات الإنسان، فصِّلت مع أحوال الإنسان. 

الله عزَّ وجل صوَّر لنا في كتابه الكريم نبياً كريماً لم يكن ابنه على شاكلته، سيدنا نوح، فصَّل في هذا الكتاب نبياً كريماً زوجته ليست على شاكلته، فصّل في هذا الكتاب الكريم نبياً كريماً أبوه ليس على شاكلته، أي أنت في كل الأحوال نموذجك ورد في القرآن الكريم، قد يكون الأب بعيدًا عن الله، قد يكون الابن، قد تكون الزوجة، هناك أنبياء كانوا فقراء رعاة للغنم، وهناك أنبياء كانوا ملوكاً وحُكَّاماً، ولا يمنعهم أن يكونوا في أعلى مراتب القرب من الله عزَّ وجل، فمعنى: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ أي حاجات الإنسان مفصَّلة، أنت تحتاج إلى تطمين، إلى تبشير، إلى تحذير، إلى إنذار، إلى رسم المستقبل، مشاهد منتزعة من يوم القيامة، تحتاج إلى أن تنظر إلى الماضي نظرةً فاحصة؛ فيه أخبار تاريخيَّة، فيه خبر من كان قبلنا، فيه نبأ من سيأتي بعدنا، فيه إشارات إلى آخر الزمان، فيه منهج، فيه أمر ونهي، فمعنى كتابٌ فصِّلت أي وفق المقاصد والأهداف، وفق العقول والطباع، وفق البيئات والأحوال، وفق حاجات النفس المتعدِّدة من تحذيرٍ، إلى تبشيرٍ، إلى وعدٍ، إلى وعيدٍ، إلى أمرٍ، إلى نهي، إلى تطمينٍ، إلى تخويفٍ، إلى إخبارٍ، إلى تَنَبُّؤٍ، إلى بيان هدفٍ أخير، كل هذه الأحوال التي يحتاجها الإنسان مفصَّلةٌ في كتاب الله، لأنه من عند الخبير، وقد قال الله تعالى: 

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر ]

﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾

 

أيّ مشكلة يعاني منها الإنسان يجب ألا تكون عائقاً بينه وبين الله:


شيءٌ آخر؛ إن كنت فقيراً فهناك من قمم البشر من كانوا فقراء، وإن كنت غنياً فلا يمنعك غناك من أن تكون في قمة المؤمنين، هناك أنبياء كانوا أغنياء، وإن كنت تعاني من مشكلةٍ في أسرتك فهناك نبي كريم عانى من هذه المشكلة، أي:

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ(10)وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)﴾

[ سورة التحريم ]

أيّ مشكلة تعاني منها يجب ألا تكون عائقاً بينك وبين الله؛ لا وضع مادي معيَّن، ولا وضع أسري معيَّن، ولا وضع معاشي معيَّن، ولا وضع اجتماعي معيَّن، أي هناك من الرجال الصالحين من كانوا في أحوال متعدِّدة. 

إذاً: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ أنت نفس تحتاج إلى تطمين ففيه تطمين.. 

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

[ سورة القصص  ]

تحتاج إلى تحذير، فيه مشاهد مخيفة منتزعة من يوم القيامة، تحتاج إلى وعد، إلى وعيد، إلى أمر، إلى نهي، إلى تفصيل، إلى قصَّة، إلى خبر، إلى تاريخ، إلى مستقبل. 


  اللغة العربية أفضل اللغات:


﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)﴾

[ سورة فصلت ]

أولاً: لغة هذا القرآن عربيَّة، فيه إشارة إلى أن هذه اللغة اختارها الله جلَّ جلاله لتكون قالَبَاً لكلامه، لابدّ من أن هذه اللغة على مستوىً رفيع، لكن إذا تجاوزتها لُغات أخرى فلأن الأقوام الأخرى اعتنوا بها أشدَّ العناية، لا يعني هذا أن لغتنا ليست في المستوى العالي، هي في اعتراف أكبر علماء اللغة من أرقى اللُّغات العالميَّة، اللغة العربيَّة لا يعرف قدرها إلا من درسها، ومن عرف أسرارها، ومن عرف خصائصها، ومن عرف أساليبها في التعبير، لغة غنيَّة، وتغتني دائماً، لأنها لغة الاشتقاق الأولى، لغة التصريف الأولى، فمن أي فعل ثلاثي يمكن أن تأخذ فعلاً ماضياً، وفعلاً مضارعاً، وفعلاً أمراً، و فعلاً مجرَّداً، وفعلاً مزيداً، وعندنا زيادات كثيرة جداً، وكل زيادة لها معنى، بالتشديد، مثلاً بالتضعيف، بألف واحدة، كاتب، بألف وتاء، تكاتب، بألف وتاء وسين، فهناك أوزان من الأفعال كثيرة جداً، وكل وزن يعطي معنى دقيقاً، لأضرب لكم مثلاً: ربنا عزَّ وجل قال:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر ]

أنت ماذا تفهم من كلمة: تواصوا بالحق ؟ تواصوا، لعلَّك تفهم أنهم يوصون بعضهم، التواصي لا يعني إسداء النصيحة فقط، التواصي فعل وزنه من باب تفاعل أو فاعل، فاعل يفيد المُشاركة، أي المؤمن أسدى النصيحة، والطرف الثاني قَبِلها، تعني هذه الكلمة أن الذي يقبل النصيحة ليس أقلَّ فضلاً من الذي يُسْديها، إذاً هذه تُعلِّمنا أنك إذا أصغيت إلى الناصح فأنت ممن تواصوا بالحق، وإذا أصغيت له، وسمعت كلامه، وقبلته، واستجبت له فلك فضلٌ كبير، هناك فضلٌ لمن أسداها، وفضلٌ لمن قَبِلها، فضلٌ لمن أصغى إليها، ثمَّ قَبِلها. 

إذاً: لو ذهبنا ندقِّق في أوزان الأفعال، في بناء الأسماء لوجدنا العجب العُجاب، وهذا بحثه يطول، لكن ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ يبدو أن العربيَّة واسعة البيان، دقيقة التعبير، لغةٌ تُعدُّ من أرقى اللغات المتطرِّفة، لذلك كانت هذه اللغة قالباً لكلام الله عزَّ وجل. 

هناك إشارة أخرى، مرَّة قلت لكم: في اللغة العربيَّة الفعل الواحد يعني معاني كثيرة جداً، بل إن كل فعلٍ يشير إلى حالةٍ دقيقةٍ دقيقة من أفعال النظر مثلاً، مرَّة ذكرت لكم في قصة سيدنا يوسف قديماً أن نظر، وهناك حدَّج، حدَّج بمعنى نظر مع المحبَّة، قال عبد الله بن مسعود:

(( حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم ، وأقبلت عليك قلوبهم، فإذا انصرفت عنك قلوبهم، فلا تحدثهم، قيل: وما علامة ذلك؟ قال: إذا التفت بعضهم إلى بعض، ورأيتهم يتثاءبون، فلا تحدثهم. ))

[ البغوي: الحسين بن سعود : شرح السنة ، تحقيق وتخريج: شعيب الأرناؤوط ]

هناك نظر شزراً أي مع الاحتقار، وهناك شَخَصَ مع الخوف، واستشرف مع التَمَطِّي، واستشفَّ مع اللمس، ولاحَ شيء ظهر واختفى، ولَمَحَ أي نظر وأعرض، ورَنَا مع السرور، خمسون أو ستون فعلاً تشير هذه الأفعال إلى فعل نظر، إلى معنى النظر، لكن كل فعل معه حالة خاصَّة من حالات النظر. 

طبعاً الحديث عن خصائص اللغة العربيًّة، عن اشتقاقها الصغير والكبير، فعل عَلِمَ هذا الفعل الثلاثي له ستة تقاليب؛ علم، ولمع، وملع، رتِّب الحروف، غيّر الترتيب، ستة تقاليب يمكن أن يكون هناك معنى واحد مشترك لكل التقاليب التي يحتملها فعل عَلِمَ، هذا اشتقاق كبير، ومن كل فعل اسم فاعل، اسم مفعول، اسم مكان، اسم زمان، اسم تفضيل، صفة مشبَّهة باسم الفاعل، اسم آلة من فعل واحد، وقلت لكم: إنّ أعلى لغة من حيث التصريف هي اللغة العربيَّة. 

 

القرآن عربي يُفْهم وفق قواعد اللغة العربيَّة:


الإشارة الثانية في هذه الآية إلى أن هذا القرآن عربي، إذاً لا ينبغي أن يُفْهم إلا وفق قواعد اللغة العربيَّة، فإذا أطحت بهذه القواعد، وإذا أهملتها جانباً، ألقيتها وراء ظهرك لست مؤهَّلاً أن تفهم كلام الله، طبعاً أنا لا أقوال: إنّ فهم قواعد اللغة العربيَّة وحده يكفي لفهم كلام الله، لكن فهم قواعد العربيَّة شرطٌ لازمٌ غير كافٍ.

 

حاجة القرآن إلى إدراك عميق:


﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)﴾

[ سورة فصلت ]

قال: لقومٍ يعقلون وينظرون، أي هذا الكتاب يحتاج إلى عقل يستوعبه، يحتاج إلى نظر ينظر فيه، أما هؤلاء الذين يعطِّلون عقولهم، يلهثون وراء شهواتهم، فهؤلاء ليسوا مؤهَّلين لفهم كلام الله عزَّ وجل، ﴿لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي هذا الدين، وهذا القرآن بالذات يحتاج إلى إدراك عميق، يحتاج إلى قدرات عالية، يحتاج إلى قدرة على الفهم، يحتاج إلى قدرة على سرعة الفَهم، يحتاج إلى قدرة  في النظر في الأشياء، هذا معنى قوله تعالى: ﴿لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ إنسان يعطِّل عقله، ويتبع شهوته، يكون مقلِّدًا في حياته، المُقلِّد والمُعطِّل لعقله هذا ليس مؤهَّلاً لفهم كلام الله عزَّ وجل، أي هذا الإنسان حينما يُعطل عقله يشقى، وحينما يُعطل عقله لا يفهم كلام الله عزَّ وجل، فإن لم تأنس من إنسانٍ قوةً إدراكيَّةً، وفهماً، وحصافةً، ودقَّةً في الفهم فلا تُتعب نفسك معه، إن هذا القرآن ﴿لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أيّ لإنسان استخدم عقله، لإنسان استخدم إمكاناته الهائلة التي أودعها الله فيه، هذا القرآن مهيَّأ لإنسان يبحث عن الحقيقة، يبحث عن سعادته الحقيقيَّة، يبحث عن منهج الله في الأرض ﴿لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ إذاً هذه الآية رغم إيجازها تنطوي على إيجازها ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ، حينما قال الله عزَّ وجل،﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ مدح هذه اللغة إذ جعلها قالباً لكلامه، وحينما قال: ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ جعل فهم قواعد هذه اللغة سبيلاً أولياً لفهم كلامه.

 

القرآن بشير للمؤمنين نذير للعاصين:


 قال: 

﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)﴾

[ سورة فصلت ]

الحقيقة عندما يقرأ الإنسان القرآن، وكان مستقيمًا على أمر الله، وكان ملتزماً يشعر أن الآيات التي تبشِّر موجَّهةٌ إليه، والإنسان أحياناً يغتني بهذه البُشرى، فإذا وُعِد الإنسان من شخص ذي أهميَّة يطمئن، إذا وعدك إنسان قوي وعدًا ترتاح، لو تأخَّر تنفيذ الوعد، فكيف إذا وعدك خالق الكون ؟ قال: ﴿بَشِيراً﴾ .

المؤمن لماذا هو سعيد؟ قد تكون حياته فيها منغِّصات، مرَّة ضربت مثلاً طريفاً: أن إنسانًا فقيرًا جداً، عنده أولاد كثر، عنده مشكلات لا حصر لها، لكن له قريب هو وريثه الوحيد يملك مئات الملايين، ومات فجأةً بحادث، فكل هذه الملايين آيلةٌ إلى هذا الفقير، لكن إلى أن تصل إليه لابدَّ من معاملات، وإجراءات، وبراءات ذمَّة، روتين معيَّن، لماذا هذا الفقير منذ أن عرف أن هذه الأموال آلت إليه إلى أن قبضها لماذا هو في أشد حالات السعادة مع أنه في هذه الفترة لم يأكل لقمةً غير خشنة؟ إذاً هذا الإنسان مع أنه لم يقبض أي مبلغٍ من المال لكنه دخل في أملٍ محقَّق، لذلك أحد أسباب سعادة المؤمن أن خالقه العظيم وعده بجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، فلِمَ لا يطمئن؟ أحد أسباب سعادته أن الله بشَّره بالجنَّة، وعده بها، لذلك هذا الوعد، وهذه البشارة تمتص كل مشكلةٍ في حياته اليوميَّة، أما أهل الدنيا الذين لا يطمحون إلى الجنَّة، ولا يرجون الله عزَّ وجل فمهما كانت حياتهم ناعمةً فهم في شقاء، لأن أي شيءٍ إذا نقص من حياتهم يقلِب حياتهم إلى جحيم، أما المؤمن لو اصطلحت عليه الهموم كلها فهو سعيدٌ بوعد الله له، سعيدٌ بما بشَّره به، إذاً: ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ .

أيضاً الإنسان المقيم على معصية لو قرأ الآيات، وقرأ من هذه الآيات آية تحذِّره من مغبَّة عمله، فهذه رحمة الله عزَّ وجل يبشِّر المؤمن ويحذِّر العاصي، قال: ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ .

 

الأمراض التي يعاني منها الإنسان هي أعراض الإعراض:


الحقيقة كل الأمراض التي يعاني منها الإنسان هي أعراض الإعراض، لأن الله تعالى يقول:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

[  سورة طه  ]

إذاً الإعراض عن ذكر الله عزَّ وجل هو مصيبة المصائب، وهو أساس البلايا، وهو أساس الشقاء البشري.

 

قانون السمع:


قال هؤلاء:

﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)﴾

[ سورة فصلت ]

الحقيقة السماع له قانون، الإنسان لا يكفي أن تكون له أذنان سليمتان من عيوب السمع، السماع متعلِّق بالاهتمام، الشيء الذي تبحث عنه تسمعه بدقَّةٍ بالغة، تسمع أخباره كلَّها، والشيء الذي لا يعنيك لو وُضِع في أذنك أكبر مكبِّر للصوت فإنك لا تسمع شيئاً، والإنسان يجرِّب أحياناً، الأذنان زوَّدهما الله عزَّ وجل بقدرةٍ على الاصطفاء، اجلس مع صديقٍ لك في غرفة، وضع على النافذة آلة تسجيل لتسجِّل الأصوات الآتية من الخارج، تحدَّث معه طويلاً، ثم استمع إلى ما سجَّله الشريط، تُفاجأ أن كل هذه الأصوات التي سجَّلتها الآلة لم تسمعها أنت في أثناء اندماجك في الحديث مع صديقك، معنى ذلك أن الأذن تصطفي، هذا مثل مادي، أما على أوسع الإنسان يُرهف السمع إلى ما يعنيه، يُرهف السمع إلى ما يحتاجه، إلى ما يبحث عنه، إلى ما هو صادقٌ في طلبه، إذاً عدم السماع يأتي من عدم الاهتمام، عدم السماع يأتي من عدم الصدق مع الله عزَّ وجل، عدم السماع يأتي من البعد عن الله عزَّ وجل، لذلك: ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ﴾ وهناك آية قرآنيَّة توضِّح هذا المعنى الدقيق، قال تعالى في سورة البقرة: 

﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)﴾

[ سورة البقرة ]

 

الختمُ على القلب ينتِج الفكر التبريري:


العلماء قالوا: هذا ختم حُكْمِي، ما معنى ختم حكمي؟ لو أن لهذا المسجد بابين، هذا الباب باب الحرم وبابٌ خارجي، لو أقفلنا الباب الخارجي فهذا الباب الداخلي في حكم المُغْلَق، مادام الباب الخارجي مَنَع أيّ إنسان من دخول المسجد فهذا الباب لا معنى له ولو كان مفتوحاً، فربنا عزَّ وجل يقول: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ منفذ القلب هو السمع والبصر، فإذا كان حبّ الدنيا يُغَشِّي السمع والبصر فالقلب قد خُتِمَ عليه حكماً، مادام السمع والبصر نافذتان يطل منهما القلب على العالم الخارجي فحبّ الدنيا يُغَشِّي السمع والبصر، إذاً كأن القلب قد خُتم عليه ختماً حكمياً، كما يقول علماء المنطق: تحصيل حاصل، فهنا الإنسان إذا أحبّ الدنيا، وتعلَّق بها، وانغمس في ملذَّاتها، وخرق منهج الله عزَّ وجل كأن على سمعه وعلى بصره غِشاوة، وهذه الغشاوة التي على سمعه وعلى بصره تحول بينه وبين أن يعقل شيئاً، فلذلك إذا أراد الإنسان أن يعرف الله عزَّ وجل لابدَّ من أن يتجرَّد من حبّ الدنيا، إنه إنْ أحبَّها، وأقام على بعض المعاصي فعندئذٍ يفكِّر بطريقةٍ غريبة، يفكِّر بطريقة المنطق التبريري، الشيء المقيم عليه يدافع عنه، ويكابر كل بيانٍ لِدَحضِه، إذاً أنت حينما تناقش إذا كنت متلبِّساً بمعاص فأنت حينما تناقش تدافع عن نفسك، وتبحث عن حجَّةٍ ترضى بها، وأي حجةٍ تنقض مسعاك ترفضها، هذا هو المنطق التبريري غير المقبول في البحث عن الحقيقة، أما إذا تجرَّدت من مصالحك الشخصيَّة ومن المعاصي المقيم عليها، ونظرت إلى الأمر نظرةً تجريديَّة فإنك ستعرف الحقيقة، إذاً إعراض الناس عن الحق هو تملُّقٌ لمصالحهم، تملُّق لشهواتهم، دفاعٌ عن مصالحهم الدنيويَّة، لو أنّ إنساناً مقيماً على أكل المال الحرام كلَّما جئت له بآيةٍ أو حديثٍ يُذَكِّره بعمله المنحرف يثور، ويغضب، ويقول: لهذه الآية معنى آخر، ليس هذا هو المعنى، هو يدافع عن نفسه، يحاول أن يبرِّر خطأه، إذاً إما أن تبحث عن الحقيقة بحثاً مجرَّداً خالصاً من كل مصلحةٍ أو شهوة، وإما فأنت تستخدم هذا العقل العظيم الذي أودعه الله فيك استخداماً غير صحيح.

 

العقل أداة عظيمة لابد من استعمالها في الخير:


مرَّة ذكرت لكم أن آلة غالية جداً إذا استخدمها الإنسان وفق ما صُنعت له قد يرقى بها إلى أعلى عليين، أما إذا استخدمها بخلاف ما صُنعت له فقد تودي به إلى السجن، والآلة هي هي، وكذلك العقل، أعظم منحةٍ منحك الله إيَّاها هو هذا العقل، إذا استخدمته وفق الهدف الجليل العظيم الذي أعدَّك الله له، فهذا العقل يوصلك إلى الله، وإلى سعادةٍ أبديَّة؛ أما إذا استخدمته لغير ما صُنِع له فقد وقعت في الجدل، ووقعت في التيه، وجعلت من العقل أداةً للهلاك، هذا على قول الله عزَّ وجل: ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ ، يقول أحد العلماء: لم أجد أشدَّ صمماً من الذي لا يريد أن يسمع، إذا كان الإنسان بعيدًا كما حدَّثني أخ كريم كان له حالة قبل أن يتعرَّف إلى الله عزَّ وجل، حضر مجلس علم، وكان منغمساً في انحرافاته، قال لي: والله لم أفهم شيئاً، ولا علاقة لي بهذا الدرس، وأنا في واد والدرس في واد، عبَّر تعبيراً صادقاً عن أن الإنسان إذا كان منغمساً في شهواته، غارقاً في حظوظه، ملتفتاً إلى مصالحه فهو في واد، والحق في واد آخر، فإذا ليس عنده تجرُّد، لا يوجد عنده ترفُّع عن شهوات الدنيا، وعن مصالح الدنيا فالرؤية غير صحيحة، والأذن لا تسمع. 

إذاً هو بشيرٌ ونذير، قال تعالى: ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ معنى لَا يَسْمَعُونَ إما أنهم رفضوا أن يسمعوا، أو أنهم حينما سمعوا لم يفقهوا ما سمعوا، أو أنهم فقهوا ما سمعوا لكنَّهم آثروا دنياهم على آخرتهم، إما أنهم منعوا أنفسهم من السماع، أحياناً يقول لك الشخص: لست مستعداً أن أجلس معك أبداً، يرفض، أنا أقول: الإنسان عندما يرفض الحق كمن جاءته رسالة فمزَّقها قبل أن يقرأها، أليس هذا عملٌ غبي؟ اقرأها ثمَّ ارفضها، لكنه مزَّقها قبل أن يقرأها. 

أحياناً الناس ينتقدون الإسلام، أو الدين الإسلامي، أنا أقول لهذا المنتقد: هل قرأت الدين؟ هل استوعبته؟ هل قرأت القرآن؟ هل قرأت السنَّة؟ هل أردت أن تستوعب قبل أن تنتقد؟ النقد قبل الاستيعاب موقف غير علمي، وغير منطقي، كأن تهاجم شيئاً دون أن تستوعبه، فعدم السماع يرفض أن يسمع، أو إذا سمع هو في وادٍ والحديث في وادٍ آخر. 

تصوَّروا آلة تصوير من أعلى مستوى لكن ليس في داخلها فيلم، فلو التقط صاحبها مناظر جميلة جداً، وجَهِد في ضبط السرعة والمسافة، ولا يوجد فيلم، فكل إنسان يسمع الحق وهو ليس طالباً له كهذه الآلة التي لا تنفع ولا تجدي.

 

الفرق بين المعصية والطاعة:


﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)﴾

[ سورة فصلت ]

أي قلوبنا مغطَّاة بأغشية وسُتُر كثيرة جداً، تدعونا أنت ولكن قلوبنا بعيدة عن دعوتك، في أكِنَّة مغطَّاة، الكنَّة أي الغطاء، ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ أي الكفَّار يُعبِّرون عن بعدهم الشديد، والإنسان كلَّما كان بعيداً ساء فهمه، وكلَّما كان قريباً كلما حَسُنَ فهمه، وربنا عزَّ وجل أشار إلى هذا المعنى، فقال: 

﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)﴾

[  سورة فصلت  ]

والمؤمن يُنادى من مكانٍ قريب، هو قريب يُنادى من مكانٍ قريب فيعي، والكافر يُنادى من مكانٍ بعيد، ما الذي يبعده عن الله عزَّ وجل؟ المعاصي، المعاصي تُبعد، والطاعات تقرِّب، والمعاصي تقطع، والطاعات تَصِل، المعاصي تُقَسِّي القلب، والطاعات تليِّن القلب، المعاصي تُجمِّد الفكر، لا يعي على خير، والطاعات تُفجِّر طاقات الإنسان، أي الطلعة ترفع صاحبها إلى الأوج، والمعصية تُحبط عمله، وتُقيَّد حركته، وتُجمِّد فكره، وتُشقيه ولا تُسعده.

 

لا أحد يسعد بالمعصية أبداً:


وبعد ذلك أيها الإخوة، كل إنسان يتوهَّم أنه ممكن أن يسعد بمعصية فهو أغبى الأغبياء، وكل إنسان يتوهَّم أنه ممكن أن يُضَر بطاعةٍ من طاعات الله عزَّ وجل فهو لا يعرف الله أبداً، لأنك إذا أطعته انقلبت كل الموازين لصالحك، إذا أطعته تجلَّى على قلبك، أسعدك سعادةً ما بعدها سعادة، فكل الدين من أجل أن تطيعه، وأن تسير على منهجه، ويكفينا قول الله عزَّ وجل:

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[ سورة الأحزاب  ]

خالق الكون، الذات الكاملة يقول لك: إذا أطعتني فُزت فوزاً عظيماً، وطاعة الله عزَّ وجل في متناول كل واحدٍ منَّا، لماذا؟ لأن الله عزَّ وجل لا يكلِّف نفساً إلا وسعها، تقول: لا أقدر، هذا كلام فيه جهل، الله عزَّ وجل ما كان له أن يكلِّفنا ما لا نطيق؛ لا في أمورنا المعاشيَّة، ولا في كسب الرزق، ولا في العلاقات العامَّة، ولا في الاجتماعيَّة، ولا في الأمور الشخصيَّة، كل شيء أودعه الله فينا من غرائز وشهوات رسم لنا قنوات نظيفة لتحريك هذه الشهوات، ليس في الإسلام حرمانٌ إطلاقاً، الإسلام كله عطاء، الإسلام كله توازن، الإسلام واقعي، الإسلام يتماشى مع الفطرة. 

إذاً: المعصية تُبعد، المعصية تُشقي، المعصية تجعل بينك وبين الحق أمداً طويلاً.

﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ(5)﴾

[ سورة فصلت ]

أنت تحرَّك كما يحلو لك، وافعل ما تريد، ونحن مقيمون على ما نحن عليه، ولن ندَع ما نحن عليه من أجلك، هذا لسان حال كل كافر، أحياناً الناس يتكلَّمون كلمات مشابهة: يا أخي ادخل إلى الجنَّة وأغلق الباب وراءك، هذه كلمة مشابهة، الله عزَّ وجل ينقل لنا أقوال هؤلاء لئلا نتألَّم لو سمعنا أمثال هذه الأقوال.

 

النبي بشرٌ تجري عليه خصائص البشر:


﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)  قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)﴾

[ سورة فصلت ]

أروع ما في هذه الآية أن النبي عليه الصلاة والسلام بشر، كان يغضب كما يغضب البشر، لولا أنه تنطبق عليه كل خصائص البشر، وانتصر على نفسه لما كان سيِّد البشر..

﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾

[ سورة التوبة ]

أي من بني جلدتكم، من طبيعتكم، فيه كل خصائصكم، فيه كل نزواتكم وشهواتكم، لكنَّه انتصر على نفسه، لكنه آثر ما يرضي الله عزَّ وجل، لولا أن النبي عليه الصلاة والسلام  تجري عليه كل خصائص البشر وانتصر على نفسه لما كان سيد البشر، أنت تغض بصرك عن محارم الله، هو يغض بصره أيضاً، الشهوة التي أودعها الله فيك أودعها فيه، لكنه سما عليها، وصعّد هذه الشهوة وجعلها في حبّ الله عزَّ وجل، أي اللهمَّ صلّ عليه بشرٌ، هو سيد البشر، لكن لولا أنه بشر، وأن كل خصائص البشر تجري عليه لما كان سيِّد البشر، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ كذلك في هذا الكلام افتقار إلى الله عزَّ وجل، أي أنا واحدٌ منكم، أنا مخلوقٌ مثلكم، أنا ضعيفٌ مثلكم، الله أكرمني، الله علَّمني، الله رفعني.

 

يُوحَى إِلَيَّ؛ هذا ما يخالف فيه الرسولُ سائرَ البشر: 


﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)﴾

[ سورة فصلت ]

أي أمتاز عليكم بالوحي، والوحي شيء عظيم جداً، أن السماء تختص أحد بني آدم ليكون رسولاً..

﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)﴾

[ سورة آل عمران  ]

 

كلُّ مشكلةٍ على وجه الأرض سببُها الشركُ:


﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ هنا جاء تلخيص القرآن كلِّه في هذه الكلمات: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ أي ما من مشكلةٍ على وجه الأرض إلا أساسها الشِرك، فإذا وحَّدت الله عزَّ وجل؛ وحَّدته في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، واتجهت إليه بإخلاص انتهى كل شيء، الإنسان متى يعصي الله؟ يعصي الله حينما يرى مع الله إلهاً آخر، حينما يرى قوَّةً تؤثِّر في حياته تأثيراً إيجابياً أو سلبياً عندئذٍ يعصيه، أما إذا أيقن أن أمره كله بيد الله، وأن الأمر راجعٌ إليه وحده، وأن كل البشر لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، إذا أيقنت هذا اليقين انتهى كل شيء، فلذلك فحوى دعوة الأنبياء جميعاً هي  التوحيد.

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ لذلك إذا سمعت التوحيد يتكرَّر لأن القرآن الكريم كلَّه بُنِيَ على التوحيد، والحقيقة أن الإنسان أحياناً لا تكفيه الكلمة مرَّة واحدة، القرآن الكريم فيه تركيز على التوحيد في أكثر الآيات، أكثر السور، ويجب على المفسِّر أو الذي ينقل ما في التفاسير أن يبيِّن معنى التوحيد بشكل مستمر، والإنسان لا يستقيم عمله، ولا يستقيم على أمر ربه، ولا يسعد إلا بالتوحيد، وما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، ونهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى.

 

الموقف العملي بعد التوحيد هو الاستقامة:


﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)﴾

[ سورة فصلت ]

الموقف العملي الاستقامة، ماذا يجدي أن تقول لا إله إلا الله وأنت مقيم على المعاصي؟ أي قيمة العلم التطبيق، الجدوى الحقيقيَّة من العلم التطبيق، لذلك جاءت الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ والفاء تفيد الترتيب والتعقيب، أي ما إن تتحقَّق من أن الله واحدٌ لا شريك له، وأن الأمر كلَّه بيده إلا وينبغي أن تبادر إلى طاعته، لكن هذه الاستقامة أتبعها الله عزَّ وجل بقوله: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ ، ما قال: فاستقيموا على أمره، إليه، أي اجعل استقامتك من أجله، لا من أجل سمعةٍ في الدنيا تنتزعها من أفواه الناس، ولا من أجل مصالح تحقِّقها باستقامتك، هناك أهداف كثيرة تتحقَّق إذا استقمت، الناس يمدحونك كثيراً، تشعر بنشوة، أحياناً تتيسَّر المصالح، لأن المستقيم أمين، الناس يثقون فيه، فهناك أشخاص كثيرون يجعلون من الاستقامة سبباً لسعادتهم في الدنيا، هم لا يعبدون الله، لكنهم يحرصون على مواقف راقية في حياتهم من أجل مكانةٍ عليَّةٍ في مجتمعهم، ربنا عزَّ وجل قال: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ أي اجعل مؤدَّى هذه الاستقامة خالصةً له، اجعل استقامتك طاعةً له، اجعل استقامتك تحقيقاً لعبوديتك له، اجعل استقامتك من أجله، ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ اجعل استقامتك تُفضي إليه، تصلك به، اجعل من استقامتك سبيلاً إلى لقائه، إلى مرضاته، لا تجعل استقامتك من أجل دنياك، ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾.

 

الاستغفار لما مضى من الذنوب:


 الآن: ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ مما مضى، أنت بين وقتين؛ وقت فيه معصية، والآن عرفت الله، إذاً استقم إليه واستغفره مما مضى.

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6)﴾

[ سورة فصلت ]

 إلهٌ عظيم يقول: ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ﴾ إذا كان الإنسان راكباً مركبة، وماشياً بطريق منحدر انحداراً شديداً، ومنطلقاً بأقصى سرعة، وهناك منعطف حاد، ومكبحه معطَّل، وهو يضحك، فالذي يعرف الحقيقة يقول: ويلٌ له، الله يعينه، بعد دقائق ماذا سيحدث له؟ هو لا يعلم، هو يضحك، وهو غافل ساهٍ لاهٍ، لكن مادام الانحدار شديدًا، والسرعة كبيرة، والمنعطف حادًا، وليس معه مكابح، هو يضحك الآن، لكن لا يدري بعد هذا الضحك ماذا ينتظره من عذابٍ أليم؟! فربنا عزَّ وجل يقول: مادام آمنتم أنه لا إله إلا الله، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ أي ماذا تنتظرون؟ يجب ألا يكون هناك وقت إطلاقاً بين استقرار هذه الحقيقة في أنفسكم وبين انطلاقكم إلى طاعته، ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ مما مضى، فكل مؤمن حينما يتصل، حينما تستقر حقيقة التوحيد في نفسه، يجب أن ينطلق فوراً إلى طاعة الله، لأن الأمر كلَّه بيد الله، وكل السعادة في طاعته، وكل السلامة في طاعته، وكل القُرب في طاعته ، وكل التجلي في طاعته، قال: ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ .

 

تزكية النفس بالإقبال على الله:


أما هؤلاء المشركون:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)﴾

[ سورة فصلت ]

هذه الآية مكيَّة، والزكاة لم تُشَّرع بعد، إذاً العلماء قالوا: معنى الزكاة هنا في الأعم الأرجح هي زكاة النفس، أي الإنسان الذي لا يزكي نفسه بالإقبال على الله، والاتصال به، لا يزكي نفسه بطاعة الله، لا يزكي نفسه باتباع منهج الله فويلٌ له.

 

المشرك لا يؤمن بالآخرة:


﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)﴾

[ سورة فصلت ]

الكافر حقيقة كل آماله في الدنيا، كل همومه في الدنيا، أما الآخرة فلا يلقي لها بالاً، وليست داخلةً في حساباته أبداً، تلاحظ أحدهم من حركته، من كسب ماله، من إنفاق ماله، من داخل بيته، كأنه لا يوجد موت، أي لا يدخل الآخرة في حسابه إطلاقاً؛ بعلاقاته الاجتماعيَّة، باحتفالاته، بصلاته، أي حركته حركة متحرِّرة من أي قيد، من أي هدف، من أي خوف، لا يخاف، ولا يرجو، فهذا الإنسان لو قال لك: أنا مؤمن بالآخرة، لا تصدقه، لأنه الآن الطريقة الحديثة أن تكشف اتجاه الإنسان لا من أقواله، من السذاجة أن تكتشف اتجاه الإنسان من كلامه، الأقوال لا تقدِّم ولا تؤخِّر، كل إنسان يستطيع أن يتكلَّم بكلام طيِّب، لكن الاتجاه الصحيح هو أن تكشف حقيقة الإنسان من أفعاله، أحياناً تشعر أن هذا الإنسان من خلال كسب ماله، من خلال خروج بناته في الطريق، من خلال علاقته الاجتماعية التي فيها اختلاط، من خلال اتصالاته مع أُناس ليسوا على شيء من الحق، من خلال تطلُّعاته، من خلال آماله تشعر أن الآخرة ليست داخلةً في حسابه إطلاقاً،هذا هو الكفر، أما أن يقول مسلم في العالم الإسلامي: أنا أعتقد أنه ليس هناك يوم آخر، والله هذه لا يقولها أحد، لكن لو تتبَّعت أحوال الناس لوجدت الآخرة ليست في حسابهم، هذا هو الكفر الحقيقي العملي، هناك كفر قولي وهناك كفر عملي، هذا هو الكفر العملي بالآخرة، أي لا يصلي، ويبلغ من العمر الخامسة والستين وكل سهراته لعب بالطاولة، ماذا ترك لآخرته؟ هو بسن متقدِّمة غارق في لعب النرد، غارق في النظر للنساء، غارق في الحديث عن الدنيا، غارق في شهواتها، هذا لو قال لك: نحن مسلمون، والحمد لله، لا يوجد شيء بالإسلام في حياته اليوميَّة.

 

من لوازم كرم الله أن عطاءه مستمر غير مقطوع:


إذاً:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)﴾

[ سورة فصلت ]

من معاني ممنون أنه مقطوع، ومن معاني ممنون أنه لا يُمَنُّ به عليه، لذلك إذا أحسن إنسان لإنسان يسمِّع، يقول لك: لحم فلان من خيري، إذا أحب أن يكرم، طبع الإنسان أنه يمنّ على من يعطيه، هكذا طبعه، إلا من رحم ربِّي.

أما ربنا عزَّ وجل فمن لوازم كرمه أن هذا العطاء العظيم الأبدي السرمدي غير ممنون أولاً، وغير مقطوع، مستمر، وبعد ذلك ما الذي يقلق الإنسان؟ انقطاع النعم، الدنيا كلها قلق، أن كل شيء لا يدوم على حال، ورد: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا؟ أَوِ الدَّجَّالَ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ؟ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَر".

الحياة ليس فيها سرور، الزمن ليس في صالح الإنسان، كلَّما تقدَّمت سنه ضعف جسمه، ضعفت قدرته على الاستمتاع بكل شيء، نتراجع إلى أن ينتهي أجله، إذاً: هذا العطاء ممنون أي مقطوع، فالصحَّة تنتهي بالموت، والمال ينتهي بالموت، والوجاهة تنتهي بالموت، والنعيم ينتهي بالموت، لكن الآخرة ليس فيها انقطاعٌ أبداً، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين وهم فيها خالدون، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ .

 

ملخَّصُ ما مضى:


إذاً كملخَّص سريع، أولاً: القرآن فُصِّلت آياته، كل حاجاتك محقَّقة في القرآن الكريم، لأن ربنا خالق الكون. 

شيء آخر: أسباب الإعراض هو عدم الصدق في طلب الحق والمعصية، إن لم تُرِد الحق، وعصيت الله عزَّ وجل فهذه المعصية تُبْعِد، فالمؤمن قريب بطاعته، قريب بصلاته، قريب بإقباله، قريب باستقامته، والكافر بعيد بمعصيته، بعيد بانقطاعه. 

شيءٌ آخر: التوحيد يجب أن ينتهي بنا إلى الاستقامة ، ورد: "قال: من قال: لا إله إلا الله بحقِّها دخل الجنَّة، قالوا: وما حقُّها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله" .

بصراحة  كلمة أخيرة: إن لم يحملك علمك الذي تكسبه، وتسعى إليه على طاعة الله فهذا العلم لا يقدِّم ولا يؤخِّر، ربَّما كان حجَّةً عليك، ربما كان وبالاً عليك، وقد قيل: "كل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به"، لا تنسوا كلمة: ﴿فَاسْتَقِيمُوا﴾ الفاء للترتيب والتعقيب، أي ما إن تستقر حقيقة التوحيد في نفوسكم إلا وينبغي أن تبادروا إلى طاعته، وهذه الطاعة لا تجعلوها من أجل الدنيا، من أجل مكانتك، كي لا يتكلَّم أحد عليك، لا، ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ اجعل طاعتك عبادة، ولا تجعلها سلوكاً ذكياً، لأن هناك سلوكا ذكيًا أساسه الطاعة، فاجعل طاعتك عبادةً لله، ولا تجعلها سلوكاً ذكياً، ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ من الآن: ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ عما مضى..  ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُون﴾ وجاءت البشرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ .

 والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور