وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة الشورى - تفسير الآية 19 ، الله لطيف بعباده
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

الله لطيف بعباده:


أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس السادس من سورة الشورى، مع الآية التاسعة عشرة وهي قوله تعالى:

﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)﴾

[ سورة الشورى ]

كي نوضِّح معنى اللطف الإلهي، لو أن قائد مركبةٍ أوقفها فجأةً لآذى كل من في المركبة، أو لو أنه أقلع بها فجأةً لآذاهم أيضاً، لكن قائد المركبة اللطيف هو الذي يُوقفها ببطءٍ تدريجي، دون أن يشعر الراكب أنها وقفت، ثم يقلع بها تدريجياً دون أن يشعر الراكب أنها أقلعت، هذا هو المعنى المادي لكلمة لطيف.

الأرض أيها الأخوة تدور حول الشمس في مسارٍ إهليلجي، بيضوي، والمسار البيضوي له بعدان عن مركزه، بعدٌ أعظمي، وبعد أصغري، ونظراً لأن الشمس تجذب الأرض، فللأرض سرعةٌ وهي في بعدها الأعظمي، وسرعةٌ وهي في بعدها الأصغري، حينما تصل إلى المنطقة الصُغرى - إلى المسافة القريبة من الشمس- تزيد من سرعتها زيادةً ينشأ عنها قوةٌ نابذةٌ تكافئ القوَّة الجاذبة، إذاً لابدَّ من أن تزيد السرعة هنا، ولابدَّ من أن تقلَّ هناك.

لكن عظمة الخالق أن هذه الزيادة تكون بتدريجٍ شديد، وهذا النقصان يكون بتدريجٍ شديد، وفد عبَّر الرياضيون عن هذه الحادثة بالتسارع والتباطؤ، فتسارع الأرض لو كان عالياً لانهدم كل ما عليها، وتباطؤ الأرض لو كان عنيفاً لانهدم كل ما عليها، لكن الله لطيفٌ بعباده، هذا المعنى التقريبي للطف، أي الله عزَّ وجل يقود عباده إلى مصالحهم الدنيويَّة والدينيَّة برفق.

 

الله عزَّ وجل يقود عباده برفق إلى مصالحهم الدنيويَّة والدينيَّة:


لو جاء القرآن في أول آية منه يحرِّم الخمرَ، والخمرة في دم العرب في الجاهليَّة لرفضوا هذا الدين كلَّه، الموضوع مُجَمَّد، عرَّفهم بذاته من خلال الكون، دعاهم إلى الاتصال به، قال لهم: لا يليق بكم أن تُصلُّوا وأنتم في سُكرٍ شديد، ثم مرحلة بعد مرحلة بعد مرحلة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)﴾

[ سورة المائدة ]

إذاً الله كان لطيفًا في تحريم الخمر، فالتعريف الدقيق للطف الإلهي أن الله سبحانه وتعالى يقود عباده إلى مصالحهم الدنيويَّة والأخرويَّة برفقٍ، ولطفٍ، وتدريجٍ، ويسرٍ من دون أن يشعروا بعنف الصدمة، هذا المنطلق، أي الله لطيف، يكون الإنسان مليئاً بالنقائص والانحرافات يعالجه مرَّةً تلو المرَّة، يعالجه ويريحه فينتعش، ثمَّ يظهر له نقيصة ثانية ويأتي التأديب عليها فيتذلَّل ويتوب ويعود إلى الله، يريحه فترة، الثالثة، تمضي عشر سنوات، عشرين سنة كان كتلة نقائص فصار مجموع كمالات دون أن يشعر، فالتطهير السريع العنيف مُهلك، وقد وصف أحمد شوقي النبيَّ عليه الصلاة والسلام فقال: 

داويت متئداً وداووا طَفرةً                     وأخفُّ من بعض الدواءِ الداء

[ أحمد شوقي ]

* * *

 

معالجات الله للإنسان لطيفة كي تقوده إلى ما يجب أن يكون عليه:


أحياناً يكون الدواء أصعب من الداء، الدواء أكثر إيذاء للنفس من الداء نفسه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: عن عائشة رضي الله عنها:

(( عليك بالرفق، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. ))

[ صحيح الجامع ]

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي علَى ما سِواهُ.))

[ صحيح مسلم ]

قيل: "علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المُعنف" ، واللهِ موضوع اللطف يمكن للإنسان أن يمضي فيه وقتًا طويلاً جداً، لأن كل ما في الكون يشهد باسم اللطيف،

الهواء لطيف، أولاً: الهواء نحن في أمسِّ الحاجة إليه، هل تصدِّق أن فوقك أطنانًا من الضغط الجوي وأنت لا تشعر؟ ولو أن هذه الأطنان قلَّت لخرج الدم من أوعيتك، ومن أنفك، ومن فمك، وأنت لا تشعر، وهذا الهواء المحيط بنا، والضاغط علينا لطيف، لا يمنع الرؤية، ليس له لون، ليس له رائحة، لكنَّه إذا تحرَّك بعنف دمَّر كل شيء، يحمل طائرة تزن ثلاثمئة وخمسين طنًا وهو هواء.

الماء لطيف سريع النفوذ، ينفذ في أدقِّ المسامات، يتبخَّر بأقل الدرجات، يتلوَّن بأي لون، مذيب يُذاب فيه معظم الأشياء، فالماء يؤكِّد لطف الله عزَّ وجل، الهواء كذلك.

عندما تنزع أسنان الطفل اللبنيَّة بلطفٍ لا يستطيع أكبر طبيب أسنان أن يفعل ذلك، فعلى قدر مهارة الطبيب لكن لابدَّ من إبرة بنج، توضع هذه الحقنة في اللثة فتسبب ألماً شديداً، لكن الطفل الصغير وهو لا يدري إذا بسنِّه بين الطعام، كيف تحرَّك السن من جذوره؟ كيف انقطع العصب؟ سحْبُ العصب لا يحتمل أحياناً، عند قلع السن إذا كان التخدير غير ناجح يصيح المريض صيحةً ما صاح مثلها في حياته، لكن ربنا لطيف.

التعريف الجامع المانع للطيف أنه يوجد هدف وأنت هنا، ممكن أن تنقل له نقلة عنيفة تُهَشِّم الإنسان، تصدمه، ممكن تنتقل نقلة لطيف، كل واحد منَّا يتصوَّر كيف تطوَّرت حياته، يوجد تذكير، تخويف، تبشير، إنذار، وعد، وعيد، إكرام، حجاب أحياناً، أحياناً تجلٍّ، أحياناً جفوة، أحياناً تخويف، أحياناً مرض، أحياناً شدَّة خارجيَّة، هذه معالجات لطيفة كي تقود الإنسان إلى ما ينبغي أن يكون عليه.

 

الله رفيقٌ يحب الرفق:


لو نظر الإنسان إلى ماضيه كيف أن الله سبحانه وتعالى تلطَّف به فنقله من حالٍ إلى حال، من درجة إلى درجة، من منزلة إلى منزلة، من مستوى استقامة إلى مستوى أرقى، من مستوى في إقباله إلى مستوى أرقى، هذا هو لطف الله عزَّ وجل.

وجدناك مضطراً فقلنا لك ادعنـا       نجبــــــك فهل أنت حقَّــاً دعوتنا؟

دعوناك للخيرات أعرضت نائياً        فهل تلقَ لمن يحسن لمثلك مثلنا؟

[ عبد الوهاب بوعافية الحسني ]

* * *

أي الله عزَّ وجل لطيف، ترتكب خمسين معصية ويرزقك، صحيح البدن، معافى، مرزوق، يعالجك واحدة واحدة، لكن لو حاسبك حساباً سريعاً، وهناك استقصاء لأهلكك، فربنا لطيف بعباده؛ لطيف في تربية أجسامهم، هذا الجسم ينمو شيئاً فشيئاً، إلى أن يشتدَّ عوده في العشرين، يكتمل في الأربعين، ثم يميل هذا الميزان إلى الانخفاض، ثم يُردُّ إلى أرذل العمر، وكل شيء بالتدريج.

مجيء الضوء تدريجاً، لو أنّ إنسانًا مستغرقًا في النوم في غرفة مظلمة، وتألَّق المصباح فجأةً لتضايق، لكن ربنا عزَّ وجل يبدأ الضوء بخيط أبيض في الأفق هذا هو الفجر، هذا الخيط يتسع ويتسع تشعر أن الجهة الشرقيَّة أكثر إضاءة من الغربيَّة، ثم يبزغ قرص الشمس، حينما يكون قرص الشمس على مستوى النظر مقبولاً، تشاهده بملء عينيك دون أن تنزعج، لأن هذا الشعاع يتخطَّى الطبقة الهوائيَّة لا عمقاً بل أفقاً، فالطبقة الهوائيَّة حينما يتخطَّاها الشعاع أفقاً يخفِّف الهواء منها، فمنظر الشمس في الشروق رائع جداً، وفي الغروب رائع أيضاً، لكن قل: ما أبدع الظهيرة! انظر إلى الشمس بعينيك فلا تتحمَّل شدة الضوء، تنبهر، وهناك حالات يضعف البصر من الانبهار، وأحياناً الانبهار يسبِّب خللاً في الشبكيَّة وتخريباً فيها، لكن حينما تكون الشمس على مستوى النظر تكون لطيفة، منظرها مقبول، وفي الغياب مقبولة، أما وهي في كبد السماء فلا تحتمل، الله لطيف.

 

الله عز وجل في كل شيء له آية تدل على أنه لطيف:


أنا أقول لكم: لو فكَّرت في كل شيء، بدءاً من خلق الإنسان إلى نموِّه في رحم أمِّه، إلى ولادته، الله لطيف، هذا الجنين في بطن أمِّه عندما يخرج، هرمون لا يُرى بالعين يفرز من غدَّة صمَّاء في الجسم يعطي أمراً لحوض المرأة فيتحرَّك، حوض المرأة قبل الولادة يتحرَّك، يتمفصَل، فيصير المكان مناسباً لخروج الطفل، يأتي الطَلق تقلُّصات لطيفة، أول الأمر كل نصف ساعة تقلُّص واحد، وبعد هذا كل خمس وعشرين دقيقة، وبعدها كل عشرين، ثم كل خمس عشرة، ثم كل عشر، كل خمس، انظر إلى هذا التزامن، وهذه البرمجة، فالتقلُّص لطيف إلى أن يخرج الطفل من رحم أمِّه، والآن يأتي دور العنف، ينقبض هذا الرحم انقباضاً عنيفًا من أجل أن يغلق كل الشرايين المفتوحة، عندما صارت الولادة تقطَّعت الشرايين، وهناك احتمال أن تموت الأم بالنزيف، فلمّا انقبض الرحم انقباضاً عنيفاً أغلق كل الشرايين، لو عكس الله الآية لماتت الأم مع طفلها، لو جاء الانقباض عنيفًا والطفل في الرحم لمات الطفل، ولو جاء الانقباض الليِّن اللطيف المتزامن بعد الولادة لماتت المرأة الوالدة، فالله لطيف.

أنا أضرب أمثلة جاءتني عفو الخاطر، لكن لو دقَّقت في النبات الشجرة معمل قائم بذاته، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، من دون دخَان، ولا صوت، لو أحضرت محرِّك ماء صغير من أجل أن تستخرج الماء لعكّر على المتنزِّه نزهته فلا يستمتع بالنزهة، صوت المحرك لا يحتمل، من أجل أن تضيء خمسمئة شمعة في محل تجاري، صوت المحرك يزعجك، لكن الشجرة معمل من دون صوت، من دون دخَان، من دون تلويث جو، بالعكس تعطيك الأوكسجين، وتأخذ فضلات الإنسان، تأخذ غاز الفحم وتعطي الأوكسجين المنعش، فالإنسان الذي عنده ضيق نفس أو معه حساسية ربويَّة ينصح أن يمشي بين أشجار الصنوبر، هذه أعلى أشجار تعطي الأوكسجين، وكأنها كمامة أوكسجين فتنتعش بها، الله لطيفٌ بعباده.

لا أعرف من أين أبدأ وكيف أتابع الموضوع، وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنه لطيف.

 

كل إنسان بإمكانه أن يستشف اسم اللطيف من جسمه:


الولادة، أجهزتك، انظر إلى الكلية، الكلية الصناعيَّة كان حجمها بحجم هذه الطاولة والآن على أصغر، لكن ثماني ساعات وأنت مستلقٍ على السرير، وينفتح الشريان، وتوضع الخراطيم، ثماني ساعات والتصفية بالمئة ثمانون، وبالمئة عشرون يتبقَّى الأسيد أوريك بالدم وهذه مزعجة جداً، أما الكلية الطبيعية فصغيرة وليس لها صوت، ويوجد كليتان، وفي الكليتين طاقة للتصفية تزيد عشرين ضعفًا عن حاجة الإنسان، أي كل كلية فيها عشرة أضعاف حاجة الإنسان للتصفية، الله لطيف.

الكبد له بدءاً من خمس وظائف كبرى إلى خمسمئة وظيفة، ويوجد قول له خمسة آلاف وظيفة، كل خليَّة من هذه الخلايا تقوم بكل الوظائف، الله عزَّ وجل لطيف، لو حدث استئصال لنصف الكبد يحيا الإنسان حياةً سويَّةً.

العلم حرف والتكرار ألف، أي ممكن أن تستشفَّ اسم اللطيف في جسمك، يجب أن تقلِّم أظافرك، إذاً الله عزَّ وجل لطيف لم يضع لك أعصاب حس فيها، لو كان في الأظافر أعصاب حس لاحتجت إلى عملية جراحيَّة في المستشفى، تقول: عندي عملية قص أظافر، طبعاً تحتاج إلى تخدير.

يجب أن تحلق شعرك، الشعر ليس فيه أعصاب، كذلك فالله لطيف، هناك أعصاب محرِّكة للشعر لكن لا يوجد أعصاب حسيَّة، لا تحس عندما يقص الحلاق شعرك، لا يوجد ألم أبداً.

 

من رفق الله بالإنسان نمو الفواكه بالتدريج:


جسمك، طعامك، نمو الفواكه والثمار فيه لطف، يجب أن تنمو الفواكه بالتدريج، البندورة مثلاً، الخيار، البطيخ، المشمش لو نضج في يوم واحد لتلف كله، ماذا نفعل به؟ يمكن أنْ تحصِّل من حقل بطيخ تسعين يوماً تجني بطيخًا، قال لي شخص تعهَّد حقل بطيخ: في تسعين يوماً قطفت تسعين شاحنة من هذا الحقل، نمو تدريجي، مع أن النمو التدريجي خلاف المنطق، أنت لو ألقيت بطاطا مثلاً في وعاء فيه زيت يغلي، فبحسب المنطق مادامت الظروف واحدة سيكون النضج واحداً، لكن هذا البطيخ كلَّه نما في ظروف واحدة من الماء، والأمطار، والرياح، والبرد، الظروف متشابهة لكل البذور، لمَ لا تنضج هذه المادَّة في يوم واحد؟ الله لطيف.

كيفما تحرَّكت، أجهزتك فيها لطف، هناك منسوجات لطيفة تتناسب مع الجسم، انظر أنت إلى ليفة الحمَّام الطبيعيَّة لها وجه ناعم ووجه خشن، اللطيف على الوجه الناعم، الخشن على الخشن، الله لطيف.

لو دقَّقت في كل شيء، الفواكه لو كانت قاسية جداً لاحتاجت إلى منشار، يوجد مشكلة، بعضة الأسنان تأكل قسماً منها، انظر إلى الموزة تقشيرها سهل، الفواكه تجد تقشيرها سهلاً، البيضة تكسرها بطرف الصحن، لو كانت علبة سردين لاحتاجت إلى مفتاح، فإذا لم تجد مفتاحاً فإنك تظل ثماني ساعات وأنت تحكها على الأرض، واحد أعطوه علبة سردين وهو جائع وبدون مفتاح، كانت حريَّته مقيَّدة، قال لي: من الساعة الثامنة صباحًا إلى الساعة الثانية ظهراً حتى فُتِحَت معي وأنا أحكها على الأرض، أما البيضة فلا تحتاج إلى هذا، الله عزَّ وجل لطيف، ضربة على طرف الصحن تصبح قطعتين، تضع مئتي واحدة فوق بعضهم يتحملون، الشكل البيضوي هذا أمتن شكل هندسي، إذا جاء الضغط يتحمَّلون، السلَّة كلها بيض، ولكن أمسك البيضة لوحدها بضربة خفيفة على طرف الصحن تنكسر، الله عزَّ وجل لطيف. 


كل شيءٍ خلقه الله يبدو فيه اسم اللطيف:


عنقود العنب إذا أردت قطعه سحباً للأسفل يصبح عصيراً في يدك، أما إلى الأعلى فيصير بيدك، خرج من المفصل، لو سحبته سحبًا لانعصر ولا ينزل معك، لكي يقاوم الرياح، إذا كان هذا العود غير متين فأول عاصفة ترمي العنب كله على الأرض فخسرت، يتحمل بستان العنب أن يكون هناك عواصف، وأمطار، والعنب عنب، وأحياناً تريد قطع عنقود، تقطعه بالعكس نحو الأعلى فيصير العنقود بيدك، أما إذا سحبته إلى الأسفل فينعصر ولا ينقطع معك، فهناك لطف إلهي. 

أنت لاحظ كل شيء في الكون، هذا اسم واسع، كل شيءٍ خلقه الله يتبدى فيه اسم اللطيف، فربنا قال: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ حتى بالمعالجة، يعالج الإنسان والدواء جاهز، يقول لك: جاءتني كريزة رمل، لو كانت تأتيه دوماً لانتحر، تأتي مسّاً، أي تأتي بموجات خفيفة، فلو كانت الآلام تستمر لم يتحمَّلها الإنسان، لكن الآلام العنيفة جداً تأتي موجات موجات، أي أجهزة إنذار مبكِّر.

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

[ سورة السجدة  ]

 

اسم اللطيف موجود في كل شيء:


الإنسان كلَّما صار شفَّافًا أكثر يرى المطر لطيفًا، لو كان المطر ينزل كأفواه القُرَب يؤذي الناس، يُحطِّم الزرع، المطر لطيف، حبّ العزيز حجمه مناسب، لو كبر لانكسرت رؤوس الناس كلها، لو أنَّ الناس كانوا يمشون في الطريق وفجأةً نزل حب العزيز، وكل واحدة بحجم البطيخة ما ظلَّ رأس سليماً، فالله لطيف، الحجم مناسب، قطرة الماء مناسبة، طبعاً هناك حالات يكون الحب كبيراً فيسبب أذى كبيراً.

البقرة ذلَّلها الله لك، فالله عزَّ وجل لطيف، البقرة لا تخيفك، حيوان وديع تأخذ منه الحليب، والحليب تصنع منه سمنًا وجبنًا ولبنًا.. إلخ، لكن إذا كان الإنسان غافلاً عن هذا التذليل العظيم، وحصل مرض اسمه التوحُّش، عندها تصير البقرة متوحِّشة، قرأت منذ أيام في الجريدة أنه استوردت وجبة بقر لكن معها مرض التوحُّش فأوقفوا استيرادها، هذا مرض خطير.

أخ من إخواننا بريف دمشق قال لي: بقرة قتلت أول إنسان والثاني وأصابت الثالث، فاضطرَّ صاحبها أن يقتلها بالمسدَّس، ثمنها سبعون ألفًا، الله لطيف، لو كان كل البقر متوحِّشًا لما كان بالإمكان استعماله إطلاقاً.

والغنم، يقول لك: فلان مثل الغنمة، لو كانت الغنمة كالضبع لما وجدت لحم ضأن أبداً، تهرب منها لو رأيتها، فالله لطيف بعباده؛ بالغنم لطيف، بالبقر لطيف، بالمطر لطيف، بحب العزيز لطيف، بالنسمات أحياناً النسمات منعشة عليلة، تجد كل مكيِّف ثمنه ثلاثون ألفًا ويحتاج إلى كهرباء، تخرج نسمات لطيفة تنعش كل الناس من دون مكيفات، أحياناً تأتي موجة برد شديدة وبعدها يدفأ الجوُّ، لا تحتاج إلى مازوت، ولا تدفئة مركزيَّة، والشوفاج تعطَّل، والكهرباء لا توجد، تخلَّصنا منه كله، يقول لك: الجو دافئ، الله لطيف.

 

الله عز وجل إذا أراد معالجة إنسان فيعالجه بلطف ويسخِّر له أناساً ليعينوه:


الذي عنده إحساس يتذوَّق نعمة الجو اللطيف، والمطر اللطيف، والغذاء اللطيف، والماء اللطيف، والهواء اللطيف، وقلع سن الطفل اللطيف، والبقرة المذلَّلة، والجمل المذلَّل، هذا الاسم في كل شيء موجود، كيفما تحرَّكت ترى اسم الله اللطيف، وهذا الاسم يجعلك تحب الله عزَّ وجل.

حتى عندما يعالج الله الإنسان يعالج نفسه بلطف، والعوام يعبِّرون عنها بكلمة: يبلي ويعين، يعمل له مشكلة ويسخِّر له أناساً ليعينوه، يصيبه بمرض يسخِّر له طبيب رحيم يطمئنه، وهناك دواء مسكِّن، وهناك عملية جراحيَّة ناجحة، يُسَر الإنسان، مرض وآلام لكن العمليَّة ناجحة، حتى التقدُّم الطبِّي أعدّه من لطف الله عزَّ وجل بعباده، داواهم بمرض وبعد هذا يسَّر لهم المعالجة والشفاء، ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ .

 

من ضبط جوارحه وإنفاقه وبيته ذاق طعم القرب من الله عز وجل:


الإنسان إذا لم يحبَّ الله عزَّ وجل فما هذا الإيمان؟ الإيمان أساساً كله حب، لا إيمان لمن لا محبَّة له، والمحبَّة كيف تكون؟ إنك لن ترى الله عزَّ وجل حتَّى تحبَّه، والإنسان بفطرته يحب الجمال، ويحب الكمال، ويحب النوال، العطاء، لو أنَّ رجلاً دميم الخلقة أعطاك مئة ألف يبقى قلبك معلَّقًا به، لكن منظره ليس على ما يرام، لا يهم، إذا أعطاك مئة ألف تجد أنك تحترمه احتراماً غير معقول إطلاقاً، وقد يكون قميء المنظر، فالإنسان يحب النوال، يحب الجمال، يحب الكمال، والله عز وجل أفعاله كمال كلها.

والجمال من ذاق عرف، من يتصل به اتصالاً حقيقياً، أخي تحتاج إلى صلح مع الله، إذا اصطلحت معه تماماً، ضبطت جوارحك تماماً، ضبطت دخلك تماماً، ضبطت إنفاقك تماماً، ضبطت عملك، ضبطت بيتك، ضبطت عباداتك؛ الصلاة والصوم، أنت معاهده عهداً كاملاً على الطاعة التامَّة، لو فعلت ذلك أذاقك طعم القرب، ساعتئذٍ تعرف ما هو الكمال "واللهِ لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف" ، تعرف معنى الاتصال بالله كم هو مسعد، هذا هو الجمال.

والكمال كل أفعاله كاملة، وهذا الكون بين يديك.

ثم النوال منحك الحياة، منحك الوجود، منحك الإمداد، هو رب العالمين، ومنحك فوق ذلك الإرشاد.

 

الله لطيف بعباده منحهم نعمة الحياة والوجود والإمداد:


الإنسان عندما ينظر إلى ماضيه كيف نقله الله، كيف عرَّفه على أهل الحق، كيف جمعه بفلان، كيف اهتدى، كيف سمع هذا الدرس، كيف تأثَّر، كيف ارتقى، كيف تزوَّج، كيف اشتغل، كيف تعيَّن في وظيفة، كيف جمع هذا المال، كيف ربَّى أولاده، كيف زوَّج بناته، تجد أنها كلها أعمال لطيفة من الله عزَّ وجل.

انظر إلى الطفل الصغير لو كان بعقلية الكبير وبشخصية الكبير لا يُطاق، الطفل يبكي ويضحك بآن واحد، ولو عاقبته لمصلحته ثمَّ طلبته إليك يأتيك فوراً، لأنه لا يحمل الحقد، لو يحقد عليك لم يأتِ، يقول: أنت ضربتني، لا يُربَّى طفلٌ مع أبٍ إطلاقاً، الطفل عنده ذاتية، صفاء، لو عاقبته لنسي العقوبة في ثانية، وصار يتحبَّب لك، هذا يعين على تربيته، ولو كان يحقد عليك فلن يُرَبَّى معك، فالله لطيف، ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِه﴾ هذه بعض المعاني التي يمكن أن تكون محوراً للدرس.

 

للطف تعاريف كثيرة:


لكن أعجبني في القرطبي تعاريف كثيرة للطف، سأنقلها لكم، قال ابن عبَّاس: الله لطيفٌ بعباده أي حفيٌّ بهم. 

وقال عكرمة: بارٌ بهم. 

وقال السُّدِّي: رفيقٌ بهم. 

وقال مقاتل: لطيف بالبَرِّ والفاجر. 

حتى مع الكافر لطيف، الكافر يظل عبدًا له، هو خلقه، أنت منزعج من كفره وهو خلقه، تجد أن الله يعطف عليه، أحياناً ينبِّهه، يحذِّره، يذكِّره، يرسل إليه من يذكِّره، يبتليه مشكلة، مع الكافر لطيف، لأن الكافر عبد له، قال: لطيفٌ بالبر والكافر.

 

الله عز وجل لطيف حتى بالكافر:


كيف يكون لطفه بالكافر؟ قال: حيث لم يقتلهم جوعاً بمعاصيهم، تجد عندهم مخدِّرات، وزنى، ولِواطًا، وشذوذًا، وتبادل زوجات، وهم يأكلون ويشربون، ويزرعون، ويتحكَّمون، الله لطيف بالكافر رغم معاصيه القبيحة والحقيرة. 

أنت أحياناً ولو كنت كاملاً إذا أسيء إليك فإنك توقف المساعدات عن المسيء على الفور، لا تتحمَّل، ليس لديك استعداد لتعطيه مساعدة أثناء الإساءة.

وسيدنا الصديق أعلى مؤمن لم يتحمَّل هذا الذي تكلَّم على ابنته فمنع عنه المساعدات، فعاتبه الله، اللهُ عزَّ وجل يرى معاصيهم، يرى مخازيهم، يرى انحطاطهم، يرى دناءاتهم، يرى تجاوزاتهم، يرى كفرهم، يرى إلحادهم، وهم يزرعون، ويأكلون، ويشربون، والقلب صحيح، والدسَّامات تعمل، قال له: ابن آدم لي عليك فريضة ولك علَيَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزَّتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلِّطنَّ عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البريَّة، ثمَّ لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلِّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.

إذاً مقاتل قال: لطيفٌ بالبرِّ والفاجر، حيث لم يقتلهم بمعاصيهم. 

وقال بعضهم: لطيفٌ بهم في العرض والمحاسبة، يحاسب الله عزَّ وجل عن واحدة ويعفو عن تسعة الله عز وجل.

 

الله عز وجل يلطف في الرزق من وجهين:


قال جعفر: يلطف بهم في الرزق من وجهين، أحدهما أنه جعل رزقك من الطيِّبات. 

الآن يوجد رزق سيروم، تتمدد وتوضع في اليد إبرة تضخ السيروم ليمدك بالغذاء، لكنه لا ذاق طعمة لذيذة، ولا حلوة، ولا مُرَّة، ما هذا الأكل؟ ما هذه الفتَّة؟ سيروم، الله جعلك تأكل فولاً، وحمصًا، وفتَّة، وشوربة، وبطيخًا، وحلويات، وفواكه، فأول لطف أن الرزق له طعم طيِّب، وقِوام معقول، وشكل مقبول، منظر الفاكهة جميل في حد ذاته، أحياناً يضعون مناظر للفاكهة تعلق في غرف الطعام، الفاكهة وحدها منظرها جميل. 

والثاني أنه لم يدفعه إليك مرَّةً واحدة فتبذّره، كذلك لطفه في أن جعل الرزق دفعة وراء دفعة، الماء لو كانت تنزل الأمطار في يومين من السنة كلها وخُزِّن، لاحتجتَ إلى بيت بحجم بيتك بالضبط، كل إنسان يحتاج إلى بيت بحجم بيته ماء يكفيه سنة، أما الخزان عنده فيعطي كل ثانية ستة عشر متراً مكعَّباً من عين الفيجة تغطي خمسة ملايين مقيم في دمشق -الشام فيها خمسة ملايين- لطيف عنده مستودعات، قال: 

﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)﴾

[ سورة الحجر ]

 انظر إلى هذه الآية ما أجملها !! من لطف الله عزَّ وجل.

 

الله عز وجل لطيفٌ بأوليائه:


كذلك الله لطيف، هذه المرأة الله جعل في مبيضها مجموعة بيوض محدودة، في سن اليأس تنتهي هذه البيوض، في الأربعين أو الخامسة والأربعين أو الثامنة والأربعين، لو كان معها مثل الرجل كمية مفتوحة وليست محدودة لصَعُب الأمر، بالتسعين تحمل، غير معقول أنْ تحمل ابناً بالتسعين وترضعه بالتسعين، فالله عزَّ وجل لطيف بها، جعل البويضات محدودة تنتهي في الأربعين، أما الرجل بالعكس إلى آخر لحظة، رجل توفي في الخامسة والتسعين عنده ولد عمره خمس سنوات، الله لطيف بالمرأة أيضاً.

هذا رجل يفقد شعره كله ونقول عنه: أصلع، ولكن لا توجد امرأة تفقد كل شعرها، أما النساء فالله لطيف بهن لأن الشعر جزء من كيانها وجمالها، شعرها يخف ولكن لا تفقده كله، فيصبح رأسها مثل الطاسة، هذا غير معقول.

قال الحسين: لطيفٌ بهم في القرآن في تلاوته، وتفصيله، وتفسيره، والقرآن لطف إلهي، نقل لك المنهج بشكل لطيف، ستمئة صفحة، الآن تفتح أي قانون تعديلاته تضيع فيها، عمل لك الكليات بالمصحف، والنبي فصَّل لك، القرآن الكريم فيه كل كليات الحياة.

قال الجنيد: لطيفٌ بأوليائه حتى عرفوه. 

وقال محمَّد: اللطيف لمن لجأ إليه من عباده ، إذا يئس عبد من خلقه ولجأ إلى الله يتقبَّله الله ويحتويه، ويكرَّمه، ويلبَّيه من لطفه.

 

الله عزَّ وجل أخفى عن الناس خواطر الإنسان وتفكيره ورغباته وهذا من لطفه به:


قال: اللطيف الذي ينشر مناقبَ عباده، ويستر مثالبهم، من لطف الله عزَّ وجل أن الأشياء اللطيفة والطيبة تفوح منك يكشفها الله، والأشياء الخسيسة يخبئها عن العباد، الله اسمه الستَّار، أساساً ستره لطف، لطف بك، لا يفضحك، الإنسان تفكيره مخبَّأ، إذا كنت تقرأ تفكير كل إنسان غير معقول، يُفْضَح الإنسان، فقد يفكِّر تفكيراً منحرفًا ولكنه لابس، ومرتَّب، ومتعطِّر، وجالس في جلسة، والناس يحترمونه: أهلاً وسهلاً، تفضَّل يا أستاذ، ويكون من داخله غير منضبط، الله عزَّ وجل أخفى عن الناس خواطر الإنسان، تفكيره، رغباته، من لطفه، لأن الله عزَّ وجل ستَّار، النبي مرَّة دعا ربَّه وقال: يا من أظهر الجميل وستر القبيح، انظر إلى الإنسان كهيكل عظمي تخاف منه، إذا أرادوا تخويفك يرسمون لوحة عليها صورة جمجمة وعظمتين، فعند تحذيرك من خطر الكهرباء يضعون لوحة مرسوماً عليها جمجمة وعظمتين شيء مخيف، انظر إلى وجه الإنسان ما أجمله بهذا الجلد، انظر إلى الإنسان بعضلاته فقط، شيء مخيف، بالعظم مخيف، بالعضلات مخيف، بالشرايين مخيف، يوجد تزيينات في النهاية الجلد في النهاية كله في داخله عضلات، وشرايين، وأوردة، وغدد، ومنافذ، وأجهزة، ومن الخارج جلد ناعم لطيف متناسق متكامل، هذا من لطف الله عزَّ وجل.

 

تتمة معاني اسم اللطيف:


قيل: هو الذي يقبل القليل ويعطي الكثير ، يقبل منك شق تمرة، يقبل منك لقمة تطعمها فقيراً يجعلها كجبل أُحُد، قال: هذا من اسم اللطيف.

وقيل: هو الذي يجبر الكسير وييسِّر العسير ، الله عزَّ وجل لطيف، تكون القضيَّة ميئوساً منها، يأتي إنسان ويقول لك: إنها سهلة جداً، ليس فيها شيء، تستغرب أنت وتنصدم، يحلها لك، لأن الله لطيف فيها، أحياناً تريد شخصاً بعيداً فتجده أمام وجهك على غير ميعاد، الله عزَّ وجل لطيف.

وقيل: معنى اللطيف هو الذي لا يُخاف إلا عدله ولا يُرجى إلا فضله .

وقيل: هو الذي لا يعاجل من عصاه ولا يخيِّب من رجاه.

وقيل: هو الذي لا يردُّ سائلاً، ولا يُيَئِّس آملاً.

وقيل: هو الذي يعفو عمن يهفو. قال: "يا رب أنا ربُّك وأنت عبدي - بدوي من شدة فرحه بالناقة تلعثم لسانه- قال: يا رب أنا ربُّك وأنت عبدي" عند غير الله هذه الكلمة لا ينجو منها أبداً، أما عند الله فتنجو لأنه يعلم نيتك، عند الله لطيف.


  الله عز وجل يرحم من لا يرحم نفسه:


قيل: هو الذي يرحم من لا يرحم نفسه ، إذا اتخذ الإنسان قراراً خاطئًا فالله لا يسمح له..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾

[ سورة التوبة  ]

الآن:

﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)﴾

[ سورة التوبة  ]

إذا اتخذتم قراراً غلطاً خلاف مصلحتكم الأخرويَّة، خلاف السعادة الأبديَّة، ما استجبتم للنبي، ما باليتم فلن أريحكم ﴿إِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ﴾ لأنه لطيف، حتى لو اتخذت قراراً خاطئاً فالله لا يعينك عليه، يؤدبك. 

قال: هو الذي يرحم من لا يرحم نفسه.

 

من اتخذ قراراً جيِّداً فالله يكافئه عليه والقرار السيئ لا يقرِّك الله عليه بل يعالجك منه:


أنا مرَّة زارني شخص - لا أنسى هذه القصَّة- قال لي: أنا يا أستاذ نشأت عند معلِّم صناعي مُلحد، قال له: لا يوجد إله والدين كلُّه خرافة، افعل ما تشاء، هو طفل صغير نشأ على هذه العقيدة، قال لي: يا أستاذ لا توجد معصية لم أفعلها من دون استثناء، وكبر وتزوَّج وعنده محل فيديو، القصَّة طويلة ولكن فجأةً الأمور تدهورت، أُغلِق المحل بالشمع الأحمر، وفقد كل ماله، صودر كله، قال لي: المصائب تترا كالمطرقة على رأسي أقول: لا يوجد إله، ستة أشهر حتى دخل إلى جامع وصلَّى وصار يبكي، من هنا بدأ الصلح مع الله، ولكن عندما خرج قلت: لو أن الله جعله بهذه الحالة الطيِّبة؛ مال، وغنى، وعقيدة فاسدة، وانحراف أخلاقي، حتى الموت لكان مصيره إلى جهنّم، فربنا عالجه، هو ما رحم نفسه ولكن الله رحمه، معنى اللطيف هو الذي يرحم من لا يرحم نفسه، أنت إذا اتخذت قراراً جيِّداً فالله يكافئك عليه، والقرار السيئ لا يقرِّك الله عزَّ وجل عليه، يعالجك، وعنده أدوية مرَّة كثيرة، وعنده أدوية منوَّعة كثيرة، أينما ذهبت تجد أدوية.

وقيل: هو الذي أوقد في أسرار العارفين من المشاهدة سراجاً، وجعل الصراط المستقيم لهم منهاجاً، وأجزل لهم من سحائب برِّه ماءً ثجَّاجاً.

هذا كله من معاني اسم اللطيف، ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ﴾ .

 

الله عز وجل ألهم كل إنسان مصلحة يحبها ويهواها وهذا من لطفه بعباده:


بعد فأنت موجود، وأنت بحاجة إلى اللطيف، وبحاجة إلى الرزق، ﴿يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ﴾ هذا تجد خطه جيداً فهو خطَّاط، هذا عنده رغبة بالتزيينات، يقول لك: ورق جدران له فيه ميل، هذا في الكهرباء، هذا في التعليم، هذا في الهندسة، هذا في الطب، هذا في الأحجار، هوايته بالرخام، هذا بلّاط، هذا نجار، هذا بنَّاء، هذا مدرّس، كل شخص ألهمه الله مصلحة أو صنعة يقتات منها، يحبها، ويهواها، ويرغب فيها، أيضاً هذا لطف من الله عزَّ وجل. 

هذه الآية اليوم: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ وسنجعل الدرس لطيفاً لأن هذه آخر جمعة في رمضان،﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ﴾ .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور